يسألونك عن هذا الشاعر، قل هو محمد الصادق الشاوي، ابن مدينة القصر الكبير ( شمال المغرب ) ، ( تعتبر أول حاضرة في المغرب ما زالت قائمة… وقد كانت مهبط رجالات العلم والفكر والتصوف في افريقيا الشمالية في مختلف العصور) (1) . وهي مدينة العلماء والفقهاء، والكتاب والأدباء ، والمثقفين والشعراء، المدينة التي أثرت فيه وعلمته صناعة الحرف، ومهنة الكلمة، وقول النظم، فعكف على تكوين ثقافته الأدبية والشعرية ، وصقل موهبته الشعرية بالاطلاع على دواوين الشعراء قراءة وحفظا. الشاعر الذي بدأ قول الشعر وهو في ريعان شبابه ، وبدأ نشر مجموعة من قصائده ببعض الجرائد والمجلات المغربية والعربية ، منها مجلة دعوة الحق ، ومجلة رسالة الأديب ، ومجلة المشاهد ، ومجلة الأطلس المصورة ، وغيرها . وذلك خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، ضمن أسماء فحول الشعر المغربي . وشارك في اللقاءات الأدبية والمسابقات الشعرية في عدة مدن مغربية ، فظفر بمجموعة من الجوائز، فذاع صيته ، واشتهر إسمه ، فأصبح علما من أعلام الشعر المغربي والعربي . شاعر بما يشعر، وصادق في عاطفته ، وصريح في أقواله ، ومخلص في كتاباته ، ووثني في وطنيته ، تألق نجمه في عالم الشعر ، وأمسى من رواده ، فالبيت والعجز والصدر يعرفه ، والقافية والروي والأوزان تعلمه . فهو الشاعر الذي عشق ربة الشعر فمنحته أجمل ما عندها في قبيلة فنون الشعر، المرثيات والعرشيات والغزل والهجاء وغيرها من فنون الشعر، فكانت تخر له ساجدة الكلمات ، وتتحول إلى شعر ونغمات ، فقصائده تشهد أنه شاعر كل الفنون ، تألق وصعد في درجات الشعر، وحافظ على مكانته الشعرية، وهو واثق من نفسه ومن شاعريته ، فسجل إسمه ضمن الشعراء الكبار، رغم أن قول الشعر ليس بالمعادلة السهلة ، وقد قال في الشعر قصيدة تحمل عنوان ” ظلموا الشعر”، منها هذه الأبيات: هو علم فلا يحد مداه هو روح لم يغفلن مجالا وبحور من الكنوز رواها تشرح النفس قدرها يتعالى هو ذخر ومورد وشموس تنسج الكون بهجة وجمالا هو للآخر ساحر لا يجاري هو للعين ذرها يتلالا أيها الراكضون خلف سراب بفكر لم يلبسوها نعالا لغة العرب كائن أزلي وغناها علا اللغات مثالا ظلموا الشعر قيدوه ببيت وأتوا ما أتوه فيه افتعلا وكذلك يقول الشاعر الحطيئة (توفي سنة 59ه/679م): الشعر صعب ، وطويل سلمه ، إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه زلت به إلى الحضيض قدمه، يريد أن يعربه فيعجمه. اهتم بالشعر والشعراء وخاصة الناشئة منهم ، فكان لا يبخل عليهم بإرشاداته وتوجيهاته الصادقة والصريحة ، سواء من قصده مباشرة أو عن “ركن الشعر” الذي كان يشرف عليه بمجلة الأطلس المصورة ، التي كانت تصدر خلال السنوات الستينية من القرن الماضي . كان عضوا ومن المؤسسين لجمعية ” أصدقاء ابن حزم” بمدينة القصر الكبير، التي تأسست سنة 1965م ، ومن أعضائها : المرحوم عبد السلام الطريبق(1933- 1978م) ، الذي كان يرأسها ، والمرحوم بوسلهام المحمدي (الحلوفي)(1936- 2009م) ، الذي كان أول كاتب عام لها ، والمرحوم عبد القادر الساحلي (1919- 