عندما ترأس الملك محمد السّادس في يناير 2020 جلسات عمل خُصّصت لتتبع البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه الري، والإشراف على المشاريع الاستعجالية للمياه، ومنها مشروع الربط بين الأحواض المائية لسبو وأبي رقراق وأم الربيع، دقّ ناشطون وخبراء في الموارد المائية ناقوس الخطر، بعد أن وصلت أزمة المياه إلى المدن الرئيسية، خاصة العاصمة الرباطوالدارالبيضاء؛ الرّئة الاقتصادية للمغرب، وسط تراجع غير مسبوق في الموارد المائية الجوفية والسّطحية. المؤشرات والأرقام التي حصل عليها موقع "لكم"، تؤكد أن المغرب يستهلك من الفرشات المائية نحو مليار و500 مليون متر مكعب سنويا، غير أن تراجع الفرشات المائية بخمسة أمتار في منطقة تادلة، وبأربعة أمتار في مناطق سوس وبني عمير ، وبثلاثة أمتار في برشيد، ومتر ونصف في اشتوكة أيت باها، بعدما تراجعت هوامش التدخل، وصارت نسبة ملء السّدود ضعيفة، وسط الاستعمال المفرط للفرشة المائية، خزان المستقبل، وإشكالية التوحّل بالسّدود، التي تشكل أكراها يعمق جراج أزمة الماء، حيث يفقد المغرب ما بين 17 إلى 25 مليون متر مكعّب في السنة، مما قلّص مساحات الزراعة والرّي، وتقلص معه الإنتاج الفلاحي، وأغلقت عشرات الضيعات الفلاحية وتنامى الغلاء أمام ارتفاع مدخلات المواد الفلاحية الأولية، فهجر فلاحون فلاحتهم، ليواجهوا ديون القروض والكهرباء والماء والضمان الاجتماعي والتسويق..، وصار السّجن يتهدّدهم كما أقرّ بذلك عدد منهم في لقاء تواصلي لمّ فلاحي سوس ماسة ومتدخلين الأسبوع ما قبل الماضي بمقر الغرفة الفلاحية لجهة سوس ماسة. موارد مائية.. عجز وإجهاد مائي متراكم وفق المعطيات الإحصائية التي حصل عليها موقع "لكم"، يصنّف المغرب ضمن الدول التي تعاني من الإجهاد المائي، إذ تقدر الموارد المائية السطحية في السنة المتوسطة ب18 مليار متر مكعب، أما المياه الجوفية فتمثل 20% من الموارد المائية المحصّل عليها، إذ تبلغ حصة الفرد من المياه أقل من 650 مترا مكعبا سنويا، مقابل 2500 متر مكعب عام 1960، ومن المتوقع أن تنخفض هذه الكمية لأقل من 500 متر مكعب بحلول عام 2030. وشهد المغرب عجزا في هطول الأمطار خلال الفترة ما بين أعوام 2018-2023، نتج عنه انخفاض قوي في تدفقات المياه إلى السّدود، حيث وصل العجز المائي نحو 85% في موسم 2021-2022، إذ بلغ مخزون المياه الصالحة للسّقي 900 مليون متر مكعب عام 2022 مقارنة بمتوسط 3.4 مليارات متر مكعب بين أعوام 2009-2017، في حين بلغ العجز في المياه الجوفية مستوى حادّا، إذ انخفضت بما بين 3 و6 أمتار. كما أن 40% من المياه الصالحة للزّراعة تتعرض للهدر بفعل تقادم قنوات الرّي والتسرب الجوفي، على أن المغرب يتوفّر حاليا على 150 سدّا كبيرا بطاقة تخزينية تصل إلى 19.1 مليار متر مكعب، مقابل 17 سدّا لا تزال في طور الإنجاز، إضافة إلى 137 سدّا متوسطا و129 سدّا صغيرا. الطريق السّيار المائي جزء من الحلّ.. حينما وصلت الأمتار المكعبة الأولى من مياه حوض سبو إلى حوض أبي رقراق، ضمن مشروع ضخم للربط المائي البيني للأحواض المائية، ويهدف إلى تخفيف أزمة المياه التي تعيشها المدن المغربية الكبرى، خاصة الدارالبيضاءوالرباط، يروم تحويل فائض مياه حوض سبو -التي كانت تصب في المحيط الأطلسي- إلى حوض أبي رقراق؛ من أجل تأمين تزويد نحو 12 مليون نسمة في محور الرباط-الدارالبيضاء بالماء الصالح للشرب، وكذلك تخفيف الضغط على سد المسيرة، الذي يزود العاصمة الاقتصادية (الدارالبيضاء) باحتياجها من المياه. وبدأ إنجاز المشروع -الذي أطلق