‪ إلغاء لقاح الحمى الشوكية للمعتمرين    فيدرالية الاحياء السكنية بالجديدة تستعرض قضايا المدينة وحصيلة انشطتها الاخيرة    إنتخاب المستشارة الاستقلالية مينة مشبال نائبة سابعة لرئيس جماعة الجديدة    الزهراوي: خبر إمكانية استقبال المغرب للفلسطينيين المهجرين "شائعات مضللة"    لقجع: افتتاح مركب محمد الخامس بالدار البيضاء نهاية شهر مارس المقبل    الصناعة التقليدية تحقق رقم معاملات يقدر ب 140 مليار درهم وتساهم ب 7% في الناتج الداخلي الخام    لمنعها من محاكمة الأمريكيين والإسرائليين.. ترامب يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية    ندوة علمية بطنجة تستشرف آفاق مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد    غوغل تطور تقنيات ذكاء اصطناعي مبتكرة لتحدي "DeepSeek"    مسيرة عظيمة.. رونالدو يودّع مارسيلو برسالة مليئة بالمشاعر    "جامعيو الأحرار" يناقشون فرص وإكراهات جلب الاستثمارات إلى جهة الشرق    متهم بتهريب المخدرات عبر الحدود المغربية ينفي صلته ب"إسكوبار الصحراء"    إعلان طنجة في منتدى "نيكسوس"    الشاب خالد، نجم الراي العالمي، يختار الاستقرار الدائم مع أسرته في طنجة    "ما نرجع".. أحدث إبداعات حمدي المهيري الموسيقية    لقجع: مركب محمد الخامس جاهز لاستقبال الجماهير في مارس المقبل    توقيف صيدلي وثلاثة أشخاص وحجز 6934 قرصا مخدرا في عملية أمنية محكمة    مجلس جماعة طنجة يصادق على 42 نقطة    طنجة المتوسط يقود نمو رواج الموانئ المغربية خلال سنة 2024    تدشين سفينة للأبحاث البحرية بأكادير    من الرباط.. رئيس البرلمان الموريتاني: المحيط الأطلسي شريان حيوي للتنمية والتكامل الإقليمي    قادما من الشمال.. المجلس الحكومي يصادق على تعيين محمد عواج مديرا للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط سلا القنيطرة    وزارة التربية الوطنية تكشف تطورات التلقيح ضد "بوحمرون" في المدارس    رئيس النيابة العامة يتباحث مع رئيس ديوان المظالم بالمملكة العربية السعودية    إسرائيل تدعو لتسهيل مغادرة سكان غزة وحماس تطالب بقمة عربية عاجلة    التهراوي يكشف الخطة المعتمدة للحد من انتشار "بوحمرون"    العيون تحتضن المؤتمر العربي الأول حول السياسات العمومية والحكامة الترابية    بايتاس يكشف الإجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة بشأن لقاح التهاب السحايا    ارتفاع طفيف لأسعار الذهب وسط استمرار المخاوف من حرب تجارية بين الصين والولايات المتحدة    خبراء إسرائيليون يزورون المغرب للإشراف على وحدة تصنيع طائرات بدون طيار    الأرصاد الجوية تكشف استقرار الأجواء وتترقب تساقطات محدودة بالشمال    ريال مدريد يحجز بطاقته لنصف نهاية كأس ملك إسبانيا على حساب ليغانيس (ملخص)    شركة الطيران تطلق خطين جويين جديدين نحو المغرب الاقتصاد والمال    نقابي بالناظور يتوعد حزب أخنوش بالهزيمة في الانتخابات: العمال سيحاسبون الحكومة في صناديق الاقتراع    عرض الفيلم المغربي "طاكسي بيض 2" في لييج    إنتاجات جديدة تهتم بالموروث الثقافي المغربي.. القناة