الوثيقة الحالية تتناول موضوع نقد الشعب. وقد فضّل الكاتب عرض نقد الشعب على شكل حوار أدبي، يدور بين مُواطنين صديقين. واسم المواطن الأول في الحوار هو "آدم"، واسم الثاني هو "إبراهيم". وهذه الأسماء هي اعتباطية، ولا ترمز إلى أي شيء محدد. يقوم المواطن "آدم" بدور الدفاع عن التقاليد، أو المعتقدات، أو الأوضاع القائمة. بينما يقوم المواطن الثاني "إبراهيم" بدور نقد هذه المُعتقدات، أو يُنَبّه إلى نقائصها. وهذا النقاش ليس بالضرورة حوارا واقعيا أو حقيقيا. والهدف من الحوار كأسلوب أدبي هو تَيْسِير عرض قضايا سياسية، أو تبسيط نقاش رؤى فلسفية، أو تَسْهِيل مُقارعة أفكار مُتناقضة، والبرهنة على المواقف الفكرية التي يعتبرها الكاتب أكثر مُرونة أو صوابًا. وهذا الحوار هو التّالي : لماذا نقد الشعب ضروري ؟ إبراهيم : بعض المُثقفين والسياسيين يقتصرون على نقد المسئولين، أو على نقد الحُكّام، أو نقد الطبقات السائدة، أو نقد الدولة، أو نقد النظام السياسي. ويتغاضون كُلّيا عن نقد الشعب. فهل نقد الحُكّام كاف ؟ أليس نقد الشعب ضروريا ومُكَمّلا للنقد الأول ؟ آدم : لا، شعبنا شعب عظيم، وحكيم. وأنا لا أوافق على نقد الشعب. إبراهيم : في غالب الأحيان، يفترض المناضلون أن أفراد الشعب هم كلّهم طيّبون، وتقدّميّون، ومناصرون للحق، وللعدل. ويعتقد المناضلون أن سلوك مجمل أفراد الشعب سليم، وذلك على جميع المُستويات. لكن الواقع العنيد يُكذّب مثل هذه الظّنون. ألا يوجد من بين أفراد الشعب من هم أميّون، أو جاهلون، أو مُحافظون، أو يمينيّون، أو رجعيّون ؟ ألا يوجد من بين أفراد الشعب من يتصرّفون بشكل مناقض للعقل، أو للأخلاق، أو للعدل، أو للحق ؟ آدم : أنتَ تنتقد الدولة، وتنتقد النظام السياسي، وتنتقد الأحزاب، والآن تريد نقد حتى الشعب ! ألا تُبالغ شيئا ما ؟ إبراهيم : الشعب الذي لا ينتقد كل ما في محيطه المجتمعي، هو شعب مُكَبّل بأغلال غير مرئية. وفي هذه الحالة، فإنه لن يستطيع الخروج من التخلّف. نحن في حاجة إلى نقد الدولة، وإلى نقد النظام السياسي، ونقد المجتمع، وحتى نقد أنفسنا. تبادل النقد بين المواطنين، هو من بين الوسائل التي تساعد مجتمعنا على الخروج من الانحطاط. وكل من يُفضّل المدح على النقد، فإنه يختار، من حيث لا يدري، البقاء في الرّداءة، ولا يستطيع الانتقال إلى جودة من مستوى أعلى. آدم : كيف ؟ تريد نقد حتى الشعب ؟ أختلف معك. لماذا تريد نقد الشعب ؟ الشعب هو الكيان الذي يشملنا جميعا. الشعب مُقدّس. الشعب هو المظلوم، وليس الظّالم. الشعب هو الضحية، وليس الجاني. واجبنا هو أن نعتزّ بشعبنا، بدون قيد أو شرط. يجب أن نمدح الشعب، وأن نُمجّده، وأن نصفه بكل الأوصاف الحميدة. إبراهيم : أنظر يا مُواطن ! صحيح أن الشعب يخضع لاستغلال الطبقات المُسْتَغِلّة. صحيح أن الشعب يُعاني من اضطهاد الطبقات السّائدة. وأن هذه الطبقات لا تُعتبر ضِمن صفوف الشعب. لكن نسبة كبيرة من المُفسدين، ومن ناهبي المال العام، وأنصار الاستبداد، والأعيان الانتهازيين، والمرتزقة العاملين في الأجهزة القمعية، والمسئولين في أجهزة الإعلام الرسمية، وكل أولاء الذين يُساهمون في تجهيل الشعب، أو تَبْلِيده، أو قهره، أو تحطيم معنوياته، أو يُشاركون في إخضاعه للفساد، وللاستبداد، كل هؤلاء، من أين يأتون ؟ إنهم ينبثقون بشكل مُتواصل من بين صفوف الشعب نفسه ! أفراد الشعب يَسْحَقون بعضهم بعضًا. المواطنون يفترسون بعضهم بعضا. يكفي أن يزور المُلاحظ مثلاً مراكز الشرطة، أو المَحاكم، أو أن يطّلع على الخُصومات والنّزاعات الجارية، لكي يتأكّد من ذلك. الشعب يقبل بان يفترس بعضُه بعضًا، بدلا من أن يَتَجَرّأ على التفكير النقدي، وعلى النضال المُشترك، وعلى الثورة المُجتمعية السّلمية. الشعب الذي لا يقرأ لكي يرفع مستوى وعيه، أو الشعب الذي لا يَتَنَظّم (في أحزاب، أو نقابات، أو جمعيات، أو في حركات) لكي يشارك في النضال، يكون قد اختار بأن يحكمه أفراد رديئون، أو جماعات انتهازية، أو مُتخلّفة، أو مُسْتَلَبَة (aliénés). آدم : أختلف معك. أنا أريد أن يقتصر النقد فقط على خُصوم الشعب. إبراهيم : لا يا مُواطن ! ما دام المُثقفون والسياسيون يقتصرون على نقد الحُكّام والسائدين، دون نقد الشعب، فإنهم لن يستطيعوا مُعالجة المشاكل المُجتمعية. السكوت عن أخطاء أفراد الشعب، هو انحراف غير مقبول. وتجاهل نقائص الشعب، هو خطأ منهجي، يُغالط في نفس الوقت الفاعلين السياسيين، ويغالط أيضا أفراد الشعب أنفسهم. فلا يمكنك أن تُصلح سلوك المسئولين، أو الحُكّام، أو السائدين، إذا لم تعمل، في نفس الوقت، على إصلاح سلوك أفراد الشعب. آدم : لا أتفق معك. كأنّك تُريد التّخفيف من مسئولية الحُكّام والسّائدين. كأنك تريد تقسيم المسئولية بين الحُكّام والشعب، بين الظّالم والمظلوم. بينما أفراد الشعب لا يتحمّلون أية مسئولية فيما آلت إليه أوضاع المُجتمع. إبراهيم : لا أدعوك إلى أن تكفّ عن نقد الحُكّام والسّائدين، أو إلى أن تقتصر على نقد الشعب. وإنما أدعوك إلى نقد كل المُخَالفات، وكل الانحرافات، حيثما وُجِدَت. سواء وُجِدت لدى الحُكّام، أم لدى أفراد الشعب. ألا تُوجد انحرافات أو أخطاء مُتواصلة في صفوف الشعب ؟ هل يحق أن نتجاهل، أو أن نسكت عن، ما يوجد داخل الشعب من تقاليد، أو مُعتقدات، أو أميّة، أو جهل، أو انتهازية، أو أنانية ؟ ألا تُلاحِظ أن بعض أفراد الشعب يميلون إلى تجاهل المشاكل المُجْتَمعية أو السياسية، ويميلون إلى مُحاولة حلّ مشاكلهم بشكل فردي، أو أناني، ولو عبر استعمال التّحايُل، أو الانتهازية، أو الرّشوة، أو الغشّ ؟ آدم : كلامك لا يقنعني. أنا أقدّس الشعب، ولا أقبل نقده. واجبنا هو تمجيد الشعب، وليس نقده. إبراهيم : أعطيك بضعة أمثلة من بين العشرات. مثال رقم 1 : إذا كان الجهل أو الأميّة منتشرين داخل الشعب، فإنك لن تستطيع خوض أيّ نقاش جِدّي مع أفراد الشعب، حول أيّ إصلاح سياسي، ولا حول أيّة قضية مُجتمعية ! ولن تستطيع أن تتفاهم مع أفراد الشعب ! ولن تستطيع أن تَسْتَشِيرهم ! ولا أن تطلب منهم الفرز، بواسطة التّصويت، بين اختيارات مُتناقضة في مجالات الاقتصاد، أو السياسة، أو القانون، أو الثقافة، أو الدين، أو غيرها ! كما لا يمكنك أن تطلب منهم إنجاز مهام من