الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطفى ازعيتراوي يكتب: استيراد النفايات بالمغرب.. غموض وجدل دائمان
نشر في لكم يوم 25 - 08 - 2024

تُعتبر قضية استيراد النفايات من أكثر القضايا البيئية إثارة للجدل في المغرب، خاصة بعدما تم استيراد 2500 طن من النفايات من إيطاليا في عام 2016 (بعض النقاط المتعلقة بهذه القضية تم توضيحها في مقال نُشر على موقع "لكم" في يونيو 2016). ورغم مرور السنوات، لم يهدإ الجدل، حيث عاد إلى الواجهة مؤخرًا مع تقارير إعلامية تتحدث عن استيراد 2.5 مليون طن من النفايات، من دول أوروبية.
هذا النقاش المستمر يُظهر قلقًا متزايدًا لدى المواطنين حول تأثيرات هذه النفايات على البيئة والصحة العامة، ويعكس أيضًا الحاجة إلى مزيد من الشفافية والمعلومات من الجهات الحكومية المسؤولة على قطاع البيئة.

إن نقص المعلومات المتاحة وضعف الشفافية الحكومية يزيدان من تعقيد القضية، مما يستدعي فهمًا شاملاً للأبعاد القانونية والاجتماعية والثقافية المرتبطة بإدارة النفايات. فالاستيراد العشوائي للنفايات قد تكون له تداعيات خطيرة، ليس فقط على البيئة والصحة العامة، ولكن أيضًا على ثقة المواطنين في المؤسسات الحكومية وقدرتها على حماية المصلحة العامة. لذلك، من المهم أيضًا توضيح بعض النقاط التي نعتبرها ذات أهمية لفهم الآثار القانونية والاجتماعية والبيئية لهذه الممارسات.
النفايات كموارد وليس كتهديد
تُعتبر النفايات عادةً مشكلة بيئية وصحية، ولكن مع التقدم التكنولوجي واعتماد سياسات بيئية مستدامة، تحولت النفايات إلى موارد ذات قيمة يمكن الاستفادة منها، بدلاً من اعتبارها تهديدًا. يقوم هذا التحول على مفهوم الاقتصاد الدائري، الذي يسعى إلى تحويل النفايات إلى موارد، من خلال عمليات مثل إعادة التدوير، وإعادة الاستخدام، وتحويل النفايات إلى طاقة.
إعادة التدوير هي واحدة من الطرق الأساسية لتحويل النفايات إلى موارد. يمكن تحويل النفايات البلاستيكية، والمعدنية، والورقية إلى مواد خام تُستخدم في تصنيع منتجات جديدة، مما يقلل الحاجة إلى استهلاك المواد الأولية الطبيعية، ويقلل من التأثير البيئي المرتبط باستخراج هذه الموارد. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تحويل النفايات إلى طاقة من خلال حرق النفايات غير القابلة لإعادة التدوير، وهي النوع الذي يستورده المغرب، مما يتيح توليد الطاقة الكهربائية أو الحرارية. هذه العملية لا تقلل فقط من كمية النفايات التي تصل إلى المطارح، بل توفر أيضًا بديلاً للوقود الأحفوري، مما يقلل من الاعتماد عليه. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للنفايات العضوية، مثل مخلفات الطعام والنفايات الخضراء، أن تُحوَّل إلى سماد عضوي يُستخدم لتحسين خصوبة التربة في الزراعة، مما يقلل من الاعتماد على الأسمدة الكيميائية، ويعزز من الزراعة المستدامة. إلى جانب الفوائد البيئية، يمكن استخدام النفايات كمورد لتوليد فرص اقتصادية جديدة، وخلق وظائف في قطاعات، مثل إعادة التدوير وإدارة النفايات، مما يساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي ويقلل من التكاليف المرتبطة بمعالجة النفايات والتخلص منها.
