عبد السلام بن محمد بن المختار القيسي الحسني * ولد بمدينة القصر الكبير يوم الأربعاء 22 جمادى الأولى عام 1349 ه موافق ل 15 اكتوبر سنة 1930م . * تلقى تعليمه الأولي في كتاب الفقيه الجليل السيد محمد الغافقي الجزار رحمه الله بحي القطاني وهو من عائلة والدته، فحفظ به أجزاء من كتاب الله العزيز . * كان من أوائل الملتحقين بأول مدرسة حرة أسسن بالمدينة وهي المدرسة الأهلية الحسنية بحي سيدي قاسم بن الزبير بفندق بنيس سنة 1939 م . * تلقى بها دراسته الابتدائية على ثلة من الأساتذة المخلصين الذين تطوعوا لتعليم تلاميذ المدينة الذين نالوا الشهادة الابتدائية صيف سنة 1944. * تابع دراسته وحفظ القرآن والتحق لإتمام دراسته بالمعهد الديني الذي أحدث آنذاك وكانت الدروس تلقى بالمسجد الأعظم بالمدينة من طرف علماء الوقت الأجلة . * التحقق بالتدريس بالمدرسة الأهلية لتي تعلم وتربي بها وذلك سنة 1948 م . * دخل ميدان النضال الوطني ضد الإستعمار فأطر الشباب وأسس النقابة وأشرف على الكشفية الحسنية وخاطب وحاضر في المناسبات الوطنية . * اضطهد بأفكاره ونشاطه وأوذي في سبيل عمله من رف الاستعمار وأعوانه . * تولى ادارة المدرسة الأهلية التي يعمل بها الى أن أدمجت في التعليم الرسمي مع معظم أطرها . * بعد إعلان الاستقلال تقلد وظيفة الكاتب الأول بالباشاوية ثم انتقل للعمل بالبلدية فنظم الأقسام بهما وعرب مرافقها وعمل على ملء الفراغ الذي تركه الأسبان بعد رحيلهم. * منح وسام الرضى من الدرجة الأولى بكتاب حسني سنة 1973 . * عين خليفة بالباشاوية، ثم رقى للدرجة قائد سنة 1979م . * عمل بجد وتضحية وإخلاص ووفاء لمهامه في سبيل الصالح العام إلى أن وصل سن التقاعد سنة 1990 م . * يواصل الآن مسيرته في اكتساب العلم والمعرفة في راحة ضمير ونقاء سريرة، معترفا بفضل الله عليه شاكرا لنعمه إلى أن يحين أجله إن شاء الله . وبالرغم من أهمية المعلومات الواردة في هذه الترجمة، إلا أنها – في ظني – معلومات مقتضبة، سريعة، لا تطفئ ظمأ القارئ المتعطش لمعرفة شتى الملابسات التي وسمت المراحل التي عاشها أستاذنا. وكم سيكون مفيدا لو مل على إعادة كتابتها بتفصيل ونشرها في كتاب خاص . إن هذه الكتابات، لو قدر له أن تنشر بالرغم من كونها ستتحدث حتما عن مسار الحياة الخاصة لصاحبها، إلا أن الأساسي فيها هو ما تحفل به معطيات تمس الذاكرة الجماعية . ويستنتج القارئ من تلك الإشارات العامة، أن مراحل ثلاثة ميزت حياة الأستاذ القيسي وهي كالتالي : أولا : مرحلة التكوين والتثقيف : وتبتدئ حينما سيلتحق بالمدرسة الأهلية الحسنية، وكانت المدرسة الأهلية الحسنية إضافة إلى دورها التعليمي معقلا للتربية على حب الوطن والعمل من أجل النهوض به . إنها مرحلة غنية بالرجال والأحداث . ومن خلالها سيقف القارئ على صورة التعليم بالمدينة بفضل الدور الفعال الذي قام به ثلة من العلماء الأجلاء والذين على أيديهم قلمت نهضة علمية في رحاب المسجد الأعظم وفي الجامع السعيد. إن أساطين الجامع الأعظم لخير شاهد على عدد الشيوخ الذين مروا بهذا الصرح العلمي الشامخ. وكل عالم منهم يمثل نموذجا إنسانيا متفردا، وإحياؤه واجب علمي. ثانيا : مرحلة النضال الوطني ضد الاستعمار : وله في هذا المجال نشاط جدير بأن يماط عنه اللثام . وبين يديه من الوثائق والمستندات ما يساعد على إلقاء الضوء على ما خفي من الزوايا. ثالثا : مرحلة حصول المغرب على الاستقلال : حيث سيتقلد منصب الكاتب الأول بباشاوية القصر الكبير وسيظل بهذا المنصب إلى حدود سنة 1979 حينما سيرقى إلى درجة قائد . وهذه المرحلة هي الأخرى حافلة بشتى