داعب عمرو سليم، فنان الكاريكاتير بجريدة "المصري اليوم" ذاكرة القراء بخطوط ساخرة عن السلفيين وانتخابات مجلس النواب المقرر لها ان تبدأ 17 الشهر القادم ( أكتوبر) . رسم الكاريكاتير المنشور بعد فتح باب الترشح للانتخابات البرلمانية الأولى في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي مطلع الشهر الجاري يعيد الى الأذهان أداء النواب السلفيين في برلمان عام 2011 وقيام عدد منهم بطرح قضايا اجتماعية مثيرة تحت القبة مثل خفض سن الزواج اقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم وزواجه بالسيدة عائشة. ومن ينظر بدقه الى هذا الكاريكاتير سينتبه الى لافتة تحمل اسم "حزب النور" السلفي في خلفيه الرسم . وهذا هو أكبر وأهم الأحزاب السلفية في مصر وقد حصد بمفرده نحو 22 في المائة من المقاعد في أول برلمان بعد ثورة يناير. وحصل حينها على 7.5 مليون صوت من اجمالي نحو 27 مليونا صوتوا في هذه الانتخابات . و حل حينها ثانيا بعد حزب "الحرية والعدالة " الذراع السياسي لجماعة الإخوان، والذي اصبح محظورا الآن . وقبل نحو اسبوع واحد من فتح باب الترشح للتنافس على 600 مقعدا هي اجمالي مقاعد المجلس من بينها 420 بالنظام الفردي و البقية بالقائمة المطلقة دشن ساسه ليبراليون ويساريون حمله بعنوان "لا لأحزاب الدينية". وتعقد الحمله غدا الأحد مؤتمرا صحفيا بالقاهرة لتعلن نتائج جهودها لجمع مليون توقيع على استمارة تشبه تلك التي اطلقتها حملة " تمرد للاطاحة بالرئيس المعزول " مرسي". والاستمارة تسعي هذه المرة لحل الأحزاب الموصوفه بالدينية يتقدمها حزب "النور". وعلما بأن الأحزاب ذات المرجعية الدينية التي لم يصرح بها قانونا إلا بعد ثورة يناير 2011 كان قد بلغ عددها نحو 15 من بين نحو مائة حزب جديد بعد الثورة . ويبلغ إجمالي عدد الأحزاب السلفية خمسة اشهرها وأقواها ظل بلا منازع "النور". وكغيرهم من الأحزاب الدينية انقسم السلفيون الحزبيون بين مؤيد لمرسي شارك في اعتصام رابعة العدوية تحت مظله ما يسمي " بتحالف دعم الشرعية " المعارض وبين مؤيد للسيسي ولانتخابه رئيسا للبلاد . وفي كل الأحوال اصبح "النور" هو الحزب الاسلامي الأهم المتحالف مع نظام مابعد 3 يوليو 2013 ومن بين أبرز الداعمين للسيسي . ويرى مراقبون ان هذا الحزب سيكون الوحيد من بين الأحزاب الدينية الذي سيخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة على مقاعد القوائم والفردي معا. حملة "لا للأحزاب الدينية" بين النجاح والفشل اتصلت موقع "لكم " بأكثر من قيادة من "النور" في سياق هذا التحقيق إلا انه تعذر الحديث مع اي منها. لكن ياسر برهامي، نائب رئيس "الدعوة السلفية " الظهير الجمعياتي والفقهي لحزب " النور" كان قد استهزأ في تصريحات سابقة لمجلة "المصور" المصرية بحمله "لا للأحزاب الدينية "، واعتبرها "قد فشلت"، وقال: "لن تنجح الحملة في اسقاط حزب النور في الانتخابات . بل ستأتي بنتائج ايجابيه لصالحه ". وشدد برهامي على أن الحزب يستمد شرعيته من المادة الثانية من الدستور المصري التي تقول بان "الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع " . إلا ان الدكتور جمال زهران، القيادي بالحمله ومنسق "تحالف العدالة الاجتماعية" الذي يخوض بدوره الانتخابات البرلمانية قال ل "لكم": "الحملة ناجحة وجمعنا بعد اقل من عشرة ايام من انطلاقها اكثر من 650 ألف استمارة ضد الاحزاب الدينية حتى يوم الخميس الماضي". واوضح قائلا:"الحملة تستند الى