بالتالي، بدلاً من النظر إلى النفايات عل أنها معضلة تتطلب التخلص منها، يمكن اعتبارها موردًا ثمينًا يساهم في تحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية. فمن خلال سياسات تدعم إعادة التدوير، وتحويل النفايات إلى طاقة، والاستخدام المستدام للمواد، تستطيع المجتمعات تحويل التحديات البيئية إلى فرص للتنمية المستدامة وتحسين نوعية الحياة.
تنظيم استيراد النفايات: من القوانين الدولية إلى التشريعات الوطنية
تخضع عملية استيراد النفايات لمجموعة من القوانين الدولية والإقليمية والوطنية، التي تهدف إلى تنظيم نقل وإدارة النفايات بشكل مستدام وآمن. تُعد اتفاقية بازل (La Convention de Bâle) الإطار القانوني الدولي الرئيسي الذي ينظم حركة النفايات الخطرة عبر الحدود، وتهدف إلى تقليل نقل هذه النفايات بين الدول، خاصة من الدول المتقدمة إلى الدول النامية. وبالمثل، تُعد اتفاقية باماكو (Convention de Bamako) بديلاً إفريقيًا لاتفاقية بازل، حيث تحظر استيراد أي نفايات خطرة إلى القارة الإفريقية، وتعزز من الضوابط على إدارة النفايات الخطرة في المنطقة.
في الاتحاد الأوروبي، ينظم القانون (CE) رقم 1013/2006 نقل النفايات بين الدول الأعضاء وخارج الاتحاد، مما يضمن أن عمليات النقل تتم وفقًا لمعايير بيئية صارمة .يتطلب القانون من الدول الأعضاء الالتزام بإجراءات دقيقة تشمل الإبلاغ المسبق والموافقة على نقل النفايات، والتأكد من أن النفايات ستُدار بطريقة آمنة ومستدامة في الوجهة النهائية. كما يشدد القانون على أهمية الشفافية والمراقبة لضمان أن عمليات النقل لا تنتهك القوانين البيئية أو تتسبب في أي أضرار بيئية. بفضل هذا القانون، يتأكد الاتحاد الأوروبي من أن النفايات، وخاصة الخطرة منها، لا تُنقل إلى دول ذات قدرات أقل في إدارة النفايات، مما يساهم في منع التلوث البيئي العابر للحدود. كما يعزز هذا الإطار القانوني التعاون بين الدول الأعضاء لضمان تنفيذ أفضل الممارسات البيئية في إدارة النفايات، ويشجع على تعزيز الاقتصاد الدائري من خلال إعادة التدوير والاسترداد الآمن للموارد.
أما على المستوى الوطني في المغرب، يُعد القانون رقم 28.00 الإطار القانوني الرئيسي الذي ينظم إدارة النفايات والتخلص منها. يحدد هذا القانون الإجراءات والمعايير الخاصة بإدارة النفايات، بما في ذلك استيراد النفايات الخطرة، ويوفر الأسس لإنشاء خطط إدارية لتدبير النفايات على المستويات الوطنية والجهوية والمحلية. يشمل القانون تدابير لضمان أن عمليات الاستيراد والتخلص من النفايات تتم بطرق تحمي البيئة والصحة العامة.
استيراد وتصدير النفايات في أوروبا: بين إدارة البيئة واسترداد الطاقة
على عكس ما يُعتقد عادة، فإن دول الاتحاد الأوروبي ليست فقط مُصدرة للنفايات، بل هي أيضًا مستوردة لها. العديد من هذه الدول تستورد كميات كبيرة من النفايات لأغراض إعادة التدوير واسترداد الطاقة، مما يُسهم في تقليل بصمتها البيئية وتعزيز الاستدامة. بفضل البنية التحتية القوية، والتقنيات المتقدمة التي تمتلكها، تلعب هذه الدول دورًا محوريًا في إدارة النفايات على مستوى الاتحاد الأوروبي وخارجه.
