في تلك المدينة العتيقة ،ذات الأزقة الضيقة و الرطبة،و بعمرانها العربي / الأندلسي ،و المحاذية للنهر الذي ينساب وسط حدائق ” هسبيريس” ،حيث تنتشر البساتين و الحقول ،التي عادة ما تلطف أجواء المدينة ،عندما يكون الطقس حارا،كما تزكي فضاءه بالروائح الفواحة و العطرة في فصل الربيع ،كانت تتعايش ثلاث طوائف : المسلمون،اليهود و الجالية الأروبية و خاصة الإسبانية. كان المسلمون يسكنون في الجزء القديم من المدينة ،حيث تنتشر المهن التقليدية المعروفة ، و كانت تسمى بعض الأزقة بالمهن المنتشرة فيها : الحدادين ،النجارين ،الفخارين ،الطرافين ،القطانين…الخ،. معمار هذا الحيز من المدينة ،كان أندلسيا مبهرا و جميلا . فيما اليهود ،كانوا يسكنون حيا يسمى ب” الملاح” ، تنتشر فيه بناءات قديمة و متداعية للسقوط و غالبا ما تفتقد فيه أشعة الشمس و تسكنه الرطوبة . كذلك فهذا الحي ،تنتشر فيه مهن مختلفة يمتهنها اليهود القاطنين فيه: صناعة المنادف( القراشل) و المنافيخ ،إصلاح الساعات المنبهة و غيرها تعمير الحشايا ،صياغة الجواهر الثمينة ( الروابز) ، صناعة السروج …الخ. إن اليهود، في هذه المدينة كانوا يتخذون لأنفسهم أسماء عائلية مشتقة من المهن التي كانوا يمارسونها ،هم و آباؤهم. كما كانوا يتجنبون امتهان حرف خطيرة تنطوي على مجازفة غير مألوفة. و من العائلات التي كانت تعيش في هذا الزقاق و هذه المدينة : ” بنيعيش”، ” كاستييل”، ” بن شابو”، ” عميرن”، أبي طبول” ، ” الخراط”، ” بنشمول” ،” ملول”” فورادو”،”ميدينا” ” بنعبو” ” طوبلين” ،” بروز”، ” أمسليم” ،” أسولاي”، ” الزكوري” ،” ليفي كوهن “، ” عمار” ،” الباز” ، ” أبنكسيس” ،” فلالو” … و من خلال أسماء بعض العائلات اليهودية المتواجدة فيها ،يتبين أنها خليط من العائلات اليهودية المطرودة من الأندلس سنة 1942 ،و أخرى من سكان جنوب المغرب . و أخيرا الأروبيون أو ” النصارى” كما كان يطلق عليهم، و يسكنون في حي عصري بمرافق حديثة: قاعات للسينما ،محلات الملابس الجاهزة،دكاكين بيع العطور ،الخمور،الصيدليات… و كان المعمار في الحي الذي كانوا يسكنونه عصري و حداثي . كانت كل تلك الطوائف تعيش في وئام و تسامح و تتعامل مع بعضها البعض بمنتهى التقدير و الاحترام. يتبع/…