الجزائر تغلق مجالها الجوي أمام مالي    توقيف مروج للهيروين بضواحي الفنيدق    نظام تبون يعيش العزلة.. الجزائر تغلق مجالها الجوي أمام مالي    الصحراء المغربية.. حزب "القوة الشعبية" البيروفي يؤكد دعمه للوحدة الترابية للمملكة ولسيادتها على كامل ترابها    CNSS: الاستفادة من معاش الشيخوخة ابتداء من فاتح ماي 2025    بنعلي يؤكد بطلان رقم "13 مليار درهم" المروج حول دعم استيراد الأضاحي    الصحافة الإسبانية تكشف مستجدات نفق المخدرات بسبتة المحتلة    بعد تسريب الممنوعات في عيد الفطر.. المندوبية العامة للسجون تتوعد باتخاذ إجراءات صارمة لحماية المؤسسات السجنية    «نفس الله» عمل روائي لعبد السلام بوطيب .. رحلة عميقة في متاهات الذاكرة والنسيان    السلطات الصحية البريطانية تحقق في إصابة بفيروس (إمبوكس) غير معروفة الأسباب    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على انخفاض حاد    "من أجل غزة".. صوت التلاميذ والطلبة المغاربة يصدح ضد الإبادة والتطبيع    موكوينا يتشبث بمنصبه كمدرب للوداد    يحتضنه المغرب في سابقة بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط .. ندوة تقديمية للمنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا اليوم بالرباط    موسم أصيلة الثقافي الدولي 46 في دورته الربيعية    النشاط الصناعي.. بنك المغرب: ركود في الإنتاج وارتفاع في المبيعات خلال فبراير 2025    مضاعفات الحمل والولادة تؤدي إلى وفاة امرأة كل دقيقتين    أصغر من حبة الأرز.. جيل جديد من أجهزة تنظيم ضربات القلب يذوب في الجسم    "الإبادة في غزة" تطارد إسرائيل.. طرد سفيرها من مؤتمر إفريقي    وزارة الصحة المغربية تُخلّد اليوم العالمي للصحة وتطلق حملة للتحسيس بأهمية زيارات تتبع الحمل    أزيد من 700 عارض خلال الدورة ال30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب    وزارة العلاقات مع البرلمان تقدم الدليل المرجعي للمستشارين في الشؤون البرلمانية    المنتزه الوطني للحسيمة .. الذئب الذهبي الإفريقي مفترس يضبط التوازن البيئي    الذهب يهبط لأدنى مستوى    المعارضة تدعو لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق بشأن دعم استيراد المواشي والأبقار بمليارات الدراهم    الفرحة تعود لمنزل سلطان الطرب جورج وسوف (صور)    النيابة العامة بابتدائية الرباط: منع المعطي منجب من السفر يدخل ضمن مسطرة قضائية جارية بشأن شبهة غسل أموال    بعد طردها من مايكروسوفت…ابتهال المغربية تتوصل بعرض عمل من ملياردير كويتي    ولد الرشيد يؤكد أن الأمم المتحدة "الإطار الشرعي الوحيد" لمعالجة النزاع حول الصحراء المغربية    الدكتورة غزلان توضح ل "رسالة 24": الفرق بين الحساسية الموسمية والحساسية المزمنة    الاستفادة من معاش الشيخوخة ابتداء من فاتح ماي 2025 (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي)    أوزود تستعد لإطلاق النسخة الأولى من "الترايل الدولي" الأحد المقبل    تعزيز الشراكة العسكرية بين المغرب والناتو: زيارة وفد بحري رفيع المستوى إلى المملكة    علوم اجتماعية تحت الطلب    تراجع طفيف في سعر الغازوال والإبقاء على ثمن البنزين في 13,05 درهما    أمن إنزكان