وزير الداخلية يدعو الولاة والعمال إلى التصدي للنقل "غير القانوني" عبر التطبيقات الرقمية    أكبر الشركات العالمية تواصل إبداء اهتمامها بالطريق السيار الكهربائي الداخلة-الدار البيضاء    تقرير رسمي "مفزع"... نصف المغاربة يعانون من االإضطرابات النفسية    مناظرة بمدينة مكناس بمناسبة دكرى 49 للمسيرة الخضراء وعيد الاستقلال    الجامعة الملكية للملاكمة تنتخب بالإجماع عبد الجواد بلحاج رئيسا لولاية جديدة    صحيفة بريطانية تستعرض الوقائع التي تجعل من المغرب الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا    بالصور.. ارتفاع كمية المؤثرات العقلية التي تم حجزها بميناء طنجة المتوسط إلى أزيد من 188 ألف قرص مهلوس    تسمم غذائي يرسل 19 تلميذا إلى المستشفى الإقليمي ببرشيد    المنتخب المغربي يُحقق الفوز الخامس توالياً في تصفيات كأس إفريقيا 2025    فرقة "يوبا للابد المسرحي " تطير عاليا بنجوم ريفية في تقديم عرضها الأول لمسرحية " هروب في ضوء القمر    انعقاد الدورة الثانية للجنة التحضيرية للمؤتمر الثامن لمنظمة الكشاف المغربي بجهة مراكش-أسفي    حاتم عمور يكشف تفاصيل ألبومه الجديد "غي فنان"    ندوة حول موضوع الفلسفة والحرب: مآزق العيش المشترك    الرايحي يقنع موكوينا قبل مواجهة الرجاء في "الديربي"    حصة تدريبية خفيفة تزيل عياء "الأسود"    أسباب اندلاع أحداث شغب في القليعة    الشركة الجهوية متعددة الخدمات الشرق للتوزيع تعلن انقطاع الكهرباء عن أحياء بمدينة الدريوش    انعقاد الاجتماع الإقليمي للمدن المبدعة لليونيسكو بتطوان من 19 إلى 22 نونبر الجاري    حريق ياتي على العديد من المحلات التجارية في سوق الجوطية بالناظور    تراجع طفيف في ثمن البنزين في محطات الوقود    المغرب يعزز جهوده لإغاثة فالينسيا عبر إرسال دفعة جديدة من الشاحنات ومعدات الشفط    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    منظمات مغربية تدين تحيّز الإعلام الهولندي للاسرائيليين في أحداث أمستردام    عمر حجيرة: لا ترضيات في التعديل الحكومي    تعهدات في مؤتمر وزاري في جدة بمقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030 (فيديو)    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    من أصول مغربية.. وزيرة هولندية تهدد بالاستقالة بعد أحداث أمستردام    المحامون يتوصلون إلى توافقات مع وزارة العدل    إنعقاد المؤتمر الدولي بالداخلة حول "المبادرة المغربية للحكم الذاتي:نموذج للحكامة الترابية بإفريقيا الأطلسية".    جائزة المغرب للشباب تحتفي بالتميز    رؤية الرئيس الصيني.. التعاون الدولي لتحقيق مستقبل مشترك    زوجة المعارض المصري عبد الباسط الإمام تناشد السلطات المغربية إطلاق سراحه وعدم تسليمه إلى نظام السيسي    السكوري يكشف تشكيل لجنة حكومية تدرس منح دعم للكسابة في العالم القروي لمواجهة فقدان الشغل    ‪أمن دبي يقبض على محتال برازيلي    المرتجي: التراث اللامادي بين المغرب وهولندا أفق جديد للتعاون الثقافي    الفلبين تأمر بإجلاء 250 ألف شخص        حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    صانع المحتوى "بول جايك" يهزم أسطورة الملاكمة "مايك تايسون" في نزال أسطوري    أنفوغرافيك | أرقام مخيفة.. 