انتهت الحملة الانتخابية بالمغرب والتي شكلت تاسع استحقاقات تشريعية ما بعد الاستقلال، وأول انتخابات برلمانية منذ الإصلاحات الدستورية التي ادخلها الملك مؤخرا مع اندلاع موجة الانتفاضات العربية. وانتهت معها المهرجانات الخطابية الباهتة، و البرامج الحزبية المكرورة، وبعد أن أدلى المنتخبون بأصواتهم أقفلت الأبواب، وفتحت الصناديق وبدأت عملية فرز الأصوات، وأعلنت السلطات نسبة مشاركة بلغت 45,40 بالمائة، قاطع من قاطع من الحركات الإسلامية ونشطاء اليسار وشباب 20 فبراير كل حسب قناعاته وحساباته، بعد أن اجمعوا في تصريحاتهم انه من العار والجهل التصويت في ظل برلمان طالبوا بحله، لأحزاب تآمرت عليهم ولمرشحين لا يحضرون مناقشة أهم قضايا البلاد والعباد. جاءت لحظة الحسم أخيرا حيث أظهرت النتائج فوز حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي ب 107 مقعدا من أصل 395 مقعدا متبوعا بحزب الاستقلال ب 60 مقعدا وحزب التجمع الوطني للأحرار ب 52 مقعدا وحزب الأصالة والمعاصرة ب 47 مقعدا وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ب 39 مقعدا وحزب الحركة الشعبية ب 32 مقعدا وحزب الاتحاد الدستوري ب 23 مقعدا وحزب التقدم والاشتراكية ب 18 مقعدا. وهي الاحزاب الأكثر تمثيلية وذات امتداد جماهيري محترم. ومع ما صاحب الحملة الانتخابية من خروقات، فقد عرفت نسبة كبيرة من الشفافية على عكس سابقاتها بل ويعتقد الكثيرون أن هذا الفوز الكاسح لحزب المصباح هو الدليل القاطع على شفافيتها إضافة إلى عدم تشكيك الأحزاب المتسابقة في نتائجها والاعتراف بها وتهنئتهم للحزب وقيادييه. وهي بادرة جديدة عاشتها الساحة السياسية المغربية. هكذا إذن جاءت النتائج مؤكدة تفوق المصباح على الميزان والوردة والجرار والسنبلة والحمامة وانتقاله من موقف المعارضة التي لازمها منذ نشأته في تسعينات القرن الماضي إلى واجهة الحكومة.... وماذا بعد؟؟ لكن قبلا لماذا فاز المصباح ؟؟ يرجح المتتبعون فوز حزب العدالة والتنمية إلى عوامل داخلية و أخرى خارجية ، تجلت الأولى في موجة الاحتجاجات التي عرفها المغرب بقيادة حركة 20 فبراير وحركة العدل والإحسان وبعض الأحزاب اليسارية تمخض عنها إصلاحات دستورية جديدة إضافة إلى ضعف مصداقية الأحزاب التقليدية لدى الرأي العام المغربي التي تناوبت على دواليب الحكومة طول الحقبة الماضية ويتهمها بتشجيع الفساد واقتصاد الريع والمحسوبية على حساب حقوقه ومصالحه ويحملها بشكل كبير وزر ما آلت إليه الأمور، أما الخارجية فتتجلى في ربيع الثورات العربية وما أفرزته من قيادات ذات مرجعيات إسلامية ( حزب النهضة التونسي والإخوان المسلمين في مصر وثوار ليبيا ) بينما يرى آخرون من الداخل أن هذا الفوز يرجع إلى برنامج الحزب الطموح، المنسجم والخالي من الإيديولوجيات الليبرالية والراديكالية المعقدة، والمبني على التواصل السلس والمرن مع مختلف شرائح المجتمع المغربي حيث ارتكز كما جاء في ديباجته على خمسة أهداف كبرى، تتجلى في مواصلة بناء دولة المؤسسات والديمقراطية ومكافحة الفساد، بناء اقتصاد وطني قوي وتنافسي ومنتج وضامن للعدالة الاجتماعية، بناء مجتمع متماسك ومتضامن ومزدهر، قوامه أسرة قوية وشباب رائد، وأساسه مدرسة التميز ومقومات الكرامة، إحياء وتجديد نظام القيم المغربية الأصيلة على أساس من المرجعية الإسلامية والهوية المغربية، صيانة السيادة وتعزيز الإشعاع المغربي والريادة الخارجية. واعتبر قياديو المصباح أن أزمة الحكامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البلاد هي سبب فشل سياسات الحكومات السابقة. وفي المقابل قدم الحزب وعودا وعهودا كثيرة وكبيرة لمنتخبيه من قبيل رفع معدل الدخل الفردي ب 40 في المائة في الخمس سنوات المقبلة إصلاح ضريبي فعال، تقليص نسبة الأمية إلى 20 في المائة في أفق 2015، مضاعفة عدد وحدات السكن الاجتماعي ، رفع الحد الأدنى من الأجور إلى 3000 درهم شهريا وغيرها من الوعود الرنانة. في قراءة أولية لترتيب الأحزاب الثمانية الأكثر تمثيلية في المشهد السياسي المغربي نستطيع القول بان الائتلاف الحكومي المرتقب والمرجح لحزب العدالة والتنمية سيكون في اتجاه الكتلة الديموقراطية نظرا لتقاسمهما بعض الرؤى وتشاركهما لمجموعة من البرامج وأيضا ما صاحب إعلان النتائج من غزل سياسي بين الطرفين بينما ستشكل مجموعة الثمانية أو "التحالف من اجل الديموقراطية" المعارضة وهاتان الجبهتان هما اللتان سترسمان معالم الطريق لمغرب ما بعد الإصلاح. ومع ذلك فقد ترك الأمين العام للمصباح الباب مفتوحا لكل الاحتمالات أمام مجموعة الثمانية ما عدا حزب الجرار وهو الحزب الذي شن عليه وقيادييه حربا ضروسا منذ فترة عرفت مشادات وتلاسنات واتهامات. وتبقى نقطة التحالف غاية في الأهمية فما يرجى من أي تحالف كان هو قطع الطريق أمام وجوه الحكومات السابقة وفتح المجال أمام كفاءات جديدة ذات سمعة ومصداقية فالمغاربة ملوا من الفاسي وآل الفاسي، ومن لشكر والراضي وولعلو والناصري والعنصر وغيرهم من الوجوه التي لطالما رفعت شعارات محاربة الفساد في حملاتها الانتخابية ثم ما لبث أن غاص الفساد في أحشائها وانتشر انتشار النار في الهشيم، وجوه لم تقدم شيئا لتطلعات المغاربة وكانت سببا مباشرا في العزوف السياسي الحالي وتردي الأوضاع على كل المستويات. لكن السؤال الذي يطرح نفسه وبشدة، هل سترضى الأحزاب التقليدية بهذا الإقصاء أم ستشكل عقبة أمام التكتلات؟ خلال الفترات السابقة، انتخب المغاربة ألوانا وأطيافا ورموزا كثيرة ( هذا ان افترضنا جدلا ان تلك الانتخابات كانت نزيهة وشفافة) ليسيروا شؤونه ويرعوا مصالحه، جرب الاشتراكيين والعلمانيين والاستقلاليين والتقدميين و المستقلين و.. وماذا كانت النتيجة ؟ كثر الفساد، و تناسلت البطالة، وانتشر الفقر و الرشوة والمحسوبية، وقمعت الحريات. أما اليوم وقد اختارت شريحة كبيرة من المغاربة حزب العدالة والتنمية وراهنت على الإسلاميين من اجل التغيير والإصلاح الحقيقي، في انتخابات وصفت بالديموقراطية، فإن باختيارها هذا تريد من هذا الحزب أن يقود البلاد في ظل الدستور الجديد إلى مغرب قوي سياسيا اجتماعيا واقتصاديا، وان يشكل حكومة متحررة ومسؤولة بصلاحيات واسعة وليست مجرد حكومة تصريف أعمال. إن التحديات التي تنتظر حزب العدالة والتنمية ليست بالهينة، فهل المصباح قادر على خوض هذا التحدي الكبير؟ والأكثر من ذلك هل باستطاعة حزب العدالة والتنمية الوفاء بوعوده وعهوده على نقيض سابقيه؟ أم المسألة مجرد تكتيكات إعلامية بحتة وهرطقات انتخابية ليس إلا ؟؟؟ هل ستخلق الحكومة الجديدة الاستثناء، ويشعر المواطن البسيط العادي بالإصلاحات ويثمنها؟ هل سنعيش مناخا سياسيا جديدا في المغرب بعدما دقت الحكومات السابقة كل مساميرها في نعشه؟ أم ستستهلك بدورها عمرا من الشعب المغربي في انتظارات فارغة وإصلاحات موهومة؟ تبقى السنوات الخمس القادمة وحدها كفيلة بالإجابة على هذه التساؤلات، وآنذاك حين يَنْقَشِعُ الغُبارُ سوف نَرى أَحصانٌ رَكِبَه أتباعُ حزبُ المصباحِ أمْ حمارُ ؟؟