في سياق إثارة سؤال الفيلم الوثائقي ببلادنا، وفي ظل التحول الايجابي الذي تعرفه الساحة السينمائية المغربية، وتتمة لمقالي الأستاذ حسن مجتهد والدكتور الحبيب ناصري حول حاجة المغرب إلى قناة وثائقية، آثرت تحضير هذه الورقة، التي سأتناول فيها أهمية الفيلم الوثائقي وذلك من خلال شعار الدورة الثانية للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة(التقارب الحضاري)الذي يشير الى كلمتين مهمتين هما التقارب والحضارة. هناك تقارب وهناك حضارات، والحضارات بعدد الشعوب والقبائل وقد ذكر سبحانه وتعالى " لقد خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"، لتعرفوا بعضكم البعض ولمعرفة بعضكم البعض يجب أن تقاربوا فالتقارب ضروري لمعرفة الآخر بكل لغاته وعاداته وتقاليده. وقد تكون الخلافات بين الشعوب والدول سياسية ومذهبية وطائفية ولكن الثقافة تلعب الدور الأساسي في لم شملها، إذ لا تشكل في سياقها الشمولي عنصرا للاختلاف والصراع. الاختلافات السياسية تؤدي إلى صراعات وحروب تحت شعار التعبئة الجماهيرية، والثقافة تعمل على التقارب وعلى فك الحصار على الحضارات سواء منها المنسية وغير المعروفة أو المحاصرة من طرف استعمار أو سلطة متسلطة. أما التقارب الحضاري فمعركة مستمرة بين الشعوب وبين جماهير الدول المختلفة ولو كانوا قلة يعدون على عدد أصابع اليد.إذ يعتبر قديم قدم الزمان، لكن للأسف كان يبدأ بالحرب والغزو والتسلط واحتلال القوي للضعيف وإثارات مفتعلة من طرف المتسلط، وقد يتفجر الخلاف بين الجيران وبين أبناء الشعب الواحد. وبالمقابل فان الثقافة تقرب الناس بدون حروب واقتتال وذلك بفضل الجمعيات المدنية والمهرجانات و المؤتمرات العلمية والثقافية والتربوية والترفيهية... ومن أهم هذه المهرجانات السينمائية وخاصة الوثائقية. فالفيلم الوثائقي يعرف حقيقة الشعوب و حقيقة الأشياء العلمية و حقيقة المباني والمآثر التاريخية والعمرانية وهذا دور العلماء والمهتمين الذي يحركهم وازع واحد هو الثقافة ومعرفة الآخر والتعرف على جذوره وخاصياته وإمكانية العمل معه وأخذ الأحسن منه وتفهم عاداته وتقاليده، وإطلاعه على تاريخنا وحضارتنا عبر الصورة الوثائقية التي توثق صوتا وصورة لموروثاتنا وهويتنا وحقيقة تاريخنا. وهذا ما يود أن يؤكده المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي في نسخته الثانية خلال شهر أكتوبر 2010 عبر الندوة التي سيشارك فيها باحثون وخبراء لدراسة مساهمة ومشاركة الفيلم الوثائقي في تحقيق التقارب الحضاري بين الشعوب. الفيلم الوثائقي يوضح لنا عادات وعقائد الشعوب وكذلك التطورات الجذرية التي تحدث في كل الحضارات والتغيرات البشرية والمعمارية والجغرافية التي تحصل طوال تاريخ هذا الشعب أو ذاك. وقد حقق الفيلم الوثائقي تقاربا ايجابيا بين شعوب العالم فزيارتنا لبلد ما بعد قراءة ملف أو مشاهدة فيلم عن مآثره وعاداته ومأكولاته ومناطقه... تقربنا أكثر إليه حتى أن اللغة لا تصبح حاجزا بين الضيف والمضيف. ركزت جمعية المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة على ترسيخ ثقافة الصورة بصفة عامة وثقافة الفيلم الوثائقي بصفة خاصة. وقد ثبت من مناقشة الشباب والمحبين للسينما أن مشاهدة الأفلام الوثائقية بكثرة والمحاضرات عن السينما وتقنياتها مقياس لتحليل وتركيب الصورة بصورة جيدة وتعبير شامل وكامل للتعريف بالقيم الأخلاقية والعلاقات الإنسانية الطبيعية والواقعية التي قد تتأثر بعوامل خارجية ومحلية عبر العصور. وحلم الجمعية أن يصبح الوثائقي ذا شعبية كبيرة وأن يستخدم كأداة إعلامية للتعريف بمجتمعات بعيدة و بثقافات مغايرة وبمعالم مجهولة، ولهذا السبب لابد من قناة وثائقية بالبلاد، ولابد من دعم الأفلام الوثائقية وتشجيعها، لأنها تعمل على توثيق واقع ملموس. وختاما لابد من الإشارة إلى أن الأفلام الوثائقية أصبحت شعبيتها في تزايد مستمر أمام الأفلام الروائية. الدكتور بوشعيب المسعودي - خريبكة 25 فبراير2010 ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة