يؤكد علماء الاقتصاد و الاجتماع و السياسة أن قوة الدول تنبع من قدرتها على خلق توازن و توافق ناجع و منتج بين ثلاثة أركان : السياسة و الاقتصاد و الأمن ، و كل اختلال في التوازن بينها يكون بداية لانهيار تام و فقدان للبوصلة و الحكامة. إن السياسة بمفهومها النبيل تعيش اليوم أزمة خانقة ، ذلك أن الإعلام و الأحزاب و النقابات و المجتمع المدني و المؤسسات المدنية الوسيطة ، اختارت أن تكون صوت أسيادها أو أداة من أدوات السلطة. و بالرغم من هذه الحالة الهزيلة التي توجد عليها مكونات المجتمع السياسية و المدنية ، فهذا لا يعني موت المجتمع و انعدام الحركة و الفعل فيه ، بدليل الاحتجاجات الاجتماعية في كل من الريف ، جرادة ، زاكورة و تنغير ، و التي خرج فيها المتظاهرون مطالبين بتحسين أوضاعهم و حفظ كرامتهم و التوزيع العادل للثروة. و من المؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي و خاصة " الفايسبوك" أصبح الفضاء المفضل للنقاش العمومي ، بل و أصبحت القناة الرئيسية أمام المواطن لتصريف مواقفه. إن هذه الاحتجاجات لم تجد صداها لدى الأحزاب ، بل و تركت لحال سبيلها في مواجهة القوات الأمنية. و نتيجة هذه المقاربة زج بالمئات في السجون و ازداد الاحتقان. من جهة أخرى فإن ما يلفت النظر هو ازدياد نفوذ رجال الأعمال الذين تعرشوا كراسي السلطة ، و هكذا أمسى " عزيز أخنوش" مقصد الرجال و الأقلام عوض رئيس الحكومة. و إذن فالوضع يبدو على الشكل التالي: -شعب يحتج و يقاوم و يقاطع ، لكنه من دون أسلحة ، لكون الأحزاب استسلمت للريع و نخرها الفساد و اخترقها الريع. – فاعل أمني جوابه غير مجد و غير مشروع على مطالب مشروعة . -رجال أعمال استلذوا كراسي السلطة و فضلوا البقاء فيها للاستفادة أكثر من عطاياها. إنها " بانوراما" مخيفة ، تهدد بزلزال ، كما وقع في دول الربيع العربي . و أمام هذا الوضع المرشح للتصعيد ، و هذه اللوحة القاتمة السواد ، فإن مواقع القرار ، تجزي الوقت ، تارة، في اتهام هذه الحركات الاحتجاجية اتهامات خطيرة ، و أخرى ، تعود لتعتذر لها في محاولة لامتصاص نقمة الجمهور و إيقاف كرة الثلج التي تتدحرج و تكبر. كما أنها تكرس نفوذ رجال الأعمال في الفعل السياسي ، مما يشكل خطرا على السياسة و الاقتصاد. و أخيرا فإن المقاربة الأمنية ، أثبت فشلها في أكثر من مناسبة ثم إنها كانت دائما سلاح العاجز. فإلى متى ستظل هذه المعادلة البئيسة قائمة ؟