عن أيّة معارضة نتحدث؟ في الأنظمة الاستبدادية، التي تحتاج إلى واجهات ديكورية، لا بدّ أن تكون المعارضةُ مصنوعةً على المقاس، مُتحَكَّما فيها وفي مدى أنشطتها وتحركاتها، عن قرب وعن بعد، طيِّعَةَ القياد، لا تُنازِعُ ولا تهدّد ولا يُخشَى منها على النظام حبّة خرْدل. ولقد برع المستبدون في هذه الصناعة وتتخصّصوا فيها، حتى وصلوا فيها درجةً من الإتقان ما بعدها زيادة، حتى إنه ليُخيَّل إلى عامة الناس أن الأمر لا يتعلق بديكور مصنوع للحاجة المسرحية التمثيلية، وإنما هو حقيقة حيّة وواقع معيش لا صناعة فيه ولا تمثيل ولا تمويه. هذه المعارضة الديكورية هي التي كان الحسن الثاني، رحمه الله وغفر لنا وله، يحرص على وجودها في واجهة "الديمقراطية الحَسَنِيّة"، التي طالما مدحها وتغنّى بها الإعلام المخزني الرسمي. وقد صرح الملك الحسن الثاني ذات مرة أنه إن لم تكن عنده معارضةٌ سياسية فإنه سيعمل على إيجادها! فأنا، في هذا المقال، حين أتحدث عن المعارضة، في واقعنا السياسي المغربي، لا أقصد هذه المعارضةَ الهيّنةَ الليّنة الطيِّعَة الذلول التي أصبحت جزءا من دار المخزن، والتي لا يمكن للنظام أن يستغني عنها، لأنها تعطي للعبته مصداقية، وخاصة أمام السيد الأجنبي المراقب، الذي لا يفتأ المستبدون عندنا يجتهدون لينالوا منه الرضا وشهادةَ حسن السلوك. هذه المعارضة الشكلية باتت مُكوِّنا أساسا من مكونات النظام، ومن ثم فهي معارضة بلا أنياب، لا يمكن أن يكون منها أذىً أو ما يشبه الأذى للنظام السيد، لأنها خضعت لبرنامج ترويضي طويل ودقيق ومنظم في مضمونه ومراحله وأهدافه، حتى نالت الثقة وأصبحت مَرْضِيّا عنها ومقبولة للمشاركة في"اللعبة الديمقراطية" المخزنية"، بشروط النظام وقواعده، لا تملك أن تتعدى الحدودَ المرسومة لها سلفا، فضلا عن التزامها بالدفاع عن النظام، في جوهره وفلسفته وثوابته. وإن جاز لها أن تحتج أو تنتقدَ أو ترفض أو تغضب، فعلى أعوان المخزن المأمورين وخدّامه المُنفِّذين، من غير ذكر أو إشارة، مهما خَفِيت، للسيّد الذي يُقرّر ويخطّط ويأمر. جبهة 20فبراير حركة 20فبراير اليوم تخْطَف الأضواءَ، وتتقدّم في الساحة السياسية على أنها المعارضة الجديدة للنظام، من الجيل الذي خرج من رحم الربيع العربي الذي يجتاح البلاد العربية، التي ترزح تحت أنظمة جبرية استبدادية ظالمة منذ عدّة عقود. لكنها ليست معارضةً بالمفهوم التقليدي، لأنها ليسا حزبا منظَّما، ولا تآلفا من عدة أحزاب لها برنامج محدد، ولا هيئة لها قانونٌ مكتوب وهياكل معلومة وقيادة معروفة، وإنما هي معارضةٌ على الطريقة التي أبدعها الربيعُ العربي، تسعى أن تكون ذاتَ مَنْبِت شعبيّ، تتسع لمختلف شرائح المواطنين، وتتبنّى مطالبَ تهمّ معظم فئات الشعب وطبقاته، وتتخذ من الشارع مرتكزا أساسا في نضالها، وإسماع صوتها، وتبليغ خطابها، وكسب الأنصار والمتعاطفين. لكن الحقيقة التي ينبغي التذكيرُ بها أن هذه الحركة لم تأت من فراغ؛ نَعَمْ، كان هناك الربيعُ العربيّ، ولكن كان هناك، قبل هذا الربيع، الأرضيةُ السياسيّة والاجتماعية المهيّأَة لظهور مثل هذه الحركة، فضلا عن الاحتقان والتذمّر العام الذي يسود المجتمع، وخاصة في أوساط الشباب المتعلم، من جرّاء السياسات