الأحداث والملابسات . ولعله من حسن التوافق أن يكون التاريخ الشخصي لأستاذنا أو الجزء الأكبر منه، هو صورة من تاريخ القصر الكبير في عصرها الحديث، سواء على المستوى الثقافي أو السياسي أو المجتمعي. ولا يعزب عن البال أن أفضل من يكتب عن الأحداث هو من عاشها، إذ ليس من رأى كمن سمع . إن ما بحوزته من وثائق ومستندات، باعتباره أحد الفاعلين الأساسيين في صيرورة التاريخ الحديث لهذه المدينة، سيجعل لما سيكتبه أهمية بالغة، إذ سيتماهى عنصر ألحكي السر ذاتي مع وقائع وأحداث هي خارجة عن لذات ومرتبطة بها في نفس الآن . وكثيرا ما فاتحته في لموضوع فكنت أجد عنده بعض التردد. تواضع العلماء الذين يستنكفون الحديث عن دواتهم، وليس أستاذنا وحده من استنكف الكتابة عن نفسه ولم يتحمس لها. فجل الأسماء الواردة في هذا الكتاب لم يسع أصحابها لكتابة مذكراتهم ونشرها. وذكرني موقفه هذا بموقف مماثل لأحد رواد الفكر العربي في العصر الحديث، أعني به الأستاذ أحمد أمين. فقبل أن يشرع هذا المفكر في الكتابة عن حياته تساءل: " ما للناس و (حياتي) ؟ لست بالسياسي العظيم، ولا ذي المنصب الخطير، الذي إذا نشر مذكراته، أو ترجم لحياته، أبان عن غوامض لم تعرف، أو مخبآت لم تظهر فجلي الحق وأكمل التاريخ، ولا أنا بالمغامر الذي استكشف مجهولا من حقائق العالم، فحاول وصفه وأضاف ثروة إلى العلم، أو مجهولا من العواطف – كالحب والبطولة أو نحوهما فجلاه وزاد بعمله في ثروة الأدب وتاريخ الفن – ولا أنا بالزعيم المصلح المجاهد، ناضل وحارب، وانتصر وانهزم، وقاوم الكبراء والأمراء، أو الشعوب والجماهير، فرضوا عنه أحيانا، وغضبوا أحيانا . وسعد وشقي، وعذب وكرم، فهو يروي أحداثه لتكون عبرة، وينشر مذكراته لتكون درسا. وفي الكتاب الذي ألفه الأستاذ القيسي المعنون ب : " مدينة القصر الكبير تاريخ ومجتمع ووثائق " نفحات مما أشرت إليه، ففيه صفحات مشرقة من أيام عاشها المؤلف تجاوب فيها الشخصي بالوطني كأقوى ما يكون التجاوب . صفحات شدتني إليها بقوة. فعن الدور ألطلائعي لمدينة القصر الكبير في الميدان الوطني نجده يؤرخ لحدث المظاهر التي قامت بهذه المدينة عقب إعلان اتفاقية ثاني مارس 1956 بين لمغرب وفرنسا والتي تعترف بموجبها فرنسا باستقلال المغرب . عن هذه المظاهرة كتب ما يلي : " وكانت المظاهرة التي نظمت بمدينة القصر الكبير من أكبر المظاهرات التي نظمت بالشمال يوم الاثنين 05 مارس 1956 شاركت فيها أعداد كبيرة من شباب المدينة ورجالها. وكانت تلقائية حماسية لم تؤطرها أحزاب و لا هيئات سياسية. انطلقت من ساحة الجامع الأعظم بالسوق الصغير ، وهناك تصدت لها قوات الشرطة وأعوان الاستعمار بإطلاق النار على المواطنين، فسقط هناك عدد من القتلى وعدد كبير من الجرحى، ورغم هذا التصدي استطاعت المظاهرة قطع شوارع المدينة، وانقلب الأمر من مظاهرة ابتهاج بالاستقلال إلى المطالبة بإعلان استقلال الشمال وسقوط الاستعمار الإسباني. وقصدت المظاهرة مقر المراقبة الإسبانية بساحة الولي الصالح مولاي علي بن غالب، وهناك تصدت لها قوات أخرى من الشرطة والأعوان بإطلاق النار، فسقط عدد آخر من القتلى والجرحى، وبعد تفريق المظاهرة عمت المدينة موجة من لرعب والإرهاب الإسباني، فأعلنت حالة منع التجول وألقي القبض على عدد من المواطنين " وفي فصل آخر نجده يقدم لنا وثيقة هامة تتعلق بأسماء ضحايا الاعتداء الآثم ليوم 05 مارس 1956 بمدينة القصر الكبير وعددهم 25 وهو " ما استطاعت لجنة الإسعاف بالعطارين الحصول عليه " . وتضمنت هذه القائمة معلومات عن الضحايا من حيث السن، والمهنة، ومحل السكن والحالة العائلية 152. وعن