مرة أخرى أخلف سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، الموعد في تواصله الثاني مع الرأي العام منذ أصابت جائحة كورونا المغرب. وطيلة نصف ساعة من المنولوغ أمام أسئلة منتقاة بعناية، بدا العثماني غير متمكن حتى من الأرقام القليلة التي استعرضها، رغم أنه كان يتحدث من داخل مكتبه برئاسة الحكومة وأمامه مجوعة من الأوراق التي دون عليها مبلاحظاته.
فقد أخطا رئيس الحكومة مرتين عندما كان يريد الحديث عن إنتاج المغرب من الكمامات بالملايين، لكنه تحدث عن “8 و9 كمامات في اليوم!”، وعندما أراد أن يشير إلى بطاقة “راميد” وصفها ب “بطاقة كورونا”! وحتى عندما أراد العثماني أن يتحدث بإيجابية عن حصيلة المغرب في محاربة فيروس كورونا، والاستشهاد بالأرقام المسجلة في المغرب للمقارنة الإيجابية مع ما يحصل في العام، خانته مرة أخرى لغة الأرقام عندما قال بأن المغرب سجل منذ 2 مارس، تاريخ تسجيل أول حالة إصابة في المغرب، حتى اليوم 130 حالة وفاة، في حين أنه في الوقت الذي كان يتحدث فيه رئيس الحكومة كانت البيانات الرسمية لوزارة الصحة تشير إلى 183 حالة وفاة! وعندما أراد رئيس الحكومة أن يقارن، إيجابيا مرة أخرى، رقم الوفيات المسجلة في المغرب مع ما يتم تسجيله يوميا في بلدان أخرى، قال إن هناك دول تسجل مثل هذا الرقم أو ضعفه في يوم واحد فقط، في حين أنه في اللحظة التي كان يتحدث فيها وصل معدل الوفيات اليومية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وحدها 2000 وفاة يوميا، وهو رقم يقابل الوفيات المسجلة في المغرب منذ تسجيل أو حالة إصابة فيه أضعافا مضاعفة! فهل خانت رئيس الحكومة ذاكرته في حفظ الأرقام أم هو عدم اطلاع على ما يجري في العالم وفي المغرب بالرغم من أنه قال بأن شغله الشاغل منذ أن يستيقظ صباحا هو كيف يحد من عدد الوفيات جراء هذا الوباء وهو لا يذكر حتى الرقم الذي وصله عدد الضحايا الذين قال إنه يتأثر بوفاتهم! وبالمقابل وكعادته في استخدام الاستعارة والتعابير المجازية المبالغ فيها أحيانا كرر العثماني أكثر من مرة كلمة “ملحمة” و“معجزة” وهو تعبير عزيز عليه حيث دأب على استعماله في أكثر من مناسبة لدرجة أنه في إحدى لقاءاته الحزبية في الدارالبيضاء وصف تعيينه في منصب رئيس الحكومة بأنه “معجزة”! ما عنديش تصور! وإذا كان العثماني ، في لقائه الأول يوم 14 مارس الماضي، قد بدا مرتبكا، وحمل خطابه نبرة خوف بثت الهلع في نفوس المواطنين وهو يتحدث عن خطورة وباء فيروس كورونا، فإنه في لقائه الثاني ليلة 7 ماي الجاري، بدا غير واضح وغير مقنع في أجوبته عن الأسئلة التي كان الرأي العام ينتظر منه الإجابة عنها. فالسؤال المهم الذي كان الرأي العام ينتظر من رئيس الحكومة أن يأتي بجواب مقنع عنه هو مرحلة ما بعد الخروج من الحظر الصحي الذي ينتهي حسب ما حدد قانون الطوارئ الصحية يوم 20 ماي الجاري. وعن هذا السؤال الذي تكرر طرحه عليه بأكثر من صيغة جاء جواب العثماني لا يختلف عن جواب أي مواطن عادي بقوله “سنستمر في الحجر الصحي حتى نهايته 20 ماي وسنرى كيف سنتعامل مع ما بعد 20 ماي”، قبل ان يضيف “أنا الآن ليس لدي تصور ما عنديش تصور”! وشارحا “لدينا عدة سيناريوهات وعندنا إمكانيات.. ووزارات الصحة والداخلية تشتغلان على سيناريوهات.. وسنجتمع في الأيام المقبلة لدراسة هذه السيناريوهات بعمق لمعرفة كيف سنتعامل مع المرحلة المقبلة..”