الأولى تقدم برمجة استثنائية في رمضان (صور)    نورا فتحي بخطى ثابتة نحو العالمية    أخبار الساحة    "جواز الشباب" يخدم شراء السكن    السلطات تمنع جماهير اتحاد طنجة من التنقل إلى القنيطرة لدواعٍ أمنية    عجلة الدوري الاحترافي تعود للدوران بمواجهات قوية لا تقبل القسمة على اثنين    بعد عام من القضايا المتبادلة.. شيرين عبد الوهاب تنتصر على روتانا    6 أفلام مغربية تستفيد من دعم قطري    مرصد أوروبي يكشف أن "يناير" الماضي الأعلى حرارة على الإطلاق    تفاصيل المصادقة على اتفاقية لتهيئة حديقة عين السبع    مصدر خاص ل"الأول": "طاقم تونسي لمساعدة الشابي في تدريب الرجاء"    مواجهات عنيفة بين الجيش الجزائري وعصابة البوليساريو بتندوف (فيديو)    المغرب يعزز قدراته الدفاعية بتسلم طائرات "بيرقدار أكينجي" التركية المتطورة    وزير الدفاع الإسرائيلي يأمر بالتخطيط ل"هجرة طوعية" من غزة بعد مقترح ترامب للسيطرة على القطاع    شرطة ألمانيا تتجنب "هجوم طعن"    "قناة بنما" تكذب الخارجية الأمريكية    أستاذ مغربي في مجال الذكاء الاصطناعي يتويج بجامعة نيويورك    الرباط.. العرض ما قبل الأول لفيلم "الوصايا" لسناء عكرود    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العدل والإحسان ومدونة الأسرة (3/3)
نشر في لكم يوم 05 - 02 - 2025


قليلا من حكمة العقل، قليلا من الجرأة!
فهل ما تراه الجماعة قادر على أن يحرر النساء من ثنائية الانحطاط التاريخي ومحاولات التغريب المفترضة؟
دعونا نفحص هذه المقابلة التي تجريها الجماعة وترى أن النساء ضحايا لها، الانحطاط التاريخي للمسلمين المغاربة من جهة ومحاولات التغريب من جهة أخرى. هي الإشكالية نفسها نتوارثها منذ قرون، أي منذ بدأ البون يظهر لنا بين الغرب المنفتح والمكتسح للعالم، وبين المغرب الإسلامي الذي انهزم وبدأ ينغلق وينكمش ويرى كل ما يأتي من الغرب دمار وتفكيك للهوية. بلغت دروتَها هذه الذهنيةُ مع منتصف القرن التاسع عشر واستمرت، بل تأججت مع الاستعمار وبلغت دروتها مع بروز حركة المطالبة بالحقوق النسائية وعلى رأسها الحق في المساواة بدون تحفظ. وهذا يحدد مجال تعريف intervalle de définition رؤية الجماعة للعلاقات الاجتماعية بين الجنسين. ومن جهة أخرى، هل كان بالإمكان الوعي بتأخرنا التاريخي لولا التقدم المحيط بنا في الجهة الأخرى المسماة غربا؟ الم نبدأ مساءلة واقعنا إلا عندما رأينا "الكفار" يتقدمون والمؤمنون يتخلفون؟ هذه المقابلة سوف لن تحل الإشكاليات النسائية ببلادنا، بل سوف تزيد من توتر علاقاتنا بالعديد من الحقوق الطبيعية للنساء وتعثرها، فقط لأننا نعتبرها قادمة من الخارج ومغرضة في حق الخصوصية والهوية. وهذا لعمري سمة أخرى من سمات المغلوب، الرفض القاطع للغالب عوض التلاقح معه فيما يخدم الإنسانية. لا مندوحة لنا اليوم من التأثر بمن سبقنا في التقدم. وإذا كان المقصود بالانحطاط التاريخي مقارنة الحاضر بالقرون الأولى للإسلام، فهذه المرحلة أيضا من تاريخنا سوف لن تسعفنا كثيرا من النهوض في غياب عقل إسلامي منخرط في عالم العلم والمعرفة والحضارة الإنسانية.
