01 سبتمبر, 2018 - 11:48:00 خلال فترة رئاسة الرئيس السابق باراك أوباما، تعاملت الإدارة الأميركية بحذر شديد مع "جماعة الإخوان المسلمين" التي جاءت إلى السلطة في مصر بعد أول انتخابات حرة في البلاد. على الرغم من دعمه المعلن للديمقراطية والتغيير في العالم العربي في أعقاب الربيع العربي، لم يتخذ الرئيس باراك أوباما موقفا قويا من أجل رفض الانقلاب ضد الرئيس المنتخب محمد مرسى. هذا الانقلاب، كما نعلم، أدى إلى عودة الجيش إلى السلطة في هذا البلد العربي الأكبر ومعه عاد الاستبداد والقمع والفساد وسوء الإدارة. هذه هي الخلاصة التي توصل إليها ديفيد دي كيركباتريك في كتابه الرائع "Into the Hands of the Soldiers" الذي صدر هذا الشهر. وهو الصحفي الذي شغل منصب رئيس مكتب القاهرة لصحيفة نيويورك تايمز ، وفيه يقدم كيركباتريك سردًا حزينا لمجريات ا لانقلاب الذي حدث في مصر عام في 2013 و أجهز على تلك الفرصة الرائعة التي كان من المفروض أن تؤدي إلى تغيير تاريخي يحرر المنطقة كلها من ألاف السنين من الحكم الاستبدادي والطغيان. إن نفور الولاياتالمتحدة من "جماعة الإخوان المسلمين"، والذي يبرز اليوم أكثر مع الإدارة الحالية للرئيس ترامب، هو السبب الرئيسي لمأزق العالم العربي بأكمله.إن الرغبة في القضاء على "جماعة الإخوان المسلمين" تعني ببساطة إلغاء الديمقراطية وضمان أن يستمر العرب في العيش تحت ظل أنظمة استبدادية وفاسدة. وهي تعني أيضا استمرار الأسباب الكامنة وراء اندلاع الثورة وتنامي التطرف و أزمة اللاجئين، وهي كلها مشاكل أثرت ولا تزال على أمن أوروبا وبقية العالم. إن الإرهاب وأزمة اللاجئين قد غيرا المزاج السياسي في الغرب وجلبا اليمين المتطرف إلى الساحة السياسية. لا يمكن أن يكون هناك لا إصلاح السياسي ولا ديمقراطية في أي بلد عربي دون القبول بتيار الإسلام السياسي. إن عددا كبيرا من المواطنين في أي بلد عربي سيمنحون صوتهم لأحزاب الإسلام السياسي إذا ما سُمح لشكل من أشكال الديمقراطية أن تمارَس . ولذلك يبدو واضحا أن الطريقة الوحيدة لمنع تيار الإسلام السياسي من القيام بدور في السياسة العربية هو إلغاء الديمقراطية أصلا وحرمان المواطنين من حقهم الأساسي في اختيار ممثليهم السياسيين . كيف يشرح المشكلةَ شفيق الغبرة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت ؟ :"إن حرب "الأنظمة العربية" الحالية لا تستهدف فقط تيار الإخوان المسلمين بل هي تريد استئصال كل تيار سياسي يتوفر على قاعدة شعبية في المجتمع أو يسعى إلى ترسيخ الحرية و الشفافية والمحاسبة" ، إن نظرة سريعة على التدهور السياسي الذي حدث في مصر منذ عودة الجيش إلى السلطة يؤكد ما يقوله الأستاذ الغبرة. لقد قام نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي بقمع الإسلاميين واعتقال حوالي 60 ألف منهم. واليوم تم توسيع القمع إلى الشخصيات البارزة من العلمانيين والعسكر على السواء بما فيهم الذين كانوا قد ساندوا الانقلاب . في مصر اليوم ، أصبحت الحياة السياسية ميتة تماما. من الخطأ الحديث عن تيار الإسلام السياسي والمحافظ وقضايا الهوية عندما يكون الخيار بين مجتمع حر يسمح لكل الحساسيات السياسية بالتعبير عن نفسها وبين نظام لا يعرف إلا القمع. إن حصيلة خمس سنوات من حكم السيسي في مصر هي الدليل على هذه صحة الفكرة. هناك جهود هنا في واشنطن ، تشجعها بعض الدول العربية التي لا تدعم الحرية والديمقراطية ، لإقناع الكونغرس بإعلان جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية. إذا نجحوا ، فإن هذا التصنيف سيضعف الخطوات الهشة نحو الديمقراطية والإصلاح السياسي التي تم تحقيقها بالفعل في العالم العربي. كما سيتم إضعاف الدول العربية التي أحرزت تقدما نسبيا فيك خلق بيئة متسامحة مع المشاركة السياسية من طرف مختلف مكونات المجتمع ، بما في ذلك الإسلاميون. إن الإسلاميين يتواجدون اليوم في برلمانات الكويت والأردن والبحرين وتونس والمغرب وهو ما سمح ببروز نوع من تيارات الديمقراطية الإسلامية ، مثل حركة النهضة في تونس ، كما سمح بإنضاج التحول الديمقراطي في البلدان الأخرى. إن الانقلاب الذي حدث في مصر وأدى إلى فقدان فرصة ثمينة لمصر والعالم العربي بأكمله. لو أن العملية الديمقراطية استمرت هناك لتحسنت التصرفات والممارسات السياسية من طرف "جماعة الإخوان المسلمين" وربما نجحت عملية استنبات البذرة الديموقراطية ولأصبح التداول السلمي على السلطة حقيقة واقعية وسابقة يمكن الاقتداء بها . إن إدارة الرئيس ترامب تقول دائماً يقول إنها تريد تصحيح أخطاء الرئيس أوبام ولكنها لا تركز على تدبيره السيئ لمسار الديموقراطية في البلاد العربية لأن أوباما و مساعدوه البارزون أخطأوا التقدير عندما أهدروا الفرصة الثمينة التي كان بإمكانها تغيير تاريخ العالم العربي، وعندما أذعنوا لضغوط المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لقد تأثروا بفكرتهم المسبَقة التي تعادي بتعصب كل شكل من أشكال الإسلام السياسي وهو الخطأ الذي دمّر طموح العرب نحو الديمقراطية والحكم الرشيد. - المصدر: جريدة "واشنطن بوسط" - الترجمة من إنجليزية للعربية : موقع لكم