الدياليكتيك في فلسفة كارل ماركس قوانين ثلاثة انطلاقا منها تفسر ظواهر الطبيعة والمجتمع والتاريخ والفكر: قانون وحدة وصراع المتناقضات، قانون تحول الكم الى كيف وقانون نفي النفي. ما يهمنا في هذا المقام هو القانون الثاني الذي يفيد ان تراكم المتناقضات، عندما يصل إلى مستوى متقدم من الناحية الكمية، تنجم عنه تحولات نوعية تؤدي إلى بروز ظواهر جديدة إن على مستوى الواقع أو على مستوى الفكر. الظاهرة الاجتماعية التي نود ان نقرأ ونحلل على ضوء هذا القانون، تتمثل في التحولات الكيفية التي أصبحت تعرفها الحركات الاحتجاجية بالمغرب في الآونة الأخيرة. لايفوت الملاحظ المتتبع لما يموج في المجتمع المغربي من حراك اجتماعي وسياسي إلا أن يسجل تنامي الحركات الاجتماعية والاحتجاجية بشكل متسارع خاصة منذ مطلع سنة 2011 . وغني عن الذكر الدور الأساسي الذي لعبته وما زالت تلعبه حركة 20 فبراير في إضفاء نفس متجدد على دينامية المجتمع وزخم حركاته الاحتجاجية. لكن الشئ الجديد والنوعي في الوقت الراهن، أنه وللمرة الأولى في تاريخ الحركات الاجتماعية بالمغرب، تنظم مسيرة احتجاجية وطنية ذات طابع نقابي وسياسي. فباستثناء المسيرات العمالية المحلية والجهوية التي تنخرط فيها مختلف النقابات في فاتح ماي من كل سنة والتي أصبح يطغى عليها الطابع الاستعراضي المحض، وباستثناء المسيرات الوطنية المليونية التي تنظم تضامنا مع الشعبين الفلسطيني والعراقي ومؤخرا مع الشعب السوري، لم تتمكن لا الأحزاب السياسية ولا المركزيات النقابية ولا الحركات الاحتجاجية ذات الطابع السياسي مثل حركة 20 فبراير، من تنظيم مسيرات مركزية تحشد لها مختلف القوى الحية في المجتمع. وبغض النظر عن الخلفيات السياسية الكامنة وراء الدعوات إلى مثل هذه المسيرات الوطنية التي ظاهرها اجتماعي وباطنها سياسي، يمكن للملاحظ أن يسجل ظاهرة تحول الكم إلى كيف على مستوى الأشكال الاحتجاجية التي تنهجها مختلف الحركات الاجتماعية بالمغرب. فأن تتمكن المسيرة الوطنية ليوم 27 ماي 2012 بالبيضاء والتي دعت إليها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، من استقطاب وتعبئة مجموعة مهمة من الهيئات النقابية والسياسية والجمعوية ومن الحركات الاحتجاجية حول مطلب "الكرامةأولا"، فذلك يعتبر حدثا غير مسبوق لا شك ستكون له انعكاسات مهمة على مسار الحراك الاجتماعي والسياسي إن على المدى المتوسط أو البعيد. ولعل دليل ذلك "مسيرة الغضب" الوطنية التي نفذتها المنظمة الديمقراطية للشغل بالرباط يوم 10 يونيو 2012، والمسيرة الجهوية التي نظمتها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل يوم الأحد 17 يونيو الأخير بمدينة القنيطرة. والبقية تأتي... ولربما ستكون المبادرة المقبلة من صنع حركة 20 فبراير التي تعد العدة لذلك بالدعوة إلى عقد جمع عام وطني يشمل كل التنسيقيات المحلية وكل نشطاء الحركة يومي 7 و8 يوليوز 2012 بمدينة الدارالبيضاء. تلك إذن كانت مجموعة من الملاحظات والأفكار حول تطور الحراك الاجتماعي والسياسي في تفاعله وصراعه مع القوى المناهضة لكل تغيير سياسي حقيقي يعبر بصدق عن إرادة الشعب المغربي. وما يزيد الطين بلة أن الحكومة الحالية التي أريد لها أن تلعب دور الإطفائي، أصبحت –بقراراتها اللاشعبية وبقمعها لمختلف الحركات الاحتجاجية- تعمل على صب الزيت على النار، الأمر الذي يؤدي إلى تأجيج الاحتجاجات وتفجر الانتفاضات، كما يحدث هذه الأيام في دوار "الشليحات" بمنطقة العرائش من انتفاضة للفلاحين، وفي "كاريان البرادعة والمسيرة" بمدينة المحمدية من انتفاضة للمقصيين اجتماعيا على مستوى السكن والشغل. فعوض أن تعمل الحكومة على محاربة آفتي الفساد والاستبداد كما تدعي، أخذت على عاتقها محاربة كل من يقف في وجه الظلم والاستبداد والفساد بكل أنواعه، تقمع، وتحاكم وتزج بشرفاء هذا الوطن في غياهب السجون والمعتقلات. وختاما فإن لسان حال الحراك المغربي يقول: من كان يعتقد أن الربيع المغربي مر من هنا مر الكرام و رحل، فهو مخطئ، وواهم... و ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود(طرفة بن العبد)