ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اندحار المجتمع الدولي وعجزه عن التدبير الجماعي لمخاطر "كورونا"!
نشر في لكم يوم 19 - 05 - 2020

في الوقت الذي يزداد فيه ضحايا كوفيد 19 وترتفع الخسائر على جميع الأصعدة وفي كثير من الدول، عجزت المنظومة الدولية، ومعظم الفاعلين الدوليين، عن فعل أي شي يذكر اتجاه هذا الوضع المريب الناتج عن جائحة كورونا، والذي أدخل المسؤولين على الصعيد الدولي مرحلة بلغت درجة عالية من التوتر والقلق.
فلم تَقْدِم دول العالم،ولا المنظمات الدولية، على أية خطوة تنسيقية أو تعاونية فعلية، فقد أُخْرِسَت خطابا وممارسة عن كل مبادرة تكافح بها وبشكل جماعي هذا الوباء الخطير، ففي الواقع أصيبت باندهاش كبير وغدت مكتوفة الأيدي فيما يخص الخوض في أي عمل عابر للحدود، فما تمكنت من فعله هو غلق الحدود والارتكان إلى الحلول الفردية لتدبير هذه الأزمة الغير المسبوقة في العصر الراهن.
اليوم أظهر فيروس كورونا، الذي ضرب العالم وانتشر في وقت قياسي وبشكل مفاجئ، أن الأوبئة قد تتجاوز مخاطرها وتداعياتها ما تسفر عنه مختلف الحروب(الدولية والداخلية/الأهلية)من ضحايا، أو ما يمكن أن تفرزه المشاكل المالية الاقتصادية والاجتماعية..والسياسية من أزمات ومن نتائج، ففي الواقع قد تُسبب تصدعا حقيقيا في السلم الدولي وزعزعة للإستقرار العالمي، وهذا ربما ما "شَعر" به ألأمين العام للأمم المتحدة حين قال،واصفاً الجائحة(كورونا) بأنها «أعظم اختبار واجهه العالم منذ تشكيل الأمم المتحدة».
لاشك في أن العالم سيقبل على مشاكل وتحديات كبرى،خاصة في حالة استمرار هذا الوباء، وستكون لا محالة بمثابة مصادر حقيقية لانعدام الاستقرار في العديد من المناطق، وستكون لها تأثيرات حقيقية وعواقب وخيمة على الامن الدولي..
فيما يلي سنستعرض بعض من أهم وأخطر هذه التحديات:
– تحديات ترتبط بالأمن الغذائي: الواقع اليوم يقول أن الدول ‘جمدت' علاقاتها الدولية، في مجالات عديدة، كما أنها فرضت حالات الطورائ والحجر الصحي لتطويق فيروس كورونا، وهذا أفضى من جانبه إلى التقليل من فرص الاسثمار في شتى قطاعات..،كما أن الدول عملت أيضا على التركيز على الاستجابة لمتطلبات الداخل، فوضعت معظمها قيودا على مبيعاتها الخارجية لإعطاء الأولوية للإمداد المحلي..كلها معطيات ستعرف معها مسألة التصدير والاستيراد تراجعا كبيرا في موارد مختلفة.
وهذا لا يعني سوى أن العديد من الدول ستقع لديها نذرة على مستوى بعض الموارد، مما سيجعلها تجد صعوبة في تلبية الحاجيات (..) التي تخص المواطنين، هذا سينتج عنه سخط شعبي خاصة في الدول التي تفتقر إلى المواد الغذائية(بالخصوص الثرواث الفلاحية..) بحيث ستعجز المؤسسات العامة عن الاستجابة إلى طلبات المواطنين،وهذا المعطى سيكون دون شك سببا حقيقيا لحدوث اضطراب اجتماعي، ومن ثمة مصدرا لعدم الاستقرار في العديد من الدول.
هذا، وتجدر الاشارة إلى أنه كانت هناك تحذيرات وتقارير عدة تؤكد أن العالم سيعيش أزمة غذائية حادة وغير مسبوقة، بسبب اضطراب أسعار الغذاء ونقص المواد الغذائية، خاصة مع إجراءات العزل العام حول العالم والتي تبطئ سلاسل إمداد الغذاء العالمية، أو حتى منعها من الوصول إلى المستهلكين.
ونشير هنا، أنه بنهاية عام 2019 كان يعاني أكثر من 130 مليون شخص في 55 دولة من انعدام الأمن الغذائي، بينما يواجه أكثر من 70 مليون طفل مشكلات صحية بسبب الجوع.