69% من المغاربة يفكرون في تغيير وظائفهم    منع جمع وتسويق "المحارة الصغيرة" بالناظور بسبب سموم بحرية    "طاشرون" أوصى به قائد يفر بأموال المتضررين من زلزال الحوز        فريق الجيش الملكي يبلغ المربع الذهبي لعصبة الأبطال الإفريقية للسيدات    السوق البريطاني يعزز الموسم السياحي لاكادير في عام 2024    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    الأمم المتحدة.. تعيين عمر هلال رئيسا مشاركا لمنتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول العلوم والتكنولوجيا والابتكار    مغاربة يتضامنون مع فلسطين ويطالبون ترامب بوقف الغطرسة الإسرائيلية    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    حملات تستهدف ظواهر سلبية بسطات    "طاقة المغرب" تحقق نتيجة صافية لحصة المجموعة ب 756 مليون درهم متم شتنبر    مقابلة مثالية للنجم ابراهيم دياز …    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تَضَارُب المَصَالِح.. أو الجَمْع بَيْن الثَّرْوَة وَالسُّلْطَة
نشر في لكم يوم 19 - 09 - 2021

في بداية عهد الملك محمد السادس، انطلقت حملة دعائية لتقديم الملك الجديد على أنه "ملك الفقراء". وماذا حدث بعد مُرور عشرين عاما على ضبط الانتقال بين المَلِكَيْن، وبعد النجاح في عملية إخضاع المجتمع؟ لقد أصبح ملك الأثرياء! وهو نفسه الأغنى. وقبل ذلك، كان الملك المستبد الحسن الثاني يعاقب أي رجل أعمال يُحاول، ولو بشكل غير مباشر، المشاركة في ممارسة السلطة السياسية. أمّا اليوم، فَلَا شيء مثل ذلك موجود. فقد سمحت السلطة السياسية الحالية لِنَقَابة البَنْكِيِّين الكبار("المَجْمُوعة المِهَنِية لِبُنُوك المغرب"، Groupement Professionnel des Banques du Maroc, GPBM)، وسمحت كذلك لِنَقَابة كِبَار مَالِكِي الشركات ("الاتحاد العام لمُقاوَلَات المغرب"، CGEM)، بِأَن يَجْمَعُوا بين أيديّهم "الثروة الاقتصادية"، و"السلطة السياسية" !

في كل عام، تنشط هذه النقابات المِهَنِيَة (التي يَتَنَظَّمُ فيها أكبر الرأسماليين) لكي تُمْلِيَ على الحكومة التَوَجُّهَات التي يَلزم تضمينها في "قانون المالية" للعام التالي. وذلك بمباركة السلطة السياسية الموجودة في القصر الملكي. وَهَتَيْن النقابتين، أي نقابتي كبار البَنْكِيِّين، ونقابة كبار مَالِكِي المُقاولات، تُشَكِّلُ بحكم الواقع"كَارْتِيلَات" (cartels)، أو إِتِّحَادَات اِحْتِكَارِيَة، تَتَّفِقُ ضِمْنِيًّا فيما بينها، وَتَفْرِضُ على الدولة السياسات الاقتصادية التي يلزم تَنْفِيذُهَا، وَتُدِير الأسواق العُمُومية، وذلك وِفْقًا لمصالحها الخُصوصية. فإذا أرادت نقابة كِبار مالكي المقاولات CGEM قانونًا يُسَهِّل تَوقيف أو طرد المأجورين، أو قانونًا يَمنع العمال من اللجوء إلى الإضراب، فإن الحكومة تمنحها فورًا ذلك القانون (مثال القانون رقم 97.15) (1)؛ أما إذا طالبت نقابات العمال من الحكومة أن تَضَعَ قانونًا يضمن رَبْط أجور العُمَّال بِالتَضَخُّم (inflation)، أو إذا طالبت بمعاقبة مالكي المقاولات الذين يتحايلون لكي لَا يُسجّلوا كل مأجوريهم في "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي"(CNSS)، فإن الحكومة ترفض طلب النقابات العُمالية، ولو تَكَرَّرت خلال عدّة عُقُود!
لم يسبق في تاريخ المغرب أن سُمِحَ لمالكي المقاولات أن يكون لهم مثل هذا التأثير على سياسات الدولة! يَنْضَمُّ الآن بعض مالكي المقاولات الكبيرة إلى مناصب الوزراء الكبار. ويصبح بعض الرأسماليين، من بين أغنى أغنياء البلاد، وزراء، وبرلمانيين، ورؤساء "الجماعات المحلية أو الجهوية"، دون أن يُبَالُوا بِكَوْنِهِم في "حالات تَضَارُب المَصَالِح". وإذا طالب أحد المواطنين باحترام الحد الأدنى من "الأخلاق" السياسية، يَصِفُونه بكونه "مِثَالِيًّا"، أو "أَيْدِيُولُوجِيًا"، أو "عَدَمِيًّا".
