اختلف الفلاسفة والمؤرخين حول الأحداث التاريخية ومجرياتها, وانقسموا إلى مدرستين متباينتين : - مدرسة تنفي حتمية التاريخ وتقول بالصدفة واللامتوقع والفجائية, - ومدرسة ترى أن العالم و الأحداث تسير نحو غاية معينة , وأنه لم تكن قط وليدة الصدفة. وأياً ما كانت أقربها إلى الحقيقة و الصواب, فإن أحداث ما سمي بالربيع العربي, سواء جاءت نتيجة درجات احتقان الشعوب وبغاية نهاية الاستبداد, أو نتيجة الصدفة أو إثر حادث معين, فلا شك أنها دخلت بالبلاد العربية منعطفا جديدا ذهبت ببعض الرومانسيين إلى حد حلم ريادة العالم و قيادته. و المغرب كإحدى البساتين التي تسارعت بها الأحداث وتطورت, حلم فيها الحالمون وتصدى لها المحافظون و انحنى لها آخرون, نما نباتها و اخضر, كثُر زرعها وأثمر, ثم استغلظ و استوى على سوقه, ليعجب الحالمين ويغيض المحافظين, لكن وقع ما لم يكن بالحسبان, ولم يخطر ببال إنسان. فمن كان يسقي البستان و يعتني به و المكلف بحمايته هو من أتلف زرعه و محصوله. و الحقيقة أنه لا التجربة التي راكمها هؤلاء في مسارهم البرلماني و الجماعي, ولا العذرية السياسية, ولا حتى الالة التنظيمية التي يملكونها, كانت ستوصلهم إلى سدة الحكومة لولا –الربيع العربي- و ضغط الشارع الذي تزايد مع الحركات الاحتجاجية , فكان ثمرة كل هذا أن حصلت سابقة في تاريخ الانتخابات المغربية منذ الاستقلال وهي حصول حزب على 107 مقعدا برلمانيا. لكن من وثق بهم المغاربة و آزروهم, وادعوا أنهم سيتصدون للفساد و يحركوا ملفات المجلس الأعلى للحسابات, و يوسعوا هامش الحريات و حقوق الانسان, ويشجعوا المقاولة الوطنية والقضاء على التهريب و التهرب الضريبي و العمل على الترقي بالقطاعات الاجتماعية. هم أنفسهم من حمّلوا المغاربة مسؤولية الجزء الأكبر من الأزمة الاقتصادية, و أرجعوها إلى السلوكات المعيشية للمواطن و الجزء المتبقي للحكومات السابقة, وهم من أبدلوا شعاراتهم بأخرى أكثر تحيينا وتوفيرا للاختباء من قبيل "عفا الله عما سلف" و "التماسيح" و "العفاريت" و غيرها. و هم من عملوا على استمرار تعنيف المتظاهرين المسالمين السلميين بل ومطالبتهم باحترام القانون و عدم التجمهر و عرقلة مصالح الناس,وهم من بدل أن يتشجعوا في محاربة الفساد, تشجعوا في حسم أمورلم تسطع الحكومات السابقة مسها أو حتى الاقتراب منها. و هم من بدل أن يحرصوا على عدم مخالفة الدستور في النيل من حقوق المواطنين, حرصوا على عدم مخالفته بالنسبة لمعطلي محضر 20 يوليوز. وهم وهم... و بعيدا عن الذاتية و المسكنة, فلربما الفساد الحقيقي الذي ينهش المغرب و أوصاله هم حقا معوزيه و باقي طبقاته الضعيفة و المتوسطة, لذلك نلمس حربا ضروسا و بلا هوادة اتجاههم. لذلك عاشت الشعبوية و الظواهر الصوتية.