ب 04 أكتوبر, 2016 - 03:42:00 تهافتت أحزاب مغربية عدة أخيرا من أجل ضم عشرات السلفيين إلى صفوفها وترشيح بعضهم الى الانتخابات البرلمانية المقررة في السابع من أكتوبر، في عودة ملفتة لهؤلاء الى اللعبة السياسية وفق مسار سياسي باشره القصر الملكي منذ سنوات. ولا يتجاوز عدد السلفيين المرشحين الى الانتخابات العشرات من أصل نحو سبعة آلاف مرشح الى الانتخابات. وكان ترشيح حزب العدالة والتنمية للشيخ حماد القباج في أرقى أحياء مراكش، الوجهة السياحية الأولى في المملكة، وعدم قبول وزارة الداخلية لترشحه بتهمة "التطرف"، الأكثر إثارة للجدل. ورغم أن القباج لم يتعرض للتوقيف أو السجن بتهمة "الإرهاب" كما هو حال عدد من السلفيين المرشحين اليوم، تم رفض طلبه الترشح ما دفعه للجوء للقضاء. وكان حاضرا بقوة في حملة حزب العدالة والتنمية بمدينة مراكش، وقدم أتباعه الدعم للحزب الإسلامي خلال حملته الانتخابية مجانا. ومن الوجوه السلفية المعروفة المرشحة الى الانتخابات عبد الوهاب رفيقي المعروف ب"أبو حفص"، وهو سلفي حكم ب30 سنة سجنا خفضت إلى 25 سنة، إثر تفجيرات 16 ماي 2003 بمدينة الدارالبيضاء التي أودت بحياة 45 شخصا بينهم 12 انتحاريا. وتم الافراج عنه في 2012 بموجب عفو ملكي في خضم الحراك الشعبي الذي قادته حركة 20 فبراير الاحتجاجية في المغرب، وهو اليوم مرشح باسم حزب الاستقلال ، أحد أقدم الأحزاب الوطنية في المغرب والمعارض للحكومة. ولجأ حزب الأصالة والمعاصرة الذي يقدم نفسه على أنه معارض لاسلاميين، الى ترشيح سلفيين، رغم أنه يرفض بشكل قاطع التحالف مع إسلاميي الحكومة باعتبارهم "ظلاميين" و"يشجعون على التطرف". وحسب الصحافة المحلية، فقد حصل تقارب بين حزب الأصالة والمعاصرة والشيخ محمد المغراوي الذي عرف قبل سنوات بفتوى "جواز الزواج ببنت التسع سنوات"، وأغلقت السلطات المغربية شبكة المدارس القرآنية التي كان يشرف عليها في المملكة ل"شبهة نشر التطرف". وكشف الإعلام المحلي أن بعض دور القرآن هذه اعيد فتحها على أساس دعم أتباعه انتخابيا لحزب الأصالة والمعاصرة، الامر الذي نفاه الناطق الرسمي باسم هذا الحزب في بيان رسمي الثلاثاء. وعلى غرار أبي حفص، فقد صدرت في الماضي أحكام على عدد من السلفيين المرشحين الى الانتخابات بموجب قانون الإرهاب في المغرب. ولم تقبل السلطات معظم طلبات الترشيح، إما لعدم الأهلية بعد الخروج من السجن، وإما لاعتبارات سياسية وانتخابية مثل حالة القباج. وتحاول الأحزاب المغربية الكبرى عبر جذب السلفيين، الفوز بصوت أكبر عدد من الناخبين المغاربة في مجتمع محافظ يتأثر كثيرا بالخطاب الديني، لكن أسبوعية "تيل كيل" الفرنسية تعتبر الظاهرة "محاولة للإدماج أكثر منها موجة ترشيحات" لكسب الأصوات. مقاربة جديدة وتعود السلفية المغربية إلى بداية القرن الماضي عندما ساهمت في مقاومة الاستعمار وتأسيس الأحزاب الوطنية خلال فترة الاستقلال. خلال الحرب الأفغانية ضد السوفيات بين الثمانينات والتسعينات، سافر المئات من المغاربة الى افغانستان للمشاركة في الجهاد، ما اعتقل عدد كبير منهم بعد تفجيرات 16 ماي 2003. بضغط من الشارع وخلال الحركة الاحتجاجية التي حصلت في ظل انتفاضات "الربيع العربي"، صدر عفو ملكي أسفر عن إطلاق السلفيين المسجونين على أساس نبذ العنف و"البيعة لأمير المؤمنين" الملك محمد السادس. وكان بين مطالب حركة 20 فبراير "إطلاق سراح المعتقلين السياسيين". واعتبرت دراسة صادرة عن مركز كارنيغي للابحاث الأميركي أن العفو الملكي عن عدد من السلفيين "يشهد على تحسن العلاقة بين النظام وعدد من قادة السلفية، ويعكس مراجعة الحكومة جزئيا لمقاربتها في محاربة التطرف". وتقوم هذه المقاربة على "تعزيز الإسلام المغربي الصوفي والطرق الصوفية المرتبطة به كثقل موازن" ضد التطرف، لكن المجموعات الصوفية، مثل البودشيشية، وهي الأكبر في المملكة، "ليست مسيسة وأظهرت أنها غير قادرة، بالرغم من دعم الدولة، على خلق تيار اجتماعي ديني قوي بما يكفي ليكون بديلا عن السلفية، خصوصا في نسختها الجهادية". ويرى الأستاذ الجامعي عبد الحكيم أبو اللوز ان السلفيين ظلوا لسنوات "سلاحا في يد الدولة لمحاربة الإسلاميين أو اليساريين". وقد طبعت لحظتان أساسيتان إعادة تأهيل السلفيين، كانت أولها سنة 2014 حين أدى الملك محمد السادس صلاة الجمعة في مسجد ألقى فيه محمد الفيزازي الذي كان محكوما ب30 عاما سجنا بتهم الإرهاب، خطبة الجمعة. أما اللحظة الثانية فكانت خلال 2015 حينما جمعت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية السلفيين والعلماء المغاربة، ومن بينهم القباج، في لقاء وطني رفعت الخلاصة التي توصل اليها الى القصر الملكي. وبحسب المؤرخ الفرنسي بيير فيرميرن "هناك رغبة من القصر لاظهار السلفيين الذين كرسوا أنفسهم للطعن في شرعية الملك، على أنهم عادوا لاحترام قواعد اللعبة، وبالتالي يمكن مكافأتهم". وبحسب فيرميرن، "كان مسارا طويلا لإعادة الإدماج في الحياة العامة، لأنهم كالوا السباب للملكية، ثم شجعوا على العمليات الجهادية لتتم محاكمتهم وسجنهم قبل أن يطلق سراحهم بعدما تابوا واعترفوا بإمارة المؤمنين". ويعتبر المؤرخ الفرنسي "انها السياسة الأكثر قدما في عرف المخزن المغربي (القصر ومحيطه)، والقائمة على إعادة إدماج المغضوب عليهم بعد معاقبتهم". ويظل الهدف الاستراتيجي، بحسب فيرميرن، "تشتيت أصوات الناخبين الإسلاميين خلال الانتخابات البرلمانية في محاولة لامتصاص تنامي شعبية حزب العدالة والتنمية "، في ممارسة يراها البعض "لعبا بالنار"، بينما يقول فيرميرن انها "ببساطة ممارسة السياسة".