سويعات… يناغم بها هدوء الليل.. يستلقي عمر مغمض العينين بالكاد…لكن وجدانه لا يرقد حتما..حتى اذا هلل الصبح بأشعته الأولى..ينهض بحماس ونشاط.. ليرتدي بدلته الجديدة و''البابي''الأزرق الأنيق.إنه صباح 3 مارس..عيد عرش الحسن الثاني…عيد له وقع..وطعم..ولون خاص….. لكن عيد العرش لسنة 1977 كانت لعمر معه قصة وحكاية… كان فيما قبل هذا التاريخ في أعياد العرش..يسرع عمر كل صباح خطاه نحو مدرسة ابن خلدون ليصطف بانضباط في سرية مدرسته المنزه..حاملا بين يديه ما كلف به..صورة الملك..باقة ورد..علم وطني..ويساهم في إنجاح استعراض جميل تلتحم فيه براءة الأطفال بسعادة العطلة والهدنة مع جو المدرسة الصارم…غير مكثرت بحرارة شمس..أوتعب أو زحام…يعيش نشوة عيد العرش…وكفى….. إلا أن عيد العرش لهذه السنة كان متميزا تميزأحداثه ولحظاته القوية….. ذاك أن مدرسة المنزه ومساهمة منها في إبرازمواهب تلامذتها_إلى جانب سباق المدارس الثقافي_ ومشاركة في إعداد كرنفال بديع يتزين به شارع مولاي علي بوغالب التاريخي…عهد لفرقة من التلاميذ أن يجسدوا مؤسسة ''المسيد''كمنطلق لكل مشروع تلميذ ناجح في ذلك الزمن البديع…فانتخب عمر ليتقمص دور الطالب القرآني..في حين عين صديقه الضخم الهيئة ''فقيها''..وأسند لسبعة آخرين أدوار الطلبة المرافقين…وعهد للفرقة أن تتقن تمثيل حفظ القرآن الكريم… ركب الأبطال شاحنة مكشوفة…وأخذت موضعها في الاستعراض… كانت وصية المعلم المخرج ''أحمد الدغاي'' صارمة وجدية..وهي عندما تصل الشاحنة قبالة منصة السلطة وأعيان المدينة ترفع الأصوات عالية بذكر القرآن..في حين يتلعثم عمر في الحفظ فيقوم الفقيه بتأديبه عبر ''تحميلة''رمزية بعد أن يقوم اثنين من التلاميذ الغلاظ بشد رجليه الى الأعلى..نحو الفقيه الحامل لقضيب الرمان……..وقد كان……… وصلت الشاحنة…شهدتها المنصة…شرع الكل في التصفيق إعجابا وتشجيعا…فما كان من التلميذ الذي يجسد دور الفقيه إلا أن تخشع فأخذ القضيب الطويل وشرع في الخبط بكل ما أوتي بقوة على رجلي عمر العارية..والذي انتابته نوبة من البكاء الممزوج بالألم والغموض والحكرة….. الطامة الكبرى هي أن السائق عندما رأى إعجاب الجمهور أوقف شاحنته طويلا إمعانا لتحقيق مزيدا من نجاح المشهد المثير..في حين كان ألم عمر يزداد… وآهاته العصيبة تذوب وسط الضجيج….. ليختتم المشهد الناصع الحزين وبعد جهد جهيد..وبعد تقدم الموكب قليلا إلى الأمام بنهوض عمر مذعورا والاتجاه الى''الفقيه''ليرفسه رفسا و''يشحطه''بنفس القضيب اللعين حتى تدخل المشرفون لاحتواء الوضع …..ليتضح بعد وقت أن للتلميذين حساب قديم…صفاه ''الفقيه''مع ''الطالب عمر'' في صبيحة عيد العرش ……………..بقيت ذكرى…..لن تنسى……