وفي الواقع، لا يحتاج اليوم هؤلاء البنكيِّين الكبار، ومالكي المقاولات الكبيرة، إلى أن يَشْغَلُوا مناصب وزارية لكي يقدروا على التلاعب بسياسات الدولة لصالحهم الخاص. بل لديهم ما يكفي من الوسائل الخفية لِدَفْعِ الدولة إلى خدمة مصالحهم الخُصُوصِيَة. ولا تُوجد السلطة السياسية الفعَّالَة، القادرة على اتخاذ القرارات، في المكان الذي نَتَخَيَّلُه. حيث لا تُوجد هذه السلطة السياسية في الحكومة، ولا في البرلمان، ولا في رئاسة "الجماعات المحلية"، ولا في مؤسّسات مُمَاثلة. والكثير من "القضايا" المهمة يتمُّ تَثْبِيتُهَا أو إِلْغَاؤُهَا من خلال علاقات سِرِّيَة.بِدُون مَحْضَر، وَلَا تقرير. لَا عِين رَأَتْ، وَلَا أُذُن سَمِعَت.
وفي المغرب، نجد أن حالات "تضارب المصالح" لَا تَتَعَرَّضُ لِلمنع، وَلَا للنَّقد، ولا لِلْعِقَاب. ولم يتم الحكم على أية حالة "تضارب في المصالح" أو قمعها. وَأَيُّ مسؤول في الدولة اِرْتَكَب أخطاءً، أو مخالفات، أو جنايات، لَا يَتَعَرَّضُ لأي استجواب، وَلَا لِأَيَّة رقابة، ولا يخضع لأية مُحاكمة، ولا يصدر ضدّه أي حُكم عقابي، أو تَقْوِيمِي. والثروات المَنْهُوبَة، أو المُسْتَوْلَى عليها بشكل مُنَافٍ للقانون، لَا تُحْجَز، وَلَا تُسْتَرَدُّ، وَلَا تُعاد إلى المِلْك العُمُومِي. والجِهَاز القضائي الذي تُفترض فيه قُدْرَة كافية على إنجاز هذه المحاسبة، ليس نزيها، وَلَا مُستقلاً. والأسوأ من ذلك، أن النظام السياسي القائم يستخدم الجهاز القضائي كسلاح في "صراعه الطبقي" ضدّ المعارضين السياسيين، وضد الصحفيين الناقدين، وضد المناضلين النَّاشطين في حركات الاحتجاج الشعبية.
في هذا السياق، وعلى الرغم من إِدِّعَاء "التشاور الواسع مع جميع قِوَى الأمة"، فإن "النموذج الجديد لتنمية الاقتصاد الوطني" لا يمكن أن يكون إلا النموذج الذي يرغب فيه البَنْكِيُّون الكبار، وَمَالِكُو المقاولات الكبرى !
تُوجِبُ "الأخلاق السياسية"على الأشخاص الذين يشغلون مناصب قيادية في الاقتصاد، أن يفقدوا الحق في أن يكونوا، في نفس الوقت، في مناصب قيادية في السياسة. بدون استثناء أي شخص كان في المجتمع. وَإِلَّا، سَيَقَعُ هؤلاء الأشخاص على الفور في مواقف "تضارب المصالح" الصارخة. وانتشار حالات "تضارب المصالح" يؤدي بالضرورة إلى الاستبداد، والفساد (بالمعنى العام للاحتيال المتنوع)ْ(2) .
وعندما يصبح "تضارب المصالح" أمرًا شائعًا في الدولة، فإن هذا الواقع يثبت أن وجود"سُلُطَات مُضَادَّة" في المجتمع قد غَدَى صعبًا، أو مستحيلًا. وَيُصبح أيضا التوازن فيما بين مختلف القوى المُجتمعية المتناقضة مُستحيلًا. فَتَغْرَق الدولة في الوقاحة. وَتَصِيرُ العدالة المُجتمعية مُدَمَّرَة. ويصبح من المستحيل إرساء "دولة الحَق والقانون". ويميل النظام السياسي القائم إلى أن يتسم بالاستبداد، والقمع، والفساد.
