كأحد أبناء المدينة تعرفت على عبد السلام الغريسي يافعا بين ملتويات السياج القصبي بملعب دار الدخان ، كان تلقائيا ، مرحا ، نشيطا في خجل ، طويت الأيام طيا ، صال عبد السلام في ملاعب كرة القدم وجال ، ألتقيه من حين إلى آخر ، نفس عبد السلام اليافع يسكن في الرجل وقد استوي على الخمسين ، أتصل به مؤخرا ، فاتحته في موضوع سلسلة تروم تقديم أبناء القصر الكبير إلى القراء والمتابعين وهو الغني عن التعريف ، التمس مني قطع الاتصال ، بعد هنيهة يتصل بي وكأني بطائر ناذر ، يحكي ويقص ويفصل بفرح ، بحزن ، بشغف ، بحسرة ، بحبور ، ساعتان إلا ربع جال بي عبد السلام بين دروب ذاكرته الموشومة ، لتوجز قصة نجم . رأى النور بدار الدخان بالقصر الكبير سنة 1962 ، من أسرة بسيطة ربها عامل ب " طاشرون " ، عبد السلام سيتهرب من فضاءات المدرسة مبكرا لأن معشوقته المستديرة لم تكن لتدع له تفكيرا في سواها ، والده رحمة الله عليه لا يعلم عنه سوى أنه لا يحضر الفصل ، يتحين الفرصة للانقضاض عليه وتأديبه ، الطفل عبد السلام يسيح في الأراضي الشاسعة ويخوض سبع مقابلات في اليوم ، يقتنع الوالد أخيرا مع تدخل أهل الكرة والعارفين بسحرها فيزول الضغط على عبد السلام وتبدأ الرحلة السعيدة الحزينة ، تورنوا دار الدخان ، تورنوا الطروفيو ، التعرف على السيد الحبودي صاحب فرقة الحص بمعية الدومي مصطفى والحكازي وآخرين ، صار الطفل يذاع صيته ، لم يكن له حذاء رياضي بل كان يعمد إلى أن يصنع من البوط البلاستيكي الأسود حذاء يقيه خشونة الأرض وأرجل اللاعبين قبل أن ينتعل الباهية ، يزاوج عبد السلام بين اللعب والعمل في ورشة بناء ، الأسرة تنتظر معيلا آخر ، يشتهر عبد السلام فالتورنوا ، كان محمد الشرقاوي معه وبفريق النادي القصري كان يلعب كل من الهادي السبيتوي الأمين وحسن بيلوط صغيرا ، وأيضا العلاكي الديكي غيلان وحميد ولد الحبيب ، عبد السلام مكلف بجلب الكرة الطائشة وهو ابن السابعة عشر سنة ، النادي يقترح الجينيور فتم جمع لاعبي الحص بقيادة الحاج الدريبي في 1979 فيلعب بالجينيور ، ينادي سي عبد الكريم علوش على عبد السلام وحده ليلعب في صفوف فرقة النادي القصري الأول بقميص يحمل 10 ، يمكث اللاعب في الاحتياط وعندما تشتد الأمور على الفريق يكون هو المنقد ، يأخذ رسميته ، في مقابلة السد للصعود الى القسم الثاني ضد فريق البنك الشعبي طنجة سيخسر النادي المقابلة لكن أعين الطنجاويين ستلتقط عبد السلام ويصبح لاعبا في فريقها صحبة ولد الحبيب ، المرحوم بليندة مدرب المنتخب الوطني للجينيور سيختار عبد السلام رفقة الحداوي وحسن نظير وعزمي وخيري ، يبلي الشاب البلاء الحسن ، الفريق العسكري سيخطب ود اللاعب الغريسي ويقدم له عرضا محفزا من حيث العمل في الدرك الملكي ومحفزات أخرى ، 1982 ستكون انطلاقة عبد السلام على الصعيد الوطني ، 1983 الغريسي هداف البطولة ، موسم 85/84 بالتحاق فاريا سيفوز اللاعب مع فريق الجيش الملكي بالبطولة وكأس افريقيا ، في هذه الفترة المتوهجة سيلتحق الغريسي بالمنتخب الوطني ، لن يلعب بالفريق في 1986 في مكسيكو بدافع الإصابة ومشاكل أخرى وسيعود إليه الى متم 1994 . لعب الغريسي للجيش وريان القطري والرجاء فالجيش مرة أخرى وفريق سويق العماني . تلك قصة نجم مثابر عصامي انطلق من أسرة بسيطة جدا ، كتب له أن يرسم على الملاعب الخضراء أحرفا من ذهب وينسج شهرته على مهل تحت أعين الحاسدين وقت النجاح والشامتين وقت الانكسار ، لكن كان في عبد السلام الغريسي طموح لاعب مؤمن بقدراته ومواهبه ، كما قال أنه لم يكن يعرف غير الكرة والملاعب وقد كان له ذلك حتى وقف بجانب الحسن الثاني يوما بالقصر الملكي مستعدا للالتحاق بأصدقائه بمكسيكو كوافد شرف رفقة خالد الأبيض ودحان وهيدامو ، يستمع لوصية الملك للاعبين المرابضين بمكسيكو 86 ، توكأ الملك على كتف الغريسي وقال له : كنت أتمنى أن يتقابل المنتخب مع الدانمارك ، ألا وإننا سنتقابل مع ألمانيا فبلغوا سلامي للاعبين المغاربة وأبلغوهم رضاي فقد قاموا بالواجب وأكثر ، تلك كانت لحظة فارقة . سي عبد السلام يروقه لعب أحمد فرس والظلمي ، وغناء عبدالهادي بلخياط وتمثيل محمد خويي . سي عبد السلام يعشق مدينة القصر الكبير لأنه منها انطلق وإليها يعود ليعانق أهلها وأحلامها . أراك صديقنا الإنسان موهبة شقت طريقها بثبات نحو النجومية الوطنية والدولية ، ورفعت رؤوسنا كثيرا ، شكرا لك عبد السلام الغريسي . حفظك الله ورعاك ، وألبسك ثوب الصحة والعافية .