الإسلام السياسي عموما والجماعة على الخصوص، لا يتبنى مبدأ المساواة لا بين الناس عموما وبالأحرى بين الجنسين لان الفوارق عندهم من مشيئة الله. في المقابل تنخرط الجماعة في مقاربة الانصاف لرفع الظلم الذي يصيب النساء إحقاقا للعدل، وفي هذا لم تتجاوز السقف الذي حدده المجلس العلمي الأعلى. الانصاف والعدل ضروريان، ولكنهما يظلان غير كافيين لتحقيق الكرامة التي تتوق لها النساء المبنية على رفع كل اشكال التمييز ضدهن وعلى المساواة من حيث القيمة الرمزية وما يتبعهما من المساواة في كل مناحي الحياة.
تقترح الجماعة لإنصاف النساء الجواب على ثلاث رهانات، أولها تربوي تعليمي (بالبحث عن أنجع المقاربات لانتزاع المرأة من رذيلة الجهل وعطالته، لتمكين النساء والفتيات في القرى والبوادي وفي الأحياء الهامشية للمدن من حقهن في التعليم. تعليم يمحو عنهن الأمية بمختلف أنواعها وعلى رأسها الدينية والأبجدية.)، ثانيها سياسي (تحدي نهوض المرأة لاقتحام عقبات النفس والخوف والعادات للانتفاض ضد الظلم والقهر والقمع، وإعداد القوة للمشاركة الفاعلة في إطار التدافع السلمي المشروع رفضا للطغيان وفضحا للفساد والمفسدين وإسهاما في إقامة دولة العدل.)، ثالثها تجديدي ( من خلال بناء رؤية على مستوى العملية الاجتهادية تتجاوز آفة التجزيء التي لا تقرأ تردي وضع المرأة باعتباره جزءا من التردي العام للواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والتعليمي، وآفة المقاربة الصراعية ضد الرجل الذي يفترض أن يكون الصنو الشقيق في الأحكام، وآفة الفقه الضيق المنحبس الذرائعي الذي يحبس المرأة ويحد من إنسانيتها وفاعليتها، ثم آفة التغريب التي تعكس الانبهار بحضارة الغرب الغالب، وما ينجم عن هذا من ضياع الوجهة وفقدان البوصلة بين هوية أصيلة مرجوة وتحرر تغريبي هاجم.)
لا أحد يشك في أن العلاقات الاجتماعية بين الجنسين مسألة مجتمع ودولة وتحتاج لمقاربة شمولية لتجفيف منابع التمييز المبني على الجنس. غير أن هذا يحتاج أيضا لفهم دقيق للديناميات التي تعمل على إنتاج اللامساواة والفوارق بين الجنسين، والتي تغذي ثقافة تمجيد الذكورة وتبخيس الأنوثة التي تُبقي على هذه الفوارق.
ولكن ماذا يعني هذا؟ هل نوقف كل الجبهات الأخرى انتظارا لحل هذه الإشكاليات التربوية والسياسية والفقهية؟ وكم سيلزمنا من الزمن؟ إن مفهوم التركيب ومفهوم السلطة le pouvoir ومقاربتيهما بالنسبة للعلاقات بين الجنسين تجعل من أن كل المعارك متصلة ببعضها البعض، وأن علاقات السلطة غير المتكافئة على أساس الجنس تؤسس لكل مناحي حياة البشر. ولذلك لا توجد على الإطلاق جبهة مؤجلة في الرؤية النسائية ببلادنا، إذ لا إمكانية للفعل إلا في تبني جدلية التركيب والوجود الدائم للسلطة.
وأما مقاربة الصراع مع الرجال، فيبدو أن هنا خلط وتشوش في فهم الأطروحة النسائية المغربية، بين مقولتي الرجل والذكورية. فالنسائية المغربية أبدا لم تشن يوما معركة على الرجال، ولكنها تحارب الذكورية كمنظومة ذهنية وفكرية مبنية على تبجيل الجنس الذكر، تستطبنها النساء أيضا ويستفيد منها الرجال.