ويريد بعض فاحشي الثراء أن يتحولوا إلى سياسيين عُظماء، وإلى وزراء كبار. ولو أن ثقافتهم السياسية والعِلْمِية تبقى مُنعدمة، أو ضَئِيلة، أو نَاقِصَة. ومثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب(Donald Trump )، يميل العديد من مالكي المقاولات إلى الاعتقاد بأن نجاحاتهم الشخصية في "عالم الأعمال الرأسمالية "تثبت أنهم" هُم الأنسب لتحمل المسؤولية السياسية "في حكومة البلاد"، أو في "حُكومة الظِلِّ". ويعتقدون أنهم "مَوْهُوبُون"، أو "عَبَاقِرَة"، مُقَارنةً ببقية سكان البلاد. إنهم يؤمنون إيمانًا راسخا بأنهم "الأفضل في إدارة المُجتمع"! وهذا الغُرور المُتَهَوِّر يَتَلَاءَمُ مع طبيعة الرأسمالية. وبعض مالكي المقاولات لديهم هَوَسٌ أَهْوَج يجعلهم يعتقدون أنهم هُم دائمًا على حق ضد كلّ بقية المجتمع. هذه هي ظاهرة النرجسية النموذجية للرأسماليّين الذين يملكون المقاولات الكبيرة. ويعتقدون أن مصالحهم الشخصية هي بالضرورة مصالح المجتمع بأسره. ومن الواضح أنه يستحيل الشِّفاء من هذا المرض العُضال.
ونرى العديد من بين مالكي المقاولات يذهبون لِغَزْو المؤسسات السياسية، لكي يُصبحوا مسؤولين مرموقين في هيئات سياسية مثل "الجماعات المحلّية"، أو البرلمان، أو وزارات في الحكومة. وهدفهم السري هو الاغتناء السَّريع وغير المَشْرُوع، من خلال تضخيم رأسمالهم الخُصوصي، عبر استثمار أو استغلال سُلُطَات هذه المؤسسات السياسية أو العمومية. لكن "مجتمع المواطنين" يختلف جذريًّا عن "المقاولة الرأسمالية". بمعنى أن إدارة أشخاص مأجورين، خاضعين وَمُسَيْطَر عليهم (داخل مُقاولة رأسمالية)، يختلف تمامًا عن إدارة مُجتمع يحتوي على ظواهر مُجتمعية، غير معروفة، وغير قابلة لِلتَوَقُّع، بالإضافة إلى وجود مواطنين طَمُوحِين، وَمُتَناقِضِين، وأحيانًا غير عَقْلَانيين. فإذا كانت لِشَخْص مُحَدَّد خِبرة في التجارة، أو في الصناعة، أو في الخدمات، فهذا لا يُثبت أن هذا الشخص يَكْتَسِبُ، تَبَعًا لذلك، خبرة مماثلة في ميدان السياسة. وبدون اِكْتِسَاب تَكْوِين علمي، جِدي ومُعمّق حول المُجتمع والسياسة، يَستحيل فَهم المُجتمع (المدني) ، ناهيك عن إدارته.
وقد أصبحت "علاقات اِقْتِرَاف المُحَرَّمَات" (relations incestueuses)بين "الثروة الاقتصادية" و"السلطة السياسية" ظاهرة واضحة، وغير لائقة، وغير مُشَرِّفَة. في حين أن نجاح الشخص في الاقتصاد لا يثبت أن هذا الشخص يمكن أن يكون ناجحًا أيضًا في السياسة. ويعتقد رَجل الأعمال الملياردير القوي، مثل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق دونالد ترامب (Donald Trump)، أن ثروته تجعله لائقًا لقيادة مُجتمعه، وحتّى كلّ العالم. لكن الكثير من الناس حول العالم يعتبرون دونالد ترامب"غبيًا"، أو "غير مُثَقَّف"، أو "مُتخلّف"، في ميدان السياسة.
