يوم السبت 11 ماي 2013، برلمان حزب الاستقلال يقرر الانسحاب من حكومة عبدالإله بنكيران ، ويعتبر هذا الحزب الحليف الرئيسي لحكومة الإسلاميين ، كما أنه يشغل عدة وزارات منها على الخصوص وزارة التربية الوطنية ووزارة الاقتصاد .تزامن الإعلان عن هذا الانسحاب مع بيان صادر عن الحزب جاء فيه : " الإبقاء على وزراء الحزب حفاظا على السير العادي للحكومة" وأضاف أن اللجنة التنفيذية تقدر عاليا الاهتمام الملكي .. لضمان الاستقرار" معلنة " التجاوب الكامل لحزب الاستقلال مع إرادة جلالته في خدمة المصلحة العليا للوطن". بنفسه تقريبا الحرص على المصلحة العليا للوطن تعامل حزب العدالة مع قرار الاستقلال ، مشككا في البداية بصحة الاتصال الملكي بشباط ، بل إن تصريحات بعض قادة العدالة والتنمية شككت في رواية الوكالة المغربية للأنباء والتي كانت قد أشارت عبر قصاصة خبرية تلقي حزب الاستقلال لمكالمة هاتفية من الملك يعطي توجيهات منه بإرجاء قرار الانسحاب من الحكومة، كما اعتبر بعض قادة العدالة والتنمية الوكالة والإعلام العمومي يجيش الرأي العام ضد حزبهم... الملك في فرنسا... حوالي الشهر وشباط لازال ينتظر استقباله وفي جيبه كما يصرح مذكرة توضيحية لأسباب موقفه وموقف حزبه من حكومة بنكيران . جيسي دجي المغنية البريطانية وقبل أن تعتذر عن تصريحها بلقاءها مع الملك محمد السادس ، كانت قد أدلت في حوار مع إذاعة " بي بي سي " بقولها "كنت في مهرجان موازين وكانت أول مرة لي في المغرب ... " وأضافت "طلب مني منظمو المهرجان أن أذهب لمقابلة الملك محمد السادس، ووجدت شخصا عاديا بدون تاج... " الملك في فرنسا ، الملك في الإمارات ، إشاعات وأقاويل تتناثر هنا وهناك ، والناطق الرسمي باسم القصر مضرب عن الكلام والتصريح وغير ناطق ، وشباط ينتظر استقباله وفي جيبه قرار برلمان حزبه ممثلا بالانسحاب المجمد من الحكومة حتى إشعار أخر ، ومع طول الانتظار لا تتوقف تصريحاته و تتوالى تباعا بدأت نارية تجاه حزب العدالة و التنمية ، وبعدها اتجاه "الشيوعي" نبيل بن عبد الله الذي يبدو و كأنه مؤتمن على قاعدة ذهبية اهتدى لها حزبه " على الحكومة مامفكينش تحت إمرة اشتراكي، ليبرالي، إسلامي أو حتى بودي" ، لتستقر تصريحات أمين حزب الميزان ضد وزرائه وعلى رؤوس الأشهاد وعلى رأسهم وزيره في التربية الوطنية محمد الوفا ، تصريحات تقفز من مطالب تعديل حكومي لاستحالة الاستمرار في حكومة بها خصمين : بن عبد الله وحزب الإسلاميين لايت . ظاهر الوقائع قبل أن يقدم حزب الاستقلال على ما أقدم عليه تقول أن هذا الأخير تقدم بمذكرة لرئيس الحكومة تضمنت جملة من المطالب لعل أهمها كما تداولته الصحافة الوطنية ثلاثة مطالب رئيسية : مطلب تجميد إصلاح صندوق المقاصة ، ومطلب تجميد ما يتداول حول إصلاح ضريبي شامل وأخيرا وهو الأهم ما يشبه المطلب السياسي ممثلا في تأجيل الانتخابات الجماعية إلى غاية 2015 . الانتخابات