09 مارس, 2018 - 09:50:00 حين جئت للمنزل وعرفت أني حامل، تغير نمط حياتي، وأنا لازلت طفلة، لم أتخيل أني سأصبح أما كما لم أحلم يوما أني سأتحمل المسؤولية وحدي ..هنا تنفجر عيون بديعة المغربية بالبكاء عندما تتذكر أيامها العصيبة.. لم يسعد جمال الجبال الشاهقة والأنهار السارية على طول السنة بمنطقة أزيلال بالمغرب، بديعة وأخريات، هؤلاء الفتيات كبرن تحت وطأة الفقر والتهميش وعانين القسوة، والسبب دائما ولا يزال "زواج" شبه "قسري" تحت لافتة "الأعراف". تعد أزيلال من ضمن أفقر المناطق بالمغرب، رغم أنها منطقة مصدرة للثروات المعدنية والمائية إلا أنها لا تزال تعاني في صمت مآسي زواج القاصرات. هنا "واوزيغت"، القرية المنسية والتي تبعد عن مركز المدينة بكيلومترات قليلة، هنا قصص "آلام" تغطي جمال المنطقة وتكشف وجها آخر ل"الفقر" و"الجهل" والتجاهل الرسمي. قصة بديعة وأخريات.. بديعة نشأت وترعرعت في بلدة "واويزغت"، استطاعت أن تمتلك شجاعة "ملالا" "عنوان رواية تحكي نضال فتاة باكستانية ضد الأعراف والتقاليد"، لكي تقف بدورها ضد "أعراف جاهلية" بمنطقتها، حيث خاطبت كل الفتيات لتي واجهن إجحافا وتم إسكاتهم بالقول :"معا سوف نسمع صوتنا". علامات الحزن بادية على وجهها الشاحب، وهي تروي حكاية جيل من القاصرات اللواتي عانين الويلات بسبب أعراف وقوانين قادتهن إلى جحيم "الاغتصاب" تحت ذريعة الزواج الشرعي أو "العرف" القروي. والدموع تتهاطل على وجنيتها الحمراء، تقول بديعة : "بحكم تجربتي بمنطقة أزيلال، عشت هذه المرحلة صعبة جدا". و"حين تزوجت كنت أبلغ من العمر 15 سنة ونيف وبعدها أصبح لدي طفل، تلك المرارة جعلتني لم اعد اقدر على رؤية ضياع طفلات أخريات يتعرضن لنفس المصير". فالاضطراب النفسي لأمها والطفولة القاسية التي مرت منها، جعلتها في تفكر الفرار من هذا الواقع الأليم لكن شاءت الأقدار أن تضع مستقبلها في قبضة "زواج قسري". تقول بديعة إنها لم تكن تعي آنذاك ماذا كانت تفعل، واضافت في حديثها مع "مصر العربية"، :"لقد تزوجني شاب يبلغ من العمر 21 سنة تحت ضغط نفسي رهيب لكن اختارت الذهاب معه لمنزل عائلته حيث هناك عشت أسواء أيامي". ظنت بديعة وأخريات أن الخروج من جحيم "الفقر" و"الوحدة" والعزلة، عن طريق الزواج مبكرا قد يسهل طريقهن لتوديع الحزن والمآسي. تحكي بديعة ""كان علي الخروج من نطاق الضغط، وتعرفت في تلك الظروف على شخص عرف كيف يستغل ظروفي ليمارس علي ضغوطات من قبيل أنه رجل يخاف علي، وكان الأمر مجرد خيال بالنسبة لي نظرا لضغوطات". من "زوجة" بدون عقد إلى "خادمة" 6 أشهر كانت كافية لتدخل بديعة وأخريات عالما مظلما يفقدن من خلاله براءة الطفولة ويلجن الشيخوخة مبكرا. "بعد أن وافق والدي علي الزواج، جلست في منزل زوجي لأسابيع، وتعامل معي كأني مجرد خادمة دون مقابل" تنبش شفتي بديعة. تستمر في الحكي من منصة مائدة مستديرة خصصت لمناقشة الأثار النفسية والصحية لظاهرة "تزويج القاصرات"، فتقول أنها كانت في إحدى الليالي الباردة جالسة في البيت بالقرب من أخت زوجها، وعندما طالبت بالعقد غضب الزوج وبدأت حكاية أخرى حيث في تلك الليلة حين شكك الرجل في عذريتها. و"لأنني كنت أرفض النوم معه، هذا الشك جعلني أعطيه جسدي في تلك الليلة" تقول بديعة. ليلة واحدة كانت بداية معاناة حطمت من مستقبلها، "بعد تلك الليلة أتت المعاناة، فالشرف الذي نحسبه رأسمال البنت في هذه المنطقة فقدته"، و"أصبحت بدون شرف"، و"رفضت العودة الى عائلتي للدار وبقيت في معاناة