فهولندا، على سبيل المثال، تُعد من أكبر مستوردي النفايات في أوروبا، حيث تستورد نفايات متنوعة لأغراض إعادة التدوير، وتحويلها إلى مواد قابلة لإعادة الاستخدام، وكذلك لاسترداد الطاقة من النفايات غير القابلة للتدوير، عبر تقنيات الحرق، لتوليد الكهرباء والحرارة.
وألمانيا، رغم كونها واحدة من أكبر مصدري النفايات، تستورد أيضًا نفايات تحتاج إلى معالجة خاصة، مثل النفايات الصناعية والخطرة. تعتمد ألمانيا على تقنيات متقدمة لإعادة تدوير هذه المواد، مما يساعد في الحد من التأثير البيئي وتعزيز الإدارة المستدامة للنفايات.
والسويد تعتمد على استيراد النفايات لاسترداد الطاقة، إذ تمتلك محطات حرق متطورة، تقوم بتحويل النفايات إلى طاقة كهربائية وحرارية. هذا النهج لا يقلل من الاعتماد على الطاقة الأحفورية فحسب، بل يساهم أيضًا في خفض الانبعاثات الضارة، مما يعزز مكانتها كدولة رائدة في إدارة النفايات المستدامة.
وبلجيكا تركز على استيراد النفايات البلاستيكية والصناعية من الدول المجاورة بهدف إعادة تدويرها، وذلك بفضل بنيتها التحتية المتطورة في هذا المجال. يعزز هذا، التعاون الإقليمي في إدارة النفايات، ويقلل من البصمة البيئية للمنطقة ككل.
والنرويج، رغم عدم عضويتها في الاتحاد الأوروبي، تلعب دورًا مهمًا في إدارة النفايات في المنطقة، من خلال استيراد النفايات البلدية من دول الاتحاد الأوروبي لاسترداد الطاقة. بفضل تقنياتها المتقدمة، تحول النفايات إلى موارد طاقة بطرق صديقة للبيئة، مما يساعدها في تلبية احتياجاتها من الطاقة بشكل مستدام.
هذه الدول، من خلال قدراتها وبنيتها التحتية المتقدمة، لا تكتفي بإدارة نفاياتها بكفاءة فقط، بل تساهم أيضًا في الإدارة الدولية للنفايات، مما يُسهم في تقليل الأثر البيئي العالمي.
مفاهيم " الوسخ" و" النقاوة" في السياق الثقافي المغربي
في السياق المغربي، تُعتبر مفاهيم " الوسخ" (القذارة) و " النقاوة" (النظافة) جزءًا من الثقافة والممارسات اليومية التي تؤثر على كيفية تعامل الناس مع النفايات. تُشكل هذه المفاهيم تصورات الجماعات والأفراد حول ما يُعتبر مقبولاً أو غير مقبول، مما يؤثر بشكل كبير على إدارة النفايات في الفضاءات العامة والخاصة. وفقًا للباحثة ماري دوغلاس (Mary Douglas) في كتابها الطُهْر والخطر (Purity and Danger)، تعتبر النفايات "مواد خارجية" لا تنتمي إلى النظام الاجتماعي المقبول، وبالتالي تُعتبر "قذرة". هذا الفهم يؤثر على السلوكيات المجتمعية حول التخلص من النفايات، حيث يُفضِّل الأفراد التخلص من النفايات بعيدًا عن منازلهم ومحيطهم المباشر، مما قد يؤدي إلى ممارسات غير قانونية مثل التخلص العشوائي من النفايات.
في المغرب، يتعمق هذا التصور بسبب القيم الاجتماعية والثقافية التي تعزز من فكرة الحفاظ على "النظافة" في المجال الخاص، بينما تُهمل أحيانًا نفس القيمة في المجال العام. يرى هنري لوفيفر (Henri Lefebvre) أن الفضاءات العامة والخاصة تُشكل العلاقة بين الناس والنفايات. في الفضاءات الخاصة، يميل الأفراد إلى التحكم الدقيق في كيفية إدارة نفاياتهم، معتبرين نظافة منزلهم ومساحتهم الخاصة كأولوية. بينما في الفضاءات العامة، تصبح النفايات مسألة جماعية تُدار غالبًا عبر السياسات العامة والتدخلات الحكومية، مما يخلق فجوة بين المسؤولية الفردية والجماعية.
