اجتماع ‬اللجنة ‬الوزارية ‬لقيادة ‬إصلاح ‬منظومة ‬الحماية ‬الاجتماعية    دي ‬ميستورا ‬بالجزائر ‬قبل ‬التوجه ‬الى ‬باريس ‬بحثا ‬عن ‬مواقف ‬متقاطعة ‬    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    لماذا ‬رحبت ‬قمة ‬الدوحة ‬بقرار :‬            عمر العباس .. مرشح العصبة الجهوية لكرة القدم بالشمال    الجديدة تحتضن ندوة حول الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني    أبواب الملحقة الجامعية بمنطقة تاوريرت موصدة إلى إشعار آخر..    هذا ما يجب أن ينتبه له آباء تلاميذ المستوى التحضيري    العزيز: إقصاء فيدرالية اليسار من مشاورات الانتخابات يهدد نزاهة الاستحقاقات    تقرير: الفقر المطلق يتضاعف في المدن رغم احتفاظ القرى بثلث فقراء المغرب    النفط يتراجع وسط مخاوف بشأن الاقتصاد الأمريكي وتخمة المعروض    بوسليم يقود مواجهة الوداد واتحاد يعقوب المنصور    زلزال بقوة 5.4 درجات يضرب شمال جزيرة "سولاويزي" الإندونيسية    المنتخب المغربي يرتقي إلى المركز 11 عالميا ويحافظ على صدارته قاريا وعربيا    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يرفع مذكرة مفصلة حول مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة        الولايات المتحدة.. ترامب يعلن تصنيف حركة "أنتيفا" اليسارية المتطرفة منظمة إرهابية    حجز أزيد من 76 ألف قرص مهلوس بميناء الناظور وتوقيف خمسيني متورط    طقس الخميس: أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    كيوسك الخميس | عدد المستفيدين من التأمين الإجباري عن المرض تجاوز 24 مليونا    ارتفاع نفقات سيارات الدولة يثير تساؤلات حول أولويات الإنفاق العمومي    محققة أممية تشبّه غزة برواندا وتتهم إسرائيل بارتكاب إبادة في غزة وإسبانيا تفتح تحقيقاً قضائياً في الانتهاكات    هيئة مدنية: وفيات الرضع والأطفال دون الخامسة ما زالت مرتفعة بالمغرب تتجاوز المعدلات العربية والأوروبية    مصادر: ميسي يمدد العقد مع ميامي    أكثر من 200 مليون دراجة هوائية في الصين            الشابي: التعادل منطقي.. وسانتوس: كنا الأفضل    حرب الإبادة مستمرة | قصف مستشفيات وتفجير مدرعات مفخخة.. ونزوح جماعي نحو المجهول كأنه يوم القيامة    تخصيص أراضٍ جنوب المملكة لمشاريع الهيدروجين الأخضر بقيمة 319 مليار درهم    مراكش تعزز أسطولها ب158 حافلة صينية استعداداً ل"كان 2025"    تقرير: الأحزاب المغربية تفقد ثقة 91.5 في المائة من المغاربة وتُتهم بجعل المال والولاء طريقا للترقي داخلها    عمدة بينالمدينا الإسبانية يكرم شخصية مغربية تقديراً لنجاح مبادرات ثقافية    بورصة الدار البيضاء تغلق تداولات الأربعاء بانخفاض المؤشرات    ميناء المضيق يحقق ارتفاعا قياسيا في مفرغات الصيد        "حزب الكتاب" ينتقد أداء المستشفيات    الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    آلام الرقبة قد ترجع إلى اختلال وظيفي في المضغ    مهرجان الظاهرة الغيوانية في دورته الثالثة بالدار البيضاء    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": مخرجات القمة العربية الإسلامية شجعت إسرائيل على مواصلة العدوان    الموسيقى المغربية تتألق في حفل "أصوات من الديار" بواشنطن    هوليوود تودع أسطورة السينما روبرت ريدفورد عن عمر يناهز 89 عاما    التوفيق يكشف حصيلة تأهيل المساجد المتضررة من زلزال الحوز    "حين سقط القمر" رواية جديدة للكاتب والأديب المغربي محمد بوفتاس        قهيوة مسائية بطنجة رفقة الفنان فؤاد الزبادي    ألمانيا تقلق من فيروس "شيكونغونيا" في إيطاليا    إيران تؤكد إعدام "جاسوس لإسرائيل"    خبير: قيادة المقاتلات تمثل أخطر مهنة في العالم    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    نور فيلالي تطل على جمهورها بأول كليب «يكذب، يهرب»    التغذية المدرسية.. بين إكراهات الإعداد المنزلي وتكاليف المطعمة    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اندحار المجتمع الدولي وعجزه عن التدبير الجماعي لمخاطر "كورونا"!