الفاشلة، والحكم الاستبدادي الخانق، وانتشار الفساد، بكل أنواعه وأشكاله، على نطاق واسع. وهناك حقيقة ثانيةٌ تُضاف إلى السابقة وهي أن هذه الحركةَ لم تكن لتثْبُت وتستمر وتفرض اسْمَها وتتسَلّط عليها الأضواءُ لولا الدعمُ الواسعُ والمساندةُ اللامشروطة التي ما زالت تجدها في تنظيمات سياسية، هي، بطبيعتها وخلفياتها وأهدافها ومواقفها، تنظيماتٌ "ثورية" مغضوب عليها، ليس بينها وبين النظام، في الماضي والحاضر، إلا التنافرُ والتدابر والتضارب والتصارع. هناك في حركة 20فبراير مَنْ يُسَمَّوْن بالمستقِلِّين، لكنهم، والحقيقةُ تُقال، ليسوا بشيء إذا ما قيسوا بالشباب الذين لهم انتماءٌ سياسي، بشكل من الأشكال. وقد بيّنتِ الأيامُ، بعد انقشاع الضّباب وتمايُز الصفوف، أن النواة السياسية الصّلبة للحركة تتشكل من "تحالف اليسار الديمقراطي"، وهو تحالفٌ مكوَّن من ثلاثة أحزاب، هي "الحزب الاشتراكي الموحد"، "والحزب الوطني الاتحادي"، و"حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي"، ومن "حزب النهج الديمقراطي"، و"جماعة العدل والإحسان"، و"حزب البديل الحضاري" و"حزب الأمة"، وهذان الحزبان الأخيران ممنوعان بقرار مخزني ظالم، و"الجمعية المغربية لحقوق الإنسان"، ونقابة "الكنفدرالية الديمقراطية للشغل". هذه هي التنظيمات التي تشكل اليوم الدعائم السياسية الرئيسية لحركة 20فبراير. وهي تنظيماتٌ ليست متساوية في حجم دعمها وقوة حضورها والتزامها المادي واللوجيستي، فكلٌّ يدعم ويُعطي ويساهم ويتطوع بحسب ما عنده، لكنهم جميعا متساوون في تبني الحركة ومطالبها معنويا وسياسيا. والدولة المخزنية تعرف أن معركتَها الحقيقةَ ليست مع حركة 20فبراير، بما هي حركةٌ شبابية عفوية ظهرت في سياق الاحتجاجات التي أشعلها الربيعُ العربي، وإنما هي مع من يقفون وراءها ويدعمونها، فلهذا حاولت-لكن بغير جدوى حتى الآن- أن تُفجّر الحركة من الداخل، وحاولتْ أن تُقدم أبرزَ التنظيمات النشيطة والداعمة للحركة، كجماعة العدل والإحسان والنهج الديمقراطي، على أنها تنظيماتٌ عدمية تخريبية، تستغل شباب الحركة لغايات لاديمقراطية ولاوطنية. بل جرّبت الدولةُ المخزنية وسائلَ أخرى غاية في السفالة والخسة، لكنها لم تنجح. وما يزال المخزنُ إلى اليوم يحاول، لم ييأَسْ، لِعَزْل من يَعتبرهم المُحركَ المركزي للحركة، ولتشويه سمعتهم والطعن في مصداقيتهم، ودفعِ الناس للانفِضاض مِنْ حولهم. ما تزال الدولةُ المخزنية تحاول، ومعها أعوانُها وخدامها وأبواقها وصنائعها وجميعُ أدواتها وتوابعها، ومن هؤلاء أحزابٌ مخزنية معروفة بعدائها لكل من يقول "لا" لدولة الجبر والاستبداد والفساد. إن حركة 20فبراير، وإن كانت تضم تياراتٍ وإديولوجيات ومرجعيات غيرَ متجانسة، يمكن، إن كُتِبَ لها الاستمرارُ والصمودُ في الميدان، والتوسّع والانتشارُ في الناس، وكسبُ مزيد من القلوب والعقول والأصوات والطاقات-يمكنُ أن تتحولَ إلى جبهة يتجمّع فيها معارضُو النظام، من خارج عباءته و"لعبته"، بمختلف فصائلهم وانتماءتهم واجتهاداتهم، وعندئذ، سيُفرضُ، في تقديري، على النظام فرضا أن يختارَ بين أمرين، إمّا أن يفتح حوارا مباشرا ومعقولا مع معارضيه بعيدا عن كل أشكال الخداع والمكر واللف