صف لي أيها الشعب المؤسسات التي عندك أحسب لك عمرك الباقي ! عبدالقادر الهلالي يكتب: ثقافة المؤسسة: 1- من السهل ان نجد مدخلا لأي موضوع، المدخل يكون دائما من الخارج، نحن نبحث أصلا عن مخرج، يكون من داخل المؤسسة أفضل، يكون من ثقافة المؤسسة (الثقافة هي القيم المشتركة) ، يكون هذا نهاية ما نصبو اليه. ينبغي بداية التنويه بأن الثقافة المؤسسية تعد امتدادا للثقافة المجتمعية السائدة وبالتالي فإن سلوك الفرد الوظيفي لا يتولد من فراغ وإنما هو نتاج السلوك المجتمعي سلبا أو إيجابا، الدول المتخلفة تمتلك ولأسباب تاريخية وثقافية عناصر تخلفها، قد نفترض مثلا انه توجد قابلية للفساد الإداري والسياسي. العلاقة السببية بين التخلف والفساد (من سبق البيضة أو الدجاجة؟). كذلك نتقاسم قيما موروثة أو هجينة تشكل منظومة القيم المشتركة. هذا المدخل ينفع كمدخل أكاديمي لهذا الموضوع: ثقافة المؤسسة. وإذا أَمَّنَا على هذا التعريف لثقافة المؤسسة: القيمة هي قياس ما هو مهم، (اذا كان قيمة قابلة للقياس) أو ترتيب مصفوفة القيم، القيمة، فالقيمة التي تليها في الأهمية الى أن نصل الى القيمة الاهم،القيمة التي تأخذ المرتبة الأولى من حيث الأهمية هي : قيمة النجاح، ثم نصل بعد ذلك إلى المعتقدات (أي طريقة فعل الأشياء بشكل مجرد) التي تتفاعل مع الأشخاص داخل المؤسسة ومع البنية التي تقوم عليها هذه المؤسسة وأنظمة التحكم والمراقبة لكي تعطي بالتالي قواعد عامة للسلوك (أي الطريقة التي نفعل بها الأشياء تحديدا هنا والآن). ثقافة المؤسسة تبدأ بالتأسيس، هل شاهد أحد مؤسسة تسير كقافلة رحل؟ هل نطلب من قائد رَحَّالٍ أن يكون قائدا مُؤَسِّسًا؟ نمط العيش الترحالي mode nomade) (هو النظام. مؤسسة صفر. ثقافة المؤسسة مؤشر لتقدم الأمم: أومن أن من أسباب تخلفنا هو أن المؤسسة لم تنهض في بلادنا، ولم تغير شكلها البدائي. نحن لم ندخل عصر المؤسسة، نحن من الشعوب التي تأخرت نهضتها لأن مؤشر المؤسسة عندنا منخفض جدا، نحن من هذه الأمم التي مازالت لم تتخطى تقريبا عتبة المؤسسة درجة الصفر في سلم النمو المؤسسي. هناك ترابط مفصلي بين الأدوات المختلفة المتحكمة في الأدوار والسلوكيات، وكفاءة وفعالية الأداء، لابد أن نكون على وعي بما تمارسه المحددات القيمية والفكرية والسلوكية من تأثير على تطوير أداء العاملين، اذا كانت المجاعات والحروب هي الآلية الطبيعية لتوازن العمران فوق الأرض بسبب أن إمكانيات هذا الكوكب محدودة وغير متجددة، وهي أيضا آلية الانتخاب الطبيعية لتحديد الأطلح (مقابل الأصلح على سلم الرقي والتطور)، المرشح للانقراض والموت، كما نقول مات الفأر، نقول انقرض جنس الفئران. التنظيم المؤسساتي امتحان آخر في مادة التطور، هنا حظوظنا في النجاح تبقى هي الأقل الآن. لا نقول هنا مات شعب لأن الشعب لا يقارن بالفأر ولكن بجنس الفئران. نحن شعوب عجزت عن أن تكون لها مؤسسات، نحن إذن شعوب بدائية،وإذا أضفنا: نحن شعوب خرجت إلى العالم على نمط العيش الترحالي . بمقياس المؤسسات، نحن في درجة القبائل الرحل.