عليه "الطريق السيار المائي"- في دجنبر الماضي، وتم الشروع في تشغيله تدريجيا ابتداء من 24 غشت 2023 لإجراء التجارب اللازمة على المعدات وتحويل المياه بتدفق أولي لا يتعدى 3 أمتار مكعبة في الثانية، وسيتم خلال الأسابيع القادمة الزيادة تدريجيا في تدفق المياه لتصل إلى 15 مترا مكعبا في الثانية؛ مما سيمكن من تحويل حجم سنوي من فائض مياه حوض سبو يتراوح بين 350 و400 مليون متر مكعب، وفق وزارة التجهيز والماء. وتبلغ تكلفة هذا المشروع تقدر بنحو 6 مليارات درهم، ويتكون من منشأة لأخذ الماء على مستوى سد المنع في إقليمالقنيطرة على واد سبو، و67 كيلومترا من القنوات الفولاذية بقُطر 3200 مليمتر، ومحطتين للضخ بتدفق 15 مترا مكعبا في الثانية، وحوض لإيصال الماء لبحيرة سد سيدي محمد بن عبد الله بالرباط. ويرى خبراء أن مشروع تحويل فائض الماء من حوض سبو -الذي يعد من أهم الأحواض المائية في المغرب ويتمتع بفائض مهم- نحو حوض أبي رقراق عوض أن تضيع في البحر؛ يعد مشروعا استراتيجيا سيسهم إلى جانب محطات تحلية مياه البحر في سد العجز المائي لهذه المدن. محطّات تحلية مياه البحر .. خيار المغرب المائي الاستراتيجي وإلى حدود اليوم، ينتج المغرب عبر محطات تحلية مياه البحر نحو 147 مليون متر مكعب في السنة، إلى جانب 3 محطات تنتج المياه للإنتاج الزّراعي والصناعي، بحيث تستخدم 53% من المياه التي يتم إنتاجها في هذه المحطات للماء الصالح للشرب، و23% موجهة للإنتاج الصناعي، و24% موجهة للإنتاج الزراعي. img class="" src="https://al3omk.com/wp-content/uploads/2023/10/651c0381c2db3-528x410.jpg" alt="بركة: صفقة تحلية مياه البحر بالدارالبيضاء مُنحت لمستثمرين قدموا "ثمنا تاريخيا" – العمق المغربي" width="719" height="558" / ويطمح المغرب إلى إنجاز 20 محطة في أفق 2030، لبلوغ هدف توفير حوالي 1.3 مليار متر مكعب من المياه. كما يتم العمل على تسريع إنجاز 7 محطات ستكون جاهزة للعمل في غضون سنتين أو 3 سنوات، رغم كلفتها الباهضة، غير أنها ستوفر مياه الشرب لعدد من المدن الكبرى. وفق ما كشفه نزار بركة وزير التجهيز و الماء في البرلمان، فإنه سيتم العمل على إنشاء محطات جديدة لتحلية مياه البحر، بفضل استعمال الطاقات المتجددة، بلادنا من ضمن الدول ذات التكلفة الأقل في إنتاج مياه البحر المحلاة، بعدما صارت أزمة الماء في المغرب، مشكلة بنيويّة وهيكليّة تستلزم رؤية استعجالية وتدبيرية على المديين القريب والمتوسط عبر وضع "برنامج لسقي 100 ألف هكتار من خلال تحلية مياه البحر"، وعن "تحسين مردودية القنوات لاستفادة الفلاح أكثر من الموارد المائية، من خلال إنشاء عدد من المحطات، منها محطة الدارالبيضاء، ومحطة تيزنيتسيدي إفني لتحلية مياه البحر في عام 2024، ومحطّة تحلية مياه البحر بالمنطقة الشرقية بسعة 250 مليون متر مكعب سنويا.، ومحطّة تحلية مياه البحر بآسفي ستمدّ مراكش سنويا ب60 مليون متر مكعب من الماء الشروب في أفق سنة 2026. محطة تحلية مياه البحر "الدّويرة" أول مشروع إفريقي أطلق الملك محمّد السّادس في فبراير 2020 أشغال إنجاز شبكة الرّي انطلاقا من محطة تحلية مياه البحر لمشروع اشتوكة (سوس ماسة). وهو مشروع يعد ثمرة للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، بتكلفة تناهز 3,8 مليار درهم، يمتد على مساحة 15 ألف هكتار، لفائدة 1500 ضيعة فلاحية مستهدفة، يستفيد منه إلى حدود اليوم 13 ألف هكتار بعد مرحلتين (الأولى 10 آلاف هكتار، والثانية بإضافة 3 آلاف هكتار) من الضيعات الفلاحية بسهل سوس. ويشكّل