في كل بِقَاع العالم، أفرغت الرأسمالية "الديمقراطية التمثيلية" من محتواها "الديمقراطي" المزعوم. وأصبح التأثير على الانتخابات العامة أمرًا سهلًا، بواسطة قُوّة المال. إِلَاهُ "المَال" يفتح جميع الأبواب المُغْلَقَة، وَيُحَقِّق جميع الأماني، ولو كانت محظورة أو حمقاء. وفي كل الانتخابات العامّة، يَنجح المُرَشَّحُون الذين هم الأكثر غِنًا. وتبقى الاستثناءات نادرة جدًا. ويمكن التلاعب بسهُولة بآراء المواطنين المُؤَهَّلين لِلتصويت، بواسطة المَال، أو"الهَدَايَا"، أو الدِّعاية، أو الأجهزة الأَيْدِيُولُوجِيَة، أو وسائل الإعلام، أو من خلال تنشيط حملات انتخابية. ولا يقدر على الفوز في الانتخابات العامّة سوى أولئك الذين يستطيعون تمويل الحملات الانتخابية الأكثر صَخَبًا وَتَكْلُفَةً. فَيَظْهَر أن "ديمقراطية" الرأسمالية هي "ديكتاتورية البرجوازية الأنانية". وكلّما مَارَس مُقَاوِل (مَالِكُ مُقَاوَلَة) مسؤوليات في إحدى مُؤسسات الدولة (أو كلّما كان مُوَظَّف مسؤول في الدولة يحمل في نفس الوقت صِفَة مُقَاوِل)، فإن أَنَانِيَتَه تَطغى عليه، ولا يَتَرَدَّد في استغلال سُلطته الإدارية لتضخيم ثَرْوَتِه الشخصية، وَثَرْوَة حُلفائه. بل يمكن لهذا المُقاول أن يرتكب جرائم، أو أن يَتَسَبَّب في كارثة للشعب. لكن في معظم الحالات، الشعب يُعانِي، ولا يستطيع الرَّدَ.
من وقت لآخر، تَحدث مُحاكمات لِكِبَار المسؤولين في الدول الغربية التي يُوجد فيها حَدٌّ أدنى من "دولة القانون". فَلماذا لا يَقْتَدِي المغرب بِمَا هو ممتاز في الدول الغربية؟ يجب أن تنص قوانين المغرب على ضرورة وُجود فَصْل واضح بين "عالم الأنشطة الاقتصادية" وعَالم "المؤسسات السياسية" للدولة، مع مَنْع الجَمْع بين "الثروة الاقتصادية" و"السلطة السياسية". قد يقول البعض إن هذا النوع من القوانين موجود، لكن ما الفائدة من وُجوده إن لم يكن يُطَبَّق ؟ وهل يُمكن تَفعيل هذه القوانين في المغرب، حيث أن الملك هو نفسه من بين أغنى الرأسماليين في البلاد؟ إنّ أفضل طريقة للحدّ من تجاوزات السلطة السياسية الموجودة في المجتمع، هي تقسيم هذه السلطة السياسية إلى سُلُطَات صغيرة مختلفة، وَفَصْلُهَا عن بعضها البعض، وتحويلها إلى سُلُطَات مُضَادَّة مُحتملة، وَقَادرة على تبادل الانتقادات، والمعارضات، على أساس الفصل في التَظَلُّمَات عبر اللجوء إلى سلطة قضائية، يُفْتَرَضُ فيها أن تكون مُستقلة، وَمُحَايِدَة، ونزيهة، وعادلة. وهو ما لا يوجد بعد في المغرب.
يجب الحِرْص على اكتشاف حالات "تضارب المصالح"، وفضحها، ومحاكمتها، ومنعها، ومعاقبتها. يجب أن تمنع القوانينُ المُقَاوِلِينَ، ومالكي الشركات (سواء كانوا نشطين أو متقاعدين)، من التَرَشُّح (في الانتخابات العامّة) لِمَنْصِب رئيس "الجماعة المحلية"، أو نائبه، أو عضو في البرلمان، أو وزير، أو منصب أحد كبار المسؤولين في الدولة. وَإِذا لم نفعل ذلك، فإن مُعظم المناصب السياسية ستصبح حتمًا مُحْتَلَّة من طَرف المُقَاوِلِين الرأسماليين، ذَوِي جَشَع غير محدود. ويجب أيضًا منع "جماعات الضغط" (lobbying)، ومحاكمتها، ومُعاقبتها، لأن أنشطتها تتم دائمًا من خلال استعمال المَال، أو الرَّشوة، أو تبادل "مَدْفُوعَات مُتَقَابِلَة" خَفِيَة أو مُلْتَوِيَة. وللأسف، فإن الدولة الرأسمالية، غير قادرة على تحقيق هذه الأماني الديمقراطية. والأسوأ من ذلك، أن الرأسمالية تَمِيل دائمًا إلى إخضاع مُجمل الدولة لِلْخِدْمَة الحَصْرِيَة لِكبار الرأسماليين! والحقيقة هي أن الرأسمالية لا يمكن أن تكون إلا دكتاتورية البرجوازية المُمَوَّهَة.
