لا شك أن استفحال الفساد بالمغرب هو محط اتفاق جميع التلاوين المغربية, سياسية كانت أو اقتصادية. حقوقية أوجمعوية' حتى أن بعض من أشارت إليهم الأصابع ,ينددون به ويدعون لمحاربته. وقد لا يتفاجأ أحد عندما يعلم أن المغرب يحتل مثلا المرتبة العاشرة عربيا من أصل 18 دولة حسب ترانسبارنسي في محاربة الرشوة, أوالمرتبة 126 من أصل 192 دولة حسب منظمة الشفافية دائما فيما يخص الوصول إلى المعلومة. فالجميع يقر بأن هناك طاعون الفساد الذي ينخرجميع أجهزة الدولة ومرافقها, و أن المفسدين يقودونها للشلل و السكتة القلبية وما إفلاس الشركات العمومية وعجز الأخرى إلا نذيرشؤم لما ينتظر البلد في قادم الأيام, لكن مخطئ وواهم من ظن أن الفساد مقتصر على فئة معينة من الناس, أو موسوم على مجال معين من المجالات, فكثيرمن الميادين إن لم تكن جلها تعاني من هذا الوباء, والكثير من المسؤولين على اختلاف مسؤولياتهم ودرجاتها مصابون بهذا المرض العضال. ذلك أنه من الظلم إلصاق هذه التهمة فقط بكبار المسؤولين وذوي السلطة والنفوذ, وإن كان فسادهم أشد وطءاً وانعكاسا من غيرهم. فانطلاقا من اعتبار المسؤولين لمرؤوسيهم بكونهم خداما تابعين لهم وليسوا بموظفين لدى الدولة, واعتبار المصلحة التي يشرفون عليها ضيعة بحوزتهم يعيثون فيها فسادا حتى تضيع مصالح البلاد والعباد, وصولا إلى استغلال النفوذ, أو الشطط في استعمال السلطة, أو التهديد والقمع لغض الطرف على العيوب الكارثية للمسؤول, كلها أساليب متداولة وليست غريبة مع شذوذها لما جاءت به المطالب الشعبية في كثير من المحطات, وكذا مخالفا وبعيدا عن المفهوم الجديد للسلطة الذي جاء به العهد الجديد, وركز عليه في كثير من المناسبات. فكم هو محزن أن ترى مواطنا يعنف أو ينكل به داخل إدارة ما, مما يجعله يهمل أو يتنازل عن حق يكفله له الدستور والقانون, وكم هومشمئز أن تجد موظفا يواظب على تسمين جيبه وجيب رئيسه ويتفانى في خدمته وخدمة عائلته, تفاديا لتوبيخه وسعيا لإرضائه مقابل تعطيل أشغال الناس وتكبيد الخسائر للدولة, وكم هو مقرف أن تسمع بمسؤول يستغل منصبه ليتحرش بموظفات أو عاملات تحت إمرته لتصبح الكفاءة والمردودية في مراتب بعد الخنوع والخضوع. وكم هو محبط أن تقرأ خبراً أو ترى أناساً يستفيدون من تنازلات وتساهلات و امتيازات دون غيرهم وبدون وجه حق, فقط لأنهم من عائلات معينة وكأننا بهم مغاربة الدرجة الأولى, حتى يحفظ الناس أسماءهم عن ظهر قلب من شدة تكرارها, وكم وكم وكم... حتى يصير الولاء للأشخاص وليس للوطن, والايمان بالمصالح بدل القيم والتطبيع مع خيانة الأمانة ونكران القسم, ثم غياب الانسانية وطغيان الأنانية. ومما وجب قوله والتأكيد عليه, ليس المواطن من يتستر على عيوب وطنه ويرضى عنها بسياسة"قولو العام زين" أو "أنا وبعدي الطوفان", بل المواطن الحق هو المواطن الغيور الذي لا يخشى مواجهة الفساد والمفسدين و إن كانوا عفاريت أو تماسيح. والذي لا يخشى في حب وطنه لومة لائم وإن كانوا أقرباء أو أصحاب النعم . وكما أن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة فإن محاربة الفساد الأكبر لا بد وأن تمر بمحاربة الفساد الأصغر, لأن الطفيليات تنمو فقط في المياه الراكدة وتتكاثر لتصبح أمراضا و أوبئة, وكلما جرت المياه وتحركت الشعوب وانتفضت, طهرت نفسها ومجتمعها من كل الطواغيت الصغيرة منها والكبيرة.