تواصل المناضلة الحقوقية خديجة رياضي، نضالاتها الحقوقية رغم الحجر الصحي، لأن أزمة اليوم كشفت أن الفقراء والبسطاء ممن ليس لديهم إمكانيات، هم من يؤدون الثمن، بعد أن صاروا بلا لقمة عيش”. وتؤكد رياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن “ما اتخذته السلطات من تدابير وإجراءات نجح نسبيا ولحد الآن في محاصرة العدوى باستثناء البؤر التي لا تطمئن كالتي برزت في المعامل والسجون، وأن وعي المواطنين ساهم بشكل كبير في إنجاح الحظر الصحي، إلى جانب التكافل بين الناس والمبادرات الكثيرة لدعم ومساندة من هم في حاجة إليها”.
وتخلص رياضي، الكاتبة العامة ل”فريدم ناو”، إلى أننا “اليوم في موقع قوة، لأن ما رفضناه باستمرار وناضلنا ضده من انصياع واختيارات و كوارث وفشل ذريع، وأن السلطات تستغل الوضع لتمرير قرارات لصالحها وتستغل الأزمات وانتشار الخوف لتتقوى وتستعيد المبادرة، ولا أنتظر من الحاكمين في البلد أن يغيروا سياساتهم ويقتنعوا أن ما قاموا به منذ عقود أنتج وضعا كارثيا”. وفيما يلي نص الحوار: ماذا يعني لك الحجر الصحي؟ وضع غير مسبوق كنا نراه فقد في أفلام الخيال العلمي. هو وضع يحرمنا من الحريات الأساسية والأولية، ولو أنها كانت ناقصة وغير مكتملة أصلا في السابق، لكنها اليوم شبه منعدمة. لكن في المقابل الحجر منحنا إمكانيات وبدائل لم نكن نوظفها من قبل، في أنشطتنا النضالية الآن مثلا، نشتغل بالندوات الرقمية. تبين أن لنا جمهورا بالآلاف لم نكن نتواصل معه من قبل، فقد تجاوز عدد المتتبعين لندواتنا بعشرات المرات من كانوا يحضرون في لقاءاتنا. الحجر الصحي إلى جانب سلبياته، مكننا من إيجابيات كثيرة، فهو فرصة للتفكير في العديد من الأمور التي لم تكن المهام النضالية اليومية تترك لنا وقتا له، كما أن التغيرات التي حصلت في العالم تمنحك فرصة لمراجعة عدد من الأمور كانت شبه مسلمات لدينا. الحجر الصحي، فرصة لمن لا يلج بيته إلا في وقت متأخر كل يوم كما هو الحال بالنسبة لنا نحن النشطاء، فالجلوس في البيت فرصة لتجريب نمط آخر من العيش وترتيب مختلف لليوم، وهو ما يمكن أن نستفيد منه، كما يستفيد منه الفضاء المنزلي أيضا، بتحسين العديد من الأمور التي لم نكن نوليها الأولوية أو لا نجد لها وقتا كترتيب الملفات وقراءة المقالات المخزنة في الكمبيوتر في انتظار الفرصة، وترتيب الكمبيوتر بدوره. ما الذي تنشغلين به في الحجر الصحي؟ في الحجر الصحي، نحن استمرينا في العمل الحقوقي بشكل عادي ولم نغير إلا طريقة الاجتماعات التي أصبحت عن بعد، بينما لم نلغ أيا منها، وأغلب المهام التي كانت مسطرة يتم إنجازها باستثناء ما يتطلب التجمعات أو التحرك خارج ما تسمح به القوانين الاستثنائية. لكن الحجر الصحي والإجراءات المتخذة لتطبيقه فرضت مهاما جديدة وملفات آنية. فالقوانين الاستثنائية كشفت وعرت على عدد من الاختلالات التي كانت من قبل لكن تضخمت. فخلال هذا الشهر انشغلنا بالعديد من القضايا الحقوقية وتابعنا الكثير من الانتهاكات التي ليست عموما بجديدة في نوعها، فقط تضخمت وتكرست وتعرت أكثر في ظل هذا الوضع الاستثنائي، من قبيل العنف البوليسي في الشارع ضد المواطنين، وتكثفه في الشارع العام يوميا جراء الحجر. كذلك آلاف الاعتقالات بسبب تدوينات مما عمق المس