الجماعية التي تشكل كما هو معروف في العرف السياسي المغربي أساس ترتيبات الانتخابات التشريعية ونتائجها. يوم السبت 1 يونيو 2013 في اجتماع الأمانة العامة لحزبه، أشهر بنكيران من جديد الدعم الملكي له وثقته ، ودعا أعضاء حزبه للمصابرة وعدم السقوط في ابتزاز حميد شباط ، وحميد شباط يصر أن يلعب لعبة " سبيرة" الحي مستفيدا من الموقع الذي بوأه إياه المؤتمر الأخير لحزبه ، وطموحه الذي لا يستكين، وهو الذي يريد أن يقلب الطاولة ويعيد النظر في ترتيبات هندس معالمها أمين عام سابق ضمن توازنات ومعطيات هدم شباط كل مقوماتها في المؤتمر الأخير لحزب الاستقلال . في الصورة المقابلة يتوارى تماما مستشارو الملك بما فيهم المستشار القوي عالي الهمة ويظهر في الصورة وزير الداخلية امحند العنصر "رقاص" الملك لبنكيران ، وهي الوضعية التي أنسته على الأقل نظريا أنه تحت سلطة رئيسه بنكيران . وفي تواري مستشاري الملك ربما مساحة بياض لسيناريو يعد تبدو فيه صورة الأحزاب مهتزة مضطربة حتى وغالبيتها تقرر أن تترك بنكيران في جلسة المسألة الشهرية وجها لوجه أمام المواطنين وأمام مناوشات برلمانيي حزب الاستقلال وبدون المعارضة - وإن صنعت هذه الأخيرة على المقاس - التي تبدو وكأنها فقدت تماما البوصلة وتنتظر التوجيهات التي ستأتي عاجلا أو أجلا، و يبدو البام وكأنه فقد البريق الذي منح له وهو في مواجهة مفتوحة مع العدالة حتى يكاد يعرف هذا الأخير بها ، شباط يسرق الأضواء ويتقن المواجهة مع العدالة ولا يتقيد فيها بحدود. "تسألوني عن الانتخابات الجماعية أقول لكم ما نقدرش نديرها دابا ، وكون نقدر نديرها راني نديرها ، لا تتسرعوا وافهموا السياسة جيدا ، إنها ليست أرقام " هذا التصريح ليس لمعارض ، إنه تصريح لرئيس الحكومة السيد بنكيران في أخر ظهور إعلامي له في أحد اجتماعات أجهزة حزبه . وهنا وفي سياق هذا التصريح لبنكيران لنتذكر السيناريو الذي كان معدا في انتخابات 2009 ، وحتى لما بعد الانتخابات التشريعية 2012 ، وكيف أنه في 2009 نزل حزب الهمة بإمكانات هائلة واكتسح البوادي ونزل في حرب مفتوحة لحرمان العدالة من عمادة أكثر من مدينة بما فيها تلك التي حصد فيها الأغلبية ، ولولا رياح الانتفاض الذي عمت المنطقة " وتجاوب " المغرب معها سريعا مع ضغوطات حركة 20 فبراير لكان السيناريو غيره السيناريو الذي بوأ بنكيران رئاسة الحكومة، كانت كل الاحتمالات تقول إن حزب الهمة هو من سيقود تجربة حكومية على الأقل لغاية 2016 ، وكان السيناريو معدا أن تقدم هذه الحكومة وكأنها جبهة حداثة خلف الملك، لكن لا شيء مضمون بحساب السياسة المتغيرة . اليوم بحساب موازين القوى الظاهرة في بعض تفاصيل دستور 2011 وبحساب الأرقام التي بحوزة العدالة كمقاعد وكنفوذ ، بنكيران في موقع مريح ، لكن بحساب تبدلات موازين القوى والفاعلين المختفين خلف قوة ونفوذ الملكية، بنكيران يحسب حسابا أخر، وشباط يحسب حسابا