نشر في لكم يوم 19 - 05 - 2020

في الوقت الذي يزداد فيه ضحايا كوفيد 19 وترتفع الخسائر على جميع الأصعدة وفي كثير من الدول، عجزت المنظومة الدولية، ومعظم الفاعلين الدوليين، عن فعل أي شي يذكر اتجاه هذا الوضع المريب الناتج عن جائحة كورونا، والذي أدخل المسؤولين على الصعيد الدولي مرحلة بلغت درجة عالية من التوتر والقلق.
فلم تَقْدِم دول العالم،ولا المنظمات الدولية، على أية خطوة تنسيقية أو تعاونية فعلية، فقد أُخْرِسَت خطابا وممارسة عن كل مبادرة تكافح بها وبشكل جماعي هذا الوباء الخطير، ففي الواقع أصيبت باندهاش كبير وغدت مكتوفة الأيدي فيما يخص الخوض في أي عمل عابر للحدود، فما تمكنت من فعله هو غلق الحدود والارتكان إلى الحلول الفردية لتدبير هذه الأزمة الغير المسبوقة في العصر الراهن.
اليوم أظهر فيروس كورونا، الذي ضرب العالم وانتشر في وقت قياسي وبشكل مفاجئ، أن الأوبئة قد تتجاوز مخاطرها وتداعياتها ما تسفر عنه مختلف الحروب(الدولية والداخلية/الأهلية)من ضحايا، أو ما يمكن أن تفرزه المشاكل المالية الاقتصادية والاجتماعية..والسياسية من أزمات ومن نتائج، ففي الواقع قد تُسبب تصدعا حقيقيا في السلم الدولي وزعزعة للإستقرار العالمي، وهذا ربما ما "شَعر" به ألأمين العام للأمم المتحدة حين قال،واصفاً الجائحة(كورونا) بأنها «أعظم اختبار واجهه العالم منذ تشكيل الأمم المتحدة».
لاشك في أن العالم سيقبل على مشاكل وتحديات كبرى،خاصة في حالة استمرار هذا الوباء، وستكون لا محالة بمثابة مصادر حقيقية لانعدام الاستقرار في العديد من المناطق، وستكون لها تأثيرات حقيقية وعواقب وخيمة على الامن الدولي..
فيما يلي سنستعرض بعض من أهم وأخطر هذه التحديات:
– تحديات ترتبط بالأمن الغذائي: الواقع اليوم يقول أن الدول ‘جمدت' علاقاتها الدولية، في مجالات عديدة، كما أنها فرضت حالات الطورائ والحجر الصحي لتطويق فيروس كورونا، وهذا أفضى من جانبه إلى التقليل من فرص الاسثمار في شتى قطاعات..،كما أن الدول عملت أيضا على التركيز على الاستجابة لمتطلبات الداخل، فوضعت معظمها قيودا على مبيعاتها الخارجية لإعطاء الأولوية للإمداد المحلي..كلها معطيات ستعرف معها مسألة التصدير والاستيراد تراجعا كبيرا في موارد مختلفة.
وهذا لا يعني سوى أن العديد من الدول ستقع لديها نذرة على مستوى بعض الموارد، مما سيجعلها تجد صعوبة في تلبية الحاجيات (..) التي تخص المواطنين، هذا سينتج عنه سخط شعبي خاصة في الدول التي تفتقر إلى المواد الغذائية(بالخصوص الثرواث الفلاحية..) بحيث ستعجز المؤسسات العامة عن الاستجابة إلى طلبات المواطنين،وهذا المعطى سيكون دون شك سببا حقيقيا لحدوث اضطراب اجتماعي، ومن ثمة مصدرا لعدم الاستقرار في العديد من الدول.
هذا، وتجدر الاشارة إلى أنه كانت هناك تحذيرات وتقارير عدة تؤكد أن العالم سيعيش أزمة غذائية حادة وغير مسبوقة، بسبب اضطراب أسعار الغذاء ونقص المواد الغذائية، خاصة مع إجراءات العزل العام حول العالم والتي تبطئ سلاسل إمداد الغذاء العالمية، أو حتى منعها من الوصول إلى المستهلكين.