بحرية التعبير، في العديد من الحالات منها استغلت أيضا للانتقام من مدافعين عن حقوق الإنسان، تماما كما تم تحذير الحكومات منه من طرف المفوضة السامية لحقوق الإنسان. وتابعنا مشكل التعليم عن بعد الذي عمق الشرخ بين الفقراء وغيرهم في المجتمع، واتضح أكثر أن هناك أطفالا محرومين من التعليم بشكل تام في هاته الظروف. هناك أيضا العمال والعاملات حيث لا يتمتعون حتى بما تنص عليه مدونة الشغل من حقوق لكن وضعهم تفاقم بسبب الوباء، فما وقع مؤخرا فظيع.. معامل أصبحت بؤرا للوباء وهناك استهتار كامل بحياة العمال وسلامتهم. والسلطة متواطئة مع أرباب العمل. ففي طنجة أخبرتنا مسؤولة معنا في الجمعية بواقع معامل طنجة، فتساءلنا: ما عسانا نفعل بعدما علمنا لأنهم يغلقون بعض المعامل: هل سنفرح لأن العدوى كانت تهدد العاملات أم سنحزن جراء التوقف عن العمل والرمي بالنساء وأسرهن إلى الحرمان، حيث صارت العاملات بين نارين. خاصة أن النساء مورس عليهم تمييز كبير في مجال الدعم المخصص للمتضررين من الحجر الصحي. كذلك خلال الحجر الصحي، ازداد انشغالنا بأوضاع السجون، لأننا نعرف بأن الوضع كارثي في السجون من حيث الاكتظاظ وشروط الصحة والنظافة المتردية مما يهدد السجناء. وقمنا بحملة ضمن الحركة الحقوقية من أجل السراح للمعتقلين السياسيين والتخفيف من الاكتظاظ في السجون. وما يقع الآن من كارثة في السجون هي مسؤولية الدولة. حتى العفو الذي أعلن عنه خلق استياء لدى عائلات المعتقلين السياسيين ولدينا لأن حرمانهم منه هو تكريس لسياسة الانتقام. وخلال الحجر اشتغلنا أيضا على قضايا جهوية كالحملة التي أطلقناها كمنظمات حقوقية منضوية في الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان في شمال إفريقيا والشرق الأوسط من أجل إطلاق سراح المدافعين عن حقوق الإنسان المعتقلين، وأيضا الحملة الجهوية من أجل حقوق النساء العاملات ضد انتهاكات الشركات المتعددة الاستيطان في إطار المسيرة العالمية للنساء، طبعا كلها حملات على مواقع التواصل الاجتماعي. تابعنا أيضا تزايد العنف ضد النساء، الذي هو آفة منتشرة في مجتمعنا، لكن الحجر الصحي عمق ذلك، وزاد من هموم وآلام النساء في البيوت وفي المعامل. هكذا إذا استمر العمل الحقوقي الذي يملأ عادة وقتي في ملئه حتى وقت الحجر الصحي، فبياناتنا نصدرها واجتماعاتنا نعقدها ونتابع الأوضاع وما يقع يوميا، طبعا فقط من خلال الفضاء الرقمي. وما الذي تنشغل به الحقوقية؟ انشغالي اليومي بعد العمل الحقوقي. أتابع الصحافة التي أصبحت اليوم كلها إلكتروينية. وفي إطار نضالي النسائي أيضا أتابع الجديد في الفكر النسوي، واطلعت على كتاب جديد صدر السنة الماضية عنوانه “الثورة النسوية”، وهو كتاب يرصد تاريخ الحركة النسوية التي تعرف عادة بالموجات من المطالبة بالحق في التصويت، إلى المطالبة بالحق في التصرف في الجسد والحقوق الجنسية إلى النضال من أجل المشاركة السياسة ورفع شعار المناصفة، حيث يعتبر الكتاب أن هناك اليوم الموجة الرابعة التي انطلقت في أمريكا اللاتينية التي أخذت أبعادا عالمية، والتي تميزت بإخراج الحركة النسائية من عزلتها وربط الجسور مع الحركة العمالية والحركة الطلابية ومختلف الحركات الاجتماعية، ذلك أنها أصبحت تستعمل أساليب جديدة كالإضراب