فهذه الأرقام سترتفع دون شك إذا ما استمرت هذه الجائحة،فحسب بيانات لبرنامج الغذاء العالمي، فإن هناك أكثرمن800مليون إنسان يعانون من الجوع على مستوى العالم، كما أن شبح المجاعة قد يهدد ما يصل إلى نحو 30 دولة في ظل جائحة كورونا.
-الأمن الصحي: جائحة كورونا كان وقعها كبيرا على قطاع الصحة على الأقل في ثلاثة مستويات؛ الأول هناك بلدان تأخرت في اتخاذ إجراءات الحجر الصحي فتفاقم الوضع لديها ولم تتمكن من الاستجابة لمتطلبات المواطن العلاجية..، المستوى الثاني يرتبط بمسألة اللجوستيك(المختبرات،..) والبنية التحتية، فالعديد من الدولة عبر العالم ليست مؤهلة لمواجهة وباء من هذا النوع،المستوى الثالث يتعلق بالموارد البشرية، حيث أن السرعة التي ينتشر بها هذا الوباء يتطلب أطقم طبية كبيرة..والأخطر من ذلك أن العديد من الأطباء والمساعدين كانوا بحد ذاتهم ضحايا لهذا الفيروس..
فهذه المستويات ستفضي، لامحالة، إلى مشاكل كبيرة قد تهدد الأمن الصحي للعديد من الناس، وفي مختلف البلدان، مما سيجعلها مدخلا لحدوث إضطرابات ممكنة..
ودون شك، ستتعقد أكثر وسترتفع درجة خطورتها في البلدان التي تعرف أصلا نزاعات وحروب أهلية، ومن ثمة فاستمرار جائحة كورونا سيكون له تأثير كبير على الأمن الصحي للعديد من الدول التي تواجه تحديات حقيقية في هذا المجال، وقد تنهار النظم الصحية لديها في أي لحظة وتعجز عن استيعاب ما ستخلفه كورونا..
-البطالة: إن إفلاس العديد من من الشركات والمقاولات.. أدى إلى ارتفاع قياسي في أعداد الموظفين والعمال والمستخدمين.. الذي فقدوا وظائهم بشكل لم يسبق له نظير(أواخر مارس حسب منظمة العمل الدولية عدد من فَقدوا وظائفهم بسبب "كورونا" أكثر من 25 مليونًا شخص)،وهذا سيفاقم حالات الفقر في أوساط المجتمعات، خاصة لدى الدول الفقيرة، فالتدابير الاستثنائية التي اتخذتها الدول لمواجهة جائحة كورونا، بما فيها الاستعانة بالاقتراض وطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي(أكثر من 90 دولة طلبت مساعدة ص.ن.الدولي)، غير كافية في الأشهر المقبلة ولا قادرة على الحد من تداعيات تأثير كورونا على سوق الشغل وعلى الاقتصاديات الوطنية بشكل عام.
فالتقارير التي أصدرتها العديد من الجهات تتنبأ بارتفاعات خطيرة لمؤشرات الفقر في العالم، ففي واقع الأمر كانت الارقام مرتفعة أصلا وفي ظل ‘الظروف العادية'، وهذا ما يوضحه، مثلا،"مؤشر الفقر متعدد الأبعاد لعام 2019″، الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حين أكد أنه في 101 دولة تمت دراستها هناك 1.3 مليار شخص يعانون الفقر "متعدد الأبعاد.
ونشير هنا إلى أنه بالرغم أن بعض الدراسات( البنك الدولي) كانت تتوقع تحقيقَ تقدمٍ ملموس في الحد من الفقر المدقع (من يعيشون على أقل من 1.90 دولار في اليوم) إلى أقل من 3% بحلول عام 2030، لكنه مع جائحة كورونا يبدو أن مستويات الفقر المدقع ستعرف مستويات قياسية لا مثيل لها.
وهذا ما ذهبت فيه منظمة "أوكسفام" حين حذرت بأن كوفيد-19 قد يلقي بنصف مليار شخص في العالم في براثن الفقر، إذا لم يتم الإسراع بتفعيل خطط لدعم الدول الأكثر فقرا.