. أما فيما يتعلق بإنتظارات الرأي العام التي تركها العثماني معلقة فقال “غادي نشتاغلوا على سيناريوهات ما بعد 20 ماي.. وسنتواصل مع الرأي العام”، لكنه لم يعلن متى؟ خاصة وأن فترة نهاية الحجر الصحي القانونية تنتهي بعد أقل من أسبوعين فقط. وبدلا من أن يكون رئيس الحكومة مطمئنا، زاد من مخاوف الرأي العام مما هو آت عندما قال “يجب أن نعول على أن الخروج من الحجر الصحي أصعب من الحجر الصحي”، قبل أن يضيف “المعركة مازالت لم تنتهي .. وما سيأتي فيه صعوبات وهو ليس أسهل مما نمر به اليوم”. التعليم.. “كلشي داكشي غادي نديروه” أجوبة أخرى كان الرأي العام ينتظر من رئيس الحكومة أجوبة شافية عنها، ويتعلق الأمر بقطاع التعليم، ومستقبل السنة الدراسية الحالية، فبالرغم من العثماني أكد بأن ما نشر عن كون السنة الحالية ستكون بيضاء هو “خبر باطل وزائف”، إلا أنه لم يحمل أي أجوبة مقنعة عن مستقبل استئناف الدراسة خاصة عندما قال “لا أحد يملك الأجوبة المطلقة”، مكتفيا بالقول بأن “هناك عدد من السناريوهات سيحسم فيها خلال الأسابيع المقبلة”، وبأن هناك “تفكير لإيجاد حل حتى تنتهي السنة الدراسية”، أما بخصوص امتحانات نهاية السنة الدراسية فكان الجواب أكثر غموضا “كلشي هدشي غادي يدار لو الحلول ديالو.. الأيام المقبلة سنعلن عن الحلول التي توصلنا إليها”، قبل أن يضيف “كلشي داكشي غادي نديروه.. العالم كله حائر”، وختم العثماني حيرته بالقول “لا وجود لحلول نهائية.. نحن بدأنا تفكيرا عميقا وضروريا وبدأنا وضع السيناريوهات.. التي سنعلن عنها في الأيام المقبلة”. لم ندعم التعليم الخصوصي.. دعمنا أٌجرائه! وحتى عندما رئيس أراد الحكومة أن يصحح ما وصفه ب “الخبر الزائف”، الذي تحدث عن تقديم الحكومة لدعم مادي لمؤسسات التعليم الخاص، قال العثماني إن “خبر دعم الحكومة للمدارس الخاصة.. خبر زائف”، موضحا بأن الحكومة لم تقدم حتى الآن أي دعم لأية مؤسسة أو مقاولة. حتى هنا كان جوابه واضحا لكنه غير قطعي لأنه زاد شارحا “هذا الصندوق [صندوق كورونا] قدم الدعم للمأجورين الذي توقفوا عن العمل، أو الذين توقفوا مؤقتا عن العمل.. ومؤسسات التعليم الخاص ينطبق عليها ما ينطبق على باقي المؤسسات والمقاولات الأخرى على قدم المساوات!”