وقد وردت تفاصيل عديدة بالوثيقة السياسية من أجل أن تصبح المرأة شريكا حقيقيا، لا تخرج عما هو متعارف عليه في السياسات الاجتماعية الموجهة للنساء عموما والأمهات وربات البيوت على الخصوص منها ما يدخل في باب الإنصاف، وآخر من أجل تعبئة النساء للقيام بالدعوة من أجل التغيير، وما إلى ذلك.
بين وثيقة القضايا التفصيلية والبلاغ حول مخرجات المجلس العلمي الأعلى: غلبت المحافظة على القصد الديني
قبل عرض مقترحات الجماعة ومستنداتها وقراءتها كما فهمتها، سأوجز باقتضاب محددات التصدير الذي تقدم عرض الرأي، وأعمل على مقارنتها مع ما جاء في البلاغ.
بُني رأي الجماعة على اعتبار أن إصلاح المجتمع يتوقف على إصلاح الفرد والحفاظ على تماسك الأسرة وتساكنها، لكن الغالب على الرأي مقابلة ذات اتجاه وحيد في علاقة ميكانيكية بين تحقيق العدل داخل الأسرة الذي لا يتأتى إلا بتحقق العدل في الدولة أولا. فالتناقض الرئيسي بالنسبة إليها هو مناهضة جور الدولة قبل أي شيء آخر. وحددت منطلقات الوثيقة التي تم التأكيد على بعض منها في البلاغ، "في أن المرجعية المعتمدة في هذا الورش هي المرجعية الدينية المستندة إلى القرآن الكريم والسنة المشرفة، وإلى الاجتهاد المؤسس على المقاصد الشرعية العامة، وعلى القوي مما خلفه علماؤنا في الفروع والأصول، دونما إغفال إلى ما توصلت إليه الحكمة البشرية من حلول ناجعة متعلقة بالأسرة، جامعة بذلك بين قدسية النص وحكمة العقل، تاركة ما شذ من أقوال في الفقه وانحسر من اجتهادات من سبقونا مما لم يراع فيه اختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والعوائد، وحاجيات الناس ومطالبهم، وما تغير من أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مع ميلها في الغالب إلى الراجح من الأقوال مما أثله السلف". إن هذه المنطلقات على المستوى النظري تبقى مفتوحة على مخرجات متعددة ومتنوعة حد التناقض. لكننا عندما نقف على ما اقترحته الجماعة لإصلاح المدونة، وما عبرت عنه من مواقف حول مقترحات الفتوى التي أنتجها المجلس العلمي الأعلى، تبين لنا أن المر لا يعدو أن يكون رد فعل سياسوي لا يساير الروح التي سادت في وثيقة القضايا التفصيلية. فبينما كانت هذه الأخيرة تعطي إشارة قوية على اهمية إصلاح المدونة بانخراطها فيه بما اقترحته من تعديلات، نجد البلاغ يعود إلى المواقف الأصلية المعارضة لكل ما يأتي من مؤسسات المخزن، مستعملة عبارات، على سبيل المثال، "لي أعناق النصوص خدمة للحاكم المحكوم بالأجندات الأجنبية"، فلا نعرف حقيقة في أي اتجاه ينحو هذا الموقف، هل خدمة للتقدم في إحقاق حقوق النساء أم العكس؟ وعبارات "المؤامرة والأجندات الأجنبية"، فماذا حدث بين يناير ودجنبر 2024؟ الم تكن الجماعة تعلم أن فتح مشروع المراجعة ليس مسلسلا لا نهاية له، بل هو مواعيد لابد أن تحترم؟ وحقيقة لا نرى اختلافا جوهريا فيما بين ما اقترحه المجلس الأعلى وما اقترحته الجماعة، بل ينتميان لنفس المعيار، وهو الإنصاف في حدوده الدنيا دون تكليف العقل عناء الاجتهاد، ولعله مجرد در الرماد في عيون المدافعات والمدافعين عن الإصلاح الشامل للمدونة، وإفراغ من كل معاني الإصلاح لمسار أريد له أن يكون فعلا إصلاحا يحترم القصد الديني حقيقة، والدستور والتزامات المغرب الدولية. وقد أفصحت الجماعة عن مقاربتها تجاه موضوع إصلاح المدونة بأنه لا يأتي بعد أن يتم تحقيق عدالة الدولة بمحاربة الفساد ونهب الخيرات مع التركيز على التربية والتنوير كشرطين لتحقيق العدل في الأسرة وفي المجتمع، وأن القانون لا يأتي إلا كخطوة مكملة لهذه الجهود. وهذا تناقض كبير بين المساهمة في التعديل في البداية ونفي جدوى العملية برمتها عندما خرجت بعض نتائجه.
