يعتبر الدكتور بوشعيب المسعودي، من مهندسي المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي، الذي يقام بمدينة خريبكة كل سنة، حيث احتفل بنسخته الثانية، خلال شهر أكتوبر الماضي، والتي كانت ناجحة بكل المقاييس. والمسعودي بالرغم من كونه تربى بين أحضان لغة موليير، ودرس العلم في عاصمة فرنسا، فضلا عن تكوينية الطبي المتخصص، فقد جذبته عوالم السينما، ودخلها من باب الفضول، لكنها استهوته كثيرا، لما فيها من عوالم إبداعية جميلة، تزاوج، بين الادبي والعلمي والخيالي، والحقيقي، والواقعي والحالم. يعد المسعودي أيضا احد الأعضاء النشيطين في جمعية المهرجان التي يرأسها الدكتور الحبيب ناصري ابن مدينة وادي زم المناضلة، ذات المشاهد الفنية والسينمائية التي تنسى.... في مكان هادئ بمدينة خريبكة التقيناه، كان هادئا وتلقائيا، وذا حس فني رقيق، يحمل في العمق، العمل من اجل بناء صرح مدية الفوسفاط، بالرغم من قلة الدعم، ونكران الجميل، لبعض الجهات، التي لم تساعد المهرجان ولو بقطعة سمسة، الأمر الذي يستدعي منها دعمه، وبخاصة انه قدم النموذج الحقيقي في التنظيم والغيرة، وتعزيز الحوار والتواصل الكوني والإنساني.. التقيناه فكان نص الحوار..... - ما الذي ميز الدورة الثانية من المهرجان الدولي الثاني للفيلم الوثائقي؟ إن الذي ميز الدورة الثانية، هو الرهان المتواصل لجمعية المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي، لتحقيق النجاح بأبسط الإمكانيات، وبدون دعم مادي. والذي ميز الدورة كذلك هو تكريم شخصيات مهمة، محمد بلحاج، ريمون بطرس، الحاجة خدوج السليماني والمرحوم نور الدين كشطي. من مستجدات الدورة الثالثة، ايضا قيام الدورة الأولى للمهرجان الوطني للفيلم الوثائقي، الذي جاء تلبية للأفلام العديدة المغربية، التي تتوصل بها الجمعية، وهي لمجموعة من المخرجين الهاوين، والمحترفين ومنهم من كانت مشاركتهم أول تجربة. ولتسويق هذه الأفلام وللاستفادة، من تجارب مخرجين متمكنين من الفيلم الوثائقي، أردنا أن تكون دورات خاصة، بالفيلم المغربي الوثائقي، مؤطرة من قبل اختصاصيين، وخبراء ومهنيين في السينما، وخاصة في الفيلم الوثائقي. وهذا يدفع بثقافة الفيلم الوثائقي إلى الأمام وتحفيز العموم للاهتمام به كالفيلم الروائي. - هل يمكن اعتبار الدورة الثانية دورة النضج والاستمرار؟. إن الدورة الثانية دورة الاستمرار ومرحلة النضج، آتية لا محالة فالمولود لازال لم يقف على رجليه. - ما حدود دعم السلطات المحلية بمدينة خريبكة للمهرجان، أو عدمه مقارنة مع دعمها لتظاهرات ثقافية وفنية أخرى؟. إن الدعم المادي للسلطات المحلية والمجلس البلدي منعدم. لا ننسى أن نشكر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي لولاها لما خلق المهرجان. الدعم كان من المركز السينمائي المغربي بامتياز، وكان ماديا ومعنويا. فالكلمة التي صرح بها الأستاذ محمد بكريم عن المركز السينمائي المغربي، كانت إشارة قوية للاستمرار، كذلك كانت مساهمة المجمع الشريف للفوسفاط إشارة ثانية للاستمرار. نطمح أن يكون دعم المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة، كباقي المهرجانات السينمائية الدولية الأخرى. - كيف ساهم المهرجان في تعزيز القيم التواصلية والإنسانية، وتكريس مبادئ التعاون والتعايش بين الشعوب؟. إن دور المهرجان كبير، في تعزيز قيم التعارف والتعايش. فدوره ينقسم إلى قسمين دور علمي محض حاضر في الندوات التي يقدمها للجمهور، ويقوم بإلقائها أساتذة وخبراء، فموضوع الدورة الأولى كان حول "العولمة ودور الفيلم الوثائقي"، وموضوع الدورة الثانية كان حول "صورة العرب في الفيلم الوثائقي الأجنبي... نحو تقارب حضاري بين الشعوب". أما الشق الثاني، فهو الدور الإنساني العميق الذي يقوم به المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة. ان تصريحات الضيوف أمثال: كاترين بوات فان من مرسيليا بفرنسا، والمخرج الفلسطيني فايق جرادة بغزة، والكاتب زويرق فؤاد من هولندا، والمخرج المغربي محمد بلحاج من قطر والسيد عبد السلام الموساوي من فاس والمخرج علي بنجلون وهاجر بن نصر وغيرهم، تتلج الصدور، وتغطي مانقص المهرجان في الجانب المادي، فالمهرجان حسب رأيهم، يفيض إحساسا وإنسانية عوض الصور الفخمة والديكورات المتلألئة والصارخة. وهناك نتيجة لمسناها