مخالفة تأسيس الاحزاب الدينية للمادة 74 من الدستور التي تحظر قيام احزاب على اساس ديني . وقد تقدمنا ببلاغ الى لجنة الأحزاب المنوطة بتنظيم الحياة الحزبية ضد 12 حزبا دينيا يتقدمها النور. وقامت اللجنة على الفور بدفع البلاغ الى النيابة للتحقيق". وعلما بان جولة خاضها محامون علمانيون لحل العديد من الأحزاب الدينية أمام القضاء قبل عام فشلت في المس بأي حزب باستثناء حزب الإخوان "الحرية والعدالة"، والذي قررت السلطات حظره، لكن لاتهامه بالإرهاب. و يدلل زهران على نجاح حملة "لا للأحزاب الدينية " بتراجع أحزاب مدنية كانت تعتزم عقد تحالفات انتخابية مع "النور" وبأن الحملة تمكنت من دفع سلفيي النور الى مواقع الدفاع عن انفسهم والزعم بانهم "ليسوا حزبا دينيا"، فضلا عن اعلان الحزب انه لن يضمن برنامجه الانتخابي هذه المرة المناداة بتطبيق الشريعة الاسلامية. ويتوقع القيادي بالحملة وهو بالأصل استاذ للعلوم السياسية بجامعة قناة السويس ألا يحصل حزب النور على اكثر من عشرة مقاعد فقط في الانتخابات المقبلة.. أي أقل من 2 في المائة من اجمالي نواب البرلمان. ويقول: "لقد فقدوا نفوذهم في الريف والأقاليم لأن ثورة 30 يونيو 2013 ازاحت كل من يوظفون الدين لأغراض سياسية من الساحة ". وعندما سأل الموقع الدكتور زهران عن استمرار التحالف بين هذا الحزب والسيسي قال: "السلفيون اعتادوا التوحد مع كل سلطة، لكنهم ليسوا بأي حال شركاء في ثورة 2011 أو 2013 ". وعاد وقال: "المشكلة انه لا توجد إرادة سياسية حاسمة من الدولة للتعامل مع السلفيين مع انهم الوجه الآخر للإخوان ". وألمح الى حسابات إقليمية للحكم في مصر، وذلك دون أن يصرح مباشرة باسم "السعودية " الداعم الاقليمي لكل من السلفيين وحزب النور.. وأيضا نظام السيسي. وعلى خلاف من هذا الرأي يذهب الإسلامي والباحث في الإسلام السياسي الدكتور كمال حبيب، الى ان حملة "لا للأحزاب الدينية" ولدت ميته ولا تمتلك بالأصل مقومات نجاحها . وقال ل "لكم": "الأحزاب المدنية تعاني من افتقاد الشعبية والتشرذم وتتعثر في انجاز قوائمها واستكمال مرشحيها لانتخابات البرلمان . وهي على هذا النحو أحبت ان تستغل السياق السياسي المناهض للاخوان لتوظيفه في ضرب حزب النور السلفي. ولأنه الوحيد الذي باستطاعته استكمال قوائمه ومرشحيه من دون الحاجة الى آخرين". ولفت حبيب، وهو إسلامي ناقد للإخوان ومؤيد للثلاثين من يونيو: "بالقطع الحملة ولدت ميته لأن من أطلقوها عجزوا عن التواصل مع الناس.. بل ان عمليه جمع التوقيعات سرعان ما تراجعت .. وحتى الحضور الإعلامي للحملة سرعان ما اصابه الضعف". "النور" السلفي.. نحو مقاعد أقل ويرى حبيب أن السلفيين لن يحصلوا على ما حصدوه من نسبه ومقاعد في البرلمان السابق عام 2011 /2012 . وفسر ذلك قائلا: "بالأصل كان موجه التعاطف مع الاسلاميين و منحهم فرصة عالية بعيد ثورة 25 يناير. وفي الحقيقة فان الإسلاميين فازوا بمقاعد أكبر كثيرا من وجودهم الحقيقي في الشارع. لكن هذه المرة وفي ظل المواجهة مع الأحزاب الاسلامية على اطلاقها باستثناء النور فان هذا الحزب بدوره سيلحق به جانب من آثار المناخ المعادي للاسلاميين عامة. وربما سيحصد ما بين 7 و 15 في المائة من اجمالي مقاعد البرلمان". ويضيف سببا آخر لتآكل فرص الحزب في الانتخابات حين يشير الى ان جانبا لا بأس به من قواعد الحزب انفصلت عنه في اعتصام رابعة العدوية ودعمت الرئيس المعزول مرسي ومازالت. والمعروف ان اجمالي حصه الأحزاب الاسلامية