مستوى رفيع ! وبالتّالي، يسقط المُجتمع في ورطة، ولا يمكنه أن يتقدّم. مثال رقم 2 : إذا كانت سُلوكِيات الأنانية، أو الفردانية، أو الانتهازية، أو الغِش، منتشرة، أو راسخة، أو مُزمنة، داخل الشعب، فإنك لن تستطيع أن تُنْجِح أي إصلاح مُجتمعي جِدّي في مجالات العدالة، أو الصّحة، أو التعليم، أو التّشغيل، أو التّدبير الجِهَوِي، أو المحلّي، أو التّعمير، أو البيئة، أو غيرها ! آدم : أنا أحب الشعب، وأقدّسه، وأعظّمه. وأعتبر أنه لا يوجد أي مشكل في الشعب، وإنما توجد المشاكل كلّها في الحُكّام، وفي السائدين، وفي المُستغِلّين، وفي المستبِدّين. أنا جزء من الشعب، لذا لا أوافق على نقد الشعب. إبراهيم : إبراهيم : إنك تمدح الشعب وتُعظّمه، كأن أفراد الشعب هم كلهم ملائكة. لا يا مواطن ! أنظر إلى الشعب كما هو في الواقع، ولا تتصوّره كما تتمنى أنت أن يكون، أو كما يمليه عليك خيالك. هل تعلم مثلا أن نسبة هامّة من أفراد الشعب تُعاني من الفقر، ومن الجهل، وذلك إلى درجة أنها مُستعدّة للقيام بأية خِدمة كانت، مقابل قليل من النقود ؟ سواءً كانت هذه الخدمة غير أخلاقية، أو غير عادلة، أو إجرامية، أو عدوانية، أو ظَالِمَة. هل تعلم أن نسبة هامّة من أفراد الشعب مستعدّة لمحاربة أية مجموعة أخرى من الشعب، أو لقمعها، أو لاعتقالها، أو لتعذيبها، أو لسحقها، مقابل الحصول على شغل، أو على امتياز اقتصادي، أو على أموال ؟ إنهم يقبلون أن يعملوا كمُرْتَزِقَة (mercenaires) ! إنهم مستعدّون لكي يعملوا ك ''بَلْطَجِيّة''، أو كبوليس، أو كجلاّدين، أو كَمِيلِيشْيَات مُسلّحة، أو حتى كَقَتَلَة، سواءً لصالح النظام الاستبدادي، أو لصالح أعيان أقوياء وفاسدين، أو لصالح عصابة مَافْيَوِيّة، أو حتى لصالح قوى أجنبية، إمبريالية أو استعمارية. هل تعلم مثلا أن المقاومة وجيش التحرير، خلال سنوات 1950، كانت تُعاني من كثرة ''الشكّامة''، و''البِيّاعَة''، و''الخونة''، و''العُملاء''، و''المُندسّين''، إلى درجة أنها أُضْطُرت إلى إعدام كل من ثبت تعامله مع المستعمر، لكي يكون إعدامه عبرةً لمن يميلون إلى هذا التّعامل ؟ آدم : أُوووه، هذه مُجرد مسألة ثانوية، أو أخلاقية، وتتعلّق بسلوك أفراد قلائل، أو منحرفين ! إبراهيم : لا يا مواطن ! ظاهرة ''البَلطَجِيّة''، و''البِيّاعَة''، و''الخونة''، و''العُملاء''، و''المُندسّين''، و''المُرتزقة''، هي ظاهرة مُجتمعية، ضخمة وهامّة. وأكثر من رُبُع سكان البلاد يقبلون الإرتزاق بها كَحِرْفَة عادية ! إنهم مستعدّون لسحق مواطنيهم، وجيرانهم، وإخوانهم، بِلاَ شفقة ولا رحمة. يكفي فقط أن تُعْطيهم المال لكي ينجزون كل ما تأمر به من قمع، أو عُدوان، أو اعتداء، أو اعتقال، أو تعذيب، أو حتى القتل ! هل تعلم أن هذه الظاهرة تؤثر بشكل حاسم على تاريخ الشعب ؟ هل تعلم أن هذه الظاهرة هي من بين العناصر التي تعوق تحرّر الشعب من الاستبداد ومن التّخلّف ؟ هل تعلم مثلا أنه إذا استمرت هذه الظاهرة في الوجود، فإن الثورة المُجتمعية المُقبلة لن تبقى سلمية، بل ستتحوّل بالضرورة إلى حرب أهلية ! أي أن الثورة المقبلة في المغرب لن تكون مشابهة للثورة التي حدثت في تونس أو في مصر (في سنتي 2011 و 2012)، بل الاحتمال الأكبر هو أن الثورة بالمغرب ستكون مثل ثورة ليبيا أو سوريا، بكل ما فيهما من حرب أهلية، وعنف، وقتل، وتخريب ! آدم : أوووه، أنت تفكّر في المستقبل، وأنا أركّز على الحاضر. أنا أختلف معك. أنا أرفض نقد الشعب. أنا أفضّل أن نبدأ بنقد المسئولين، والحكّام، والسائدين، وبعد ذلك نقوم بإصلاح الدولة، وبعد ذلك نقوم ببناء نظام سياسي ديمقراطي جديد، وبعد ذلك يمكن أن ننتقل إلى مرحلة نقد الشعب وإصلاحه. إبراهيم : يظهر أنك لا تعرف القوانين العِلْمية التي تتحكّم في تطور المجتمع( HYPERLINK "" \l "sdfootnote1sym#sdfootnote1sym" 1). يجب أن تُدرك أنه يستحيل أن نَنجح في عملية إصلاح المجتمع إذا نحن قسّمنا هذه العملية إلى مراحل، أو تَعَاقُب، أو تَوَال، من النوع الذي ذكرتَه أنتَ. بعبارة أخرى، لا يمكنك أن تُصْلح الحُكّام أو المسئولين إذا لم تصلح، في نفس الوقت، عموم الشعب. يجب أن تكون الإصلاحات مُتزامنة. لأن الانحرافات (السياسية، والاقتصادية، والأخلاقية، والفكرية)، الموجودة في الحُكّام، أو في المسئولين، ترتبط عُضويا بانحرافات (مُشابهة، أو مُتفاوتة، أو مُخالفة) موجودة في المُواطنين، وفي الشعب. وعلى عكس الكثير من الاعتقادات الشائعة، يستحيل تدبير المجتمع عبر الاقتصار على تطبيق القانون وحده. يمكن أن تعتقل الأفراد الذين يُخالفون القانون، وأن تُحاكمهم، وأن تسجنهم، لكن القمع لا يكفي وحده لتدبير المُجتمع. فإذا لم يكن مُجمل أفراد الشعب يتحلّون بحدّ أدنى من ثقافة المُواطنة، ومن الديمقراطية، والتضامن، والعدل، والأخلاق، والعقل، فإن أية مؤسّسة سياسية (سواءًا كانت هي الدولة، أم الأحزاب، أم غيرها) لن تستطيع في هذه الحالة تدبير المجتمع بشكل عقلاني، أو عادل. آدم : أختلف معك. بلادنا مُتخلّفة فعلا. ونظامنا السياسي استبدادي. ومجتمعنا يُعاني من مشاكل سياسية واقتصادية وثقافية. و تأتي هذه المشاكل كلها من الحُكّام وحدهم، ومن الطّبقات السّائدة. أما جماهير الشعب، فهي مُجرّد ضحية. وبالتّالي، صراعنا هو صراع فقط ضد الطّبقات السّائدة، المُستبِدّة، والمُستغِلّة. وحلّ مشاكلنا يَكْمُن في القضاء على سيطرة تلك الطبقات السائدة. إبراهيم : بِمَنْهجك هذا، فإنك لن تَستطيع مُعالجة أي مشكل من بين مشاكل المجتمع. فحتى إذا إفترضنا جدلاً أنك نجحتَ في الإطاحة بسلطة الحُكّام الفاسِدين الحاليّين، أو بسلطة الطبقات السائدة الحالية، وحتى إذا إفترضنا أنك عَوّضتهم بحُكّام آخرين (يُفترض فيهم أنهم تقدّميون، أو ديمقراطيون، أو اشتراكيون، أو مُتديّنون)، فإنك سوف تُفاجأ بعودة نفس المشاكل المُجتمعية القديمة (السياسية، والاقتصادية، والأخلاقية، والفكرية). آدم : ولماذا ؟ إبراهيم : لأن هؤلاء المسئولين أو الحُكّام الجدد، يَنْبُعون باستمرار من الشعب، والشعب يَسْتَنْسِخ نفس النوع من الشخصيات، و يُعيد إنتاج نفس المشاكل والانحرافات (السياسية، والاقتصادية، والأخلاقية، والفكرية). بل إن خصوم الشعب، وأعدائه، يَنْبَثِقُون باستمرار من داخل الشعب نفسه. لهذا أقول : إذا أردتَ أن تغيّر أو أن تُصلح المُجتمع، فيجب عليك أن لاَ تقتصر فقط على إصلاح الطبقات العُليا، بل عليك أن تُصلح في نفس الوقت الطبقات السُّفْلى. آدم : ولماذا ؟ إبراهيم : لأن المجتمع هو وحدة مُتناقضة، وكل مُكَوّناته مُترابطة عضويا فيما بينها. وكل جزء منه يَتَأثّر بالأجزاء الأخرى، وفي نفس الوقت، يُؤَثّر على مجمل الأجزاء الأخرى. آدم : ألا تتناقض مع نفسك ؟ إذا كنتَ تنتقد الشعب، فكيف يُعقل أن تنتظر من الشعب أن يتضامن، أو أن يناضل، أو أن يثور، أو أن يُضحّي ؟ كيف يُعقل أن تنتقد الشعب، وأن تطلب منه في نفس الوقت أن يُشيّد مجتمعا جديدا ومُتقدّما ؟ إبراهيم : إذا اقًتَصَرْتَ على نقد الحُكّام، وامتنعتَ عن نقد الشعب، فإن الإصلاح السياسي، أو الثورة المُجتمعية، لن يحدثا ! الاكتفاء بنقد الدولة، أو بنقد الطبقة السّائدة، يفترض بأن بَقيّة أفراد الشعب هم كلّهم جَيّدون، ويلتزمون بالقانون، وبالمبادىء، وبالأخلاق. وهذا الإفتراض غير قائم. بل يستحيل بناء نظام سياسي جديد، أو تشييد مُجتمع جديد، بمواطنين من النوع القديم، أو بأفكار وأخلاق وسُلُوكِيّات قديمة، أو مُتخلّفة، أو رديئة. يجب أن نعمل منذ الآن، وبدون أي تأخير، بهدف خلق مواطن المستقبل، مواطن من نوع جديد، يتميّز بأفكار، وأخلاق، وسُلوكيات مُتقدّمة. آدم : أنت تُزعجني وتُضايقني بهذه الأفكار الغريبة. ولا أرى إلى أين تريد أن تسير. إبراهيم : مشكل نقد الشعب هو مشكل حقيقي. يجب الانتباه إليه، ويلزم الاهتمام به، ويجب أن نُبلور حلولا ناجعة له. وإِلاّ، يُمْكن أن يحدث لك شيء مُشابه لما حدث خلال انهيار ''الاتحاد السوفيتي''. يجب أن نفهم، وأن نستفيد من، تجربة الانهيار المُفاجئ للأنظمة الاشتراكية في الشرق، خلال قرابة سنة 1989. فقد شَيّدت من قبل أحزاب اشتراكية أو شيوعية، وبتضحيات كبيرة، أنظمة سياسية ''اشتراكية'' (في ''اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية''، وفي البلدان التي تحالفت فيما بعد في ''حلف وَارْسُو''). لكنهم لم يعملوا بما فيه الكفاية على تغيير عقلية المواطن. وبعد بضعة عقود، ولَمّا تعمّقت الأزمة داخل هذه المجتمعات، انهارت هذه الأنظمة، ثمّ فضّلت غالبية المواطنين العودة إلى الرأسمالية المُتوحّشة. واتَّضَح بسرعة أن جماعات فاسدة، أو شبه ''مَافْيَوِيّة'' (mafiosi)، كانت تخترق هذه المجتمعات. ما معنى ذلك ؟ معناه ما يلي : حتّى إذا استعطتَ تحويل المجتمع إلى بِنْية اشتراكية، أو إلى جنّة ديمقراطية، فإن هذا النظام السياسي المتقدّم، لن يستطيع الاستمرار في الوجود، أو الازدهار، إذا أنت أهملتَ تغيير عقلية المواطن، بشكل مُتواز، أو مُتزامن. بعبارة أخرى، عندما نعمل على تغيير البِنْيَات التّحْتِيّة للمجتمع (مثل هيكل الدولة، أو الاقتصاد، إلى آخره)، يلزم أن نعمل في نفس الوقت، على تغيير بِنْيَاته الفوقية (من فكر، وذِهْنِيات، ومُعتقدات، وأخلاق، وسُلوكيات، إلى آخره). وذلك في إطار الحريّة، وبواسطة الإقناع، وبالنموذج الحسن، وليس بالإكراه. - أنظر النص الكامل للمقال، يمكن تحميله بالضغط هنا.