يوقف شاباً ألحق خسائر بممتلكات الغير    أغنية "تماسيح" جديد الشاب بلال تحتل المرتبة العاشرة في "الطوندونس" المغربي    انهيار في مداولات البورصات الأوروبية بعد تراجع كبير في البورصات الآسيوية والخليجية الأحد    كأس إفريقيا للأمم لأقل من 17 سنة: المنتخب الوطني يتأهل لدور الربع بتغلبه على نظيره التنزاني    مزراوي يحظى بإشادة جماهير مانشستر يونايتد    مبابي: "أفضل الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا على أن الكرة الذهبية"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    مهمّة حاسمة للركراكي.. جولة أوروبية لتفقد مواهب المهجر استعداداً لتعزيز صفوف المنتخب    "الاثنين الأسود".. حرب الرسوم الجمركية تُفقد بورصة وول ستريت 5 تريليونات دولار    طقس الإثنين .. أجواء قليلة السحب مع تشكل كتل ضبابية    الرئيس البرازيلي السابق "بولسونارو" يتظاهر في الشارع    القاهرة ترفع ستار مهرجان الفضاءات المسرحية المتعددة    المغرب.. قوة معدنية صاعدة تفتح شهية المستثمرين الأجانب    ابتهال أبو السعد.. مهندسة مغربية تهز العالم بشجاعتها وتنتصر لفلسطين    ماراثون مكناس الدولي "الأبواب العتيقة" ينعقد في ماي المقبل    الولايات المتحدة الأمريكية تحظر منتوج ملاحة في كوريا    روعة مركب الامير مولاي عبد الله بالرباط …    توضيحات تنفي ادعاءات فرنسا وبلجيكا الموجهة للمغرب..    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثيقة: السرفاتي في حوار مع 'أنفاس': الثقافة لا يمكنها الانفصال عن السياسة والاقتصاد
نشر في لكم يوم 08 - 07 - 2013

يستعيد هذا الحوار – الوثيقة، لحظة مشعة من تاريخ المغرب الثقافي الملتزم، يعبر من خلاله مثقف وسياسي من حجم أبرهام السرفاتي عن رؤيته لدور الثقافة في التغيير، وهو الدور الذي لايقل، حسب رؤية السرفاتي، عن دور السياسة والاقتصاد. وتأتي أهم هذا الحوار – الوثيقة من كونه نشر بأحد أهم العناوين الثقافية التي أثرت في جيل كامل من المثقفين، هي تجربة "أنفاس" التي كان ورائها الكاتب والشاعر والمناضل عبد اللطيف اللعبي.
1س-كيف انضممتم إلى مجلة أنفاس؟
ج- لقد تعرفت على عبد اللطيف اللعبي، الذي كان مدير ومؤسس مجلة أنفاس سنة . 1968خلال تلك الفترة، صدر منها سبعة أو ثمانية أعداد، وقد أشرفت على تنظيم لقاءات في المنزل الذي كنت أمتلكه، تناولت موضوع الثقافة عامة. بمناسبة إحداها، التقيت اللعبي، وحدثت بسرعة أواصر التجاذب والتآلف، ثم صرت متعاونا مواظبا مع المجلة انطلاقا من العدد الثاني عشر.
2 – س-هل اطلعتم على المجلة قبل هذا؟
ج- نعم ولا. بالنسبة إلي، شكلت تماما حقبة تحول. لقد كنت صاحب تكوين هندسي-بحيث مارست مهنة مهندس للمناجم-لكن وقتها في المغرب، إبان سنوات 1960لاسيما نصفها الثاني، تبلورت مشاعر عدم الرضا بين الأوساط النضالية، نحو ما يقع داخل الإطار السياسي القائم، ارتباطا بنظام ديكتاتوري. فكرة الرفض، كانت قائمة، غير أنها احتاجت إلى مزيد من الانتشار. هكذا، وبشكل سريع جدا، استأنست أنا واللعبي، بالفكرة الجوهرية للإلتزام. تم التفكير في أنفاس بداية ، باعتبارها منبرا ثقافيا وأدبيا، مع ذلك كان هذا الإلتزام حاضرا. أفق، صار راديكاليا، نتيجة لقائي باللعبي.