في المهرجان، وهي التعارف بين المخرجين والمنتجين، وكم من صفقات تجارية وتظاهرات علمية وسينمائية انبثقت عن المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة، وكم من أفكار جندت في تظاهرات ومهرجانات أخرى بزغت عن مهرجاننا. ان دور المهرجان في ترسيخ تلك القيم، كان مهما بالدرجة الأولى، وهذا ما نطمح له. - ما قيمة التنمية الثقافية التي تمنحها المدينة، كمدينة تاريخية للفيلم الوثائقي برمته؟. إن مدينة خريبكة تعد أول مدينة تمتلك نادي للسينما في المغرب، وكم كان الأساتذة المغاربة والأجانب، يقومون بشرح أفلام لنا ونحن تلامذة، ويحببون لنا السينما ويدرسوننا قوة الملاحظة ونقد الأفلام. كما انها تعتبر حب العديد من المتتبعين، أم المهرجانات ، حيث يعد مهرجان السينما الإفريقية من المهرجانات الدولية المهمة، ناهيك أن الفيلم الوثائقي، والذي هو ابن السينما الأول وأب لعدة أنواع من الأفلام، زاد من قيمة المدينة التي أصبحت محجا للسينمائيين ومحبي السينما، ومعروفة عالميا بمهرجاناتها. وجمعية المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة تسعى عبر مهرجانها وعبر الضيوف الذين يحضرون هذا المهرجان، أن تعرف بهذه المدينة وكذلك برجالها ونسائها، فضلا عن مساهمتها في تحقيق مرامي التنمية. - سيكرم المهرجان السينما الايطالية في الدورة المقبلة، ما الرسالة التي يود بعثها، وبخاصة أن مدينة خريبكة تتوفر على جالية كبيرة مقيمة في ايطاليا؟. صحيح ان ايطاليا ستكرم في الدورة الثالثة، وإيطاليا المغرب علاقتهما متميزة، وخاصة مع خريبكة التي تعرف بجاليتها الكبيرة المقيمة في عدد من مدن إيطاليا. فإيطاليا حاضرة في خريبكة: في أسواقها، في شوارعها، في مقاهيها، في بواديها... وفي كل مكان. كما أن لإيطاليا تاريخ مجيد مشترك مع المغرب ولها دورها الطلائعي في أوروبا ولها أيضا تاريخ سينمائي كبير. ونحن من الدورة المقبلة سنحتفي بايطاليا سينمائيا، وهذا لا يمنع من حضور افراد الجالية والاهتمام بهم. - هل سيحضر بالمناسبة طيف الهجرة غير الشرعية، وقضايا محلية في الدورة المقبلة؟. نحن الآن بدراسة موضوع الندوة وشعار الدورة الثالثة للمهرجان الدولي. - كطبيب كيف تزاوج بين الفن والعلم؟. قال احد الأطباء الحكماء الطب فن والطب صناعة. فالسينما والطب علمان منسجمان، فالطب يستخدم السينما للدراسة وللتعريف ببعض الأمراض، ولإسداء بعض النصائح فالطب استغل الصورة كوسيلة للتعريف منذ القدم. أما السينما فقد استخدمت الطب في مواضيع متعددة، ومسلسلات سينمائية كثيرة. وشخصيا فدوائي كطبيب هو السينما والصورة بجميع مفاهيمها وتجلياتها، وكتابة مقالات عن الأفلام وعن التظاهرات وبعض الكتابات الأخرى الأدبية والقصصية... فجميع هذه الأعمال تفرج عن القلب وتعوض عن الآلام والحزن الذين يملئون حياة الطبيب عند كل لقاء مع مرضاه. - تهتم أيضا بمجال التصوير الضوئي، ما السر في ذلك؟. اهتماماتي بالتصوير منذ الطفولة، بدأت تجربتي بآلة "ديانا" فالصورة الجامدة تتكلم أكثر من المتحركة، ولكنها تحتاج إلى آليات متطورة وباهظة الثمن. - السينما الوثائقية، ما دورها في تطوير سينما العالم، تحقيقا لفرجة الجمهور؟. كما قلت في الأول فالفيلم الوثائقي هو بداية التسجيل وبداية السينما، وقد عاش فترات عصيبة ومبهمة نسبيا، حتى أصبح البعض يسمونه "بالغير الروائي" ولكنه أصبح الآن ذا قيمة وله محطاته الخاصة به، في جميع التلفزات العالمية والعربية. ونتمنى أن تكون هناك محطة تلفزية مغربية، فالفيلم الوثائقي يهم الجميع ويهتم بجميع المواضيع كانت اجتماعية أم اقتصادية أم طبية أم علمية.... وقد بدأ مخرجون يختصون به، وهذا يحتاج إلى دعم الجهات المختصة كالمركز السينمائي المغربي سواء بأخيه الروائي. وهو يعطي الفرجة الكاملة للمتفرج من الناحية الفنية وكذلك من الناحية العلمية والمعرفية، وخير دليل الأفلام التي عرضت في خريبكة وعلى رأسها "أبو القاسم الشابي" الذي فاز بالجائزة الكبرى وجائزة النقد (جائزة نور الدين كشطي). فالفيلم الوثائقي زيادة على كونه فنا كاملا بذاته، وعالم تترسخ فيه قيم الحوار والإنسانية، فهو وسيلة للاتصال والتعارف وللتعريف بالمشاكل الاجتماعية ومشاكل العالم ومحاولة فهمها وإيجاد الحلول لها كالمشاكل الغذائية والبيئية وآثار الحروب والانحرافات والأمراض وغيرها.