ففي تقرير لها أشارت( أوكسفام) إلى أن ما بين 6% إلى 8% من سكان العالم قد يلحقون بركب أولئك الذين يعيشون حاليا تحت خط الفقر، بعدما أوقفت الحكومات دورات اقتصادية بأكملها لاحتواء تفشي الفيروس وحذر(التقرير) من أن هذا الأمر في حال حدوثه سيعيد مكافحة الفقر على مستوى العالم عشر سنوات إلى الوراء، وأضاف إلى أن أكثر من نصف سكان العالم البالغ عددهم أكثر من 7,8 مليارات نسمة مهددون بأن يصبحوا تحت خط الفقر عند انتهاء جائحة كورونا.
– تعطل العملية الديمقراطية وتجميدها :
لا يمكن في مثل ظروف كالتي فرضها وباء كرونا أن تكون هناك عملية سياسية ممكنة وسلِيمة، أولا لأن الناس تركيزهم منصبا على كيفية الافلات من خطر كرونا، وثانيا الادارة في هذه الظروف الاستثنائية "محتكرة للمجال السياسي" على حساب التنظيمات الحزبية والقوى السياسية، ثالثا، فضلا على أن القيود المفروضة في الفضاء العام تبدو معها التعبئة أمر غير ممكن وغير صالح ..للخوض في الأمور ذو الطابع السياسي المحض..
رابعا، اللحظة، التي تمر منها معظم الدول، قد يستفيد منها فاعلين على حساب آخرين،كما أن الهامش قد يتاح لقوى معينة لتوظيف السياق لخدمة مصالح ضيقة ضدا على المصالح الشعبية..
هذا الوضع ستضطر معه العديد من الدول إلى القيام بأمرين (مقلقين)، الأول؛ قد يكون هو تأجيل الانتخابات..أو الثاني؛ وسيتمثل في إجراء الانتخابات، لكن في هذه الحالة لا بد من أن تكون مصاحبة بفرض قيود محددة، خاصة خلال عملية التصويت،قيود ستنضاف أصلا إلى توجس الناس من إصابتهم بالفيروس مما سيقلص نسب المشاركة..
كلها معطيات ستتعطَّل معها العملية السياسية والديمقراطية في العديد من الدول، وستجد نفسها أمام حكومات ‘إنقاذ' وطنية (..)، وهذا سيفتح المجال إلى وقوع أزمات سياسية لن يكون أمر معالجتها باليسير.. وستكون تكلفتها السياسية مرتفعة، وأبعدها معقدة..
– صعوبة تفعيل آليات فض النزاعات ومنع اندلاع الحروب أو تفاقمها :
إن مختلف أنواع النزاعات، وخاصة تلك التي تعرف مواجهات حربية قائمة فعلا، أوتلك القابلة للإنفجار.. تحتاج كلها إلى مفاوضات ومساعي حميدة ووساطات..، وإلى إدارة وتدبير محكميين، بغرض إيقافها أو تجميدها، لكن يبدو أن ما أحدثه كوفيد 19 من عراقيل.. ستنحصر معه حركية الدبلوماسية الدولية بجميع أصنافها، بل سيتعذر في أزمات عديدة تفعيل ميكانزمات التسوية السلمية الدولية لإيجاد حلول ومخرجات للنزاعات والصراعات الدولية.
ودون شك سيظهر تأثير كوفيد19على عمليات حفظ السلام، خاصة منها المتعددة الأبعاد(هناك حاليا 14 عملية لحفظ سلام في مختلف مناطق العالم، ويبلغ عدد الأفراد الذين يشتغلون في إطارها؛ حوالي 90000 عسكري في الميدان، ساهمت بهم الجيوش الوطنية عبر العالم، و 9000 من ضباط شرطة، و 14000 مدني).
إن تنفيذ الانشطة التي تتكلف بها بعثات حفظ السلام ستواجهها صعوبات متزايدة أمام هذا الوباء، فتقييم مسائل مرتبطة بحقوق الانسان، أو تلك التي تخص الأوضاع الانسانية أو المساهمة في الانتقالات "الديمقراطية" أو السياسية،أو إعادة بناء الاقتصاديات المنهارة..، ستصبح أمور تواكبها مخاطر جمة، فبعثات حفظ السلام قد يتهددها كوفيد 19خاصة أثناء ممارستها لعملها، مما يضطرها إلى تجميد أو تعليق أنشطتها، وهذا سيخلف فراغ خطير على صعيد حفظ السلام الدولي وكذا على الصعيد الانساني، الذي يشكل جانب مهم من المهمات التي تضطلع بها حفظة السلام الدولية، وهذا المشكل سيمتد ليؤثر أيضا على أعمال مختلف المنظمات التي تقدم المساعدات إنسانية.