3س- كيف حدثت من وجهة نظركم هذه الطفرة في مسار المجلة؟وإن لم يستسغه جيدا، فريق منكم ، لاسيما النيسابوري ؟
ج-ربما، ... صحيح.... كانت أنفاس مناضلة منذ البداية، على الواجهة الثقافية. لكن، بكيفية أكثر وضوحا، سينتقل نضالها إلى المستوى السياسي، هنا ابتعد قليلا بعض الأصدقاء كالنيسابوري، ليس كثيرا، مع أنهم لن يساهموا في الفعل النضالي الذي تبنته المجلة، ابتداء من تلك المرحلة. فجراء، التطور الطبيعي للأشياء، تقريبا خلال تلك السنوات، صارت المجلة أكثر انخراطا ونضالية. لقد بدأ الأمر فعليا بين صفحات الأعداد12، 13 و 14، بيد أن العدد الخامس عشر، المخصص للقضية الفلسطينية، وبمساهمة النيسابوري، أكد على أرض الواقع، تطور مجلة أنفاس. موضوع، التأمنا حوله، فقد كنا جميعا مناضلين فلسطينيين، وتوخينا مساعدة هذا الشعب. ثم جاء العدد الموالي حول التعليم، أكثر حدة في نبرته. مثلت فلسطين التزاما، لكن فقط فيما يتعلق بالقضايا الخارجية، بينما سيشكل النقاش حول التعليم وما تلاه من ملفات هيأتها المجلة، إعلانا عن الاهتمام بالشأن الداخلي للمغرب. لم يكن فقط اللعبي مؤسسا، بل الفاعل الأكثر تفوقا ضمن عناصر الفريق. أتذكر أيضا، شخصا مثل الشبعة ، الذي ساهم بشكل واسع جدا بخصوص تطورأنفاس. مرة أخرى، فيما يتعلق بالنيسابوري، لم ألاحظ انفصالا، وإن شرع حقا يأخذ مساحة رويدا رويدا. إجمالا، كتب الرجل نصا في غاية الروعة، ضمن العدد الذي كرسناه للموضوع الفلسطيني.
4 س- مع ذلك فالثقافة في مجلة أنفاس، اتسمت قبل هذا بطابع سياسي؟
ج- نعم، لأن الثقافة كانت وستظل، جزءا متمما للفعل الذي يتخذ صيغته الأكثر اكتمالا في السياسي، لكنها سياسة مشحونة بالثقافة، وليس سياسة ديماغوجية، تجعل الثقافة مسألة جانبية.
5س – ماهي الذكريات التي تحتفظون بها من تلك الحقبة؟
ج-لقد لعبت أنفاس دورا مفصليا في هذا التحول نحو التعبئة السياسية. نهاية سنوات الستينات، شكلت فترة مضطربة، بالنسبة لليسار المغربي الذي لم يعد يتبين جيدا وجهته. فالأجهزة السياسية سواء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية أو الحزب الشيوعي المسمى آنذاك حزب التحرر والاشتراكية، وكذا قوى يسارية أخرى ، لم تكن معبأة، بل تعيش أساسا حصارا من طرف سياسة الحسن الثاني، الذي أراد منح قليل من هامش الحرية قياسا لمجال سياسي كان رجعيا، ليس فقط مغربيا بل عربيا. على المستوى الفلسطيني، بدا الأمر حتميا : الإقرار بالطرح الغربي. ستكون هناك مقاربة إضافية للقضية الفلسطينية، عبر إصدار تال للعدد الخامس عشر، والتكلم أيضا عن ماسمي بمشروع روجرز سنة 1970، الذي جاء للأسف من أجل تتمة السياسة الناصرية، التي ألغت كليا القضية الفلسطينية. كان هاجس عبد الناصر المصلحة العربية، عبر مرور صامت على القضية الفلسطينية :ينبغي "ضمان مصالح" الوطن العربي، يقول عبد الناصر، الذي كان المعبر الأكثر بروزا، لكنه في الوقت ذاته، تجاهل المشكل الفلسطيني. في المغرب، كنا ربما الوحيدين خلال الفترة، الرافضين لمثل هذا الموقف، وتمسكنا بفلسطين. في نفس الآن، جاء ملف أنفاس المكرس للتعليم واضحا بهذا الخصوص، بحيث انتقدنا مايجري داخل هذا الحقل، وتحليل جد دقيق فيما أظن للمسألة.
