رد على : حدامين مولود سعيد قرأت بإمعان الرد الذي نشره موقع "لكم" للأخ حدامين مولود سعيد على مقال لكل من علي أنوزلا و أبوبكر الجامعي وقد استوقفتني العديد من النقاط في رده التي تنقصها الدقة والتي وجب أن أرد عليها. أعتقد أنه عند تناول موضوع معقد كقضية الصحراء وجب علينا كمثقفين أن نتجرد من الدوافع الذاتية والآراء الشخصية التي قد تؤثر على الحياد المطلوب في نقل الوقائع التاريخية التي نريد الاستدلال بها و أن نقف بهدوء على الأحداث من غير اختلاق الأسباب الواهية بغية نصرة فكرة معينة الأخذ بعين الاعتبار الظروف الجيوستراتيجية المتحكمة في الخلاف بدل الانزلاق وراء البروباجاندا المصطنعة لخدمة موقف معين من هذا الجانب أو ذاك. فرغم اختلافي مع الصحفيين علي أنوزلا و أبوبكر الجامعي في كثير من مواقفهما فقد وجدت تحليلهما الأخير الذي تضمنته مقالتهما " الصحراء٬ كلفة السلطوية" تحليلا موضوعيا علميا و أكثر إقناعا لكل عارف بقضية الصحراء وغير مدفوع بمشاعر زائفة. بالطبع ستظل الديمقراطية قطعا هي السبيل " لتحصين الوحدة الترابية". الديمقراطية ستجعل القانون فوق الجميع و ستتيح لساكنة أي جهة إمكانية معرفة مواردهم الحقيقية وحاجياتهم الأساسية و طموحاتهم المستقبلية. الديمقراطية ستخول لكل ذي حق المطالبة بحقه وكل ذي مظلمة امكانية البث العادل في مظلمته. الديمقراطية ستمنح الثقة في المؤسسات و تضع الأشخاص والأعيان والوجهاء في أحجامهم الحقيقية وأذكر في هذا السياق ما قاله لي أحد الموريتانيين من رجال القانون و اليائسين من تطور الأوضاع إلى الأحسن في بلده. قال :"لو كان المغرب دولة ديمقراطية تحترم المؤسسات وتضمن حقوق الأقليات لما ترددت موريتانيا بنخبها وعموم ساكنتها في تشجيع الاندماج معه لأني أرى بلدي تسير إلى الوراء رغم أن لها أغنى الشواطئ أسماكا و أضخم احتياطي في الحديد و لها مخزون هام من النفط والغاز سيشرع قريبا في استخراجهما ومراعي شاسعة تعدل مساحة المغرب مرتين...لكنني أرى المغرب بالرغم من كونه دولة حديثة تقدمت في كثير من الميادين إلا أنها لازالت تتلكأ في صعود قطار الديمقراطية الذي قد يجعل منها نموذجا فريدا في المنطقة...ولا أدري ما سبب تردد المغرب لأن أي خيار آخر لن يكون في صالحه خاصة في طي ملف الصحراء". بعد عشر سنوات وجدت أن الشخص على حق فموريتانيا في تقهقر مستمر بالرغم من خيراتها الوفيرة وساكنتها المحدودة مقارنة مع المغرب ووجدت أن تباطؤ وتردد المغرب في اعتماد الديمقراطية انعكس سلبا على وضع البلاد عموما وعلى قضية الصحراء بالخصوص. أعود إلى السيد حدامين مولود سعيد لأدقق بعض ما جاء في مقاله. أحداث سنة 1999 كانت ذات مطالب اجتماعية صرفة لا علاقة لها بالاستقلال كما زعمت. فقد عايشتها في العيون ورأيت كيف تطورت الأحداث من اعتصام بالشارع العام إلى عنف وسط المدينة وهذا لاينفي أن بعض الأشخاص أشهروا ورقة الاستقلال لا لشيء إلا لممارسة الضغط على السلطة للاستجابة إلى مطالبهم ولازلت ذاكرتي تحتفظ باللقاء التواصلي الذي عقده وزير الداخلية البصري مع شباب المنطقة الذين طالبوا بما طالبو به ولم يفه أحد المتدخلين من الشباب بما صرنا نسمعه اليوم من بعضهم وفي لقاءات رسمية. لقد تحدثت في ردك على "حجج" محكمة العدل الدولية التي وصفتها" بالدامغة" لصالح "تقرير المصير"٬فلتعلم أخي العزيز أن المحكمة ُطلب منها تقديم رأي استشاري و لم يطلب منها إعطاء "حجج" أو أحكام و أدعوك بالمناسبة أن تسأل أساتذة القانون أجانب أو مغاربة ليجيبوك أن الرأي الاستشاري غير ملزم في النزاعات فكيف برأي استشاري أن يدغدغ العواطف ويهز قناعات إلا إذا كان هذا الرأي قد قدم بشكل دعائي في غير سياق ولا مضمون موضوعي. لعلمك أيها الأخ العزيز٬ أن المغرب و أمام التعنت الاسباني بعدم فتح المفاوضات معه حول الصحراء مدعية أنها يوم دخولها الصحراء وجدتها أرضا خلاء يمر منها البدو الرحل٬ « terrain de passage » اضطر إلى اللجوء إلى محكمة العدل الدولية بلهاي واضعا عليها سؤالان : هل الصحراء المعروفة آنذاك بالصحراء الاسبانية كانت أرضا خلاء عند دخول المستعمر الاسباني وان كان الجواب بالنفي فما كان يربطها بالمغرب وقد كان الجواب ذو شقين.1. "لم تكن الصحراء أرضا خلاء حين دخول المستعمر الاسباني وكانت تربط بعض القبائل روابط شرعية وقانونية بسلاطين المغرب." 