إن ما أنتجه فيروس كورونا من مشاكل وماطرحه وسيطرحة لمعظم دول المعمور من تحديات وتداعيات متعددة الأبعاد(أقتصادية مالية، واجتماعية وسياسية..)، لايمكن معها اعتبار فيروس كورونا مجرد مشكلة صحية واقتصادية (عابرة)، بل وباء خطير يرتقي إلى مستويات يَتهَدَّد معها السلم والإستقرار على الصعيدين الدولي والداخلي للدول، وتتجاوز درجة خطورته كل التوقعات.
فلا بد الجزم هنا بأن كوفيد 19 تجاوز كل المعطيات والمخاطر؛ الاقتصادية والاجتماعية..، وغياب الديمقراطية وانتهاكات حقوق الانسان ..التي اعتبرها مجلس الامن الدولي في اجتماعٍ للقمة انعقدت في31 يناير من سنة 1992 كمصادرا ‘جديدة' لعدم الاستقرار على الصعيد الدولي.
وعلى ذلك فالظرف الاستثاني الذي يمر منه العالم، في الوقت الراهن، كان يتطلب تعاملا استثنائيا من طرف المجتمع الدولي، والمنتظم الأممي بالخصوص، وكان من الضروري أن يحضى باهتمام خاص من طرف مجلس الأمن الدولي، لأنه على الاقل نظريا وقانونيا هو المسؤول الرئيسي عن مسألة السلم والاستقرار الدوليين، وكذلك هو المسؤول عن ‘الأمن الجماعي'، فلا بد أن نكرر ونعيد التأكيد هنا مرة أخرى، أن الأمن الجماعي لم يعد يخص انعدام الحروب التقليدية واستعمالات القوة المسلحة، بل الواقع الدولي اليوم يقول بأن مصادر زعزعة الاستقرار والأمن الدولي مردها ليس فقط الارهاب الدولي أو الجريمة العابرة للحدود إلخ..
بل حتى الأوبئة الخطيرة من قبيل كوفيد 19 أضحت من بين المخاطر التي تهدد السلم والأمن الدوليين، ومن ثمة فهي تستوجب تفكيرا و وتعاطيا دوليا مشتركا وفي إطار جماعي لمعالجة ما تخلفه من إشكالات.
فإذا أخذنا في الاعتبار أن مجلس الامن الدولي(على الاقل في الوقت الراهن) ملقى على عاتقه تدبير المخاطر الدولية والحفاظ على ‘الأمن الجماعي الدولي' ، فبناء عليه كان على هذا المجلس أن ينخرط، وفقا لما يقتضيه واجبه، ويقوم باتخاذ قرارات تنطوي على خطوات استرتيجية واستباقية، وتتأسس على فكرة التضامن والتعاون الدوليين لمجابهة جائحة كورونا التي ستفرز ،ولا شك في ذلك،مستقبلا تحديات كبرى (كما اشرنا أعلاه) وستكون لها تداعيات ستفتك بمختلف المنظومات، على الصعيدين الوطني والدولي، وستساهم في تفجير أزمات قد تؤدي إلى صراعات ونزاعات جديدة يصعب تطويقها وحصرها.
ومع ذلك فالمنتظم الأممي، يتقدمه مجلس الأمن الدولي، لم يقوم بما هو ممكن، قصد استجماع الجهود الدولية وتكاثفها للتصدي لهذه الجائحة، فمحاولات الأمين العام انطونيو غوتيريش والعديد من الدول، خاصة غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لم تكن لتفضي إلى ‘توحيد المجلس وحل الخلافات بين أعضائه، للمضي قدما نحو اتخاذ قرار في أسرع وقت ممكن بشأن كيفية التعامل مع جائحة «كوفيد 19» وفي البحث عن «علاج جماعي» للفيروس القاتل كما أشار إلى ذلك الأمين العام الأممي.