6س- من هو الجمهور الذي توجهتم إليه؟هل اعتبرتم مجلة أنفاس منبرا للرأي؟
ج- كانت أنفاس منطلقا للحركة التي أسسناها صحبة اللعبي وآخرين سنة1970 ، فتبلورت القطيعة مع البنى السياسية القائمة، وخلق حركة جذرية أكثر، سميت فيما بعد ب "إلى الأمام". لم تكن حاضرة لدينا الفكرة منذ البداية، بل تجلت تدريجيا، لكن في نفس الوقت، كوننا نجتمع منحنا وعيا بقوتنا الذاتية. توجهنا أساسا إلى الشباب المتمدرس، سواء التلاميذ أو الأقسام العليا للثانوي.
7س- بدت المجلة منفتحة على التجمعات السياسية والملتقيات، وكذا المهرجان الإفريقي في الجزائر؟
ج- آه نعم !لقد ذهب جل أعضاء فريق المجلة إلى الجزائر، من أجل حضور المهرجان الإفريقي الذي مثل حركة مهمة جدا.
8- س-هل شكل ذلك فرصة لقائكم بالشخصيات التي حملت لواء فكرة العالم الثالث، أم كانت لكم بهم اتصالات قبل هذا الموعد؟
ج-تحقق الأمر أساسا على أرض الجزائر، لاسيما حركة تحرير المستعمرات البرتغالية، ومجموعات أخرى. هكذا، بعد المؤتمر خصصنا عددا للثورة في إفريقيا، بمساهمات متنوعة لمناضلين إفريقيين، ينتمون للحركة خاصة الأنغولي "ماريو دو أندراد".
9س- يوجد لديكما نصان في أنفاس(النسخة العربية) ، هل تكتبون بالعربية؟
ج-لا، أكتب بالفرنسية. تعلمت القراءة بالعربية، وأفهمها ليس فقط في جانبها العامي، غير أني أعجز عن الكتابة بها. بالتالي، فالنصين المشار إليهما، ترجما من الفرنسية. صدرت الطبعة العربية لأنفاس سنة1971 ، وتحقق الأمر بشكل إرادي، إذا أمكننا القول.
10 س-ما لذي جعل المجلة مسيسة، بشكل لا لبس فيه؟
ج- سنة1970، نظم ملتقى إيفران الشهير، حيث اجتمع الملك بالمسؤولين السياسيين، وكذا المدرسين المنتمين إلى المعارضة سواء "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" أو حزب "التحرر والاشتراكية"، بهدف صياغة توجه للتعليم، لكن حسب منظور النظام. وقتها، كان "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"تحت قيادة أشخاص يحظون بالاحترام، بيد أنهم مرتبطين بالجهاز الرسمي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكذا التحرر والاشتراكية، اللذين يشتغلان وفق إعادة الارتباط بسياسة الحسن الثاني. انطلاقا من مناظرة إيفران، قررنا تأسيس منظمة أكثر جذرية، سميت فيما بعد "إلى الأمام". بالموازاة، مع تطورنا داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي لم يتحول بعد إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فقد كان هناك أفراد شباب خاصة، تطوروا من خلال سياق الراديكالية، شكلوا فيما بعد منظمة23 مارس. اختلافنا مع هؤلاء الرفاق، تمثل في عدم رغبتهم التعبير عن جذريتهم بكيفية علانية داخل الاتحاد الوطني. في حين كنا نعتقد، ضرورة طرح التصور بكل صراحة، وتبيان الموقف بجلاء. إذن، على ضوء مناظرة إيفران، أجرينا اتصالات مع مناضلين طلبة، وقررنا شهر غشت 1970، تأسيس "إلى الأمام" والإفصاح عن الاختيار الثوري.
