يعتبر التراث بمختلف أشكاله ذاكرة الشعوب و مبعث فخر بهويتها و تاريخها، إلا أن التراث في العصر الحاضر قد تجاوز هذه المكانة الشكلية و الرمزية، ليتبوء موقعا مميزا كعامل مهم من عوامل التنمية البشرية بمختلف أبعادها، و هكذا أصبح موضوع المحافظة على التراث المادي و غير المادي و رد الاعتبار له من القضايا الملحة التي تسترعي اهتمام الحكومات و الشعوب و المنتظم الدولي و المهتمين و جمعيات المجتمع المدني... و قد تصاعد هذا الاهتمام ليعزز الجهود المبذولة من أجل الحفاظ على الخصوصيات الثقافية و الحضارية للشعوب في ظل تواصل زحف تيار العولمة الجارف، الذي يسعى الى تنميط الثقافة الإنسانية و الإجهاز على العادات و التقاليد المحلية لحساب نمط موحد في التفكير و في العمل وفي التفاعل مع الظواهر الكونية. لذلك أصبح مطلب المحافظة على التراث مطلبا لكل الشعوب التي تعتز بهويتها و تاريخها، و يترجم ذلك في الاهتمام المتزايد ليس فقط بالتراث المادي، و لكن أيضا بالتراث الغير مادي المتمثل في عادات الشعوب و تقاليدها و لغاتها و فكرها و طريقة تدبيرها للمجال وهو ما توج بتبني اتفاقية دولية سنة 2003، تروم المحافظة على هذا النوع من التراث و جعله ملكا للإنسانية. جدير بالقول أن التراث في الوقت الراهن أصبح يتجاوز النظرة التحنيطية الذي سادت في مراحل متقدمة، وبات ذا راهنية و دور أكثر فاعلية في الدفع بعجلة التنمية السوسيو اقتصادية، و هو ما يعود بنفع مباشر على مستوى عيش المجتمع لما يمكن أن يساهم به هذا القطاع إذا ما تم ايلاء الاهتمام له بالشكل المطلوب و استغلاله على الوجه الامثل. و المغرب باعتباره أحد أكثر البلدان غنى بتراثه الثقافي و الطبيعي المتنوع، و بتوفره على أزيد من ثلاثين مدينة عتيقة بمخزون حضاري و أثري ثري بالإضافة إلى الواحات، القصور الساحرة، فهو الأدعى الى الانخراط في تحدي استخدام واستغلال كنوزه التراثية أحسن استخدام. ونظرا لكون مدينة فاس أيقونة التراث المغربي بل و العالمي باعتبارها من أقدم المدن ب 1200 عام، و رصيد تراثي جد ثري ما حدا بمنظمة الأممالمتحدة للتربية و الثقافة و العلومUNESCO لتصنيفها منذ 1981 ضمن التراث العالمي، فإنني باعتباري طالب باحث في ماستر التراث و التنمية بكلية الآداب و العلوم الإنسانية فاس سايس، و في الوقت ذاته عضوا في عدة هيئات و جمعيات مدنية ناشطة. وقد رأيت أن فرص نجاح و تميز هذه الأيام الدراسية متاحة، باعتبار انسجام الموضوع المقترح مع المدينة المحتضة، بالإضافة الى راهنية الموضوع و أهميته الكبيرة في التنمية الاجتماعية، و كون هذه الدورة ستأتي انشاء الله بالجديد. و هكذا فإنه من العناوين المنتظر التطرق إليها نذكر: - دور البحث العلمي في الحفاظ على التراث و تنميته. - الآليات القانونية لإنقاذ التراث. - دور الفقه الإسلامي في تثمين التراث و الاعتناء به - مدينة فاس. عاصمة التراث المغربي. - موقع الانسجة العتيقة في ظل تصاميم التهيئة الحضرية. - المشاريع العمرانية و تأثيرها على سلامة التراث المعماري. - دور التراث و تأثيره في التنمية السياحية و الثقافية. - تدابير الدولة لإنقاذ التراث و ترشيد استغلاله في التنمية المجالية لكل موقع. - دور التراث الفكري والثقافي في نهضة المجتمع. - دور التناول الفني للتراث و الاعتناء به و التحسيس بالمخاطر المهددة له. و سنحاول استضافة الفنان نعمان لحلو الذي اهتم بالتراث في أعماله الفنية. - التجربة الأوروبية في الحفاظ على التراث و استخدامه كرافع للتنمية، مدينة "ليل" الفرنسية نموذجا. - دور المجتمع المجتمع المدني في التحسيس بأهمية التراث و ضرورة المحافظة عليه،مع استضافة بعض فعاليات المجتمع المدني العاملة بالميدان. استضافة جمعية CASAMEMOIRE كمتحدث عن تجربة الدارالبيضاء في تدبير التراث. بالإضافة الى هذه العناوين التي ستشكل بعض مواضيع العرض والنقاش، نقترح بعض الانشطة الموازية، وذلك لإعطاء الموضوع أبعاد اكثر رحابة وعلى سبيل المثال. - تنظيم زيارة ميدانية الى المدينة العتيقة بفاس رفقة تقنيين و أساتذة و مرشدين، وذلك قصد استكشاف مساراتها السياحية و في نفس الوقت الوقوف على المشاكل المهددة للتراث. - زيارة مشاريع قيد الترميم. - زيارة المتاحف التراثية - زيارة خزانة القرويين، و الاطلاع على كنوزها المعرفية و التعرف على وسائل ترميم و حفظ المخطوطات و الكتب كمثال للمحافظة على التراث. هذه ليست إلا بعض الأفكار حول ما يمكن أن تزخر به هذه التظاهرة العلمية من خلال تبنيها تناول هذا الموضوع القيم والفائق الأهمية. فهذه الأفكار تشكل أرضية تناول هذا الموضوع الشاسع مع إمكانية تطعيمه بالمزيد من الأفكار و المواضيع المهمة. و أخيرا رجوت أن ينال اقتراحي هذا موافقة و دعم أساتذتي المحترمين، حيث أن هذا المقترح لا شك يبقى بحاجة إلى التوجيهات و الارشادات العلمية، هذا و قد عرضته على اللجنة العلمية لمركز الدراسات و الابحاث في العلوم الاجتماعية بالرباط ، مع الانفتاح على العديد من الجهات المهتمة بالموضوع كالوكالة الحضرية و وكالة الكثافة و إنقاذ فاس، و كل الفاعلين على اختلاف مجالات تدخلهم، نظرا لأهمية الموضوع و امتداداته الكبيرة. وانتظرت المزيد من توجيهاتكم و ارشاداتكم العلمية، مع تضمين اقتراحي لفائق عبارات التقدير و الاحترام. غير أن هذا المشروع اصطدم بلامبالاة الجميع تقريبا باستثناء بعض أساتذتي بالماستر اللذين شجعوني و ليس أكثر من ذلك. و السؤال هو: هل سيظل هذا النوع من التعاطي مع المبادرات العلمية للطلبة الشباب على ما هو عليه هو السائد؟ اعتقد أن ذلك رهين بمدى جدية الباحثين الشباب في إثبات جدارتهم و جديتهم في تغيير واقع البحث العلمي نحو الافضل. و يبقى الهدف من نشر هذا المقال في الاعلام الحر هو شد اهتمام الطلبة لهذا الامر و بغية تحسيس الجميع بمشاكل البحث العلمي و تحدياته بغية خوض مسيرة الاصلاح الجامعي سوية. كما و أرجو العثور غلى من يتبنى مثل هذه المشاريع او على الاقل من يتعاطى معها بشكل أكثر إيجابية.