أجل لقد صرت اليوم في زمن جائحة "كورونا" أعيش عزلتين .. بل أكاد أقول بت رهين المحبسين .. بين عزلة عمرها أكثر من عقد من الزمن أرتع فيها وحيدا وما أزال في حدائق الأدب وفراديسه الورقية والرقمية وبين عزلة طارئة لا تختلف في أبعادها النفسية والواقعية عن سطوة "الإكراه البدني" الذي قد يتماهى عنف طقسه وتمتزج أحاسيسه بأحاسيس رعب الألم القاتل والموت الوبائي الذي يحدق بي في كل لحظة وحين ويتربص بي حتى في أجمل الأشياء الحميمية لدي .. قبعتي .. صديقي الحذاء .. الهاتف .. الحاسوب .. مزلاج الباب .. المفاتيح .. ملحقات المكتب .. كأس الماء .. إلخ . وبكل صدق إن هذه العزلة لن يلهمني حصارها الطارئ الانخراط في برمجة جديدة خاصة للكتابة وقراءة مجلات وكتب مؤجلة علقها مكر الإنترنت منذ مدة على حباله المتشابكة .. ولا إتمام نصوص إبداعية ومقالات فكرية كانت بنات أفكارها تراودني عن نفسي من حين لآخر .. فهذه ليست برهة سانحة بالنسبة لي كي أرحل عميقا أكثر من ذي قبل في خلجان وأغوار نفسي الدفينة وأتأمل بالعين الثالثة طقسي الجواني وزرقة سمائي البرانية .. فأنا لم أشعر برجة هذا التحول المؤقت من ضجيج الشارع إلى صمت البيوت وأبوابها ونوافذها الموصدة التي أقفلها علينا هذا الوباء اللعين لسبب بسيط هو أنني قد تآخيت مع عزلتي القديمة وانصهرنا معا إلى حد حلول أحدنا في الآخر ، وكل ما افتقدته وسلبني إياه هذا الحجر الصحي هو حصة المشي اليومية وذلك التطواف الجميل المفعم بالنسائم الصباحية وغمزات أشعة الشمس ودفئ العلاقات القليلة والجميلة … يقينا أننا كمجتمعات عربية سوف نشعر بصدمة وقسوة العزل وآثاره السوسيو نفسية الوخيمة أكثر من مجتمعات أوروبية أخرى تعيش شعوبها في عزلة باذحة وأرستقراطية فردانية عالية. وما من شك في أننا بعد سنوات قليلة سوف نقرأ روايات وقصصا وقصائد لكتاب عرب وعالميين عن تراجيدية كونية إسمها وباء كورونا وسوف نشاهد أفلاما هيتشكوكية عن جائحته الفتاكة لكن السؤال المطروح بإلحاح هو : ماذا أعددنا نحن المبدعون والكتاب المغاربة لأحفادنا في المستقبل ليقرأوا عن تجاربنا مع هذا الاعتقال الجماعي الذي اقترفته ديكتاتورية "كورونا" بأوامر من نواميس الأقدار أو من مكر المختبرات .