1982م) ، والمرحوم محمد الخمار الكنوني (1941- 1991م) ، وحسن الطريبق ، وجعفر الناصري . وهي من الجمعيات التي كانت نشيطة في المجال الثقافي والفكري، وقد ألف كتابا من الحجم الصغير، طبعه على آلة الستانسيل ، يحمل إسم ” التعريف بابن حزم ” وقدمه هدية للجمعية ، لتستفيد من مبيعاته ، وذلك بمناسبة الموسم الثقافي الذي نظمته الجمعية . وقد قامت الجمعية بعدة أنشطة ومهرجانات ثقافية . منها استدعاء الشاعر الكبير السوري نزار قباني ( 1923 – 1998 م) سنة 1965م ، إلى مدينة القصر الكبير بتنسيق مع اتحاد كتاب المغرب الذي كان يرأسه المرحوم محمد عزيز الحبابي (1922- 1993م) . وقام الشاعر محمد الصادق الشاوي بتقديم الشاعرالكبيرالضيف نزار قباني للجمهور الحاضر، وذلك بمسرح بيريس كالدوس، وهو إسم لروائي وكاتب إسباني (10/05/1843- 04/01/1920م) ، بكلمة ترحيب تقول : ” ليس لي ما أستطيع أن أقدم به إليكم الشاعر الكبير الأخ نزار قباني سوى بيت شعر لا زال في المخاض : ” خلعت عليك حياءها الأفكار × وفخار شعر العصر أنت نزار” . تم ألقى قصيدة تحمل عنوان ” قيثارة الحر” ، وهي قصيدة رائعة وجميلة، وأنها لم تنشر قط،، وقد زودني بها الشاعر نفسه، يقول في مطلعها : يا حياة الحر يا قيثارتي مزقي الحجب وعري ذلتي إن في الدرب لقيدا نتنا يصم القلب ويدمي شفتي وفؤادي، دمدمات ولظى يتحدى العقبات الصلدة ولما توفي الشاعر نزار قباني رثاه مجموعة من الشعراء، من ضمنهم الشاعر محمد الصادق الشاوي بقصيدة ” أنت عنوان الهوية ” يقول مطلعها : (1) لم تمت… ! ! لكن… !! رحلت …. عن الدنيا…. ! ! الدنية، أنت أخلد منها…. أنت أبقى…. ! ! أنت أبقى من سلاحات المنية، بعدما يطوي الفنا… كل طاغ.. كل طاف..! طحلبا… حاول تكدير بحار… قدسية رغم وفرة قصائد الشعر التي صدرت عن الشاعر محمد الصادق الشاوي ، في مختلف المراحل وفي عديد المواضيع ، منها ما هو منشور، وما هو غير منشور، وهي كثيرة ، وأنه لم يعمل على تجميعها في ديوان أو دواوين . حبذا لو عزمت إحدى الجمعيات بمدينة القصر الكبير وتكرمت بجمع أشعار هذا الشاعر ونشرته ، فتسدي خدمة لأهل الشعر، وتضعه بين أيدي المهتمين والدارسين للشعر المغربي . ولا يضيع ويصبح في عالم النسيان والإهمال والتهميش . وكما يقول الشاعر المتنبي : على قدر العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم . أما في مجال المنثور والصحفي، فقد كتب محمد الصادق الشاوي العديد من المقالات التي تتناول بالتحليل المتزن والنقد البناء، القضايا والظواهر الثقافية والاجتماعية والسياسية ، ونشرها في مختلف الصحف والمجلات ، بأسلوب جميل ، وعبارات واضحة ، نظرا لما يتمتع به من ثقافة واسعة، ولغة عربية متينة ، وأخلاق حميدة . توفي يوم الأحد 26 يوليوز سنة 2015 م . بمدينة القصر الكبير . رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته . المراجع : 1 ) عبد العزيز بنعبد الله : القصر الكبير أول حاضرة في المغرب . مجلة المناهل، العدد 1، السنة الأولى، سنة 1974، ص: 43. 2 ) الراحل محمد الصادق الشاوي . وشائق شخصية .