هذا المشروع الفريد وطنيا وإفريقيا نظرا لتركيبته وحكامته، حلاّ مستداما لإشكالية الموارد المائية عبر المساهمة في التخفيف من عجز الفرشة المائية لمنطقة اشتوكة والذي يقدر بنحو 90 مليون متر مكعب في السنة من جهة، وتحسين حكامة الموارد المائية من خلال إشراك وإلزام الأطراف المعنية في التدبير المتوازن والمستدام للموارد المائية، من جهة أخرى. ومكّن المشروع من ضمان تزويد هذه المنطقة الفلاحية بمياه الرّي الناتجة عن تحلية مياه البحر بدلا من استنزاف الفرشة المائية، حيث صار مصدرا حيويا لاستمرار النشاط الفلاحي بمنطقة اشتوكة، الرائدة وطنيا في مجال تصدير البواكر، مكّن من تفادي نكوص اقتصادي وخسائر تقدر بنحو 9 مليارات درهم من القيمة المضافة و3 ملايير درهم من رأس المال الفلاحي. كما مكّن هذا المشروع من الحفاظ على 100 ألف منصب شغل بمختلف حلقات سلسلة القيمة الإنتاجية، إضافة إلى الحيلولة دون حدوث أزمة بيئية عبر تفادي تسرب مياه البحر والقضاء على خصوبة الأراضي نتيجة ارتفاع نسبة الملوحة. وتبلغ السّعة الإنتاجية الأولية لمحطة تحلية مياه البحر "الدّويرة" 275 ألف متر مكعب في اليوم مع إمكانية تمديدها إلى 400 ألف متر مكعب في اليوم. وتشمل عدة تجهيزات لجلب وتوزيع المياه المحلاة: خزّان للماء الشروب وخزّان للري بسعة 42 مليون و480 ألف و35 مترا مكعبا على التوالي؛ 5 محطات للضخّ، وقناة رئيسية بطول 22 كيلومترا، وشبكة ريّ طولها 491كيلومترا. سوس ماسة… سلة بواكر تشكو عجزا يفوق 342 مليون متر مكعب وبلغة الأرقام، فإن الجفاف والتغيرات المناخية سبّب لجهة سوس ماسة عجزا في الحصيلة المائية للفرشات المائية بما يفوق 58 مليون متر مكعب في السنة على مستوى فرشة اشتوكة، و 283 مليون متر مكعب في السنة بفرشة سوس، و 1.5 مليون متر مكعب في السنة بفرشة تيزنيت. كما تم تسجيل زحف مياه البحر على الفرشة المائية باشتوكة. وهو ما حدا بوزارة الفلاحة والتنمية القروية والمياه والغابات لإطلاق دعوات استعجالية انخرط الفاعلون (الفلاحون والمنتجون) للعمل على تفعيل عدد من المشاريع و البرامج التي تروم التدبير المندمج للماء، تمت بلورته في عقدة الفرشة المائية، وكذا الإتفاقية الإطار للتدبير المندمج للموارد المائية التي تم تحيينها لصياغة النسخة الثانية منها في منطقة تعتبر البواكر بها أحد أهم الركائز في قطاع الخضر والفواكه، وتحتل المراتب الأولى في الصادرات المغربية على مساحة تقارب 30 ألف هكتار توفر إنتاجا إجماليا يقدر بنحو 1.5 مليون طن، منها 580 ألف طن موجهة للتصدير، يشرف عليها 8000 منتج وتوفر 12 مليون يوم عمل.
كما تقلّصت مساحات الخضر بالمنطقة من 25 ألف هكتار إلى 20 ألف هكتار بضياع 14 ألف هكتار تقريبا، ممّا قلّل الإنتاج في قطاع البواكر وتراجعت معه المردودية بنسب تتراوح ما بين 35 إلى 40 في المائة، عمق جراحه تنامي الأمراض وارتفاع درجة الحرارة اليت بلغت مستويات قياسية وصلت إلى 53 درجة مئوية في صيف 2023 اليت أثرت على غلال عدد من المنتجات الفلاحية، وعلى وجه الخصوص قطاع الطماطم. وتبين المعطيات الإحصائية، أن نحو 90 في المائة من الموارد المائية في سوس ماسة تستنزفها الفلاحة التي تنتج نحو 75 في المائة من صادرات البواكر والحوامض وطنيا، مما أحدث عجزا في "الذهب الأبيض" يصل حوالي 270 مليون متر مكعب سنويا، عمقت جراحه استمرار النشاط الفلاحي في التوسع، وسط تنامي الجفاف، وندرة التساقطات المطرية خلال العشرين سنة الماضية. وتشكل الفلاحة بسوس ماسة أول مشغل للقطاع وطنيا بنسبة تتراوح ما بين 35 