. فهذا تأكيد صريح بأن الدعم تم تقديمه لهذه المؤسسات، وهذا ما تناولته الصحافة التي كشفت أن عدة مؤسسات من قطاع التعليم الخصوصي حصلت على دعم من صندوق كرونا لمستخدميها، مع العلم أنها استخلصت المستحقات الشهرية الخاصة بتعليم طلابها من أسر وأولياء التلاميذ في فترة الحجر الصحي! من جهة أخرى بدا رئيس الحكومة غير ضابط للأرقام التي كان يتحدث عنها، خاصة تلك التي تم رصدها لدعم المأجورين. والرقم الوحيد الذي أعلن عنه هو 2 مليار درهم التي قال إنه تم دعم وزارة الصحة بها. أما بخصوص عدد الأشخاص الذين استفادوا من الدعم المالي المباشر، فإن الأرقام التي قدمها العثماني تختلف عن تلك التي سبق أن قدمها محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية أمام البرلمان يوم 27 أبريل الماضي، عندما تحدث عن استفادة 4.3 مليون أسرة من الدعم المالي المباشر، فيما تحدث العثماني عن دعم ما مجموعه، حسب قوله، 5.1 مليون شخص! فمن نصدق الوزير الذي تحدث عن ملايين الأسر أم رئيسه الذي تحدث عن ملايين الأفراد؟ مع العلم أن الفرق بين الرقمين هو 1.2 مليون! الاقتصاد.. لا تصور لدينا! الغموض والتناقض في أجوبة العثماني صاحبه حتى وهو يرد على الأسئلة بخصوص معالجة الجانب الاقتصادي للأزمة، عندما اكتفى بالقول “ليس هناك أحد في العالم يمكن أن يقدر الكلفة الاقتصادية”، وهذا في حد ذاته صحيح، لكن في كل دول العالم صدرت تقديرات عن حجم الخسارة المقدرة، وحتى في المغرب أصدرت مندوبية التخطيط، وهي مؤسسة حكومية المفروض أنها تابعة لرئاسة الحكومة، عن تقديرات بالأرقام لحجم خسارة الاقتصاد المغربي جراء هذه الأزمة وتداعياتها الخارجية والداخلية. لكن العثماني اختار مرة أخرى الحديث عن “سيناريوهات” قائلا “ما بعد الجائحة ستكون هناك صعوبات كبيرة.. هناك سيناريوهات ندرسها”. وحتى عندما ووجه بسؤال مباشر ومغلق عما إذا كان لحكومته تصور واضح للإقلاع الاقتصادي ما بعد الأزمة ، جاء جواب رئيس الحكومة حاسما “لا وجود لتصور، سأكذب عليك إذا قلت لك بأنه لدينا تصور.. هناك دراسات وسيناريوهات نواكبها.. وهذا يتغير كل يوم”، قبل أن يضيف “كل قطاع سيضع تصوره الخاص لما بعد هذه الجائحة وبعد ذلك سنجمع كل هذه التصورات ونضع تصورا واضحا لكيفية الإقلاع بالاقتصاد”! عودة لا ريب فيها! موضوع آخر يشغل بال الآلاف الأسر المغربية ويتعلق بآلاف المغاربة الذين وجدوا أنفسهم عالقين في الخارج عندما أعلن المغرب إغلاق حدوده مع العالم منتصف مارس الماضي، خيب العثماني ظن كل من كانوا ينتظرون منه جوابا شافيا وواضحا حول موعد عودة ذويهم إليهم، والذي قدر رئيس الحكومة عدد هم بنحو 28 ألف مغربية ومغربي مضى عليهم حتى اليوم أكثر من شهر ونصف وهم مغتربين قسريا بعيدا عن بلدهم في الوقت الذي بادرت فيه بلدان امكاناتها أقل من امكانات المغرب إلى إجلاء رعاياها في الخارج منذ الأسابيع الأولى لانتشار وباء كورونا في العالم. ومرة أخرى كرر العثماني القول بأن حكومته مهتمة بوضع هؤلاء العالقين، ومنكبة على دراسته، لكنه لم يقدم جوابا واضحا حول متى وكيف سيسمح لهم بالعودة إلى بلدهم. وفي هذا السياق اكتفى رئيس الحكومة مرة أخرى بالقول “الجهات المعنية وضعت كل السيناريوها وعندما ستفتح الحدود سيعودون إلى بلادهم”، لكن متى؟ يرد العثماني “لا بد من الوصول إلى حل.. لا بد من أن نهيئ الظروف من أجل عودتهم فهي آتية لا ريب فيها!”.