النسائي، كما هو الشأن في إسبانيا وبعض البلدان الأخرى، وهي حركة تبنت أيضا مفهوم التقاطعية في تحليل مختلف أنواع الاضطهاد التي تتعرض لها النساء، كما يعتبر الكتاب أن الحركة النسوية إما أن تكون ثورية أو لا تكون. كما بدأت كتابا جديدا أيضا يتكلم عن النسوية البيئية إن صحت الترجمة، الذي يطرح ضرورة الربط بين النضال النسائي والنضال البيئي، باعتبار أن نفس الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المنتهكة لحقوق النساء هي المسؤولة عن الاعتداء على البيئة والمهددة لاستدامة الموارد الطبيعية. طبعا هناك انشغالات البيت التي تأخذ وقتا أكثر من قبل، لأنه ليست هناك بدائل عن إعداد الطعام يوميا، حيث صار كل شيء يحضر في البيت، على خلاف ما توفره الظروف العادية من إمكانيات الاستفادة من خدمات المطاعم لربح الوقت. بالنسبة إليك ماذا كشفت عنه هاته الأزمة؟ الأزمة التي نعيشها مؤثرة، نظرا للتغيرات العميقة التي فرضتها، خاصة أننا لم نعش مثلها من قبل، لكن الحقيقة أن أوبئة مرت على الإنسانية كانت أفظع وأخطر، كما أن الوفيات بسبب الوباء الحالي رغم أنها كثيرة فهناك وفيات أكثر بكثير لأسباب أخرى متعددة لكن لا نهتم بها، كالمجاعة، والحروب، وحتى أمراض أخرى تودي بأعداد أكثر من هذا الوباء كل سنة، طبعا كل حياة تفقد لها قيمتها، خاصة عندما نعرف، حسب المنظمات المتخصصة، أن المشكل الحقيقي ليس في الوباء المنتشر، بل المنظومة الصحية التي تم إهمالها بسبب السياسات اللبرالية التي جعلت من الإنسان حطبا لأرباح الشركات، عوض أن تكون رفاهيته هي الهدف الأول. لو كانت تعطى الأهمية للحق في الصحة، لكانت هناك طرق أخرى لمواجهة هذا الوباء، ولما كان الحجر الصحي الوسيلة الوحيدة للوقوف دون تفاقم أعداد المرضى. وبلادنا أحد التلاميذ النجباء للمؤسسات المالية التي أفتت بهذه الاختيارات المدمرة للخدمات الاجتماعية الأساسية ومنظومتنا الصحية المهترئة تبين نتائج هذه الاختيارات. الأزمة أظهرت أيضا مدى زيف القوة التي كانت تظهر بها دول تسمى بالعظمى، كالولايات المتحدةالأمريكية ودول أوروبا، التي تبين أنها مبنية فقط على القوة العسكرية ولا يجيد بعضها إلا الحروب، وأنها غير قادرة على حماية مواطنيها حتى من المرض. الأزمة فاجأتنا أيضا بمدى السرعة التي بدأت الطبيعة تتعافى بها، بينما كنا نعتبر أن الخراب الذي سببناه للطبيعة غير قابل للعلاج. حيث اتضح أن الطبيعة لم تكن تطلب منا إلا شيئا من السكون. بمجرد ما خفتت حركة الطائرات والمصانع والسيارات بدأت الحياة الطبيعية ترجع للكون. كورونا آلمتنا كثيرا، فآلاف الناس ماتوا وآخرون فقدوا أقاربهم، لكنها منحتنا دروسا وفرضت علينا أن ننظر إلى الحياة بشكل مختلف. يستوجب تغيير أنماط حياتنا في المستقبل. وهذه طبعا معركة قديمة لكنها اليوم تسلح من يخوضها بقوة جديدة، يجب حسن استعمالها لمواجهة نمط الحياة الذي فرض على شعوب العالم من طرف شركات متعددة الجنسيات ولوبيات تتحكم في ثروات الشعوب ومصائرها، وتفرض أنماطا للإنتاج والاستهلاك أدت إلى تدمير الطبيعة وتهدد الحياة فوق الأرض. أزمة انتشار الوباء كشفت عن أمور جديدة، لكنها أكدت أيضا أمورا معروفة ومنها أن من يؤدي ثمن الأزمات هم دائما الفقراء والبسطاء ممن ليس لديهم إمكانيات، فهم