ونشير هنا، أنه بنهاية عام 2019 كان يعاني أكثر من 130 مليون شخص في 55 دولة من انعدام الأمن الغذائي، بينما يواجه أكثر من 70 مليون طفل مشكلات صحية بسبب الجوع.
فهذه الأرقام سترتفع دون شك إذا ما استمرت هذه الجائحة،فحسب بيانات لبرنامج الغذاء العالمي، فإن هناك أكثرمن800مليون إنسان يعانون من الجوع على مستوى العالم، كما أن شبح المجاعة قد يهدد ما يصل إلى نحو 30 دولة في ظل جائحة كورونا.
-الأمن الصحي: جائحة كورونا كان وقعها كبيرا على قطاع الصحة على الأقل في ثلاثة مستويات؛ الأول هناك بلدان تأخرت في اتخاذ إجراءات الحجر الصحي فتفاقم الوضع لديها ولم تتمكن من الاستجابة لمتطلبات المواطن العلاجية..، المستوى الثاني يرتبط بمسألة اللجوستيك(المختبرات،..) والبنية التحتية، فالعديد من الدولة عبر العالم ليست مؤهلة لمواجهة وباء من هذا النوع،المستوى الثالث يتعلق بالموارد البشرية، حيث أن السرعة التي ينتشر بها هذا الوباء يتطلب أطقم طبية كبيرة..والأخطر من ذلك أن العديد من الأطباء والمساعدين كانوا بحد ذاتهم ضحايا لهذا الفيروس..
فهذه المستويات ستفضي، لامحالة، إلى مشاكل كبيرة قد تهدد الأمن الصحي للعديد من الناس، وفي مختلف البلدان، مما سيجعلها مدخلا لحدوث إضطرابات ممكنة..
ودون شك، ستتعقد أكثر وسترتفع درجة خطورتها في البلدان التي تعرف أصلا نزاعات وحروب أهلية، ومن ثمة فاستمرار جائحة كورونا سيكون له تأثير كبير على الأمن الصحي للعديد من الدول التي تواجه تحديات حقيقية في هذا المجال، وقد تنهار النظم الصحية لديها في أي لحظة وتعجز عن استيعاب ما ستخلفه كورونا..
-البطالة: إن إفلاس العديد من من الشركات والمقاولات.. أدى إلى ارتفاع قياسي في أعداد الموظفين والعمال والمستخدمين.. الذي فقدوا وظائهم بشكل لم يسبق له نظير(أواخر مارس حسب منظمة العمل الدولية عدد من فَقدوا وظائفهم بسبب "كورونا" أكثر من 25 مليونًا شخص)،وهذا سيفاقم حالات الفقر في أوساط المجتمعات، خاصة لدى الدول الفقيرة، فالتدابير الاستثنائية التي اتخذتها الدول لمواجهة جائحة كورونا، بما فيها الاستعانة بالاقتراض وطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي(أكثر من 90 دولة طلبت مساعدة ص.ن.الدولي)، غير كافية في الأشهر المقبلة ولا قادرة على الحد من تداعيات تأثير كورونا على سوق الشغل وعلى الاقتصاديات الوطنية بشكل عام.
فالتقارير التي أصدرتها العديد من الجهات تتنبأ بارتفاعات خطيرة لمؤشرات الفقر في العالم، ففي واقع الأمر كانت الارقام مرتفعة أصلا وفي ظل ‘الظروف العادية'، وهذا ما يوضحه، مثلا،"مؤشر الفقر متعدد الأبعاد لعام 2019″، الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حين أكد أنه في 101 دولة تمت دراستها هناك 1.3 مليار شخص يعانون الفقر "متعدد الأبعاد.
ونشير هنا إلى أنه بالرغم أن بعض الدراسات( البنك الدولي) كانت تتوقع تحقيقَ تقدمٍ ملموس في الحد من الفقر المدقع (من يعيشون على أقل من 1.90 دولار في اليوم) إلى أقل من 3% بحلول عام 2030، لكنه مع جائحة كورونا يبدو أن مستويات الفقر المدقع ستعرف مستويات قياسية لا مثيل لها.
وهذا ما ذهبت فيه منظمة "أوكسفام" حين حذرت بأن كوفيد-19 قد يلقي بنصف مليار شخص في العالم في براثن الفقر، إذا لم يتم الإسراع بتفعيل خطط لدعم الدول الأكثر فقرا.