إن التحديات والمخاطر التي يعيشها العالم،اليوم، بسبب كورونا وسيواجهها مستقبلا، تستدعي تعاطيا جماعيا وتنسيقا وتكاملا دوليا، لكونها ستفرز نتائج عابرة للحدود ومشاكل معقدة وعالية الكثافة وستَمُس الجميع، فهذا النوع من التعاطي كان يفترض،في الواقع، قرارا جريئا تقوده الامم المتحدة، باعتبارها مرجعا لتنسيق جهود"الأمم"، لكن ما حدث عكس ذلك فقد وقع اندحار للتفكير الجماعي أمام هجمة فيروس كورونا وأمام طغيان الحسابات السياسية الدولية الضيقة،مما أدى إلى تغليب التفكير الانفرادي للدول في مجابهة هذا الوباء، وانغلاقها على نفسها في ‘تصرف أناني' لإنقاذ ‘ذاتها' ومحاولة النجاة بشكل أحادي.
إنها سلوكيات ومواقف دولية متضاربة أفضت إلى ثلاثة أمور غاية في الخطورة؛ أولهما وقوع ارتباك دولي في تدبير هذه الأزمة غير المسبوقة، وهذا ما ساهم في ارتفاع الخسار في الاقتصاد..والارواح، وثانيهما يتمثل في أن هذا النوع من التفاعل يشكل في الواقع ضربا في العمق لجملة من المبادئ والقواعد التي استقر عليها القانون والتعامل الدوليين، وخرقا للصكوك واللوائح القانونية الدولية الخاصة بالصحة العالمية وكيفية التعاطي الدولي مع الأوبئة، أما الأمر الثالث فيتجلى في وضع مسألة ‘التضامن' والتعاون الدوليين، التي ترتكز عليها العديد من الاتفاقيات الدولية، خاصة تلك المنشئة للمنظمات والتجمعات الاقتصادية والسياسية.. الدولية، أمام المحك وفي مأزق بيِّن وحقيقي، حيث أفرغت حاليا(الاتفاقيات) من كل معنى وفقدت كل بُعد إنساني وأخلاقي وتضامني..
فقد كان بإلامكان التقليل من حدة الكارثة التي ضربت العالم، لو لم تتصاعد لهجة الاتهام المتبادل بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية(حول "أصل" الوباء وحول من يتحمل ‘المسؤولية' فيما يقع) خلال الفترة نفسها التي كان فيها الفيروس يغزو العالم ويكتسحه، فتوجس احتلال الصين لمواقع الولايات المتحدة الأمريكية في "قيادة" العالم، واستهتار العديد من المسؤولين عبر العالم بموضوع كورونا، وعدم استيعابهم في بداية الأمر لخطورتة، وتأخر منظمة الصحة العالمية في إعلان كورونا كوباء عالمي، قلل من فرص التصدي لهذا الأخير ومنعه من التفشي والانتشار.
والجدير بالذكر في هذا السياق، أنه لابد من الاشارة أن ‘الصراع' الصيني-الأمريكي،كان من أبرز نماذج الحسابات السياسية الدولية، التي أنعكست على الأمم المتحدة وعلى المنظومة الدولية ككل، فأصيبت بشلل تام، مما أفقد العالم بوصلة من يقوده نحو بر النجاة ..، وهذا دون شك سيؤخر إمكانية تطويق جائحة كورونا ومعالجة ما ستفرزه من نتائج.
إن المخاض القائم حاليا على المستوى العالمي، بسبب هذه الموجة الوبائية، سيساهم من جانبه في صياغة موازين قوى جديدة على الصعيد الدولي، لكن هذا لا يمنعنا من القول بأن الوضع الدولي وتدبير ما أنتجه كورونا من إشكاليات وأزمات يفرض بالضرورة العودة إلى تفعيل ميكانيزمات التعاون الدولي القائمة حاليا، بمختلف أنواعها، وذلك في أفق تشكُّل أدوات جديدة وتنظيمات دولية تتتناسب مع فترة ما بعد كورونا.
فلابد أن ينتبه رؤساء الدول والحكومات والمسؤولين الدولين على أن سلوك الدول مسلك التدبير الانفرادي في مواجهة فيروس كورونا قد يفضي إلى الحد من انتشاره، لكن تداعياته الاقتصادية والمالية والازمات الاجتماعية.. لن تقدر الدول بشكل أحادي على احتوائها، وهذا ما يحتِّم عليها الرجوع ،في أسرع وقت، إلى العمل في إطارٍ من التنسيق الجماعي و وفقا لمرجعيات التضامن الدولي وذلك لمواحهة مخلفات هذا الوباء والتقليل من مخاطره.
*استاذ العلاقات الدولية والقانون الدول العام بكلية الحقوق أكدال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.