فعندما تقول الجماعة إن الأولوية للنص الديني دون إغفال للعقل ومتطلبات الاجتماع، فإننا لا نرى في المقترحات ما يؤكد ذلك. وعندما ننغمس في التفاصيل التي تبلور بالملموس المفكر فيه، هنا تُدوخنا منعرجات الرأي، وتفقد أحيانا المقدمات جديتها وجدواها. فنتوه بين أنصاف اجتهادات لا هي تُموقِع الجماعة في مستوى مختلف عما ألفناه عند مكونات الإسلام السياسي الأخرى، ولا هي تستفز النقاش وتتقدم به نحو بناء فقه يميل إلى المعرفة العقلانية العلمية. وفي مطلق الأحوال، إن لم يتم الاشتغال على تفكيك حيثيات قوامة الذكورة بما يتوافق مع زمننا ومكاننا، من أجل العمل على بناء مقومات القيمة الرمزية المساواتية للنساء، وإرساء أسس أهليتهن الشرعية الكاملة غير المنقوصة، مما يحتاج إلى إعمال كثير من حكمة العقل في الاجتهاد وكثير من الجرأة أيضا، وهو ما لا نراه حتى الآن.
فلنقترب بالملموس من حيثيات رأي الجماعة في مراجعة المدونة، وأدرجها كما جاءت تباعا في وثيقة القضايا التفصيلية التي تهم مدونة الأسرة. وقبل ذلك لا بد من تسجيل ملاحظة على المستوى اللغوي، فالجماعة لا تزال لم تقطع مع استعمال معجم حمال لنفحة لا حقوقية ولا إنسانية في حق الأطفال والنساء والرجال أيضا، كاستعمال " أب غير شرعي"، و"ابن الزنا"، و"المتعة"، في تجاهل تام مع ما يعرفه النقاش العمومي.
1. تزويج القاصرات: في هذا الباب كانت الجماعة بنت عصرها، تستقرئ المعطيات التي توفرها المؤسسات المدنية والرسمية المعنية بذلك في موضوع تزويج القاصرات بغية إيجاد أجوبة تعالج الظاهرة. فبعد استعراضها للإشكالات القانونية والاجتماعية التي يعرفها موضوع تزويج القاصرات، وضعت مجموعة من المقترحات لم تقطع فيها مع هذه الإشكالات التي ذكرتها ولم تخرج من المنطق الذي ساد في المدونة والذي لم يعمل على حل المشكل، بل زاد في تفاقمه أحيانا، كتحديد سن زواج القاصر في 16 سنة شمسية واشتراط الضمانات مع الإبقاء على السلطة التقديرية للقضاء.. مشددا على ترك الاستثناء نظرا للتقاليد السائدة في بعض المناطق من البلاد. الملاحظ أن الجماعة لم تقطع مع المنطق الذي أطر المدونة في هذا الباب المكرس للتمييز ضد القاصرة الفقيرة الذي يؤطره "حمايتها من الفقر" وليس الحق في التمتع بالطفولة وتحمل الدولة مسؤوليتها في ذلك عندما يتعذر على الأسرة القيام به، والتمييز المجالي، المغرب العصري والمغرب النائي المعزول والمتروك لحاله خارج سيرورة التقدم. نحتاج لتضامن وطني لحماية القاصرات من الزواج بمنعه حتى السن 18 سنة، لا شيء يمكن أن يضمن هذه الحماية إلا بضمان التعليم والتكوين لهؤلاء الفتيات والفتيان أحيانا.