ففي تقرير لها أشارت( أوكسفام) إلى أن ما بين 6% إلى 8% من سكان العالم قد يلحقون بركب أولئك الذين يعيشون حاليا تحت خط الفقر، بعدما أوقفت الحكومات دورات اقتصادية بأكملها لاحتواء تفشي الفيروس وحذر(التقرير) من أن هذا الأمر في حال حدوثه سيعيد مكافحة الفقر على مستوى العالم عشر سنوات إلى الوراء، وأضاف إلى أن أكثر من نصف سكان العالم البالغ عددهم أكثر من 7,8 مليارات نسمة مهددون بأن يصبحوا تحت خط الفقر عند انتهاء جائحة كورونا.
– تعطل العملية الديمقراطية وتجميدها :
لا يمكن في مثل ظروف كالتي فرضها وباء كرونا أن تكون هناك عملية سياسية ممكنة وسلِيمة، أولا لأن الناس تركيزهم منصبا على كيفية الافلات من خطر كرونا، وثانيا الادارة في هذه الظروف الاستثنائية "محتكرة للمجال السياسي" على حساب التنظيمات الحزبية والقوى السياسية، ثالثا، فضلا على أن القيود المفروضة في الفضاء العام تبدو معها التعبئة أمر غير ممكن وغير صالح ..للخوض في الأمور ذو الطابع السياسي المحض..
رابعا، اللحظة، التي تمر منها معظم الدول، قد يستفيد منها فاعلين على حساب آخرين،كما أن الهامش قد يتاح لقوى معينة لتوظيف السياق لخدمة مصالح ضيقة ضدا على المصالح الشعبية..
هذا الوضع ستضطر معه العديد من الدول إلى القيام بأمرين (مقلقين)، الأول؛ قد يكون هو تأجيل الانتخابات..أو الثاني؛ وسيتمثل في إجراء الانتخابات، لكن في هذه الحالة لا بد من أن تكون مصاحبة بفرض قيود محددة، خاصة خلال عملية التصويت،قيود ستنضاف أصلا إلى توجس الناس من إصابتهم بالفيروس مما سيقلص نسب المشاركة..
كلها معطيات ستتعطَّل معها العملية السياسية والديمقراطية في العديد من الدول، وستجد نفسها أمام حكومات ‘إنقاذ' وطنية (..)، وهذا سيفتح المجال إلى وقوع أزمات سياسية لن يكون أمر معالجتها باليسير.. وستكون تكلفتها السياسية مرتفعة، وأبعدها معقدة..
– صعوبة تفعيل آليات فض النزاعات ومنع اندلاع الحروب أو تفاقمها :
إن مختلف أنواع النزاعات، وخاصة تلك التي تعرف مواجهات حربية قائمة فعلا، أوتلك القابلة للإنفجار.. تحتاج كلها إلى مفاوضات ومساعي حميدة ووساطات..، وإلى إدارة وتدبير محكميين، بغرض إيقافها أو تجميدها، لكن يبدو أن ما أحدثه كوفيد 19 من عراقيل.. ستنحصر معه حركية الدبلوماسية الدولية بجميع أصنافها، بل سيتعذر في أزمات عديدة تفعيل ميكانزمات التسوية السلمية الدولية لإيجاد حلول ومخرجات للنزاعات والصراعات الدولية.
ودون شك سيظهر تأثير كوفيد19على عمليات حفظ السلام، خاصة منها المتعددة الأبعاد(هناك حاليا 14 عملية لحفظ سلام في مختلف مناطق العالم، ويبلغ عدد الأفراد الذين يشتغلون في إطارها؛ حوالي 90000 عسكري في الميدان، ساهمت بهم الجيوش الوطنية عبر العالم، و 9000 من ضباط شرطة، و 14000 مدني).
إن تنفيذ الانشطة التي تتكلف بها بعثات حفظ السلام ستواجهها صعوبات متزايدة أمام هذا الوباء، فتقييم مسائل مرتبطة بحقوق الانسان، أو تلك التي تخص الأوضاع الانسانية أو المساهمة في الانتقالات "الديمقراطية" أو السياسية،أو إعادة بناء الاقتصاديات المنهارة..، ستصبح أمور تواكبها مخاطر جمة، فبعثات حفظ السلام قد يتهددها كوفيد 19خاصة أثناء ممارستها لعملها، مما يضطرها إلى تجميد أو تعليق أنشطتها، وهذا سيخلف فراغ خطير على صعيد حفظ السلام الدولي وكذا على الصعيد الانساني، الذي يشكل جانب مهم من المهمات التي تضطلع بها حفظة السلام الدولية، وهذا المشكل سيمتد ليؤثر أيضا على أعمال مختلف المنظمات التي تقدم المساعدات إنسانية.
