للفنان رشيد غلام مودة وحب وتقدير يكنها كاتب هذه السطور بصدق وإخلاص مع جمهور عريض انتهى شذو صوت غلام وتغريده العذب إلى أسماعه رغم المنع والحصار والتضييق الذي يعانيه صاحب "زهرة العمر" منذ سنوات طوال... قد يطول الحديث إذا أردنا استعراض مسيرة غلام والذي لايزال في مقتبل العمر بالنسبة لأعمار عمالقة الفن، بل وقد يبخس المرء حق الرجل إذا تم استعراض مسيرته الفنية بتعرجاتها وانكساراتها وكذا توهجها وتألقها وتم إغفال أوجه أخرى من حياة منشدنا، كعلاقته بجماعة العدل والإحسان ومرشدها رحمه الله ومشروعها السياسي والتربوي...، وكذا تتلمذه على يد علماء أجلاء كالشيخ عبدالله التليدي ناهيك عن علاقاته الإجتماعية والأسرية... مناسبة هذا المقال طبعا ما طفح للسطح من "تعليق وتعقيب عليه" بين كل من غلام و ذ محمد يتيم النائب عن العدالة والتنمية والرجل ذي السابقة في العمل الإسلامي وأحد الرموز الكبيرة لحركة التوحيد والإصلاح والنقابي "الإسلامي" والذي له كتابات متميزة حين يتعلق الأمر بانتصاره لإسلاميته في مقابل الخطاب العلماني، له رسالة قيمة يرد فيها على "عصيد" الأمازيغي ... يتيم من الرعيل الاول الذي لم يتحلل من جادته فلم يقبل في أي لائحة-وزارية... كانت لغلام "مطارحة في الفن" غاية في الهدوء والأدب طرح فيها قضية الفن الذي يريد أن يتمثله، وقد استنكر استغراب "البعض" غناءه لأم كلثوم وعبدالوهاب و... وأعلن عن تصميمه على هذا الخط "فكما غنيت الرباعيات سأغني الأطلال و هذه ليلتي و غيرها ، وكما غنيت مضناك جفاه سأغني النهر الخالد وكيلو بترى و مجنون ليلى وغيرها . وكما غنيت زهرة المدائن و أعطني الناي وغني سأغني سكن الليل و غيرها كثير . فلا يستغرب مستغرب مني فعل ذلك، فكل ذلك بوعي و تبصر الى غاية مرجوة بإذن الله". وختم غلام "مطارحته" بتلميح خفيف لإخوانه في الجماعة قبل غيرهم حتى تتسع قلوبهم لما هو مقبل عليه قائلا: "ولنا في ذلك قدم صدق وسبق والمنة لله ، بأمر صريح و عقد نجيح . فلتتسع لنا قلوبكم-وعقولكم". قليل من التفت لمطارحة غلام ناهيك عن تفكيك خطابها، هذا، وإن من يدرك أن الذي من غنى لأم كلثوم والغزالي في صباه وتذوق ألحان السنباطي ومواويل الفشني والقصبجي وعبدالوهاب وآهات وصور ووقفات عبدالحليم وسيمفونيات فيروز واللائحة طويلة جدا... قلت يدرك قبل قراءته للمطارحة إياها بسنوات خط غلام وماهو مقبل عليه بل سيستغرب أشد الإستغراب إن قام غلام ب"فك الإرتباط" بهذا "الزمن الجميل" والإنقلاب على ذلك الإنسان الذي يسكن فيه !. بعد مشاركته في برنامج "صولا" مع الفنانة أصالة انهالت على غلام تعليقات وكتبت كتابات بعضها "مع" وأخرى "ضد" وكان أبرزها طبعا تعليق ذ:محمد يتيم على البرنامج، حيث تأسف للإختيارات الغنائية كما آخذ على غلام عدم فرضه "لشروطه وحد أدنى من اللياقة في الحوار والتصرف". وأضاف يتيم معلقا "في الحقيقة لا يمكن للعائلات المحترمة أن تجلس لمشاهدة هذا البرنامج. أقول هذا وأنا اعتبر أن رشيد غلام من الفنانين الكبار الناذرين في الساحة وجل من لا يخطئ. ولعل له عذره أو تأويله"، قبل أن يختم "المشكلة ليست في الفن أو