والدوران، وإما أن يستمر في عناده، جاحدا وجودَ معارضة حقيقية غيرِ المعارضة المصنوعة على عينه، والمُدجّنَة في داره، والمُغَنّية على لحْنه وإيقاعه. وفي هذا الاختيار الثاني ما فيه من خطر انفتاح باب المواجهة على مصراعيه، وخطر تأزم الأوضاع، وتفَلُّتِ زمام الضبْط والأمن والنظام. هذه الجبهةُ المعارِضَةُ التي يُمكن أن تمثلّها، في المستقبل، حركةُ 20فبراير قد يعرقلُها مشكلُ الاختلاف حول سقف المطالب السياسية، الذي يقسّم الحركةَ إلى فريقين، أحدُهما يحدد هذا السقفَ في مطلب الملكية البرلمانية، والثاني يَترك هذا السقفَ بغير تحديد، وهو ما يُفهم منه أن أصحاب هذا الرأي الثاني يرفعون السقفَ إلى المطالبة بتغيير النظام الملكي. وقد رأى الناس وسمعوا في بعض مسيرات حركة20فبراير مَنْ يرفع شعار: "الشعب يريد إسقاط النظام". وقد قيلَ، تعليقا على رفع هذا الشعار، إن أصحابه يمثلون رأيا نشازا داخل الحركة، وأنهم مهمَّشُون ومعزولون، ومن ثم فإن الحكم ينبغي أن ينبنِيَ على الرأي الغالب داخل الحركة. وليس عندنا دليل واضح وقطعيّ على أن هناك من مكونات الحركة من ينادي، عَلَنا وبدون توْرِيَة ولا مراوغة، بسقوط النظام. قد تكون هناك تصريحاتٌ أو عباراتٌ في بيان، أو رأيٌ في ندوة، أو ما شابه هذا، يمكن أن يُفهمَ منها أن أصحابها مع إسقاط النظام. لكني هنا أتحدث عن تنظيمات وليس عن أفراد. فمثلا، من التنظيمات التي لم تصرح بشكل واضح لا لَبْس فيه بأنها مع سقف الملكية البرلمانية "جماعة العدل والإحسان" و"حزب النهج الديمقراطي"، لكنها، في المقابل، لم تصرح، بشكل رسمي لا غبار عليه، بأنها تريد إسقاط النظام. وقد يُفسرُ هذا الغموضُ في الموقف بأنه من خُدع السياسة وتكتيك من تكتيكات الكرّ والفرّ. لا شك أن هذا الاختلافَ حول تحديد السقف السياسي للحركة يجعلها مُعرّضَةً، اليوم أو غدا، إلى الانقسام ثم الضعفِ والفشل ما لم تبادر الحركةُ بجميع مكوناتها إلى النظر في حل هذا المشكل بما يُبقيها قوية وموحدة حول شعارها الجامع: "الشعب يريد إسقاط الاستبداد والفساد". أما السقفُ المختلفُ في شأنه، فيمكن أن يؤجلَ إلى أن يتكشّفَ موقفُ النظام من الحركة ومطالبها، ويتبّنَ إن كان هذا النظامُ مستعدا للاعتراف بالحركة ومستعدا للجلوس معها حول طاولة الحوار والتفاوض بغير إكراه، ولا ابتزاز، ولا ترغيب، ولا ترهيب، وبلا مقدسات، ولا تابوهات، ولا ممنوعات، ولا خطوط حمراء. هل من أملٍ في فتح حوار جدي ومسؤول مع المعارضة الحقيقية؟ مسؤولية فتحِ هذا الحوار المأمول هي، في اعتقادي، مسؤوليةُ الدولة المخزنية بالدرجة الأولى. وإني لأستغرب وأتعجّب مما يقوله بعضُ الكَتَبَة حينما يُساوُون بين الدولة ومعارضيها الحقيقيين في المسؤولية عن غياب الحوار بين الطرفين. إن في هذه المساواة مغالطةً وتلبيساً، لأنه ليس هناك، في الحقيقة، إلا مسؤول واحد ووحيد عن غياب هذا الحوار، وهو الدولة المخزنية. كيف يمكن أن نسوّيَ مثلا، بين جماعة العدل والإحسان والدولة في المسؤولية عن غياب الحوار بينهما؟ فجماعة العدل والإحسان، منذ كانت، وهي تمد يدها للحوار الجدّي المسؤول، وليس الحوار الناقص المشبوه و"المخدوم"، لإضفاء الشرعية على دولة الاستبداد والاستعباد. ما زالت الجماعة، منذ كانت، تطلب أن تكُفَّ عنها الدولةُ يدَ القمع والمنع والحصار، وأن ترفعَ عنها قيودَ الجور والتجبر، وأن تتركها تتَنَظَّم وتُعبّرُ عن رأيها بحرية، طبعا في إطار القانون، لكن المخزنَ كان لها دائما بالمرصاد، خارجَ القانون، وبأساليب قهْرية استبدادية منكَرَة، تنزلُ في بعضِ الحالاتِ إلى حضيض الخِسّة والدناءة. ألم يصدر أكثرُ من حكم قضائي من المحاكم المغربية، بدرجاتها المختلفة، يؤكد قانونيةَ الجماعة، ومع ذلك فهي، عند النظام المخزني، جماعةٌ غيرُ قانونية؟ أليست الجماعةُ واقعا موجودا على الأرض؟ ألَمْ يصرح وزيرُ الداخلية السابق بأن من أسباب قمع الجماعة أنها كثّفت من أنشطتها؟! ما معنى، مثلا، أن يقول السيد خالد الناصري، الناطقُ باسم الحكومة، في تصريح رسمي بإحدى القنوات الفضائية، إن من أسباب حرمان جماعة العدل والإحسان من حقوقها السياسية، أنها لا تؤمن بإمارة المؤمنين! وما علاقة إمارة المؤمنين بحقوق المواطنة، ومنها الحقوق السياسية؟ هل يُمكن أن يَتصوّرَ أحدٌ، في بريطانيا مثلا، حرمانَ مواطن من حقوقه السياسية، لأنه لا يؤمن برئاسة الملكة للكنيسة الإنجليكانية؟ ما علاقةُ حرّيتي وحقوقي ووطَنيّتي بعبارة لغوية شحنها النظامُ المخزني بمفاهيم استبدادية تعسفية، لا علاقة لها بأصول الإسلام المعتَبَرة، وحولّها إلى سيف قاطع مُصْلَت على الرقاب، ومِقمَعَة مرفوعة في وجه كل من لا يقول بقوْل النظام، ولا يجري على هواه، ولا يرى ما يراه؟ أليست هذه فرعونية جديدة بتوابل مغربية؟ لو كان النظامُ ديمقراطيا، كما يدّعي، لكان بادر إلى تنظيم حوار حقيقي مع حركة 20فبراير الناشئة، بدل السعي، بأساليب ساقطة حقيرة وأخرى قمعية ترهيبية، إلى احتوائها وإخضاعها، أو إضعافها وتهميشها وإبعادِ خطرها. لو كان النظام راغبا، بحق وجدّية، في الحوار، لكان تعامل مع حركة20فبراير، كما عبّرت عن نفسها في صورتها الطبيعية الأصلية، التي خرجت بها من رحم الربيع العربي، من غير خلفيات، ولا توجّس، ولا نظرٍ مريب وبِنِيّة مُبَيَّتَة إلى من خلفَها من المُناصرين والداعمين والمتعاطفين. لو كان النظام ديمقراطيا، لكان أولَّ المعترفين بأن حركة20فبراير هي تعبير أصيل عن رغبات الشعب ومطالبه وتطلعاته، ولكان فَسَح لها في اهتماماته بإيجابية، بدل أن يسعى إلى وأدها قبل أن تخرج إلى الواقع، وبدل أن يعمل، بعد خروجها إلى الواقع، بكل ما بيده من سلطات وإمكانيات لا تُحصَى، من أجل قتلها، أو، على الأقل، تشويه صورتها وإضعافها وتحويلها إلى تجربة فاشلة مَنْسِيَّة. لم نسمعْ أن الدولة المخزنيةَ قد خَطَت، في يوم من الأيام، خُطوة جديّة واحدةً في سبيل حوار جدي مع معارضيها والتفاهم معهم، والنزولِ من علياء تكبرها وتجبرها وعُنْجُهِيّتها إلى أرض التشاور والعدل والاستماع إلى ما عند الناس، والمعارضون في مقدمتهم، من انتقادات ومطالبَ واقتراحات. لم نسمع أن الدولة المخزنية قد تنازلت، في يوم من الأيام، عن شيء لصالح معارضيها من أجل مصالح الشعب، ومن أجل دولة الحقوق والحريات والديمقراطية. بل كلُّ ما نعرفه أنها كانت دائما ساعيةً من أجل الرّشْو(من الرشوة) والإخضاع والتدجين والاحتواء والإلحاق، كما فعلت، مثلا، مع حزب الاتحاد الاشتراكي، وحزب