تبدو صور موائد الإفطار الرمضانية ووضعها في وسائل التواصل الإجتماعي )الفيسبوك، تويتر ،أنستغرام، الواتساب) أمرا بسيطا ولكن صور هذه الموائد تحمل الكثير من أوجه التناقضات داخل المجتمع بين من يرى فيها صورا للتباهي وللتبجح والتفاخر وبين من يرى فيه حرية شخصية يرغب من خلالها في أن يتقاسم مع عائلته وأصدقائه بما يأكله ويشربه في رمضان الكريم. موقع ” لكم ” يدقق في صور موائد الإفطار الرمضانية من زويا ورؤى متعددة ويعرضها لقراء الموقع. ترى سلوى لمقدم، أستاذة من مدينة الجديدة في حديثها لموقع ” لكم ” تحميل صور الأكل بالأمر المخجل قائلة ” أمر مخجل جدا أن يعمد الكثيرون إلى وضع مأكولاتهم الرمضانية من حلويات وحريرة وسمك… بطولها وعرضها وتصويرها أكثر من عشرات المرات ومن زوايا مختلفة ووضع تعليقات عليها والتباهي بها في صفحات الأنستغرام والفيسبوك…وهو نوع من التباهي في شهر كريم يجب أن تنعدم فيه هذه الممارسات وهذه السلوكيات. وهي تعبير عما عرفه المجتمع من تحولات عميقة مست بنيته الاجتماعية “.
وتضيف المتحدثة “عوض التباهي بمائدة رمضان خلال الشهر الكريم على المتباهي أن يقدم يد المساعدة للفقراء وعليه أن يتذكر أن هناك عائلات تحتاج لمن يساعدها في أساسياتها وفي اطعام أبنائها.. انعدام الحس بالأخر هو ما يدفع إلى هذه السلوكيات “. ترى أحلام، موظفة بإحدى الشركات السياحية الخاصة بمراكش أنه ليسهم هناك أي نوع من التباهي بموائد رمضان في حديثها لموقع ” لكم” ” نحن المغاربة ننتقد أي سلوك وأي ممارسة ونحن بارعون في ذلك.. الأمر بسيط جدا.. هناك من يريد أن يتقاسم ما يفعله خلال شهر رمضان من أفراح ويريد أن يعرض ما على مائدته في شكل صور وهذا يدخل في باب الحرية الشخصية.. أن يصور ما اشتراه واشتغل عليه وما أعده ولم يمنحه أي شخص هذا الطعام أو هذا الأكل وبالتالي ليس هناك لا تجاوز الحدود بل الأمر مجرد متعة ولحظة فرح كبيرة يتقاسمها مع الآخرين “. تعج شبكات التواصل الإجتماعي خاصة الفيسبوك والواتساب وأنستغرام… بصور مختلفة لأنواع الأطعمة وموائد الإفطار وهناك من يشاركها مع عائلته وهناك من يتقاسمها مع أصدقائه بل هناك من تعمد من النساء إلى إعداد فيديوهات من أول تحضير الأكل وطبخه حتى تقديمه في حلته النهائية وتتعدد الأسباب والمنطلقات ولكنها ممارسات تزداد خلال شهر رمضان. في نظر محمد أيت لفقيه وهو ناشط فيسبوكي يرى الأمر على هذه المنوال” من غير رمضان نعمد على تقديم صور الكسكس يوم الجمعة ونعرض صور الفطور ونعرض كذلك فناجين القهوة والشاي ونحن جالسون مع الأصدقاء في المقاهي وصور الأكل في الشواطئ وفي السفر… بل ونصور أنفسنا مع الأصدقاء ونحن مجتمعين على الموائد منبسطين ومبتسمين لكن حينما يتعلق الأمر برمضان نعطي لصور الموائد الرمضانية أهمية قصوى ونعمل على انتقاد ما يعرض ونفكر في الفقراء والمحتاجين والبسطاء.. لماذا لا نفكر في الفقراء والمحتاجين في مواعيد أخرى غير شهر رمضان وطيلة السنة.. ما هذا التناقض الذي نحمله؟.. علينا أن نؤمن بثقافة الإختلاف وأن الإنسان يعرض ما يحلو له وما يشتهيه ولست ملزما بالنظر إلى هذه الصور إذا لم تعجبك ولم يعجبك الأمر” ويضيف ” الأمر الجيد في هذه الصور ولهذه الموائد الرمضانية أنها تكون جميلة وتتسم بالتنسيق وتحمل الكثير من لحظات الفرح لتقاسمها مع الآخرين”. يبدو الموضوع أكثر تعقيدا مما يتصور البعض ويأخذ مناحي متعددة وتصورات