لمدة سنتين، لما وصلت لسن السادسة العاشرة عدت لمنزل عائلتي" تكشف بديعة عن آلامها. تصر الفتاة على حكي قصتها رغم تهاطل الدموع، "حين جئت للمنزل وعرفت أني حاملة، تغير نمط حياتي، وأنا لازلت طفلة لم أتخيل أني سأصبح أما كما لم أحلم يوما أني سأصبح أما عازبا". الانتحار يراود "المنبوذات" بدافع الستر والخوف من الفضيحة تارة والتخلص من أعبائهن المادية تارة أخرى، يضطر الآباء لتزويج بناتهن قاصرات بعقود عرفية أو ما يسمى بزواج "الفاتحة"، يحدث ذلك في الكثير من مناطق المغرب خصوصا بالقرى والمناطق المهمشة فيصبحن الضحايا "منبوذات" داخل المجتمع المحافظ. ففي قرى أزيلال، هنا الكثيرات من الأمهات القاصرات فضلن الصمت بعدما حرمن من التعليم والتربية وتزويجهن بسبب "ظلم اجتماعي" و تحت "غطائي قانوني" باسم الأعراف أحيانا وباسم البيئة الثقافية"، يعانين في صمت. "لقد جلست تسعة أشهر في منزلنا، فكرت في الانتحار، وقتل الطفل الذي في بطني"، تقول "ن،ع" إحدى ضحايا زواج القاصرات بالمنطقة، رفضت حكي قصتها لكونها "لا تزال تعاني من اضطرابات نفسية". بديعة بدورها فكرت في الرحيل عن هذه الحياة، وتقول "كنت كذلك فكرت في الانتحار مرارا ولولا أبي لا كنت ميتة قبل سنوات". قد يكون لبديعة حظ في الاستمرار في الحياة لأنها وجدت أبا يقف بجانبها ويشجعها ويساعدها في تربية طفلها. تزويج الطفلات للمهاجرين "خ . ن"، أستاذة اللغة الفرنسية بإحدى الاعداديات بقرية "سوق السبت"، تقول :" هناك أناس يبحثون عن تزويج طفلاتهم، ولو عن طريق تلقي الرشوة وعبر وساطات غير قانونية بسبب بسيط". تنشط "خ،ن" في العمل الاجتماعي بالمنطقة، بدورها كافحت من أجل اتمام الطفلات للدراسة، لكنها واجهت "واقعا صعبا" مادام تزويج الطفلات ظاهرة اجتماعية بالمنطقة. بحكم نشاطها الاجتماعي، تروي "خ,ن" كيف أن اغلب الحالات يتم تزويجهن للمهاجرين خصوصا المتواجدين بالديار الإيطالية، وتقضي الطفلات أسبوع مع أزواجهن ولا يوثق الزواج إلا حين وصول الطفلة إلى سن البلوغ في حالة إذا نجحت العلاقة. المتحدثة نفسها تقول إن بعض الوالدين يشجعون على تزويج بناتهم وهن صغيرات ويفتخرن بذلك، وهناك عائلات يبحثن عن الصغيرات ويفضلن تزويج أولادهم بالقاصرات". تضيف في حديثها مع الموقع قائلة إن "الكثير من الحالات التي صادفت والتقت بهن، يصابون بالاكتئاب جراء فشل زواجهن، وتزداد معاناتهم عندما تلتجئ أسرهن إلى "الشعوذة" بحثا عن شفائهن. وتصف المتحدثة واقع الحال ب"الاغتصاب المقنع لأجساد الطفلات"، لأن "بعض الوساطات تسهل عملية تزويجهن مستغلين ثغرة السلطة التقديرية للقضاء والاستعانة للخبرة الاجتماعية عن طريق المقدم والشيخ". زواج القاصرات يورث أمراض نفسية الحسين بنزكري، المتخصص في علم النفس الاجتماعي، يقول بأن هناك آثار سلبية لتزويج الطفلات من الناحيتين الجسدية والنفسية. وأوضح أن من ملامح الاضطراب النفسي الناتجة عن تزويج القاصرات، اضطرابات الوظائف المعرفية العليا مثل الذاكرة والتعلم. ومن المتلازمات الأخرى لهاته الاضطرابات، ظهور هلوسات والتفكير الوهمي، والمزاج والانفعال والقلق، أو النمط العام للشخصية والسلوك. أما أثار ما بعد الصدمة، أو كما يسميها المتخصص في علم النفس ب"ليلة الدخلة/ الاغتصاب"، فتتجلى في مجموعة من الأعراض النفسية التي تتراوح ما بين أعراض الاكتئاب والانغلاق اللاإرادي للمهبل لمن هن في عمر مبكر، وهو مرض نفسي يزيد من احتمال حدوث الخوف والقلق من الشدة الجسدية من الزوج، وهي حالة