و 40 في المائة، حيث توفر أكثر من 35 مليون يوم عمل سنويا، على مساحة 45 ألف هكتار من الحوامض و30 ألف هكتار من البواكر، فضلا عن الفلاحة المعيشية وفي التعاونيات وغيرها. دراسة تكشف ارتفاع الطلب.. ومداخل استعجالية للحلّ وتؤكد دراسة مستقبلية، تم إعدادها على مستوى جهة سوس ماسة، أن الطلب على الماء سيرتفع على مستوى الجهة إلى ما نسبته 11 في المائة في أفق سنة 2050. وأبرزت الدّراسة الجهوية، التي تم عرضها في لقاء العام الماضي حول الدراسات المستقبلية في إطار المرحلة الثانية من الدراسة المتعلقة بإعداد مخطط جهوي لتهيئة المجالات بجهة سوس– ماسة، أن النشاط الفلاحي يستهلك نسبة 89 في المائة من الموارد المائية، مما سيرفع الخصاص إلى 355 مليون متر مكعب أمام تفاقم العجز المائي في الموارد المائية السطحية والجوفية، حيث صار لا مناصّ من اللجوء إلى محطات تحلية مياه البحر لمواجهة أزمة الماء، بإنشاء واحدة في تيزنيت لري نحو 10 آلاف هكتار وتزويد المنطقة وسيدي إفني بالماء، وثانية قيد الدراسة تستهدف حوض الكردان وتارودانت في سنة 2024، بسبب العجز المائي في الفرشات الباطنية والأثقاب المائية. وبقدر ما تراهن الدولة على مشروع "بناء محطة مشتركة لتحلية مياه البحر" باستعمال الطاقة النظيفة، حيث أن محطة "الدويرة" باشتوكة أيت باها كلفت نحو أربعة ملايير درهم، لتوفير المياه للفلاحة المسقية ذات القيمة المضافة العالية بمنطقة اشتوكة ، حيث تنتج هذه المحطة كمية كبيرة من مياه الرّي يفوق حجمها العجز السنوي المسجل في هذه المادة الحيوية بمنطقة اشتوكة، والذي يفوق 60 مليون متر مكعب سنويا. وهذا ما سيساعد على معالجة جزء هام من الخلل الهيكلي في مياه السقي لري نحو 13 ألف هكتار (أي أكثر من 1200 ضيعة فلاحية) الذي تعرفه المنطقة منذ حوالي عقدين من الزمان. وعلى المستوى الاستراتيجي المؤسساتي، اتجهت وكالة الحوض المائي لسوس ماسة ووزارة الفلاحة والتنمية القروية والمياه الغابات وشركاؤهما المؤسساتيين لبرمجة ثلة من المشاريع المهيكلة المقترحة رفع العرض المائي إلى 1300 مليون متر مكعب وإنشاء مشاريع وحدات تحلية ماء البحر في أفق 2050، وإنشاء مجموعة من حقول الطاقة الرّيحية، وتمديد وحدات الطاقة الشمسية. أي مبادرات لمواجهة أزمة الماء.. بالعودة إلى التدابير الاستعجالية التي بوشرت من أجل مواجهة أزمة الماء مع توالي الجفاف البنيوي الهيكلي في المغرب، فقد جرى برمجة ما يلي: وضع برنامج لسقي 100 ألف هكتار من خلال تحلية مياه البحر، وكذا تحسين مردودية القنوات لاستفادة الفلاّح أكثر من الموارد المائية؛ تكوين كفاءات مغربية مائة بالمائة من خلال إنشاء شعب جديدة بالمدرسة الحسنية للأشغال العمومية في قطاع الماء؛ مطالبة الشركات التي تشتغل على إنجاز السدود بتسريع وتيرة عملها لإكمال إنجاز 18 سدا كبيرا قُبَيْل الوقت المحدد لها؛ اتخاذ حزمة تدابير لتزويد الساكنة القروية بالماء الصالح للشرب؛ وتزويد العالم القروي ب705 شاحنة صهريجية؛ العمل على اقتناء محطات متنقلة لتحلية المياه من أجل توفير الماء بأكادير الشمالية وتشغيل محطة سيدي إفني خلال الأسدس الأول من سنة 2024 ؛ العمل على تلبية حاجيات مدينتي آسفي والجديدة من الماء الشروب بنسبة 100% من محطتي تحلية مياه البحر بالمدينتين خلال يناير وفبراير 2024؛ إطلاق مشروع الربط بين الأحواض المائية؛ برمجة سدود جديدة للزيادة من قدرة التخزين ب6.6 مليارات متر مكعب من المياه العذبة؛ تسريع مشاريع تعبئة المياه غير التقليدية، من خلال برمجة محطات لتحلية مياه البحر.