تساهم هذه التصورات في تحديد السياسات العامة لإدارة النفايات في المغرب. ففي حين تركز السياسات على الحفاظ على نظافة الأماكن السياحية والأحياء الراقية، قد يتم إهمال المناطق الهامشية، حيث تُترك النفايات دون معالجة فعالة. يمكن أن يؤدي هذا إلى نتائج عكسية، حيث تُفهم السياسات البيئية على أنها غير عادلة أو تمييزية، مما يزيد من عدم الثقة بين المواطنين والجهات المسؤولة عن إدارة النفايات.
الباحث جيرارد برتوليني (Gerard Bertolini) يؤكد في أبحاثه أن إدارة النفايات لا يجب أن تقتصر على التدابير التقنية والقانونية فقط، بل يجب أن تأخذ بعين الاعتبار العوامل الثقافية والاجتماعية التي تؤثر على سلوكيات الأفراد والمجتمعات. في السياق المغربي، تحسين إدارة النفايات يتطلب تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الحفاظ على النظافة في الفضاءات العامة والخاصة، مع التركيز على البعد الاجتماعي الذي يدعم إشراك جميع أفراد المجتمع في جهود حماية البيئة. لذلك، من الضروري تكثيف حملات التوعية البيئية وتسهيل الوصول إلى المعلومات البيئية بشفافية، لتمكين المواطنين من فهم آثار النفايات بشكل أعمق، وتعزيز شعورهم بالمسؤولية الجماعية.
التواصل الحكومي والشفافية
تُعتبر الشفافية الحكومية والتواصل المفتوح مع المواطنات والمواطنين أمورًا حيوية لضمان ثقة المواطنين ودعمهم لسياسات إدارة النفايات، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا حساسة مثل استيراد النفايات. في المغرب، كشفت قضية استيراد النفايات، سواء في عام 2016 أو في العام الحالي 2024، عن نقص واضح في الشفافية والمعلومات المتاحة للرأي العام. هذا النقص يؤدي إلى زيادة الشكوك والمخاوف بين المواطنين، ويصعب عليهم تكوين رأي مبني على معلومات دقيقة وموثوقة.
من الضروري أن تقدم الحكومة المغربية، ممثلة في وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، تحت قيادة الوزيرة ليلى بنعلي، توضيحات شاملة ودقيقة بشأن الأسباب والعمليات والتدابير المتعلقة باستيراد النفايات. ينبغي أن تتضمن هذه التوضيحات معلومات عن أنواع النفايات المستوردة، وأماكن معالجتها، والتدابير المتخذة لضمان سلامتها البيئية والصحية. كما يجب على الحكومة توفير إمكانية الوصول إلى الوثائق والمعاهدات ذات الصلة، بما في ذلك نتائج التحليلات المخبرية التي تؤكد خلو النفايات من المخاطر.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة المغربية الالتزام بمعايير الشفافية الدولية، مثل تلك المنصوص عليها في اتفاقية آرهوس (Aarhus Convention) التي تركز على حقوق المواطنين في الوصول إلى المعلومات البيئية والمشاركة في صنع القرارات البيئية، واللجوء إلى العدالة في المسائل البيئية. تفعيل هذه المعايير في السياسات البيئية المغربية يمكن أن يعزز من مشاركة المواطنين في إدارة النفايات.