2. تدبير الأموال المكتسبة: الرأي يعترف بمسألة تدبيرها مع مجموعة من الاحترازات لضمانها، ولكنه لم يخرج من حدود قوامة الرجال على النساء وهنا أيضا سوف يتناقض مع مقدمات الرأي (التحولات الاجتماعية، إعمال العقل، وما توصلت إليه الحكمة البشرية…)
3. تعدد الزوجات: يعتبر في الرأي بمثابة "حق" يباح تقييده، وليس بمثابة إهانة للمرأة والرجل على حد سواء. بالنسبة للرجل، الشره الجنسي، والخوف من الزنى (هل نحن أمام بشر أم حيوانات تتحكم فيها الغرائز)، القدرة المادية على التعدد، والبحث عن الولد، وأين هي المودة والمساكنة التي تم الحديث عنها في اعتبارات هذا الرأي؟ وبالنسبة للمرأة، باعتبارها نصف إنسان أو ربعه.
4. الطلاق والتطليق بيد القضاء: بعد انتقاده لمكسب التطليق للشقاق بأنه لا يسمح بتوضيح السبب، وهل من سبب أكبر من يتجشم الإنسان مرارة طلب الطلاق الذي لا يذهب له أحد فرِحا؟ وتمت مجموعة من المقترحات تروم حماية المطلقة والأطفال مع التأكيد على أن يبقى الطلاق بيد القضاء، وهذا أمر في غاية الأهمية وقد تقدم فيه النقاش العمومي؛
5. استلحاق مقطوع النسب بأبيه غير "الشرعي": ("إن الشارع متشوف إلى ثبوت الأنساب، ولا يحكم بانقطاع النسب إلا حيث يتعذر إثباته"، ولذا سعت الشريعة إلى توسعة إثبات هذا النسب بالفراش والاستلحاق أو الإقرار، والبينة، والقافة أو حاليا بالخبرة الجينية.)، وقد وضعت الجماعة سلطة الحسم في الحالات المتعددة لسلطة القضاء (حالات المحارم وغيرها). وهذا رأي متقدم عن رأي المجلس العلمي الأعلى. رغم أنه يبقى غير مضبوط، بل بقي مشتتا وموزعا بين مخاوف الإضرار بالأسرة وتشجيع الفساد وهو ما يشترك فيه مع تقدير المجلس، وغلب عليه خطاب الموعظة والتوعد.
6. الحضانة: في هذا المطلب غلبت مصلحة المحضون وسلطة القضاء في تقدير ذلك وأن زواج الأم لا يلغي بشكل آلي إسقاط الحضانة.
7. النيابة الشرعية: أيضا اعتبرت فيها المصلحة الفضلى للمحضون(ة) مع السلطة التقديرية للقضاء وفق هذا المبدأ، ولكنها بقيت وفية لمبدأ القوامة إذ في حالة قيام العلاقة الزوجية وحده الرجل يضطلع بها؛
8. الإرث: الرأي مبني على قوامة الرجل وعلى حمايته للمرأة المتخيلة، إذ بقي منسجما ووفيا لمبدا "لا اجتهاد مع وجود نص"، مقتصرا على ما جاء به المجلس العلمي الأعلى تقريبا من أنصاف حلول، كالعُمرى والهبة أو الوصية بشروط.