التقدم والاشتراكية، فيما سُمي، تمويها ومغالطة، ب"التناوب الديمقراطي". إن الدولة اليوم هي أول من يعلم أن معارضيها الحقيقيين باتوا مُتجمِّعين في حركة 20فبراير، ولهذا السبب فهي مشغولة، ليل نهار، للقضاء على هذه الحركة بأيّ ثمن. ولا يفوت المتتبعَ أن يلاحظ أن الدولةَ، بعد فرض الدستور الجديد، باتت تتّبع أسلوبا جديدا للتشويش على أنشطة الحركة، والتشكيك فيها، وتنفير الناس منها، والتضييق عليها بحرب استنزافية متواصلة، وذلك بتحريض العوام عليها، وجلب مرتزقة مأجورين، بمشاركة أحزاب وجمعيات مخزنية موالية، لتنظيم التجمعات والمسيرات المضادة لعرقلة مسيراتها والتشويش عليها، والتعرض لمناضليها ومناضلاتها بالسب والضرب وغيرهما من أنواع الاستفزاز والإهانة. وقد شاهدنا هذا الأسلوب القمعي الجديدَ يومي الأحد 3يوليوز و10 يوليوز حيث كانت مسيراتُ ووقفاتُ حركة 20فبراير، في معظم المناطق، تُواجه بكل أنواع العرقلة والاستفزاز، وذلك حسب أهمية المدن، وحسب قوة حضور الحركة فيها. أليس هذا الطريقُ الذي تسير فيها الدولةُ يؤدي حتما إلى إشعالِ الشارع وإذكاء نيران الفتنة والفوضى والاضطراب؟ أليس هذا الأسلوب المخزني اللامدني هو اللاأمن واللااستقرار بعينه؟ أليس هذا الأسلوب دليلا على أن الدستور الممنوح الجديد لن يغير شيئا من حقيقة الاستبداد والفساد، ولن يغير شيئا من طبيعة الدولة الجبرية الظالمة؟ ربما يكون المخزنُ مغترا أكثر من اللازم بموازين القوى التي قد يراها لاعبةً لصالحه في هذه المرحلة من الربيع العربي المغربي. "قد يراها" كما كان يراها (بن علي) في تونس، و(مبارك) في مصر، وقبلهما (شاه) إيران، و(تشاوسيسكو) في رومانيا، وغير هؤلاء كثير من الطغاة المستبدين، ولكن "لا يأمنُ مكرَ الله إلا القومُ الخاسرون". إنه الغرورُ والعناد والتكبر الذي يطبع الديكتاتوريات وأنظمةَ الاستبداد في كل زمان ومكان. ليس من السياسة الراشدة في شيء أن ينظرَ النظامُ إلى حركة20 فبراير بعين الازدراء والتحقير، وأن يحكم عليها من خلال تقارير أجهزةٍ غير نزيهة، وتقويمِ خبراءَ وموظفين لا يروْن إلا بعين واحدة، ولا يعرفون إلا لونا واحدا، بأنها حركةٌ هامشية لا أثر لها، وبأنها أضعفُ من أن تستطيع الذهابَ بعيدا في معارضة النظام وفرض نفسها واقعا عنيدا وراسخا لا يمكن الاستهانةُ به وتجاوزه. قال الشاعر: لا تحْقِرَنَّ ضعيفاً عند رؤيته***إن البعوضةَ تُدْمِي مُقْلَةَ الأسد وللشّرارة حَقْرٌ حينَ تنظرها***ورُبّما أضرَمَتْ نارا على بَلَد إن الجوقة السياسية التي تُطبّل للنظام وتزمّر، وتحرق له البَخُورَ وهي تسير وراءه هاتفةً بحياته، وتوهمه بأنه نظامٌ قائم على إجماع شعبي لا يمكن التشكيك في صدقه وولائه-إن هذه الجوقةَ لن تغني عنه شيئا حينما يأتي أمرُ الله ويجدّ الجدُّ. ثم إن السياسةَ لا تُمارس بهذه الأساليب التي هي أقربُ إلى الشعوذة، وطلبِ العون من الأصنام الجامدة الصماء، والتعويل على التمائم في رّد القضاء والقدر. مع الشعوب، لا ينفع إلا المعقول. لا ينفع الخارجُ، مهما مدحَ وشجّع ودعَم وساند، ولا ينفع الانتهازيون والأعوان المأمورون، مهما كثروا. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. مراكش: 11 يوليوز2011