إن القوانين البيئية مثل القانون 28.00 في المغرب، واتفاقيات بازل وباماكو، توفر إطارًا قانونيًا قويًا لإدارة النفايات، ولكنها تتطلب التزامًا شفافًا من قبل السلطات لضمان الامتثال والفعالية. فبدون شفافية كافية، قد يشعر المواطنون بأنهم مستبعدون من عمليات صنع القرار البيئي، مما يقلل من فعالية السياسات البيئية، ويؤدي إلى عدم الثقة في المؤسسات الحكومية.
دور الإعلام والمجتمع المدني
في ظل نقص المعلومات الرسمية، يجب على الإعلام والمجتمع المدني أن يلعبا دورًا حاسمًا في نشر الوعي البيئي وتقديم المعلومات الدقيقة.
في المغرب، يلعب الإعلام المستقل والمجتمع المدني الجاد دورًا حيويًا في تعزيز الشفافية وتوعية الساكنة بقضايا البيئة والنفايات. خاصة في حالات حساسة مثل استيراد النفايات، يمكن لوسائل الإعلام أن تكون وسيلة قوية لنشر الوعي وتوضيح الحقائق حول الموضوع.
في هذا السياق، يجب على وسائل الإعلام أن تكون نشطة في إجراء تحقيقات مستقلة، وتقديم تقارير موثوقة حول تأثير النفايات المستوردة على البيئة والصحة العامة. يمكن للإعلام أن يلعب دورًا في مكافحة المعلومات المُضلِّلة والشائعات، من خلال تقديم تقارير مستنِدة إلى أدلة، وبذلك يساهم في بناء ثقة المواطن.
إلى جانب الإعلام، فإن المجتمع المدني المغربي يمتلك دورًا بارزًا في هذا المجال. تلعب المنظمات غير الحكومية والجمعيات البيئية دورًا هامًا في مراقبة سياسات الحكومة، والتأكد من التزامها بالمعايير البيئية، إذ تقوم هذه المنظمات بتنظيم حملات توعوية مبنية على بيانات موثوقة ودراسات علمية، مما يساعد على تعزيز فهم الجمهور لقضايا النفايات ودورها في التنمية المستدامة.
في السياق المغربي، تبرز أهمية التعاون بين الحكومة، الإعلام، والمجتمع المدني لضمان أن تكون سياسات إدارة النفايات فعالة ومستدامة ومقبولة اجتماعيًا. بدون هذا التعاون، ستظل جهود إدارة النفايات محدودة التأثير، وقد تواجه مقاومة من المجتمع الذي يشعر بأنه غير مُمثَّل في صنع القرارات البيئية التي تؤثر على حياته اليومية. لذلك، فتعزيز الشفافية والمشاركة العامة ليس فقط حاجة قانونية أو بيئية، بل هو أيضًا ضرورة اجتماعية لتحقيق العدالة البيئية.
في الختام، يتضح أن معالجة قضية استيراد النفايات في المغرب تتطلب تبني مقاربة مندمجة تأخد بعين الاعتبار كافة الأبعاد القانونية، والاجتماعية، والبيئية، والثقافية. يجب أن تكون هناك جهود ملموسة لتعزيز الشفافية الحكومية وتحسين قنوات التواصل مع المواطنين، بحيث يتم تقديم معلومات دقيقة وواضحة حول سياسات استيراد النفايات وتأثيراتها المحتملة على الصحة العامة والبيئة. إن توفير هذه المعلومات بطريقة شفافة يمكن أن يساهم في بناء الثقة بين المواطنين والجهات الحكومية المسؤولة عن قطاع البيئة، مما يعزز من فعالية هذه السياسات.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يكون للمجتمع المدني ووسائل الإعلام دور أساسي في هذا الإطار، وذلك من خلال تقديم تقارير وتحليلات مبنية على بيانات دقيقة وموثوقة. يجب أن تُستخدم هذه المعلومات لدعم التوعية البيئية ونشر فهم أعمق لتأثير النفايات وكيفية إدارتها.
– أستاذ الجغرافيا البشرية بالكلية المتعددة التخصصات بخريبكة، جامعة السلطان مولاي سليمان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.