بعض من خلاصات حول ورش إصلاح المدونة على ضوء هذه المحاولة في قراءة لرأي العدل والإحسان
أولا– تتحالف موضوعيا ثلاثة تيارات لمناهضة المساواة بين الجنسين ببلادنا وإن تعددت الذرائع، الإسلام السياسي من جهة (العدل والإحسان والعدالة والتنمية)، والفقه الرسمي أو لنقل مؤسسات المخزن بمعناه الواسع، و"الليبراليون" الخائفون على مصالحهم. أما ما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي من تقيؤ تعبيرات ذهنيات المجتمعات المتأخرة، ليس فحسب من لدن عامة الناس، وهذا أمر عادي ومنتظر، ولكن وأيضا من لدن المتعلمين منهم، بل أحيانا من المثقفين، فهو أمر وإن بدا ظاهريا سلبيا ومحبطا، ولكنه يشكل في حقيقة الأمر عملية تطهير الذات من أمراضها الاجتماعية، وتطبيع العلاقة شيئا فشيئا مع قضايا لم يسمع بها في المدرسة، ولكنها جاءت نتاجا لحياتنا اليومية، وما تعرفه المجتمعات الحديثة التي سبقتنا لهذا. فقد أصبحت ممانعة المساواة بين الجنسين غاية وجود الإسلام السياسي، وغاية الاستمرار في الوجود المتجدد بالنسبة للمخزن، ولا تشكل أولوية ويمكن التضحية بها في أي وقت بالنسبة للبرالية الاقتصادوية. وفي حقيقة الأمر، هم لا يتبنون مبدأ المساواة، ولا حقوق النساء، لذلك نراهم كلما فتح ملف المدونة، اختزل في الأسرة التي لا يختلف على أهميتها وادوارها على الفرد والجماعة، وهذا ليس هو مربط الاختلاف بيننا، الاختلاف يكمن في مكانة النساء في بناء هذه الأسرة، ومكانة فئات أخرى أيضا تتضرر جراء مقتضياتها، من الأطفال والرجال في وضعيات الهشاشة.
ثانيا- تربط جماعة العدل والإحسان بشكل ميكانيكي بين استبداد الدولة وأوضاع النساء المتردية، والحال أن العلاقة جدلية، يتغذيان على بعضهما البعض. فالأسرة المأمولة عند الجماعة سوف لن تحل لا استبداد الدولة ولا استبداد المجتمع، لأنها مبنية على تكاملية تراتبية بين النساء والرجال. فكل استقرار مبني على حساب النساء مآله السراب. ولا مخرج لنا إلا إذا اعتبرنا دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع سيرورة واحدة غير مجزأة تنأى بنا عن الدائرة الفارغة نحو دائرة فضلى.
ثالثا- يشترك الإسلام السياسي بمجموع مكوناته الجماعية المنظمة أو الفردية، في مناهضة المساواة بين النساء والرجال، في اعتماد استراتيجية بشكل واع أو غير واع تتغيى نشر الخوف والهلع من جهة، ودغدغة عواطف الناس من جهة أخرى. ومن أجل ذلك تعتمد في على أذلك على أشكال متعددة ومتضامنة من الخطاب/الأسلحة:
1. الخطاب الرومنسي للأسرة والمجتمع التي تصور الأسرة على أنها محضن تعمه المساكنة والمودة والرحمة والتي عليها يتوقف كل استقرار مأمول لمجتمع التآخي والتعاضد. فلماذا يُفضَّل الحفاظ على التناقض بين الممارسات الاجتماعية اليومية وبين التعبيرات اللفظية؟ أي البقاء على "نفعل ما لا نقول، ونقول ما لا نفعل"، بحيث يصدق علينا قول افرانك كافكا، " أكتب ما لا أقول، وأقول ما لا أفكر فيه، وأفكر خلافا لما يجب أن أفكر فيه، وهكذا دواليك إلى بلوغ أعماق الظلام."
