قال الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي يسعى لنزع فتيل أسوأ إضرابات اندلعت أثناء حكمه مساء يوم الخميس انه لن يخوض انتخابات الرئاسة مجددا حين تنتهي فترته الحالية في 2014. كما أمر ابن علي الذي تولى السلطة عام 1987 قوات الأمن بوقف استخدام الرصاص الحي ضد المحتجين وقال انه سيتم خفض أسعار السكر والحليب والخبز. ووجه الرئيس خطابا للشعب في حين أسفر العنف عن سقوط المزيد من الدماء وامتد إلى قلب العاصمة. وقال شهود ل"رويترز" إن شابين قتلا بالرصاص في اشتباكات مع الشرطة يوم الخميس 13 يناير الجاري، في بلدة سليمان على بعد نحو 40 كيلومترا إلى الجنوب من العاصمة تونس. وأصيب خمسة أشخاص على الأقل بجروح نجمت عن إطلاق أعيرة نارية في اشتباكات مع الشرطة وسط تونس العاصمة. ويطالب المحتجون بفرص عمل وبالتصدي للفساد وما يصفونه بالقمع الحكومي. ويقول المسؤولون إن الاحتجاجات أصبحت تسيطر عليها أقلية من المتطرفين الذين يريدون تقويض تونس. وفي خطاب مشحون بالعاطفة ألقاه الرئيس التونسي باللهجة المحلية بدلا من اللغة العربية الفصحى مساء يوم الخميس، أعلن ابن علي عن اتخاذ بعض الإجراءات في محاولة لتهدئة الاحتجاجات. وقال: "أنا فهمتكم ..فهمت الجميع البطال والمحتاج والسياسي واللي طالب مزيد من الحريات فهمتكم فهمتكم الكل ... حزني وألمي كبيران لأني مضيت أكثر من 50 سنة من عمرى في خدمة تونس في مختلف المواقع من الجيش الوطني إلى المسؤوليات المختلفة و23 سنة على رأس الدولة." وأضاف انه لا يعتزم البقاء رئيسا مدى الحياة وانه لن يعدل الدستور الذي ينص على انه لا يحق لشخص تجاوز سن الخامسة والسبعين الترشح للرئاسة. ويبلغ ابن علي حاليا 74 عاما وكان من المتوقع على نطاق واسع أن يجري تعديلات دستورية بما يسمح له بالترشح لولاية جديدة. كما وعد ابن علي بخفض أسعار بعض السلع الغذائية الأساسية وبحرية الصحافة. ويبدو أن هذه الإجراءات لاقت ترحيبا. وقال مراسل ل "رويترز" إن الناس في احد أحياء تونس العاصمة رددوا النشيد الوطني بعد الخطاب. وأطلقت السيارات أبواقها ابتهاجا. ونزلت النساء إلى الشارع في منطقة العمران في تحد لحظر التجول وهتفن قائلات "يحيا ابن علي" وأطلقوا الزغاريد. ورحب زعيم حزب المعارضة الرئيسي في تونس نجيب الشابي بقرارات ابن علي لكنه قال انه يتبقى معرفة كيفية تنفيذها ودعا إلى تشكيل حكومة ائتلافية. وبدأ يوم الخميس في حين كانت جميع المتاجر مغلقة في قلب العاصمة. ووقف جنود مسلحون من الجيش - جرى استدعاؤهم لتعزيز قوات الشرطة - للحراسة خارج المباني الحكومية خلف صفوف من الأسلاك الشائكة. وفي حي لافايات وهو منطقة التسوق الرئيسية بالعاصمة دوت أصوات طلقات نارية وشوهد مدنيان مصابان يسقطان أرضا في حين فر ثلاثة اخرون من المكان بعدما أصيبوا بجروح في السيقان. وشوهد دخان اسود يتصاعد من منطقة قريبة وغطى الناس أفواههم لتجنب استنشاق الدخان وأغلقت الشرطة المنطقة في حين سمع المزيد من أصوات الأعيرة النارية. وقال شاهد عيان في شارع قريب "كان هناك احتجاج واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع واطلاق النار لتفريق الحشود." وكانت الاضطرابات التي دخلت أسبوعها الرابع مقتصرة أصلا على البلدات في الأقاليم والضواحي التي تقطنها الطبقة العاملة في العاصمة. وانتقدت فرنسا المستعمر السابق لتونس بصورة لاذعة تعامل الحكومة التونسية مع الاحتجاجات. وقال رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون أثناء زيارة رسمية إلى لندن "نصر على أن تظهر كل الأطراف ضبط النفس وان تختار طريق الحوار... لا يمكن أن نستمر مع هذا الاستخدام غير المتناسب للقوة." والعدد الرسمي للقتلى المدنيين في الاحتجاجات هو 23 شخصا لكن شهودا قالوا ل "رويترز" يوم الأربعاء إن خمسة آخرين قتلوا. وقالت الأممالمتحدة إن جماعات معنية بحقوق الإنسان تقدر عدد القتلى بنحو 40. وقالت مفوضة الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي إن مقتل أشخاص في الاحتجاجات جاء "نتيجة اللجوء إلى بعض الإجراءات المفرطة مثل الاستعانة بالقناصة والقتل بلا تمييز لمشاركين في احتجاجات سلمية." وتقول الحكومة إن الشرطة لم تطلق النار إلا دفاعا عن نفسها حين هاجمها مثيرو شغب بالقنابل الحارقة والعصي. وتقول إن أعداد القتلى التي تعلن عنها الجماعات المعنية بالحقوق مبالغ فيها. وأقال ابن علي وزير الداخلية يوم الأربعاء وأمر بالإفراج عمن اعتقلوا في أحداث الشغب إلا أن محتجين قالوا إن هذا ليس كافيا لتلبية مطالبهم. وبدأ حظر تجول في العاصمة تونس وضواحيها في الثامنة مساء حسب التوقيت المحلي. وتراقب الدول العربية عن كثب الاحتجاجات في تونس خشية امتداد الاضطرابات الاجتماعية إليها لاسيما بعد ارتفاع أسعار الغذاء العالمية. وقد تكون السياحة التي ساهمت بنسبة 11 في المائة من إيرادات العملة الصعبة في تونس العام الماضي عرضة للتأثر بشكل خاص. وتأثرت الأسواق المالية بالاضطرابات في تونس صاحبة أحد أكثر الاقتصادات انفتاحا في المنطقة والتي أخذت في الفترة الماضية تجذب اهتماما متناميا من المستثمرين الأجانب. وتراجع المؤشر الرئيسي لبورصة تونس 3.78 في المائة ليسجل خسائر لليوم الرابع على التوالي ويهبط إلى أدنى مستوى في 12 شهرا. وقفزت تكلفة تأمين ديون تونس من العجز عن السداد إلى أعلى مستوى في 18 شهرا. رويترز