المؤسسة صفر. كم من الأجيال بقيت في عمر مملكة الرحل؟ )الوحدة التي يقاس بها عمر الشعوب هي الجيل) . ، نقول اذن صف لي أيها الشعب حالة المؤسسات التي عندك، أحسب لك كم جيلا ستعيش قبل ان تنقرض تماما ! ثقافة المؤسسة من ثقافة المحميات أيضا 4- مازلت أبحث عن المخرج، الإنسان يحتاج إلى غذاء لكي يحيا والى أمن لكي يستمر في الحياة. البحث عن الأكل الذي قد يكون طريدة يطاردها أو مرعى يرحل إليه ولكن من أجل حياة آمنة صنع الإنسان المحميات لحماية الطبيعة. المحمية هي المؤسسة الأولى التي صنعها الإنسان وثقافة المؤسسة هي المحمية الثقافية لحماية المؤسسة نفسها، إن الشعوب التي استطاعت أن تؤسس لثقافة مؤسسية إبداعية هي التي استطاعت أن تحقق نموذجا تسييريا متميزا، أما تلك التي اتخذت مسلكيات غير دقيقة وغير منهجية فهي التي شاعت فيها ظواهر سلبية انعكست فيما بعد على هذه المؤسسات، عندما نتحدث عن الابداع، نبحث عنه خارج ماهو سائد، ولأن طريق الابداع خروج عن النمط العادي(السائد)، المؤسسة الرائدة يجب أن تكون استثنائية بكل المقاييس، لأن الثقافة التي تؤسسها ثقافة متميزة عن الثقافة السائدة، عندما تكون منافسة عادية، ينتصر النموذج العادي، وعندما تدخل المنافسة على سلم الابداع، نؤسس لثقافة تغير وتتغير...للأفضل وللأصلح و للأبقى . تمرين تطبيقي في ثقافة المؤسسة 5- أتحدث الآن عن اختيار قبل الاختبار، أقول اذن انه اختيار نظري، نأخذه كنموذج ثقافي، نكيفه مع نظريتنا حول ثقافة المؤسسة، سنتحدث فيما بعد عن اختيار وقع اختباره [1]، نقول ان هذا الاختيار جاء بالصدفة، أنا شخصيا أعتبر نفسي غريبا في ثقافة سبريس، الثقافة السائدة(هل هناك ثقافة سبريس؟) اومن ان الذي يؤسس لثقافة المؤسسة هم الافراد الذين ينتمون لهذه المؤسسة، الفرد الاستثنائي له الصفة الفردية: لا يتخلى من يملك شيئا عن ما يملكه إلا بفائدة، العنصر العادي مثل رقم حسابي متوسط، كما نقول أن عينة عادية تمثل جميع الشرائح الموجودة في المجموع، هذه الملاحظات تعزز اختيارنا لنموذج، قد يمثل الحالات الموجودة . التوالد العفوي génération spontanée عقلية خرافية، كل الكائنات تولد من جنسها، العادي يولد منه العادي، مثلما الفأرة تلد صغار فئران، الفأر الذي يولد يشبه بقية الفئران، المجموع (تكرار ماسبق) لا يمكن أن يخرج من جبته الا أمر عادي، يخضع للقانون العام loi du grand nombre، التطور هو طفرة على مستوى موضعي mutation locale، هي تغير دقيق (الدقة هي صفة الفعل وهي أيضا صفة الفاعل : تغيرات على مستوى التكوين الدقيق للكائن الحي)، هذه الطفرات الدقيقة فعلا وفاعلا، هي حدث استثنائي، ما هو طبيعي شيء والعادي شيء آخر، الانتخاب الطبيعي هو من جنس القرارات، من يقرر عفويا لا يقرر، من يختار هو الذي يقرر. عندما نختار، نكون قبلها قد حددنا المقاييس، هذه خطة مرتبة بذكاء (ليس من الضروري أن يكون ذكاء واعيا)،من غير هذا الانتخاب الطبيعي، يكون هذا الحدث الطارئ ضاع في زحمة الأحداث العادية، الانتخاب الطبيعي هو ذكاء من غير وعي، الخطة