طالبت صحيفة "لوموند" الفرنسية، بالتصدي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عقب التصريحات التي صدرت عنه والتي دعا فيها إلى الإسنيلاء على قطاع غزة وتحويلها إلى مشروع عقاري. وقالت الصحيفة في افتتاحية قوية في عددها الصادر يوم 6 فبراير، إن "قرار التعامل مع الفلسطينيين بإنكار حقوقهم المشروعة في تقرير مصيرهم على أرضهم يبرهن على أن ترامب يجعل من إنكار الحق والاستخفاف بوقائع التاريخ مذهبا سياسيا رسميا للقوة الدولية الأولى في العالم".
وحذرت الصحيفة من كون "المشروع الكارثي للفلسطينيين من شأنه تأجيج المشاعر التوراتية عند بعض الإسرائيليين وسيتحول إلى خسارة للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي". وخلصت الصحيفة إلى ترامب الذي اقتحم ميدان السياسة منذ عقد من الزمان أصبح اليوم أول مدافع عن الاحتلال الجديد والإمبريالية الجديدة العسكرية، مشيرة إلى أن ترامب "بدل أن يعود بأمريكا إلى أمجادها كما يزعم فإنه قد يغرقها في أوحال الماضي الملطخ بالدماء". وفي ما يلي نص الإفتتاحية: "منذ أقل من شهر وبمناسبة أدائه للقسم أنه سيحمي دستور الولاياتالمتحدة، وَعَدَ الرئيس المنتخب دونالد ترامب أنه سيقيس نجاحاته ليس فقط بمعيار المعارك التي سيخوضها وينتصر فيها بل أيضا بمعيار الحروب التي سيمنع حدوثها أو التي سيمتنع عن المساهمة فيها. كيف يمكن تقييم هذا الوَعْد (الالتزام) بعد أن أعلن الرجل يوم 4 فبراير نيته الاستيلاء على قطاع غزة بصفة مستدامة بعد طرد سكانه الفلسطينيين، بذريعة تنفيذ مشروع عقاري يتحكم فيه منطق الربح التجاري ولن يكون لهؤلاء السكان أي دور فيه؟ يجب أن نعترف للرئيس ترامب بميزة خاصة وهي وقوفه بشكل أعمى في صف المواقف الإسرائيلية. إن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، بقرار أحادي بعد اعتبارها عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، بما فيها القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 بعد حرب الأيام الستة، ثم الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية، دليلان كافيان على هذا الإسناد القوي لإسرائيل خلال ولايته الرئاسية السابقة (2017-2021). عندما يدافع ترامب، تحت مبررات إنسانية واهية، عن جريمة الحرب التي يمثلها التهجير القسري للفلسطينيين خارج مساحة أرضية دمّرها القصف العشوائي الحربي الإسرائيلي منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023 فهو ينتقل إلى مرحلة جديدة من هذا الدعم المطلق ويتبنى رؤية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني التي يؤمن بها اليمين المتطرف الإسرائيلي العنصري وخاصة أن هذا التحرك السخيف من طرف ترامب قد ترافقه قريبا قرارات تعترف بعمليات استيلاء أخرى على أجزاء من الضفة الغربية في أفق ضمها إلى إسرائيل نهائيا. إن قرار التعامل مع الفلسطينيين بإنكار حقوقهم المشروعة في تقرير مصيرهم على أرضهم يبرهن على أن ترامب يجعل من إنكار الحق والاستخفاف بوقائع التاريخ مذهبا سياسيا رسميا للقوة الدولية الأولى في العالم ولذلك فإن التصدي له أصبح عملا ضروريا. لا يمكن بناء السلم المستدام إلا بالتفاهم والتسوية وليس عبر سحق شعب بأكمله مهما كان ضعيفا. إن هذا المشروع الكارثي للفلسطينيين من شأنه تأجيج المشاعر التوراتية عند بعض الإسرائيليين وسيتحول إلى خسارة للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. ثم إن هذا الإنكار يضرب في الصميم فكرة تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية وهي القوة الإقليمية الرئيسية التي تشترط قبل ذلك قيام دولة فلسطينية ولكن الرئيس ترامب لا يكترث لهذه الاعتبارات مثلما لا يكترب برفض مصر والأردن لكل نوع من التواطؤ في جريمة التطهير العرقي هذه والسبب هو أن ترامب مقتنع أن منطق القوة والتلويح باستعمال القوة يكفي لبلوغ أهدافه. إنه نفس الاقتناع الذي دفع إدارة أخرى منذ عشرين عاما بعد 11 شتنبر 2001 للانخراط في مغامرة عسكرية في الشرق الأوسط. لقد دمّرت الولاياتالمتحدة صورتها في العالم وأنفقت أموالا طائلة وأهدرت أرواح الآلاف من جنودها دون أن تستطيع تحقيق أهدافها بل حصلت على نتائج عكسية. إن هذا الرجل الذي اقتحم ميدان السياسة منذ عقد من الزمان وهو يهاجم هذه الخطايا من طرف سابقيه في البيت الأبيض أصبح اليوم أول مدافع عن الاحتلال الجديد والإمبريالية الجديدة العسكرية وبدل أن يعود بأمريكا إلى أمجادها كما يزعم فإنه قد يغرقها في أوحال الماضي الملطخ بالدماء."