عاتبوالمجلس البلدي لعدم تفقد احوالهم خلال يومين متتالين أربكت الأمطار الغزيرة التي شهدتها مدينة القصر الكبير الأسبوع الماضي، سكان حي السلام مجموعة باء، الذين باتوا ليلهم في حالة استنفار قصوى يترقبون ما ستسفر عنه، فمداهمة الفيضانات للحي لم يعد بالأمر المفاجئ لهم، إذ في كل موسم مطير تجتاحهم الفيضانات بل وتتكرر أكثر من مرة في اليوم. ما توقعه السكان حدث الفعل واجتاحت السيول الحي ليومين متتاليين ( الثلاثاء و الأربعاء الماضيين)، حاصرت خلالها العشرات من المنازل وقطعت السبل على المئات من السكان، وأوقفت الدراسة بمؤسسة سيدي عيسى بن قاسم الابتدائية. "المغربية" زارت الحي يوم الجمعة الماضي، للوقوف على أسباب وأثار هذه الفيضانات، وللحديث كذلك إلى السكان المتضررين الذين لم نتمكن من الاتصال بهم في غمرة اجتياح السيول لهم. يرى العديد من سكان المجموعة السكنية باء، الذين تحدثت إليهم المغربية ان الموقع ساهم إلى حد كبير في تعرض الحي إلى فيضانات متكررة منذ سنوات عدة. فهو يوجد بين محوريين طرقيين، شارع 16 وشارع 6 نونبر عبر طريق "الكَشاشرة"، إذ أن السيول تمر عبر شارع 16 ابتداء من حي العروبة مرورا ب"المرينة"، ووصولا إلى الحي، كما تجتاح السيول القادمة في الاتجاه المعاكس بعد ارتفاع منسوب الوديان في الدواوير القروية لتصب هي الأخرى في الحي. تصف فاطمة للمغربية حجم معاناة السكان بقولها:" بمجرد هطول الأمطار بغزارة في الساعة الحادية عشر من يوم الأربعاء، أرسلنا احد المواطنين لتفقد شارع 16 من ناحية "المرينة"، وإخبارنا في حالة حدوث الفيضان وذلك لفتح مجاري الصرف الصحي وتنقيته من الازبال، لكن وقبل وصوله لاخبارنا بحدوث الفيضان فإذا بأحدهم يصرخ بأعلى صوته أن السيول تجتاح الحي من شارع 6 نونبر، وبذلك التقت السيول القادمة في الاتجاهين"، وتضيف أن السيول اجتاحت اغلب دروب المجموعة، لكنها لم تتسرب إلى داخل المنازل بفضل بناء الحواجز الإسمنتية على مدخل الباب، حيث قارب المستوى 50 سنتمترا، لكن السكان الذين لم يقوموا ببناء الحواجز تسرب الماء إلى داخل بيوتهم، في حين تقول سيدة أخرى :"ان مستوى السيول القادمة عبر شارع 6 نونبر فاقت المتر، حيث تسربت إلى منزلها عبر قنوات الصرف الصحي، ومن تحت الزليج وكذلك من الجدران، بشكل لم أعهده في الفيضانات السابقة، فلم اعرف ما افعل حيث تأثر الأثاث بشكل كبير، ولم استطع إخراج إلا القليل منه لأعطيه للجيران، لأنني لا أتوفر على طابق علوي". وإذا كان السكان في عدد من دروب وأزقة الحي، قد استأنفوا حياتهم العادية بعد ازالة مخلفات الفيضان من أزبال ومياه عكرة، فان العشرات من المنازل مازالت محاصرة ليس بالمياه فقط ولكن بالطين والأوحال والأزبال التي جرفتها السيول من القرى، ولا يجد السكان إلا ممرات ضيقة يسلكونها، في حين مازالت بعض الدروب مقطوعة، ما جعل السكان يشقون ممرات بالحجارة لإنهاء العزلة، والتنقل بين وخارج أزقة الحي. وقامت "المغربية" بجولة " داخل هذه المنازل المحاصر هذه الجولة التي يمكن وصفها بالصعبة، لان الانزلاق أو السقوط في الوحل والحفر أمر جد وارد، إذا لم يكن هناك مزيد من الانتباه فالممرات جد ضيقة وملتوية بالكاد يمر شخص واحد، كما أن المرور فوق الحجارة لا يخلو كذلك من مخاطر خصوصا تلك الممتلئة بالطين. وقد التقت خلالها "المغربية" بالعشرات من السكان الذين تحدثوا عن حالة الفزع التي خلفها الفيضان في نفوسهم وعن حجم معاناتهم، ومنهم من اعتبر الحي حيا منكوبا، فلا منازل ولا أثاث ولا طرق صالحة للمشي ولا قنوات صرف صحي، ولا دكاكين بقالة، ولا حتى فرن تقليدي يساعدهم على تقبل العزلة ولو لأيام، فلا شيء أصبح صالحا في الحي بعد أن غمرت الفيضانات كل ما وجدته أمامها، يروي احد السكان قائلا:" يوم الثلاثاء شعرنا بالخوف الشديد جراء ارتفاع مستوى السيول، وقوتها بشكل لم نعهده في الفيضانات السابقة، أمطار العام الماضي كانت أقوى ومع ذلك لم يكن حجم الفيضان بهذا الشكل المخيف...". وعبر السكان في خضم حديثهم عن استيائهم من الوضع المزري الذي يعيشه الحي منذ سنوات عدة، تارة بوضع اللوم على أنفسهم، باعتبارهم مقصرين واعتمادهم على الحلول الفردية ولو على حساب الآخر، وعدم اتفاقهم على كلمة واحدة لمطالبة المجلس بإيجاد حلول جذرية للمشكل العويص التي يعاني منه الحي، وعدم الاكتفاء بالحلول الترقيعية التي تنهار مع كل موسم مطير، وفي نفس الوقت وجهوا انتقادا وعتابا شديدا للمجلس البلدي الذي لم يقم بتفقد أحوالهم وهم يصارعون السيول وتجاهلهم ليومين متتالين، ظل فيها السكان يواجهون مصيرهم دون أي مساعدة، يقول احد المواطنين عاتبا:" المجلس لم يكتفي بأنه لم يقم بأي إجراءات لمنع وقوع مثل هذه الفيضانات، بل تنكر لنا ونحن وسط السيول ننقذ ما نستطيع إنقاذه من التلف، ولم يقدم لنا المساعدة ونحن في أمس الحاجة إليها بعد أن حاصرتنا السيول ليومين ونحمد الله أنها داهمتنا صباحا، كما ألوم المجلس لأنه رغم ما حدث لم يقم واحد من أعضائها بتفقد أحوالنا وهل نحن بخير.." وأضاف أنهم لو لم يطالبوا جلب الجرافات لحفر قنوات تسهل مرور الماء المتجمع في الدروب وفي المساحات الفارغة لما أرسلها المجلس. وفي نفس الإطار قال احد المواطنين الذي ما زال هو وأسرته منهمكا في إزالة أثار الفيضان :" بلغ مستوى الماء المتر يوم الأربعاء، منذ ذلك اليوم ونحن نتصل بالمجلس لإرسال الجرافة من اجل حفر منفذ للماء ولم يستجيبوا إلى بعد ظهر يوم الجمعة، وما زال الطابق الأرضي مملوءا بالماء..". استئناف الدراسة مازالت مدرسة سيدي عيسى بن قاسم محاصرة كذلك بالمياه والأوحال، ومع ذلك تم استئناف الدراسة بعد تراجع للمياه، والطريق الوحيد للوصول إلى باب المدرسة، هو ممر وحيد وضيق معد بالحجارة، رغم ما يشكله هذا الممر من خطورة على التلاميذ. ولعل هذا ما جعل البعض يرافق أبناءه إلى المدرسة، فيما فضل البعض الآخر الإبقاء على أطفالهم في البيت.