مغايرة.. في نظر جميلة العبدي، مدرسة لمادة التربية الإسلامية تعتقد أن عرض الموائد الرمضانية في وسائل التواصل الاجتماعي ” يعد نوعا من الترف ومن التباهي والتفاخر.. وهو أمر مرفوض لأن هناك متلقي لا يجد ما يسد به حاجته. ويشتهي ما يعرض أمامه في الصور ويطرح سؤال لماذا يملك هؤلاء كل هذا الأكل والخير ونحن لا نملك أي شيء” تضيف ” على الإنسان أن ينظر فيما يفعله وأن ما يعرضه من صور للأكل والبذخ والترف والموائد الطويلة والعريضة هو نوع من التباهي غير المقبول دون أن نتحدث عن الأيات والأحاديث التي تدعو إلى عدم التباهي والتفاخر واستعراض الصور بشكل مخجل. على المتباهين والمتباهيات التوقف عن نشر مثل هذه الصور وأن يكفوا عن هذه الممارسات غير الأخلاقية”. وتنتشر موائد الطعام والأكل والشهيوات في رمضان وغير رمضان بشكل كبير وتعتقد كريمة صاحبة قناة للطبخ في اليوتوب من الدارالبيضاء في حديثها لموقع ” لكم ” قائلة ” ليس هناك تفاخر ولا أري فيها أي شي وأي مانع.. أنا أقوم بإعداد العديد من أصناف الأكل في رمضان وغيره بهدف تعليمي وأضع دائما صور موائد الأكل كنوع من الإشهار لما أقدمه في اليوتوب عبر وسائل التواصل الإجتماعي.. الفيسبوك.. أنستغرام..تويتر… نظرا لأهميتها الغرض منها هو التسويق لقناتي لحصد المزيد من المشاهدات وتحسين دخلي..لا أنظر للأمر بصيغة التفاخر والتباهي ولكنه عمل تسويقي محض بالنسبة لي”. تضيف ” حتى بالنسبة للصور التي أعرضها في رمضان تلقى استحسانا من لدن المعجبين والمعجبات وتعليقات تشجع على ما أقوم به للإستمرار فيه.. علينا أن ننظر للأمر بذهنية أخرى أنه يدخل في باب حرية التعبير.” أمام الإختلافات في وجهات النظر وهذا التعارضات البينة في المواقف تقدمنا بالسؤال إلى زكية أيت لمقدم الباحثة في العلوم الإجتماعية عن فحوى ومغزى هذه المواقف بين المؤيدين والمعارضين لصور الموائد الرمضانية وغيرها في وسائل التواصل الإجتماعي في حديثها لموقع ” لكم” ” فعل التباهي ونزعته متأصلة في المجتمع المغربي بشكل كبير وتظهر في الأعراس الباذخة وفي الحفلات وفي أعياد الميلاد واحتفالات الأسر والعقائق وكان الأمر بسيط ولا يظهر بالحجم الذي نراه الآن لأن وسائل التواصل الإجتماعي لم تكن موجودة وكان ما يعد في شهر رمضان حبيس المطابخ والصالونات والمنازل والفيلات… ولكن وسائل التواصل قامت بتعميمه وبتعريته على نطاق واسع في مجتمع يتسم بالطبقية المفرطة لذلك تأتي هذه المواقف المتناقضة بحيث يدخلها البعض في باب الحرية الشخصية في حين يرى فيها بعدا أخلاقيا ودينيا ونوعا من التباهي والتفاخر المفرط “. وتضيف” إن ما تعكسه الموائد الكبيرة في رمضان ليس سوى جزءا من الثروة التي يملكها البعض ونوع من الطبقية الجديدة داخل المجتمع في الأكل وأطباقه وصوره يتلقاها الطرف الأخر بعدم الرضى ولا يستكين إليها والاعتراض عليها هو اعتراض على الفقر المنتشر والحاجة والتسول والظواهر الإجتماعية المنتشرة التي تنتشر داخل المجتمع من بؤس وميزريا وغنى فاحش وتناقضات لا تنتهي “. بقدر ما تحفل وسائل التواصل الإجتماعي من تناقل صور الأكل والموائد في رمضان وتقاسهما و مشاركتها مع الآخرين فإنها تحمل مجتمعا أخر منقسما على نفسه يرى فيه البعض حرية شخصية وحرية للتعبير وينظر إليها الآخرون على أنها مزيد من التفقير والتهميش واستعراض للعضلات حتى في الجوانب المتعلقة بالتغذية والأكل والتدين.