آخر الصيحات السياسية هي التي صدرت عن الحزب الذي فقد بوصلته، تقول بأن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف الأعمال. وما دامت الأعمال هي الأفعال، لما لا نقول بأنها حكومة تصريف الأفعال حسب منطق سبويه ونقطويه. بمعنى آخر، أن جدول أعمال اجتماعات المجلس الحكومي يتضمن لائحة من الأفعال يتم خلال الاجتماع تصريفها إلى الأزمنة الثلاث: الماضي والمضارع والأمر. وكل وزارة تتولى تصريف الأفعال التي ترادف اختصاصاتها أو تسميتها. فأي انحطاط سياسي أكبر من هذا؟ لكنه ليس غريبا عن الحزب الذي اصبح شبيها بالمرأة التي تبتز زوجها، بأن تطلب منه أن يتنازل لها عن نصف ثروته، وإلا ستطلب الطلاق وترتمي في أحضان عشيقها السابق. فلقد ألفت حياة العهر السياسي ولا تحس بطعم ولذة العفاف السياسي. ولما لا وزوجها الحالي لا يطاوعها، والخليل السابق ينتظرها على أحر من الجمر، وما انفك يغازلها من خارج الدار، ويدعوها للالتحاق به بعد أن أخرجته صناديق الاقتراع إلى مزبلة المشهد السياسي. وهو الذيء عندما كان حزبه في الحكومة السابقةء ضل يهدد بالتقارب والتحالف مع الحزب الحاكم حاليا؛ إلى أن ألقي إليه بعظمة عبارة عن حقيبة، وما أن وضع جسمه على أريكة الحقيبة حتى توقفت جلبته وأغلق فاه وراح في نوم عميق لم يستيقظ منه إلا على صوت زجاج صناديق الاقتراع ينكسر فوق رأسه. فاستشاط غضبا، وفتل شاربه وشحذ لسانه ملوحا به في الهواء كأنه سيف بتار سيحرر به قلوب وعقول المواطنين من الظلاميين والرجعيين. وأصبح يقود حملة أشبه بالحملة الصليبية، بل لو كان بالإمكان لأحيى محاكم التفتيش من جديد. كما أنه نصب نفسه وصيا على إرادة الناخبين الذين أوصلوا هؤلاء إلى مقاليد الحكومة، معتبرا أن هذا الزواج هو زواج القاصرين وجب بطلانه لأنه تم التغرير بهم. أو زواج متعة، وقد انقضت مدته. إن ذاكرة الشعب لا يصيبها مرض الزهايمر. والكل يتذكر هذين "الدون كيشوت" وفتوحاتهما البطولية في السابق. فالديمقراطية التي ينادي بها الاثنين تقتضي بأن يترك الشعب يدفع ثمن اختياراته، والفيصل هو صناديق الاقتراع.