11- س- رفضتم مايعرف بالبؤرة الثورية. هل تعتقدون أن الفعل السياسي، ينبغي أن يكون سابقا على العنف؟
ج- البؤرة ، مفهوم مستلهم من الثورة الكوبية، التي تأملته وارتكزت عليه بكيفية جوهرية، بل شكل إيديولوجية تشي غيفارا عندما رحل إلى بوليفيا :تخلق بؤرة ثورية، ثم بالكفاح المسلح تتسع من تلقاء ذاتها، كي تلهب الشعب قاطبة. رؤية ، ستعرف الإخفاق، للأسف. نهاية غيفارا في بوليفيا، جسد معطى واضحا بهذا الخصوص. لقد انتقدنا النظرية المتعلقة بالبؤرة ، بهدف التأكيد على ضرورة المضي بين مختلف الطبقات الإجتماعية، وفق فعل سياسي. طبعا، في البداية كان الشباب المتمدرس ، ثم توخينا الامتداد نحو الطبقات الأساسية، المتمثلة في العمال والفلاحين، بصياغة فعل سياسي قبل الحركة المسلحة. يجدر ، تثبيت المرتكزات السياسية للثورة بالفعل السياسي عامة، ثم سينتقل مانسميه بالقوى العمالية والفلاحية، إلى الفعل المسلح. الفعل السياسي، سابق أولا، وهو خفي بقوة الأشياء، لكن في الآن عينه، يضع قدما في الفضاء العمومي. يجب المبادرة إلى القيام بعمل مفتوح بغية إشاعة أفكارنا، مع احتمال المجازفة.... تصور أيضا، ميزنا عن رفاقنا في 23 مارس، يكمن في ترديدنا لمقولة"الأطر يمكن تعويضها"، بمعنى ليسوا بالمحور الذي ينبغي أن يقي ذاته بذاته، بل نؤطر مناضلين، وإذا سقطوا فهناك آخرون سيحلون محلهم.
12- س- كيف تقيمون اليوم، القوة المنبعثة من نصوصكم؟
ج-انطوت أفكارنا، على نصيب كبير من الطوباوية. تأثرت كثيرا، بالفيلسوف الألماني إرنست بلوخ، والذي عاش سنواته الأخيرة في الجزء الشرقي من ألمانيا. لقد أدمج حقا، السياسة في الثقافة. أعتقد بأنهما يشكلان، كلا :بحيث لا يمكننا السعي من أجل تطوير مجتمع، بغير تكامل بين الرافدين، مع حضور دائم لما نسميه بالطوباوية. الأخيرة، لها على أية حال ركيزة في الواقع، وتستشرف مستقبل مجتمع، لانعيشه. أيضا، استلهمت أنطونيو غرامشي. فصيرورة مجتمع، ينبغي التطلع إليها، إنها في طور التشكل ، لكن يتحتم دائما إسقاطها أمامنا، على جميع الأصعدة ، مادامت لا تتحقق من تلقاء ذاتها. قال لينين"يلزمك أن تحلم"، الحلم بمستقبل. بالتأكيد، ارتكب لينين أخطاء، لكنه في المقابل، حقق منجزات كثيرة صائبة. مسار المجتمع، ليس وضعا يتأسس ميكانيكيا. الكائنات البشرية، تميزها خاصية التكهن، بالتالي يجب استثمار تلك الصيرورة بالمعنى الايجابي للكلمة : المجتمع، لا يتغيا بالضرورة وميكانيكيا صيرورة ناجعة، بل الأفراد من يستبقون هذا المآل بالتفاعل معه. بوسع المجتمع، أن يتطور عبر هذا السياق، ارتباطا بفعل الأفراد الذين يحدسونه ، أو على النقيض يمكنه التقهقر إلى الوراء أوالركود . هكذا، فدور الكائنات البشرية مهم جدا.
13س- ماهي العناصر التي حددت مساركم الفكري؟
ج-يجب الاعتراف، بأن ثقافة الأحزاب الشيوعية لسنوات1940-1950، كانت دوغماطيقية وجامدة، بما يكفي. ربما يعود الفضل إلى تكويني كمهندس للمناجم... ، فالمنجم ليس بالمجال الذي يمكننا مقاربته ميكانيكيا، فدور العنصر البشري ناجع جدا، العمال مثل المهندسين. طبعا قرأتم رواية : Germinal Le؟، إنها موحية للغاية. فالمهندس المنفصل عن العمال، لا يصلح لأي شيء، كذلك عمال بدون مهندسين، يمارسون عملا إمبريقيا، مما يدعو إلى تآلف ليس بين المهندسين والعمال، فليس الأمر بهذا التأويل، لكن بين العلم والتقنية بالمعنى التكنولوجي لذلك، في المنجم ثم على مستوى المجتمع ككل. بصفة عامة، كانت حياتي مزيجا من حقب انساقت وراء البعد التقني، ومع أخرى استحوذ الهم السياسي.
14س- هل شكلت مجلة أنفاس، الوجه السياسي؟
ج- نعم، لكن السياسة بالمعنى...، وخلال سنوات الستينات، تصورت بأن الثقافة لا يمكنها الانفصال عن السياسة والاقتصاد، ثم عضدت لدي تجربة أنفاس، هذه القناعة.
