لم يكن ذلك التردد على الكنيسة كافيا لخلق الطمأنينة في نفسه ،فاضطر الرجوع إلى الكتاب المقدس و تعاليم دينه. توقف طويلا عند الخطيئة في الدين المسيحي ،فوجدها تفيد عداوة الله و تعني كذلك الانسياق وراء الذات أو الانقياد وراء الشهوات كما دعاها القديس :” أوغسطينوس”. و تأكد أن الخطيئة الأصلية هي خطيئة الإنسان عندما تمرد ” آدم ” في جنة ” عدن” و ارتكب عصيانه بأكله من الشجرة المعلومة. و إذن بهذا المعنى ، فالخطيئة هي التعدي على القانون و هي الانصياع لإرادة الذات بلا رادع و لا قيد من الله. و أنه للتصالح مع الذات و مع إرادة الإله ،فلا بد من عقاب على هذا النوع من التمرد. عاش ” ريكاردو ” تجاذبا و صراعا وجدانيا بين إغراءات العري و خطيئته المرتكبة . و نتيجة للقلق و التصدع النفسي الذي كان يعيشه،أهمل ملبسه، و عفا عن لحيته ،و انقطع عن الكلية و المختبر ،و بدأ يتردد على ضفاف ” النهر الكبير ” و الروابي الخضراء المحيطة بمدينة ” إشبيلية” ،و خيل له ،أنه يسمع أصواتا من السماء تنذره بعاقبة سلوكه المشين و أن عليه أن ينال العقاب الذي يستحقه. و لن يكون العقاب إلا على العضو الذي تمادى في ارتكاب الخطيئة. و في إحدى الصباحات الخريفية،أستيقظ ” ريكاردو ” من نومه ، وبدأ يسمع ثانية ذاك الصوت القوي يتردد صداه في كل الأركان و الأرجاء يصيح : ” ريكاردو، ريكاردو… افقأهما ،افقأهما ترتاح و تنال رضا الرب و تكفر عن الخطيئة “. قادته خطاه دون انتباه منه إلى تل صغير ،كان يلجأ إليه في شبابه للتأمل و مراجعة الذات و التفكير والتمحيص في الأطاريح العلمية . كان ذلك التل يطل على المدينة ،فيما كانت مياه النهر تنساب رقاقة بالقرب منه. صعد ” ريكاردو ” إلى قمته، و كان ذلك الصوت السماوي الغريب ،لازال يردد نفس الأمر للتفكير عن ذنبه : ” ريكاردو ، ريكاردو………افقأهما ! افقأهما !” أدخل أصبعيه في عينيه ،و فقأهما صائحا: “ها أنذا قد تحررت من رؤياي و خطاياي، بفقإ عيناي …” ظل هناك تائها ،و الدم يسيل على خديه ، يسقط أرضا ،كلما حاول الخطو، لأنه كان قد أصبح أعمى.