2. المعطيات المتوفرة لدى المحكمة لاتؤكد عناصر لسيادة المغرب ولا المجموعة الموريتانية على الإقليم. وقد اعتبر فقهاء القانون المغاربة أن الرأي الاستشاري للمحكمة بالرغم من غموضه إلا أنه كان لصالح المغرب الذي كان قد وضع السؤالان وكان الجواب بما كان المغرب ينتظر من السؤالين. أماا شق السيادة الذي تحدثت عنه المحكمة فهي رغبة من المحكمة في إرضاء الطرفين اللذين كان يترافعا ضد المغرب " الجزائرواسبانيا" . فالبيعة عند المجتمع الإسلامي بين السلطان والقبائل توجب السيادة أما المجتمع الغربي الحديث فيفرق بين رئيس الدولة والرئيس الروحي le chef spirituel, qui est le pape, et le chef d'état. وقد أوصى الرأي الاستشاري باللجوء إلى قرار الجمعية العامة 1514 لإجراء استفتاء تقرير المصير إلا أن المغرب تعجل الأمور ونظم المسيرة الخضراء التي أرغمت اسبانيا على الجلوس للتفاوض و توقيع الاتفاق الثلاثي. أما فيما يخص ما ذهبت إليه من أن مجلس الأمن "تأسف" على تنظيم المسيرة الخضراء فهي حقيقة لكنك قدمتها في غير سياقها. فعند ما أعلن الحسن الثاني تنظيم المسيرة أوفدت القوى المؤثرة الأمين العام الأممي السوسري كورت فالدهايم لثني الملك عما كان ينوي فعله و أن ينتظر نتائج الاستفتاء. الملك أدرك المناورة و أخبر الأمين العام الأممي أن الصحراء كانت دائما أحد مطالب المغرب منذ 1956 حين أعلن أن استقلاله غير تام. فاسترجع جزءا منها بعد عملية اكوفيون التي تحالف فيها الفرنسيون والاسبان ضد جيش التحرير وبقيت منطقة افني والصحراء المعروفة آنذاك بالصحراء الاسبانية تحت الإدارة الاسبانية. وقد كانت قرارات الجمعية العامة لسنوات 1965٬1966٬1967٬1968 والتي تم اعتمادها تحت الأرقام ٬ 2072و2229و2354و2428 تضع افني والصحراء في نفس اللائحة التي تطلب إجراء تقرير المصير الذي في الحقيقة كان "أكذوبة" مادامت منطقة افني تم استرجاعها سنة 1969 عن طريق المفاوضات وليس عن طريق استفتاء الساكنة المحلية كما أوصت بذلك القرارات السالفة. . أرجع إلى" أسف" مجلس الأمن٬ فالأمين العام الأممي آنذاك السوسري كورت فالدهايم حرر تقريرا مفاده أنه وجد من الصعب إقناع الحسن الثاني بوقف تنظيم المسيرة الخضراء وأنه حين تواجده بالمغرب طلب منه (الملك) مرافقته لتدشين "سد المسيرة" وعلى طول عشرات الكيلوميترات في الطريق المؤدية إلى الموقع٬ لاحظ المسؤول الأممي وهما على متن سيارة مكشوفة جماهير غفيرة تهتف بحياة الملك الذي أخبره أن قرار وقف المسيرة لم يعد بيده بل هو مسألة صارت بيد الشعب. "التأسف" في اللغة الدبلوماسية هو أخف تعبير لمعارضة حدث ما. لهذا "تأسف" مجلس الأمن واستعمل لذالك بالإنجليزية " deplored « لكنه لم يستجيب للمعسكر المناهض للمغرب الذي كان يريد لغة أكثر حدة "كالشجب" "condemned" أو طلب المغرب سحب المشاركين "demanded Morocco to withdraw its participants". واهم من يظن أن الجزائر ليست طرفا في النزاع ويروج أنها دولة مغرمة بحق الشعوب في تقرير مصيرها ولدي من الدلائل ما لا يعد ولا يحصى التي تورط الجزائر بشكل مباشر في تأزم المشكل. لكنني في هذا الرد سأسرد هنا فقط ما يؤكد أطماع الجزائر وتغافلها لساكنة المنطقة عكس ما تدعي الآن. فقد أورد وزير الخارجية السابق عبد اللطيف الفيلالي في مذكراته "المغرب والعالم العربي" أنه تم استدعائه سنة 1972 هو ونظيره الموريتاني من طرف عبد العزيز بوتفليقة وزير الخارجة آنذاك إلى لقاء بالجزائر العاصمة. يقول " ذات صباح اقترح علي (بوتفليقة) أن أتناول معه وجبة الافطار وقال لي هذا الإقليم (الصحراء) يجب أن يتحرر من الوجود الاستعماري بأسرع ما يمكن. يمكن أن يعود للمغرب أو لموريتانيا كما يمكن أن يعود للجزائر.