حدث – زيارة جلالة المغفور له محمد الخامس يوم تاسع أبريل بعد عودته من إسبانيا، جاء دور مدينة القصر الكبير، التي شرفها بزيارته يوم الثلاثاء 10 ابريل .1956 ومنذ أن حل جلالته بإسبانياوالمدينة تستعد لهذه الزيارة الميمونة وقد بدت المدينة في ظرف وجيز في مظهر خلاب ومنظر بهيج، فشوارعها نظيفة، وجدرانها يضاء ناصعة، ومبانيها رفعت عليها الأعلام الوطنية، وزينت ساحاتها بالأضواء واللافتات المعبرة عن الترحيب الحار، وتجديد الولاء والإخلاص لعاهل البلاد، أما المواطنون بها فقد لبسوا أحسن الثياب وعمروا الجهات المحيطة بالمدينة سهولها وجبالها، كما نصبت عدة أقواس مزينة بالأضواء والأنوار والألوان عند مداخل أهم شوارعها، ونصبت في ساحة مولاي المهدي - أكبر ساحات المدينة – منصة كيرة جهزت بما يلزمها من معالم الزينة والبهجة، وعلت بشائر الفرح والسرور وجوه لسكان جميعهم وخرج الشباب وتلاميذ المدارس عن بكرة أبيهم يؤطرهم أساتذتهم ومعلموهم وهم ينشدون الأناشيد الوطنية والكلمات الحماسية بالتحايل والتهاني لقائد لبلاد . أما الأجواق الموسيقية العصرية منها والتقليدية، فقد زادت احتفالات الشعب ألقصري بهجة وحماسا ، كل المظاهر أعدت وهيأت في جو من التلقائية والنظام والانضباط " . ويصف أقوى لحظات هذه الزيارة . لحظة وصول الموكب الملكي : " في هذا الجو الرائع الباهر استفاقت المدينة باكرا يوم 10 ابريل استعدادا لاستقبال حبيبها وملكها محمد الخامس الذي كان في الطريق إليها، وبعد الزوال بقليل بدت طلائع الموكب السعيد، فخرج المواطنون عن شعورهم، وتعالت الأصوات بالهتافات والتحيات من كل مكان، فكانت، لحظات من أروع اللحظات ومشاهد من أبدع المشاهد ، وتزاحم الكل في كل الطرقات التي مر بها الموكب لملكي، آملا في الحظوة بنظرة ي وجه صاحب الجلالة وهو على سيارته البيضاء المكشوفة، وكان جلالته يقابل هذا الحماس وهذا الابتهاج بالابتسامة والتحية بيديه الكريمتين، مما زاد المواطنين حماسا في استقبالهم، وكان دخول جلالته من ساحة مولاي المهدي حيث نصبت المنصة الرسمية، إلى شارع سوق سيدي أبي أحمد فالساحة التي تحمل نفس الاسم ثم الرجوع من نفس الشارع " . 152 – أنظر " كتاب مدينة القصر الكبير تاريخ ومجتمع ووثائق " . ويقف الأستاذ القيسي ليسجل أن اللوحة الرخامية التي تحمل اسم شارع محمد الخامس كان هو نفسه من خططها، ولعل لقليل من ساكنة هذه المدينة من يعرف ذلك . " وأمام بناية إدارة الأحباس توقف الموكب الملكي، لتدشين الاسم الجديد الذي أصبح معروفا ه، وهو شارع سيدي محمد الخامس، فوقف في سيارته وتقدمت إحدى تلميذات المدرسة الأهلية الحسنية باقة كبيرة من الزهور والورود وهي التلميذة فاطمة العلمي ، قدمها إلى جلالته دير المدرسة الأهلية الأستاذ أحمد الجباري بعد أن سلم عليه بتقبيل يديه الكريمتين، وبعد ذلك أزاح الستار عن اللوحة الرخامية التي تحمل اسم الشارع، باسم الملك الكريم " سيدي محمد الخامس " وكان المواطنون يشهدون هذا المشهد العظيم وهم في حماس متأجج قل نظير . وللذكرى فإن هذه اللوحة كان كاتب هذه السطور هو من خططها وكتب حروفها ورسم على جانبها مشعلا يحمل شعلة متوهجة، تعبيرا ورمزا لمشعل الاستقلال والوحدة الذي حمله لعاهل لشعبه الوفي ". آثرت الإتيان بهذا لفصل كاملا، لما له عندي من أهمية، ولما يمثله من حس توثيقي امتاز به الأستاذ عبد السلام القيسي. * كتاب أعلام وأقلام من القصر الكبير في العصر الحديث. تعليق الصورة: غلاف الكتاب. شروط التعليقات الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن وجهات نظر أصحابها وليس عن رأي ksar24.com