مرضية تستدعي التدخل الطبي. فالخوف الذي تعيشه الطفلة ممن يرغمونها على الزواج كعقد او كممارسة جنسية يحدث لها صدمة". بنزكري يقول إن "هذه الصدمة ليست بالضرورة مرضية، ولكنها آلام تتجلى في الأفكار التي تراودها، وصور المعاناة التي تصاحبها، ومحاولة الهروب مما قد يزعجها ويجعلها في حالة تيقظ شديد ومستمر ظاهريا مما يفتأ بتحول الوضع إلى كآبة مع مرور الوقت"، حيث شبه الأمر ب"شبح ليلي يرافقها طيلة حياتها". أرقام "مقلقة" وقانون جديد آخر الدراسات تقول إن 40 الف حالة زواج القاصرات مسجلة خلال سنة 2016، حسب وزارة العدل. و"رغم أن مدونة الأسرة حددت سن الزواج القانوني، هو 18 سنة، مع ذلك هناك قضاة يزوجون طفلات قاصرات بهدف "حمايتهم من الزواج التقليدي لمبني على "الفاتحة" والذي لا يضمن لهن أية حقوق. في خضم هذه المأساة هناك أمل ونافذة ضوء يمكن أن تنير مستقبل طفلات جبال أزيلال، حيث سجل لأول مرة تجريم إكراه الفتاة على الزواج، وهذا شيء كان مسكوتا عنه من قبل، كما أنه لأول مرة يتم تجريم طرد الزوجة من البيت، وترتيب جزاء على ذلك، وذلك حسب ما جاء به قانون "مناهضة العنف ضد النساء" الذي صادق عليه البرلمان المغربي يوم الثلاثاء 13 فبراير 2018. وحسب بسيمة حقاوي، وزيرة التضامن والأسرة فالنص الجديد "تدارك ما أغفلته مدونة الأسرة التي اعتبرت الأمر جنحة ولم تحدد الجزاء"، كما يمنع القانون الجديد، المعتدي من الاتصال بالضحية بأي وسيلة من الوسائل. لكن "المدخل القانوني لمحاربة ظاهرة العنف ضد النساء غير كاف، بل يتعين علينا اعتماد مقاربة شمولية وعرضانية ينخرط فيها كل الفاعلين، وطنيا وجهويا، مع بذلنا جميعا مزيدا من الجهود تحقيقا للتعاون والتكامل بين جميع المؤسسات وجميع الفاعلين في الميدان" وفق ما صرحت به الوزيرة أثناء التصويت على القانون في البرلمان. المجتمع المدني و"تزويج القاصرات" أزيلال، أو "خزان تزويج الطفلات" كما تفضل رئيسة جمعية "المرأة الأمازيغية أن تصفها، توزع ثروة مائية هائلة تستفيد منها مدن مجاورة، مثل خريبكة التي يتم استغلالها لفائدة المكتب الشريف للفوسفاط، لكن جبال "أزيلال" لا تزال تعاني من العزلة، فبعض القرى لا تتوفر على مؤسسات تعليمية ناهيك عن غياب مستوصفات صحية. "م،ن"، رئيس جمعية "أيت عمو للماء والثقافة"، يقول إن زواج القاصرات كان موجودا في السابق، ولكن " عندما جاء عنصر دخيل إلى الإقليم أتى بالمال وقام استغلال القاصرات ببشاعة" مضيفا :"المهاجرين الذين يأتون من ايطاليا وباقي الدول الاوربية، يعملون على استغلال القاصرات". "المهاجرون يستغلون الوضع الاجتماعي المزرى للساكنة، ويتزوجون بالقاصرات عن طريق وساطات" يسترسل رئيس الجمعية في حديثه عن الظاهرة. بعض الفاعلين في المنطقة، شددوا على ضرورة البحث عن حلول أخرى بعيدا عن المقاربة القانونية، إذ في نظرهم يصعب محاربة الظاهرة بالاكتفاء بالقوانين الزجرية، مادامت المنطقة غارقة في الفقر والتهميش رغم توفرها على الثروة المائية. أما مينة بركاز، الفاعلة الجمعوية في إحدى القرى النائية، قالت إن "هناك مشاكل بالنسبة للعديد من القاصرات المتزوجات، أغلبهن يتعرضن للضياع في المناطق الجبلية". في حين يرى إبراهيم نايت أوعشى، رئيس جمعية أطلس واوزيغت، أن المشكل غير مرتبط فقط بالفقر والجهل، بل "الكل يعلم بالمشكل خصوصا عندما تصل الطفلة 9 سنوات، يصعب عليها متابعة الدراسة"، مشددا على ضرورة اعتماد مقاربات أخرى من ضمنها تحقيق العدالة الاجتماعية بالمناطق المهمشة.