إن ما أنتجه فيروس كورونا من مشاكل وماطرحه وسيطرحة لمعظم دول المعمور من تحديات وتداعيات متعددة الأبعاد(أقتصادية مالية، واجتماعية وسياسية..)، لايمكن معها اعتبار فيروس كورونا مجرد مشكلة صحية واقتصادية (عابرة)، بل وباء خطير يرتقي إلى مستويات يَتهَدَّد معها السلم والإستقرار على الصعيدين الدولي والداخلي للدول، وتتجاوز درجة خطورته كل التوقعات.
فلا بد الجزم هنا بأن كوفيد 19 تجاوز كل المعطيات والمخاطر؛ الاقتصادية والاجتماعية..، وغياب الديمقراطية وانتهاكات حقوق الانسان ..التي اعتبرها مجلس الامن الدولي في اجتماعٍ للقمة انعقدت في31 يناير من سنة 1992 كمصادرا ‘جديدة' لعدم الاستقرار على الصعيد الدولي.
وعلى ذلك فالظرف الاستثاني الذي يمر منه العالم، في الوقت الراهن، كان يتطلب تعاملا استثنائيا من طرف المجتمع الدولي، والمنتظم الأممي بالخصوص، وكان من الضروري أن يحضى باهتمام خاص من طرف مجلس الأمن الدولي، لأنه على الاقل نظريا وقانونيا هو المسؤول الرئيسي عن مسألة السلم والاستقرار الدوليين، وكذلك هو المسؤول عن ‘الأمن الجماعي'، فلا بد أن نكرر ونعيد التأكيد هنا مرة أخرى، أن الأمن الجماعي لم يعد يخص انعدام الحروب التقليدية واستعمالات القوة المسلحة، بل الواقع الدولي اليوم يقول بأن مصادر زعزعة الاستقرار والأمن الدولي مردها ليس فقط الارهاب الدولي أو الجريمة العابرة للحدود إلخ..
بل حتى الأوبئة الخطيرة من قبيل كوفيد 19 أضحت من بين المخاطر التي تهدد السلم والأمن الدوليين، ومن ثمة فهي تستوجب تفكيرا و وتعاطيا دوليا مشتركا وفي إطار جماعي لمعالجة ما تخلفه من إشكالات.
فإذا أخذنا في الاعتبار أن مجلس الامن الدولي(على الاقل في الوقت الراهن) ملقى على عاتقه تدبير المخاطر الدولية والحفاظ على ‘الأمن الجماعي الدولي' ، فبناء عليه كان على هذا المجلس أن ينخرط، وفقا لما يقتضيه واجبه، ويقوم باتخاذ قرارات تنطوي على خطوات استرتيجية واستباقية، وتتأسس على فكرة التضامن والتعاون الدوليين لمجابهة جائحة كورونا التي ستفرز ،ولا شك في ذلك،مستقبلا تحديات كبرى (كما اشرنا أعلاه) وستكون لها تداعيات ستفتك بمختلف المنظومات، على الصعيدين الوطني والدولي، وستساهم في تفجير أزمات قد تؤدي إلى صراعات ونزاعات جديدة يصعب تطويقها وحصرها.
ومع ذلك فالمنتظم الأممي، يتقدمه مجلس الأمن الدولي، لم يقوم بما هو ممكن، قصد استجماع الجهود الدولية وتكاثفها للتصدي لهذه الجائحة، فمحاولات الأمين العام انطونيو غوتيريش والعديد من الدول، خاصة غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لم تكن لتفضي إلى ‘توحيد المجلس وحل الخلافات بين أعضائه، للمضي قدما نحو اتخاذ قرار في أسرع وقت ممكن بشأن كيفية التعامل مع جائحة «كوفيد 19» وفي البحث عن «علاج جماعي» للفيروس القاتل كما أشار إلى ذلك الأمين العام الأممي.
