تضاربت تأويلات قيادات حزب "العدالة والتنمية" في تفسير حضور مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إلى مؤتمر حزبهم. فقد برر رضى بنخلدون هذا الحضور بأن الدعوة وجهت إلى "المستشار" الإسرائلي بصفته داعية سلام، أما محمد يتيم، عضو الأمانة العامة للحزب، فقال بأنه لم يكن يعلم بحضوره وبأن من دعاه هو فرع الحزب في أوروبا الغربية بصفته الشخصية كرئيس معهد للسلام! أما جريدة "التجديد" الناطقة باسم الحزب وباسم الحركة التي تدعم الحزب، فبعد أن نفت حضور المسؤول الإسرائيلي إلى مؤتمر حزبها، عادت إلى تدبيج افتتاحية تتحدث فيها عن "رسائل زيارة خالد مشعل الناجحة". ومن خلال القراءة السطحية لدعوة رئيس حركة "حماس"، التي كانت حتى الأمس القريب تعتبر خطا أحمر في المغرب لايمكن لأحد الاقتراب منها وبالأحرى دعوة زعمائها، وفي نفس الوقت توجيه دعوة إلى مسؤول إسرائيلي، تتضح ازدواجية الخطاب الذي ينهجه حزب "العدالة والتنمية"، فهو أراد بدعوة مشعل إلى مؤتمره، والذي سرق الأضواء حتى من رئيسه، أن يوجه رسالة إلى قواعده مفادها أن الحزب مازال منافحا عن قضايا الأمة حتى وهو في على رأس الحكومة، وذلك بهدف التغطية على العجز الذي واجهه ويواجهه في التصدي إلى ملفات داخلية حساسة لايملك سلطة معالجتها. وحتى لاتغضب هذه الزيارة، التي ما كان لها أن تتم لولا موافقة وتزكية ومباركة السلطة في المغرب لها، الحكومات الغربية التي مازالت تنظر إلى حركة "حماس" كحركة "إرهابية"، سارع الحزب إلى دعوة مسؤول إسرائيلي لطمأنتها، لذلك تستر على حضوره حتى لايغضب قواعده التي رددت في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر شعار "الشعب يريد تحرير فلسطين" أكثر من أي شعار آخر! وعكس ما ذهبت إليه تأويلات قيادات "العدالة والتنمية"، التي حاولت التقليل من حضور المسؤول الإسرائيلي إلى مؤتمرها، وتقديمه على أنه مجرد "شخصية عادية"، و"داعية سلام"، جاء رد حركة "حماس" حاسما في بيانها الذي نفت فيه لقاء رئيس مكتبها السياسي بأي مسؤول إسرائيلي في المغرب، وأكدت أن سياستها "ثابتة ولا تغيير" في مسالة التطبيع مع الإسرائليين. فهل أوقع أو حاول إخوان عبد الإله بنكيران، الذين طالما تظاهروا في المغرب ضد استضافة مسؤولين إسرائليين، الإيقاع بخالد مشعل وتوريطه في عملية تطبيع كانت معدة سلفا ومرتب لها من قبل؟! لقد اتضح الآن، أن الهدف من دعوة خالد مشعل، كانت مجرد عملية "ماركوتينغ" لأول مؤتمر لحزب إخوان عبد الإله بنكيران بعد وصولهم إلى رآسة الحكومة. وما كان لهذه الزيارة أن تتحقق لولا الموقف الذي اتخذته حركة "حماس" مما يجري في سوريا التي غادرها خالد مشعل نفسه وانتقل إلى العيش في الاردن. وقد كان لافتا للانتباه تزامن قرار المغرب طرد السفير السوري في الرباط، مع زيارة مشعل للمغرب. إن الاستقبال الذي حظي به خالد مشعل من قبل الحزب الذي يقود الحكومة والتغطية الإعلامية الرسمية لزيارته، و"الحماية الملكية" لتنقلاته، يطرح سؤالا جوهريا، حول موقف الدولة المغربية الرسمي من "حكومة حماس" في قطاع غزة، فهل يعني هذا الاستقبال أن الدولة المغربية التي لم تكن تعترف بهذه الحكومة غيرت موقفها منها باستقبالها لرئيس مكتبها السياسي؟ فهذه الزيارة لم يكن لها أن تتحقق لولا وجود موافقة من القصر الملكي. كما أن حزب بنكيران ماكان له أن يقدم على دعوة شخصية من عيار مشغل لولا وجود ضوء أخضر من جهات عليا. ألم يسبق لحكومة عباس الفاسي أن قامت، بالنيابة عن القصر الملكي، بمهاجمة عبد الإله بنكيران في بيان رسمي ناري اتهمه باستغلال القضية الفلسطينية في "حسابات سياسوية رخيصة"، فقط لأن بنكيران قال في تجمع خطابي بأن تحرك حزبه كان وراء إعلان الملك فتح "حساب بنكي" لجمع التبرعات لسكان غزة عام 2009، وهو ما دفع بنكيران يومها إلى التنكر لتصريحه ذاك والتوسل بالاعتذار عما بدر منه! كما أنه في شهر يناير من العام الجاري قام اسماعيل هنية، رئيس حكومة "حماس" بجولة قادته إلى عدة عواصم من طهران إلى أنقرة والقاهرة والخرطوم ووصل حتى تونس، فيومها لم يكن باستطاعة حكومة بنكيران ان توجه له الدعوة لإتمام زيارته لتشمل الرباط، لأن موقف "حماس" آنذاك كان مازال غير واضح بالنسبة إلى ما يجري في سوريا. كما ان الموقف المغربي الرسمي نفسه كان هو الآخر مازال غير حاسم تجاه هذه الأزمة، بما أنه كان ومازال تابعا ومرتهنا لما يقرره الغرب، وليس لما يريده أحرار الشعب السوري المنتفض ضد الاستبداد والرافض للتدخل الأجنبي في بلاده. لذلك يستغرب اليوم كل هذا "التكالب" من قبل أحزاب سياسية مغربية وبعضها غير معروفة بمناصرتها للقضية الفلسطينية، على "استثمار" زيارة خالد مشعل، واستقباله في مقراتها، وعقد "لقاءات" معه، وذهب البعض منها إلى البوح له بأن زيارته للمغرب "تأخرت كثيرا"، فيما الكل يعرف أن مثل هذه الزيارة كانت ممنوعة حتى قبل أشهر فقط. ثم ما الذي منع "قائد" هذا الحزب عن دعوة مشعل وإخوانه من حركة "حماس"، عندما عقد مؤتمر حزبه قبل أشهر، أوعندما كان يرأس الحكومة او يشارك فيها؟! إنها طبيعة "النفاق السياسي" و"الانتهازية السياسية" عند بعض الفرقاء الحزبيين في المغرب، وعند السلطة الحاكمة التي كانت حتى الأمس القريب ترفع شعار "تازة قبل غزة" وذلك قبل أن تنتفظ تازة المفترى عليها! تعليق حنظلة