البرنامج أو المشاركة فيها. واقل ما يقال انه كانت فيه تجاوزات وحركات وإيماءات وإشارات كان من الممكن أن لا تقع ولعلها طريقة أصالة التغنجية لإنجاح برنامجها". كان رد فعل غلام "قويا" اتهم فيها ذ يتيم بالسطحية والبساطة والكتابة الإنشائية تم قلب العتاب رأسا إلى قضية غلام: "أخي يتيم أستغرب كيف يظهر لك أمر مفاجئ في مشاركة لرشيد غلام في قناة خارجية، ولم نسمع لك قط كلمة واحدة في منع رشيد غلام وحصاره واعتقاله وسجنه، لم أسمع لك وأنت النائب البرلماني القيدوم مرة واحدة تضامنا مع رشيد غلام أو طرح سؤال حول قضيته". تم استغرب عن عدم استحيائه "أمام الله والناس وعائلتك وأولادك وأنت تركع له ركعات الولاء والتمجيد. ثم تتباهى بذلك في التلفزة". تتمة التعليق تفتل كلها في حبل الإعتراض قطعا على كلمة يتيم وعتابه والشجب بموقفه "الخانع". وبعد استعراض بعض من هذا السجال هل يتصور ل: ذ يتيم أن يعقب مرة أخرى على غلام ومن على شاكلته؟ شخصيا لاأتصور ذلك. في ثقافتنا المغربية نعبر عن الإفحام الذي يصب به المحاور خصمه بأنه "نقّى ليه وذنيه" وأنه "طلاه" و... في علم النفس الإجتماعي يعتبر المظلوم في حالة عداء مستبطن مع كل من لم يتضامن معه، بل ويعيش على حساسية مفرطة اتجاه من يدور في فلك "ظالمه". هل يمكن اعتبار حالة غلام ضمن هذا التوصيف؟ ولم لا ؟ وهو الذي ينسج على غير منوال يستصعب معها المتتبع لمسيرته الفنية استكناه مايريد صاحبنا وأي فن يترجاه؟ شخصيا لاأجد أي عتاب أو لوم لاعلى غلام ولاعلى ذ يتيم فكليهما على صواب من جهة مايتمتلونه للفن والمرجعية الثقافية التي يعتمدانها فكلاهما منسجم مع نفسه إلا ماطرأ من شنان يمكن أن يفهم من طبيعة الحوار الذي يجري بين الإسلاميين المغاربة، إذ يمكن استحضار حالات و أسماء مثل : الشيباني، بولوز، الأنصاري، أحمد حفو، الفزازي الأب ، المغراوي، الضرعاوي، البشيري، بوخبزة، وأسماء كثيرة يدرك من يعرفها طبيعة السؤال الذي يمكن ان نجترحه ألا وهو: هل الإسلاميين في المغرب فاشلون في التواصل فيما بينهم ؟ أم أن المسألة ليست إنتاجا مغربيا صرفا بل هي تمتد من المحيط للخليج؟ بمعنى أن هناك ثقافة تغذي وتشجع على هذا الشنان، وتكفي أول نقرة على محركات البحث ليعثر المرء على الصراخ والعويل والتجريح والطعن و..و.. حسب اعتقادي أن الحوار "البين إسلامي" بين رموز إسلامية ودعاة وعلماء وبين حركة إسلامية وأخرى، يطرح العديد من الأسئلة عن شكله وآدابه وعمقه وآلياته، هل هو سليم ويقدم نموذجا؟ لماذا لايكون امتداد لحوارات جرت بين مدارس إسلامية وأعلام كبار لانزال نعيش تحت ظلالهم على الأقل ثقافيا؟ أم هو يخضع لضغط الواقع الحديث وإكراهات السياسة والبيئة الثقافية والإعلامية "فهو بن بيئته"؟ ... أم هل معادلة "القرب والبعد من المخزن" والسلطة عموما ستبقى هي المحدد الرئيس الذي يطبع العلاقة بين الأطراف الإسلامية كما هو الحال مع الفصائل الأخرى؟ للتيار الإسلامي في تركيا ومصر تاريخ ورصيد حواري كبير في هذا الباب بالطبع في العصر الحديث. قلت أن من بين الملفات التي يمكن أن يفتحها تعليقي يتيم وغلام على بعضيهما حسب ظني هو تمتلات الفن لدى المسلمين عموما والحركة الإسلامية بشكل خاص كيف يرى المسلمون الفن (المسرح، الغناء، السينما، ...) كيف هي الخلفية الثقافية التي بها يتصورون هاته المواضيع؟ وماطبيعة المرجعية "الإسلامية" طبعا التي ينطلق منها الإسلاميون للمنع أو الترخيص؟ وماهي حدود المنع ؟ وماحدود الترخيص؟ وهل للفن عموما حدود أصلا؟. كان بن رشد رحمه الله يخاطب الفقهاء الذين كانوا يمنعون الناس من النظر في كتب القدماء، كتب الفلسفة وعلومها. يقول ما معناه: إنه إذا حدث أن انحرف منحرف بسبب هذه الكتب فإن ذلك ليس هو القاعدة، وقد يشرق الإنسان بالماء فيموت. فهل نمنع الماء عن الناس جميعا بدعوى أن فلانا شرق به فمات؟ يمكن إسقاط قول بن رشد في الفلسفة على الفن. هل يقبل غلام بالشكل الحالي الذي ارتضاه "الإسلاميون" لأنفسهم من شكل رتيب للفن لاقدرة له على التنافسية محليا ناهيك على المستوى العالمي؟ ولاقدرة له على حمل رسالة هي أوسع وأثقل من الشكل النمطي الذي يقدم الآن ، وإذن فإذا كانت همة غلام سامقة وهذا مانستشفه من خلال تتبعنا لمساراته ونزعم أنه تلميذ وفي ومخلص للمرشد عبدالسلام يسن رحمه الله في طريقة أخذه عن الصوفية ثم القطع مع أشكالهم بعد تتلمذهم المباشر لهم، فغلام بهذا المعنى يريد الإقتراب من الكبار للأخذ عنهم شعلته. لكن !هل الإقتراب من الكبار أمر سهل؟ ! إنه طريق طويل من أشكال وممارسات وسلوكيات لايقبلها غلام نفسه قبل يتيم ! فلاداعي إذن للاعتراض على ملاحظات ذ يتيم. ويتوقع من إخوة منشدنا أن يذكروه فهو نعم المذكر والذواق التواق . من المؤشرات الدالة امتناع غلام بلطف شديد عن مسايرة أصالة في "تغنجها" وتوقفه عن تتمة الغناء لشعر نزار قباني "قارئة الفنجان" لعبدالحليم حافظ، هنا تبين أن ماتتضمن كلمات قارئة الفنجان لاتنسجم مع مايريد ال"غلام". إنه لأمر جلل يضاف له مايهاجم به من سباب وطعن وتضييق وشماتة من الأخ والصديق... أليست "الطريق خطرة؟ !". قلت من موقد الكبار يريد غلام أن يشعل شعلته، ولايشك عاقل أن الإقتراب من الموقد محرق إلا على ذووي العزيمة والمضاء والوعي بما يريدون ولاتلعلع الشهرة والمال أمامهم فينسون ماخرجوا من أجله بداية.. ولنا حجة فيما نراه من شباب اختار طريق الفن الملغوم وزعم لنفسه الحصانة من ألغامه فوقع في مصيدة الشهرة و المال ونسي هدفه وفسدت نيته، وأضحى ينظر من عال لإخوة كانوا يتقاسمون معه الخبز والزيت بالأمس: إنه فنان ! "... فكم فيها من طريد وسليب وجريح وقتيل..." من هذا الباب نتفهم تعليق ذ يتيم ونلتمس له سبعين عذرا إذ تجمعه بإخوته في الضفة الأخرى الإسلام والدعوة إليه. فما كان إذن على غلام أن يحتج بتلك القوة. أجل، قلت إن أخانا ينسج على غير منوال وعلى درب مرشده رحمه الله يسير... ومن حق الكل أن يعترض عليه كما اعترض على ذ عبدالسلام يسن من اعترض حتى كدنا لانسمع إلا صوت المعترضين، لكن ماعلمنا عنه رحمه أنه رد على معترض أو محتج فتلك مما يستكملها رشيد إن شاء الله من صحبته و"صحباته" تعليما ورشدا. راجين له التوفيق والرشاد. إلى أن نسمع الأطلال من صوتك العذب لك مني مودة لاتشيخ ياغلام !...