إن التسويق لخطاب حول أسرة مثالية متخيلة مأمولة أكثر منها واقعية لا يشكل إلا مناورة من تلك المناورات التي تتغير مع ما يحدث من تقدم في النقاش العمومي للاستراتيجية الذكورية الأبوية للحوول دون إحقاق حقوق النساء وبلوغ المساواة بين الجنسي، ليس إلا. بينما الجميع على أتم العلم بأن هذه الأسرة غير موجودة بالمطلق في الحياة اليومية، فهي عبارة عن تجاذبات وصراعات يومية طبيعية في كل كيان حي. وأنها ليست على وتيرة واحدة تختلف حسب الانتماءات الطبقية والمجالية، وتشكل فيها النساء الحلقة الأضعف والأكثر معاناة والأقل اعترافا بأدوارها…
2. خطاب المؤامرة والتغريب والأجندات الأجنبية التي تستهدف الهوية والأسرة والمجتمع، وأن "الآخر دوما يريد بي شرا". إن هذا الخطاب مألوف وقديم عمره أزيد من قرنين وهو من العوامل التي عملت على انغلاق المغرب وعجزه عن التجديد لا خارج تأثير المتآمرين ولا بالموازاة لهم، أدى إلى تأخره التاريخي.
3. خطاب الديمغرافيا وخطر العزوف عن الزواج، وهو سلاح مستجد في استراتيجية مناهضة المساواة، جاء مع ظهور بعض من نتائج الإحصاء العام للسكنى والسكان (2024). فالتغيرات الديمغرافية كما سلف بسطه أعلاه، ناتج عن عوامل كثيرة ولا علاقة للقانون إطلاقا بها لأن بكل بساطة حياتنا اليومية لا تتوقف عليه وإلا لفنى معظم غير العارفين به. ولكنه بطبيعة الحال يصبح حيويا عند الحاجة، لمَّا يختلف الناس في تدبير أمورهم.
4. سلاح "لا اجتهاد مع وجود نص"، ولا نعرف والحالة هذه متى يُحتاج للاجتهاد؟ فالناس يجدون الأجوبة لأسئلتهم اليومية الضاغطة دونما حاجة للإكليروس وسطاء الدين. وهنا يصبح كل كلام عن الاجتهاد وإعمال حكمة العقل وما توصلت إليه البشرية مجرد فذلكة تشوش على التقدم.
5. سلاح "المجتمع غير راض": الكلام باسم المجتمع كأن هناك من يملك مفاتيحه دون الآخرين. غير أننا بدأنا نتلمس بعض الشيء تبلور ثقافة الاعتراف بالآخر المختلف وإن كانت لاتزال لم تنضج بشكل كاف للاعتراف بالمكونات المتباينة للمجتمع المغربي وبحقها في التعبير عن نفسها في الفضاء العام. فما نراه على شبكات "التواصل" الاجتماعي من تعبيرات مناهضة للمساواة بين الجنسين تبدو غالبة، فإنما ذلك لا يعدو ما نراه من جمهور في المستشفى، فنتصور أن الجميع مريض، أو في الشواطئ فنتخيل الجميع في السباحة. لا أحد يملك السلطة للكلام باسم المجتمع، بل نحتاج للاقتراب من معرفة تنوعه وتعدد مشاربه وسلوكياته وميولاته، في انفتاح على بعضنا البعض عبر النقاش العمومي السلمي الدامج.
وختاما، أحب أن أنهي هذه المقالة كنسائية تختلف مع المرجعية الدينية التي تعتمدها الجماعة، وبالخصوص مع السقف الضيق المعتمد مقارنة مع ما يتيحه الافق الإسلامي علاقة بحقوق النساء، بتقديري لمشاركة الجماعة بالنقاش الهادئ في القضايا التي تهم بلادنا، وبالدور الذي تلعبه بذلك في استقرار البلاد وتوازنها. فالاستقرار ليس وصفة فردية، وليس وصفة مؤسسة بعينها، ولكنه كيمياء جماعية لكل مكونات المجتمع نتحمل مسؤوليتها جميعا دولة وشعبا.
يناير 2025
الجزء الأول
الجزء الثاني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.