منطق الرأسمالية واضح: أولئك الذين يَغْتَنُون بشكل غير قانوني، أو غير أخلاقي، أو عن طريق مُمَارَسَة استغلال رأسمالي مُفرط، يُرَاكِمُون الثروات الاقتصادية؛ ثم يَقْتَحِمُون الميدان السياسي؛ ثم يصبحون مُهَيْمِنِين في المُجتمع؛ ثم يَسْتَوْلُون على السلطة السياسية؛ ثم يَحْتَكِرُون سلطة التشريع. ثم يُخضعون الدولة لخدمة مصالحهم الحصرية. وفي إطار هذه الظروف، يمكن تنمية الثروات الشخصية لبعض الرأسماليين، لكن يَستحيل تحقيق "تنمية الاقتصاد الوطني"على أُسُس التكامل، والتضامن، والعدالة المُجتمعية!
* هذا مقتطف مِن كتاب باللغة الفرنسية، لم ينشر بعد، تحت عنوان "يستحيل الخروج من التَخَلُّف المُجتمعي بواسطة الرأسمالية"، (Impossible de sortir du sous-développement avec le capitalisme). وحرّر في ماي 2020بالدار البيضاء.
* الهوامش
* 1 تنص المادة 29من دستور المغرب على أن "الحق في الإضراب مضمون"، في حين أن القانون الجديد رقم 97.15 يجعل عَمَلِيًّا اللجوء إلى الإضراب مستحيلاً. وتجيز المادة 288 من القانون الجنائي الحكم بالسجن لمدة عامين، وغرامات باهظة، على كل مأجور يدعو إلى الإضراب الجماعي عن العمل. وهذا مخالف للمادة 8 من "البروتوكول الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الذي صادقت عليه الأمم المتحدة في كانون الأول / ديسمبر 1966، وصادق عليه المغرب).
* 2 مثلًا في المغرب، وفي حالة عزيز أَخَنُّوشْ، وهو صديق للملك، ومن عائلة ثَرِيَة (مِلْيَارْدِير)، ويشارك في ملكية أكثر من خمسين شركة، وبعدما عُيِّنَ رئيسًا للحكومة من طرف الملك، نشر بلاغًا يقول أن أخنوش انسحب من مواقع تدبير شركاته، وذلك لِتَفَادِي الوقوع في حالة "تضارب المصالح". لكن "تضارب المصالح" لا يكون دائما وَاضِحًا، أو مرئيًّا. وَتَمْتَلِك مثلًا عائلة عزيز أخنوس العشرات من محطّات بيع الوقود في كل أرجاء البلاد. وتتميّز هذه المحطات بكونها تحتوي أحيانا على مطاعم، ومتاجر، وحوانيت مُختلفة، وشبه فندق، أو غيرها. والملاحظ هو أنه، في نفس فترة تعيين أخنوش رئيسا للحكومة، أقدمت العشرات من مَحَطَّات بيع الوقود (التي هي في ملكية عزيز أخنوش)، والمنتشرة في كل البلاد، على إنجاز بِنَايَات و تَمْدِيدَات ضخمة، مَبْنِيَة بالإسمنت والحديد، مُكوّنة من عدة طبقات، داخل هذه المحطّات لبيع الوقود. ولا يعرف أحد كيف حصلت كل هذه المحطات على التَرَاخِيص الإدارية الضرورية لِبِنَاء هذه التَمْدِيدَات. والأكيد هو أنه لَوْ أقدمت محطّات أخرى لبيع الوقود، تابعة لشركة أخرى صغيرة، على مُحاولة بناء تَمْدِيدَات مُشابهة، لَمَا حصلت أبدًا على هذه التَرَاخِيص الضرورية. وهذه الامتيازات ناتجة بالضبط على وجود عزيز أخنوش في مواقع "تضارب المصالح". حيث يعجز أي موظف في أجهزة الدولة على معارضة أو كَبْح مشاريعه. وهذا مثال صغير، ومعانيه كبيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.