من بقوا بدون لقمة عيش في زمن الحجر، ومن يعيشون في بيوت ضيقة 24 ساعة على 24 ساعة، هؤلاء هم من يؤدون الثمن في المعامل والضيعات من صحتهم وحياتهم. وهم أيضا من يؤدون الثمن اليوم في السجون، فأغلب من فيها هم الفقراء وأبناء الفقراء. الأزمات تنزل دائما على الفئات الأكثر هشاشة، فأبناء الفقراء هم أيضا الذين حرموا اليوم من التعليم، كما هم أيضا المهاجرون بلا وثائق، يعيشون أوضاعا صعبة جدا، ومساطر توزيع الدعم لا تأخذهم بالاعتبار . هذه الجائحة أكدت أن الطابع الطبقي للأزمات لم يتغير. هناك من يعتبر أن سلوك التضامن والتآزر التي تنامى خلال الأزمة، يدفع السلطات لتمرير قرارات أو مواقف والإجهاز على الحقوق والحريات كما نبهت إلى ذلك الأممالمتحدة. هل تساورك نفس التخوفات؟ اليوم ما اتخذته السلطات من إجراءات نجح نسبيا ولحد الآن في محاصرة العدوى، باستثناء البؤر التي لا تطمئن كالتي برزت في المعامل والسجون. لكن لابد من تسجيل أن وعي المواطنين ساهم بشكل كبير في إنجاح الحجر الصحي وكذلك التكافل بين الناس والمبادرات الكثيرة لدعم ومساندة من هم في حاجة إليها. وهذا يبين أن القيم الأصيلة للشعب المغربي تبقى راسخة، وإن طفت أحيانا عليها قيم الفردانية والاتكالية والغش. المحن ترجع الأمور إلى نصابها، مع استثناءات طبعا. لكن كما جاء في سؤالك، الدولة تستغل الوضع لتمرير قرارات لصالحها، تستغل الوضع سياسيا بتمرير خطاب إيديولوجي لصالحها، ولكن التخوف ليس فقط في هذا المستوى السياسي، بل على المستوى الحقوقي أيضا، ذلك أن الأنظمة التسلطية دائما تستغل الأزمات وانتشار الخوف لتتقوى وتستعيد المبادرة. نتذكر ما تم في إطار ما سمي بالحرب على الإرهاب، حين تم تمرير القانون بشكل سريع في البرلمان وبالإجماع، وبه ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. ورأينا شعوبا تراجعت حرياتها التي قامت من أجلها بثورات، مقابل ادعاء الدولة بحمايتها من الارهاب. إذ أنه حتى في الدول الغربية يستغل الخوف لتمرير قوانين تراجعية كقانون الطوارئ في فرنسا أو قانون باتريوت أكت patriot-act في أمريكا، التي تمس بشكل كبير بالحريات السياسية والشخصية. أما ما يجري اليوم في المغرب، فهناك تخوفات كبيرة بشأن التطبيقات التي تعدها الدولة لتتبع تنقل الأشخاص وأيضا التطبيق الذي سيتم اقتناءه والذي سيستعمل لمعرفة مخالطي حاملي الفيروس. وهي تطبيقات قد تستعمل فيما بعد في التجسس على الأشخاص وانتهاك الحق في الخصوصية، خاصة أن المغرب له سجل سيئ في هذا المجال، من تصوير الناس في حياتهم الخاصة ووضع ميكانيزمات في الهواتف للتنصت على مكالمات النشطاء والتي فضحتها “أمنستي الدولية” قبل شهور. لذا، فأكيد حينما ينتشر الخوف يستغل ذلك لتمرير قرارات وقوانين ومواقف معادية للحريات لأن الناس عادة تنزل مستويات حاجياتهم إلى المستوى الأدنى وهو الحفاظ على الحياة والإحساس بالأمن على حساب الحرية والمشاركة في القرار … وهناك أيضا مشروع قانون 22.20 الذي أثار الكثير من الجدل توقيتا وموادا، ما تعليقكم عليه؟ أكيد، وهذا أخطر ما تعده الدولة للجم الحق في التعبير في الفضاء الرقمي. حيث تم استغلال حالة الحجر الصحي لإعداده في سرية وبسرعة فائقة. يدعي تقنين استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، تحت ذريعة مواجهة الأخبار الزائفة، لكن الهدف هو المزيد من التضييق على نشطاء “الفايسبوك” وشرعنة الاعتداءات الحالية على حرية التعبير الرقمية وتغطيتها بقانون. الدولة أغلقت كل فضاءات النقاش العمومي، وبقي الفضاء الرقمي يوفر هامشا من إمكانيات التعبير، فانطلقت السلطات في حملة هوجاء ضد مستعملي الفايسبوك ويوتوب منذ بضع شهور، والآن تريد غطاء قانونيا لهذه الانتهاكات. ومن حيث مضمون المشروع، يتضح أيضا أن ما أصبحت تخشاه الدولة هو قدرة الفضاء الرقمي على التعبئة، حيث حملة المقاطعة السابقة لبعض المواد خلقت فزعا لدى من تضرروا منها والسلطات طبعا هي في خدمتهم، والدولة التي أعدت المشروع هي دولتهم. لكن الرد السريع والمعبر عن الغضب الشديد والرفض التام لهذا المشروع الكارثي كان رائعا ومعبرا عن أهمية هذا الفضاء في النضال من أجل الحريات. أصدرت مندوبية السجون بيانا ترد فيه على اتهامات حقوقية بخصوص أوضاع السجناء وإًصابتهم بفيروس كورونا، وأن البعض يسعى لتسميم الأخبار والرأي العام. ما تعليقكم على ذلك؟ البيان المذكور وجه هذه المرة إلى الصحافة وليس إلينا. ونحن نعرف أن المناسبة هو بياننا، وهي في الحقيقة أصبحت بيانات مضحكة. فكلما أثارت الجمعية مشكلا يعرف الجميع أنه مشكل حقيقي وجدي، يتم الرد علينا، ونحن لم نعد نعير أي اهتمام لتلك الردود السخيفة التي فقدت كل معنى. كما أنه لا ننتظر من مستصدر البيان أن يعترف بالمآسي في السجون، وهو المسؤول عنها، فسياسة الإنكار هي سياسة ممنهجة لدى الدولة بخصوص جميع الانتهاكات التي تمارسها بما فيها التي اعترفت بها فيما بعد. واليوم بؤر العدوى التي توجد في السجون معروفة ولن يخفيها أي بيان، والمطلوب أن تتحمل المندوبية مسؤوليتها في إنقاذ السجناء، وتتحمل الحكومة المسؤولية في نتيجة تجاهلها لنداءات الحركة الحقوقية بخصوص السجون والمبنية على توجيهات المفوضية السامية لحقوق الإنسان التي نادت الحكومات إلى إطلاق سراح المعتقلين بسبب الرأي والتخفيف من الاكتظاظ في السجون. ولو كنا في دولة ديمقراطية لقدم المسؤول عن السجون استقالته بعد الكارثة التي حلت بها بسبب انتشار العدوى وطريقة تدبير الأزمة. خلال هاته الأزمة، تثار أيضا قضية المغاربة العالقين في الخارج الذين تقدموا بنداءات ومناشدة؟ خلافا لكل القضايا التي تابعناها والتي تعد انتهاكات سابقة لكنها تعمقت بسبب الجائحة والقرارات التي اتخذت لمواجهتها، تعد قضية المغاربة العالقين بالخارج هي قضية مستجدة وغير مسبوقة. لم نكن نتخيل أن دولة ستمنع مواطنيها من الرجوع إلى بلدهم وهو حق من الحقوق الأولية للمواطن، التي يفرض على الدولة أن تتخذ كل ما يجب من إجراءات لضمانه وتمتيع مواطنيها به. لا يحق للدولة أن ترفض استقدامهم، كما عليها أن تتكفل بهم في البلدان التي يتواجدون بها في انتظار نقلهم، وهو ما لم يتم في العديد من البلدان خاصة تركيا التي تتبعتها عن قرب، وأيضا المدن الشمالية المحتلة وبعض المدن في إسبانيا. حيث ينتظر المعنيون في ظروف كارثية. وقد قمنا بعدد من المبادرات كجمعية وأيضا في إطار مشترك مع شبكات ومنظمات أخرى من أجل نقلهم إلى أرض الوطن. هناك من يرى خلال هاته الأزمة، أن دور الأحزاب محدود ومقلص ومهمش؟ أنا لا أتفق على الحديث عن الأحزاب وكأنها كتلة واحدة. فالأحزاب المتواجدة في الحكومة والأخرى المساندة لقراراتها في البرلمان هي المسؤولة على ما نعيشه من مشاكل، وهي التي وضعت القوانين الاستثنائية وتهيئ القوانين التراجعية التي تكلمنا عنها، أو على الأقل تصفق وتشرعن كل ما يتم نظرا لطبيعة النسق السياسي السائد الذي تكتفي فيه أحزاب الحكومة ومن يساندها بالتصفيق والتأييد والتبجيل. وفي المقابل هناك الأحزاب التي ينشط أعضاؤها في مختلف الجبهات التي تشتغل اليوم في المجال العمالي والحقوقي والمجتمع المدني. ثم من المعروف أن الخطاب السائد الذي يلجأ دائما إلى مقولة “أين هي الأحزاب؟” ينبع من جهات هي التي حاربت باستمرار وما زالت العمل السياسي الحقيقي والجاد، بالاعتقالات والمحاكمات والتضييقات والتسلط على القرار السياسي، وأيضا بتمييعه وتشجيع معاديه بشتى الأشكال. في ظل هاته الأزمة، كيف تنظرين إلى المستقبل؟ الجميع يتكلم على أن هناك ما قبل وما بعد كورونا، وأحيانا يخيل لنا أن الأشياء ستتغير بتلقائية. شخصيا، لا أنتظر من الحاكمين في البلد أن يغيروا سياساتهم ويعترفوا أن ما قاموا به منذ عقود أنتج وضعا كارثيا اجتماعيا واقتصاديا، وفي مستويات عدة. صحيح أن الجائحة فضحت الكثير من الزيف وأيضا الكثير من الظلم الناتج عن السياسات اللبرالية السائدة في العالم وفي بلادنا، وأن ما وقع اليوم ينتصر للقوى المناهضة للرأسمالية والإمبريالية، خاصة عندما نرى بلدا صغيرا، مثل كوبا، عاش أكثر من أربعين سنة تحت حصار الدول الرأسمالية ثم يأتي اليوم ليساعد تلك الدول الكبرى في مواجهة الوباء بينما تخلت هي بعضها عن بعض وتنكرت للالتزامات التي تربطها في إطار تكتلاتها. يطرح هذا أكثر من سؤال بخصوص المستقبل. لكن طبيعة التغيرات التي قد تحصل هي رهينة بوجود قوى مناضلة ومستعدة فعليا للاستفادة من هذه المستجدات للدفع في اتجاه مستقبل أفضل للبشرية، وإلا فالأنظمة التي توجد اليوم في قفص الاتهام قد تجد لنفسها مخارج لإعادة تحسين صورتها وتحصين نفسها، واستعمال كل قوتها الإعلامية والإيديولوجية للخروج من هذه الأزمة ليس فقط دون أي مراجعات في سياساتها، بل بقوة أكبر إذا تمكنت من تمرير كل القوانين والمخططات المعادية للحريات التي تعدها الآن. فمستقبلنا في المغرب رهين بمدى استفادة القوى المناضلة من أجل التغيير من دروس الجائحة، واسترجاع الفكر المناهض للرأسمالية والإمبريالية وإعطاء ذلك أولوية في نضالها، وفي نفس الوقت الاعتماد محليا على تجارب العمل في الأحياء التي برزت والتي تشكل آليات للتنظيم الذاتي للجماهير الضرورية لفعل جماهيري قادر على خلق التغيير والتي ستكون رافعة للعمل في الأحياء والأوساط الشعبية بخلق حركية اجتماعية مناضلة، شريطة أن ينظم بشكل مستقل عن السلطة. نحن اليوم في موقع قوة لأن ما رفضناه باستمرار وناضلنا ضده من انصياع الحكام للمؤسسات المالية الدولية وتبنيهم للسياسات الليبرالية المتوحشة ظهرت نتائجه الكارثية بوضوح أمام أنظار العالم وفي أبشع صورة، وتبين ما أدت إليه تلك الاختيارات من كوارث وما عرفته من فشل ذريع. مما يعطي السند للقوى التي ما فتأت تنادي وتناضل من أجل أن يتم إعطاء الأولوية للصحة والتعليم والسكن والشباب والنساء، وتوفير شروط التنمية المستدامة.