إن التحديات والمخاطر التي يعيشها العالم،اليوم، بسبب كورونا وسيواجهها مستقبلا، تستدعي تعاطيا جماعيا وتنسيقا وتكاملا دوليا، لكونها ستفرز نتائج عابرة للحدود ومشاكل معقدة وعالية الكثافة وستَمُس الجميع، فهذا النوع من التعاطي كان يفترض،في الواقع، قرارا جريئا تقوده الامم المتحدة، باعتبارها مرجعا لتنسيق جهود"الأمم"، لكن ما حدث عكس ذلك فقد وقع اندحار للتفكير الجماعي أمام هجمة فيروس كورونا وأمام طغيان الحسابات السياسية الدولية الضيقة،مما أدى إلى تغليب التفكير الانفرادي للدول في مجابهة هذا الوباء، وانغلاقها على نفسها في ‘تصرف أناني' لإنقاذ ‘ذاتها' ومحاولة النجاة بشكل أحادي.
إنها سلوكيات ومواقف دولية متضاربة أفضت إلى ثلاثة أمور غاية في الخطورة؛ أولهما وقوع ارتباك دولي في تدبير هذه الأزمة غير المسبوقة، وهذا ما ساهم في ارتفاع الخسار في الاقتصاد..والارواح، وثانيهما يتمثل في أن هذا النوع من التفاعل يشكل في الواقع ضربا في العمق لجملة من المبادئ والقواعد التي استقر عليها القانون والتعامل الدوليين، وخرقا للصكوك واللوائح القانونية الدولية الخاصة بالصحة العالمية وكيفية التعاطي الدولي مع الأوبئة، أما الأمر الثالث فيتجلى في وضع مسألة ‘التضامن' والتعاون الدوليين، التي ترتكز عليها العديد من الاتفاقيات الدولية، خاصة تلك المنشئة للمنظمات والتجمعات الاقتصادية والسياسية.. الدولية، أمام المحك وفي مأزق بيِّن وحقيقي، حيث أفرغت حاليا(الاتفاقيات) من كل معنى وفقدت كل بُعد إنساني وأخلاقي وتضامني..
فقد كان بإلامكان التقليل من حدة الكارثة التي ضربت العالم، لو لم تتصاعد لهجة الاتهام المتبادل بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية(حول "أصل" الوباء وحول من يتحمل ‘المسؤولية' فيما يقع) خلال الفترة نفسها التي كان فيها الفيروس يغزو العالم ويكتسحه، فتوجس احتلال الصين لمواقع الولايات المتحدة الأمريكية في "قيادة" العالم، واستهتار العديد من المسؤولين عبر العالم بموضوع كورونا، وعدم استيعابهم في بداية الأمر لخطورتة، وتأخر منظمة الصحة العالمية في إعلان كورونا كوباء عالمي، قلل من فرص التصدي لهذا الأخير ومنعه من التفشي والانتشار.
والجدير بالذكر في هذا السياق، أنه لابد من الاشارة أن ‘الصراع' الصيني-الأمريكي،كان من أبرز نماذج الحسابات السياسية الدولية، التي أنعكست على الأمم المتحدة وعلى المنظومة الدولية ككل، فأصيبت بشلل تام، مما أفقد العالم بوصلة من يقوده نحو بر النجاة ..، وهذا دون شك سيؤخر إمكانية تطويق جائحة كورونا ومعالجة ما ستفرزه من نتائج.
إن المخاض القائم حاليا على المستوى العالمي، بسبب هذه الموجة الوبائية، سيساهم من جانبه في صياغة موازين قوى جديدة على الصعيد الدولي، لكن هذا لا يمنعنا من القول بأن الوضع الدولي وتدبير ما أنتجه كورونا من إشكاليات وأزمات يفرض بالضرورة العودة إلى تفعيل ميكانيزمات التعاون الدولي القائمة حاليا، بمختلف أنواعها، وذلك في أفق تشكُّل أدوات جديدة وتنظيمات دولية تتتناسب مع فترة ما بعد كورونا.
فلابد أن ينتبه رؤساء الدول والحكومات والمسؤولين الدولين على أن سلوك الدول مسلك التدبير الانفرادي في مواجهة فيروس كورونا قد يفضي إلى الحد من انتشاره، لكن تداعياته الاقتصادية والمالية والازمات الاجتماعية.. لن تقدر الدول بشكل أحادي على احتوائها، وهذا ما يحتِّم عليها الرجوع ،في أسرع وقت، إلى العمل في إطارٍ من التنسيق الجماعي و وفقا لمرجعيات التضامن الدولي وذلك لمواحهة مخلفات هذا الوباء والتقليل من مخاطره.
*استاذ العلاقات الدولية والقانون الدول العام بكلية الحقوق أكدال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.