أهم شيء هو أن يزول الاستعمار منه." صفحة 116. لماذا يكره بعض الأهالي التواجد المغربي؟ الجواب على هذا السؤال يقتضي منا الرجوع إلى ستينيات القرن الماضي حينما اكتشفت اسبانيا مناجم بوكراع للفوسفاط فقررت عدم الخروج من المنطقة وعدم فتح أي مفاوضات مع المغرب بشأنها. ثم تبين لها بعدما وضع المغرب لدى الأممالمتحدة طلب تصفية الاستعمار من الإقليم في أكتوبر 1965 أن تمنح الساكنة حكما ذاتيا تحت السيادة الاسبانية فأنشأت "الجمعية العامة الصحراوية" بمثابة برلمان صحراوي غير منتخب وعلى رأسها خطري ولد سعيد الجماني وحزب PUNS وعلى رأسه خليهن ولد الرشيد وإذاعة العيون باللغة الحسانية والاسبانية و التي كان هدفها نشر فكرة أن الصحراء وساكنتها لم يربطهم قط أي رابط بالمغرب . وقد نجحت الإذاعة في تأليب قلوب بعض الصحراويين ضد المغرب لأن الاعلام المغربي كان منعدما و ولا تتوفر أي وسيلة أخرى للرد و دحض دعاية الأسبان باستثناء اذاعة طرفاية المؤقتة التي جاءت متأخرة 1974 ولم يصل صداها للعيون. وأحيلك في هذه النقطة على تصريح استاذ التاريخ الاسباني برنابي لوبيز ستجده على اليوتوب (Varaies guerres, Fausses Paix ) و هو بالمناسبة أصبح مؤخرا أحد منتقدي سياسة المغرب المماطلة في تنزيل الجهوية الموسعة. الصاعقة التي ألمت بالمستعمر الاسباني ولم يستسغها هو أن رئيس الجماعة الصحراوية خطري ولد سعيد الجماني رفقة لفيف من أعضاء الجماعة تنقلوا إلى مراكش قبل تنظيم المسيرة وبايعوا الحسن الثاني و كذالك فعل خليهن ولد الرشيد أذكى شاب مثقف في الصحراء آنذاك الذي كانت تراهن عليه السلطات الاسبانية ليكون أول رئيس حكومة محلية. وفي محاولة يائسة دفعت الجزائر الأعضاء الباقين من الجمعية الصحراوية برآسة باب ولد حسن ولد عمر ولد الشيخ إلى إعلان حل الجمعية في 28 نونبر 1975 والمطالبة بتطبيق تقرير المصير عبر إجراء استفتاء شعبي. أمام الضغط الذي مارسته الجزائر وليبيا وحلفائهما في المعسكر الشرقي بقي ملف الصحراء قابعا في اللجنة الأممية الرابعة لذلك لم تتغير خريطة المغرب دوليا رغم تواجده الإداري. بل تأسست ما يسمى "الجمهورية الصحراوية" وُدفع من الأموال الليبية والجزائرية حتى ظن العالم كله أن هناك فعلا دولة صحراوية ليأتي في الأخير قبول المغرب بإجراء استفتاء تحت إشراف الأممالمتحدة في محاولة لكشف أن لاشيء قد تقرر بعد ما دامت إمكانية الاندماج أو الاستقلال لم تحسم بعد. علينا أن نقف وقفة تأمل أمام هذه المنظمة التي صار البعض يستعظم و يتشدق بقراراتها على أنها مصدر إضفاء الشرعية أو سحبها. لي شخصيا رأي لا يلزم بالضرورة غيري يكمن في التحفظ الشديد على كل قرارات الأممالمتحدة. هذه المنظمة التي أنشأت غداة الحرب العالمية الثانية وبعيدا عن مشكل لمغرب و قضية الصحراء لم أجد لها قرارا واحدا تم تطبيقه لصالح أي دولة من الدول العربية ابتداء من فلسطين إلى العراق فليبيا والسودان... ان أي شخص ذو تفكير سليم وجب علية أن يعتبر المنظمة التي أنخرط فيها ولا يأتيه منها إلا قرارات في غير صالحه أن يعيد التفكير في عضويته فيها بل النظر في إمكانية الانسحاب منها. أخيرا٬ سأكون متفائلا و أعتبر أن مقترح الحكم الذاتي المطروح للمفاوضات منذ 2007 قد يكون حلا قابلا للتنفيذ ان تم تنزيل الديمقراطية الحقيقية وإعادة بناء الثقة التي كانت ضحية السلطوية. فاعل جمعوي