في البرلمان السابق بلغت نحو 70 في المائة من المقاعد. وقد تصدرها حزب "الحرية والعدالة" الذراع السياسي لجماعة الإخوان بنحو 42 في المائة. وحينها ترأس القيادي بهذا الحزب البرلمان المصري في سابقة لم تعرفها البلاد، فيما شغل أشرف ثابت القيادي ب "النور" منصب وكيل البرلمان. وإذا كان ثابت قد توراي عن الأضواء فإن الكتاتني يقبع حاليا في السجن مع رفاقه من قادة جماعة الإخوان مرتديا البدلة الحمراء المخصصه للمحكوم عليهم بالإعدام. وعلى اي حال فان البرلمان السابق الأول بعد ثورة يناير لم يستكمل عامه الأول . وسرعان ما قام المجلس العسكري الحاكم حينها بحله استنادا الى حكم ببطلان جانب من القانون الانتخابي صدر من المحكمة الدستورية. وظلت مصر اعتبارا من يونيو (شهر 6) عام 2012 والى حينه بلا برلمان . ومن جانبه ينخفض أحمد بان، الباحث في الإسلام السياسي بسقف توقعات مقاعد حزب "النور" السلفي الى خمسة في المائة فقط . وهو على هذا النحو يضع تقديرا يتوسط ما ذهب اليه كل من زهران وحبيب، وإن اتفق معهما في انحسار شعبية الحزب عما كان عليه في انتخابات برلمان 2011. وقال بان ل "لكم": "التيار السلفي العام لم يعد مع هذا الحزب كما كان عليه الحال في السابق. وبعد رابعة العدوية تحول الجزء الأساسي من هذا التيار الى تأييد الإخوان وهجر النور لمواقفه المؤيدة للاطاحة بمرسي ". وأضاف: "قد لا يتجاوز مؤيدو حزب النور الآن بين التيار السلفي العام الذي يعد الحاضنه الجماهيرية والفقهية للأحزاب السلفية سوى عشرة في المائة ليس إلا". "الصناديق بيننا وبينكم" وسأل موقع "لكم" الدكتور حبيب: "هل يتحول حزب النور الى المعارضة السياسية في البرلمان القادم؟" ، فأجاب: "النور حزب لايريد الوصول الى السلطة. وكل ما يطمح اليه هو لعب دور في التجهيز لتشريعات اسلامية من داخل البرلمان كي يؤثر على الحياة الاجتماعية للمواطنين . ولا أتوقع بحال ان يلعب دور المعارضة السياسية بالمفهوم المعروف ". وعن امكانيه عوده نوابه لإثارة اللغط بمطالب مثل خفض سن الزواج والسماح بتزويج القاصرات أجاب: "لا أظن هذه المسألة تحديدا ستتكرر . لأنهم اصبحوا أكثر حنكة.. والحزب قام بتطوير خطابه وبات أكثر برجماتيه. ولهذا سيتجنب اعضاؤه طرح قضايا كسن الزواج وهدم التماثيل ووضع ضوابط شرعية للسياحة الداخلية. سيتجنبون مستقبلا ما استجلبوه في السابق على انفسهم من سخرية إعلامية. لكنهم سيدافعون بالقطع عن النساء المحجبات ضد التضييق الجاري حاليا ضدهن في دخول بعض الأماكن العامة وسيناهضون الشيعة بوصفها قضية أساسية للحزب. وفي هذا السياق سيراقبون الحكومة لمنع اي تقارب مع ايران". حملة "لا للأحزاب الدينية" اكتسبت زخما اعلاميا حين اطلاقها. لكن الساحة السياسية منشغلة اكثر الآن بحديث الترشيحات للبرلمان المقبل . هذا مع ان هناك قطاعا لا بأس به من المصريين لايرى فائدة لمجلس تشريعي في سياق سياسي عاد فيه رئيس الجمهورية يقبض على كل شئ في البلاد. لكن قادة الحملة لا يكفون عن التصريح لوسائل الإعلام عن تقدمها ونجاحاتها . وبالمقابل يتهرب رموز "النور" من الظهور كثيرا في الإعلام . وكان برهامي قد تحدي حملة "لا للأحزاب الدينية"، وقال في حديثه مع مجلة "المصور": "الصناديق بيننا وبينهم". وعلى كل حال فان هذا الجدل حول حزب "النور" يدفع مراقبين لتشبيه السلفيين ب "صداع" في رأس الانتخابات البرلمانية المقبلة. وهذا مع انهم وللمفارقة يمدون رسامي الكاريكاتير بمادة خصبه للفكاهة والسخرية.