أخر، والبام يحسب حسابا أخر، وإن كان هذا الأخير ورغم كل محاولات الجاذبية التي اعتمدها بما فيها محاولة اللعب على تراث بعض من أعضاء يسار أصابه الوهن والضعف ، فإنه لا يبدو اليوم بعد تواري مؤسسه عن قيادة دفته رقما قويا في معادلة السياسة. هذه ظواهر الوقائع لكن السياسة في بلادنا لا تؤسس على ظواهر الوقائع فتمت دائما مساحة شاسعة للخفي والضمني والسري . بعيدا قليلا عن لغة كليلة ودمنة لابن المقفع في توصيف السياسة بلغة الحيوانات، نحن أمام ترتيبات سياسية صيغت أهم أسسها في ظل ضغط أجواء ما سمي بالربيع العربي، ونحن في وضع سياسي رئيس الحكومة فيه يتمتع على الأقل من الناحية النظرية بصلاحيات تفوق كل الصلاحيات بما فيها تلك التي كانت في حوزة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الذي قاد أول تجربة تناوب بعد المحاولة الأولى التي عرفها المغرب في بداية الاستقلال مع الراحل عبد الله إبراهيم ، ونحن أمام مفارقة حكومة لا تتردد في نعت نفسها بحكومة معارضة دون أن تحدد هوية هذه المعارضة ولا أن تحدد من تعارض ، ونحن أخيرا أمام مشهد سياسي مضطرب، كل فاعليه السياسيين الرئيسين يبدون و كأنهم يحاولون حيازة أوراق تقوي من حظوظ تحسين شروط تفاوضهم في عرض سياسي كل المؤشرات وأهمها الوضعية الاقتصادية والاجتماعية تقوي من احتمال أن تكون معالمه الرئيسية البارزة قد حيكت ما بين أروقة الإليزيه وخيام البترودولار. في المغرب، وإلى إشعار أخر، الملكية قوية، وفي جزء هام من قوتها قدرتها على التحكم في المبادرة، وقدرتها على التحكم في قواعد اللعبة السياسية طالما هي من صنعت قواعدها وحددت الملعب الذي تجري فيه . أين الملك؟ يقول البعض أنه مريض، و يقول آخرون أنه يعيش أزمة نفسية، أما البعض الآخر ممن يطلق العنان لخياله فيقول أن الملك لم يعد يرغب في الحكم و أنه غادر البلاد إلى أجل غير مسمى. سيعود الملك، و سيتدخل، وسيجد الحل لأزمة سياسية يعتبرها البعض مفتعلة، والبعض الأخر يعتبرها ملهاة، والبعض يعتبرها جزء من تسخين لعرض سياسي، بغض النظر عن طبيعته، هو محاولة لامتصاص الاحتقان و التنفيس عن وضع اجتماعي أصبح يخنق المغاربة. الملك سيحل الأزمة، ذلك هو أفق الانتظار الذي سجنت فيه كل أطراف المشهد السياسي. صورة أخرى بعيدة حتى الآن عن هذا المشهد. في المغرب، الكتلة الناخبة تقدر ب 13 مليون ونصف من الأصوات بالحسابات البسيطة استنادا للانتخابات التشريعية الأخيرة من أصل ما يزيد عن 22 مليون مغربي في سن التصويت، لم يتوجه للتصويت سوى 45 في المائة من مجموع المسجلين بمعنى حوالي 6 ملايين ، إذا استثنينا عدد الأصوات الملغاة المقدرة بمليون و مائتي ألف صوت، نجد أن نسبة المغاربة التي زكت هذا المشهد السياسي بمجمله خلال انتخابات 2011 هي 22% ضمن من هم في سن التصويت، المعادلة التي ربما تغيب عن الجميع هي معادلة المغرب الذي لم يصوت و لم يقل كلمته بعد.