15- س- مع من اقتسمتم هذا المفهوم؟
ج-أساسا مع رفاق طلبة ، إلى جانب طبعا اللعبي والشبعة. لكن مع اللعبي ، حققت أقصى درجة للتماهي، فقد التزم بالقضية وتعرض للإعتقال، إلخ، وساهم في تأسيس "إلى الأمام". لدى الحركة الطلابية، تجلى اتجاهان رئيسيان :اتجاه مرتبط بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وآخر بحزب التحرر والاشتراكية (الحزب الشيوعي). الفريق الأخير، كان عمليا متفقا معنا كليا، هم فئة من الطلبة المتشبعين بالماركسية، ساهمنا في تقديمهم رؤية للماركسية والشيوعية، أكثر انفتاحا.
16- س- خلال حقبة أنفاس، تجلت بوضوح معرفة بالكيفية التي تجري بها الوقائع في الإتحاد السوفياتي والصين...، لقد كنتم على دراية بمختلف الحيثيات؟
ج- نعم بالتأكيد! فترة سنوات الستينات، وقبل أنفاس ولقائي الهام جدا باللعبي، كنت متابعا للثورة الصينية منذ بداياتها، أي مطلع سنوات الخمسينات. وعندما، حدثت القطيعة بين الشيوعية السوفياتية والصينية، كنت منحازا إلى الأخيرة. نصوص ماوتسي تونغ ، تضمنت عنصر الثقافة، أفق لم تأبه به الشيوعية السوفياتية. أيضا، منحت الماوية شعوب العالم الثالث مكانة، بينما الشيوعية السوفياتية أو الإتحاد السوفياتي عموما، فقد لعب دورا في الحرب المناهضة للإمبريالية، لكنه أبقى شعوب العالم الثالث متوارية وراء ماسمي بالأخ السوفياتي الأكبر.
17س- كيف كنتم تعلمون بما يجري؟
ج- بفضل زملاء، كانوا يشتغلون حينئذ في السفارة الصينية ، تمكنت من الحصول على مجلات صينية باللغتين الفرنسية والانجليزية. هم أنفسهم، كانت لهم دوريات صادرة بالفرنسية والانجليزية رهن إشارة الجمهور. أتذكر، واحدا من مسؤولي السفارة، كان يأتيني بتلك المجلات إلى البيت. أيضا، نسجنا صلات قوية جدا، مع السفارة الكوبية وكذا حركة مناضلي تحرير المستعمرات البرتغالية، التي لا ينبغي نسيان، أنها قد اتخذت من الرباط لمدة طويلة قاعدة لها، لأن الملك محمد الخامس منحهم ملاذا، وكان داعما لتلك الحركة، هكذا تعرفنا على "ماريو دو أندراد" بمدينة الرباط. إلى جانب كل هذا، كنت بطبعي فضوليا لمتابعة العناوين الصادرة في العالم على المستوى التقني و الثقافي أو السياسي. في نفس الوقت، ومع خلق أنفاس ، استطعنا الوصول إلى تلك الكتابات بواسطة العلاقات التي أنشأناها.
18- س- النصوص التي استحضرت الثورة الثقافية الصينية، لم تكن ذات ثقابة استثنائية؟
ج- نعم، لكنها في نفس الوقت جاءت متضمنة لأشياء كثيرة. فالمرحلة الراهنة للصين، تعتبر على أية حال، موسومة بتلك الثورة الثقافية والتحول الذي عرفته الصين سنوات . 1960صحيح، تحقق مثل هذا الأمر، خلال الفترات الأولى لبناء الإتحاد السوفياتي، لكنه منظور سيتلاشى انطلاقا من الثلاثينات، وبالضبط إبان الحقبة الستالينية. الصين، أدخلت الإبداع الإنساني في بناء الاشتراكية، وهو أمر أساسي، لأن الاشتراكية الحقيقية يستحيل تصورها كبيروقراطية.
حاورته: كنزة الصفريوي ترجمة: سعيد بوخليط
هامش:
1-Kenza Sefrioui :La revue Souffles(1966- 1973)
Editions du sirocco 2013. pp227- 233.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.