التي رسمها الله (الطبيعة) هي اختيار الأحسن. التحسن والتطور اذن ليس حدثا من فعل الأفراد العاديين. نؤمن بأن حضور النخبة ضرورة لتطوير ثقافة المؤسسة، نطمح بهذا العمل المتواضع ان نساهم به في ثقافة نريدها طفرة نوعية على مستوى ثقافة المؤسسة: عندما يساهم المثقف الفرد داخل المؤسسة في فتح دورة الازمات التي تهدد المؤسسة boucle critique (سبريس نموذجا) 6- وأخيرا وجدت المخرج الذي كنت أبحث عنه من البداية، المخرج issue de sortie ، أستحضر كلاما دار بيني وبين "رفيقي العزيز" من المؤسسة التي اتحدث عنها، ذلك الذي ظهرت عليه بشارات الزعامة من غير مقدمات، ذات لقاء، مناسبته التحضير للاجتماع التأسيسي لنقابة أطر ومستخدمي المؤسسة ، الذي سيتبعه انتخاب مكتب نقابي [2]، كنت متحمسا للموضوع... عندما نأخذ هذه المؤسسة كنموذج، وهي مؤسسة وطنية تجارية، خروق بالجملة (مهنية، تجارية، سياسية ايضا... )، نحن نتحدث عن تاريخ محدد، الكلام عن هذا التاريخ يؤرخ لأمور اخرى، ربط تاريخي قد يجد علاقة مع الاستثمارات الكبرى ...الخ، وتيرة الارتباط قد تزداد سرعتها مع الحماس و قل ما تريد و...كأن الاجتماع التأسيسي لمؤسسة نقابية يؤسس لحركة 20 فبراير. ثقافة الربيع العربي. لم اكن متحمسا لهذه المبادرة التي اصطف فيها كل أطر المؤسسة "الوطنيين "، أقصد الذين يوجدون بالعاصمة، مركز المؤسسة، قلت، لنفكر بطريقة عملية: المركز قد يجمع مالا نستطيعه نحن من الاطر في الجهات، خصوصا اذا كانت العلاقة (المسافة) بين المركز والنقط البعيدة، لا ينطبق عليها هذا التعريف: تبتعد النقط عن المركز بنفس المسافة، هذه هندسة كان يتقنها المدير العام السابق، تحكم في المركز وتسيب جهوي واستبداد بعقلية مخزنية. سبريس التي كانت تحسب على الاحزاب الديمقراطية، بلغة ذلك الزمان، ما يشبه بلغة هذا الزمان: اختراق مخزني للمواقع الديمقراطية. بهذا الحماس، كنت أدافع عن الحضور الجهوي في هذا النضال، من منطلق أن الجهات تضم كفاءات مهنية، جمعوية، سياسية، ثقافية، اعلامية...الخ، رفيقي العزيز، فاجئني بهذا الكلام : لا نحتاج الى هذه الكفاءات، كل شيء مرتب من طرف النقابة التي ستحتضن جمعنا التأسيسي (معنا صحافة الاتحاد الاشتراكي، البرلمانيين، أطر النقابة....الرئيس،المدير العام السابق، قلت مع نفسي: هذا اختراق يدخل على الخط من طرف كتيبة هاكرز متمرن، اختراق سيظهر في سياق الأحداث التي ستقع بعدها يدخل في اطار تصفية حسابات مع الادارة الجديدة، حسابات يعني، كل شيء تم بحساب، كنا نحسب عدد الأصوات كما أنه انتخاب طبيعي، قد يوافق عليه داروين: الذي يبقى هو الأصلح، هذا هو الانتخاب الطبيعي...كانوا يحسبون لنا حسابا آخر... حسابا عسيرا. لماذا لا نجرب الحلول الوسائطية؟ 7- عرفنا العمل النقابي بطريقة الهاكرز، لست أنا الذي يعادي التنظيم النقابي من حيث المبدأ، الذي يؤطر العمال ويوحد صفوفهم، ولست أنا الذي قتل الثعبان ، اترك هذه المفخرة للمجموعة التي نلعنها سرا من غير أن نذكر اسماءها، الاسم الحركي لهذه المجموعة "حكيكيمو ومن معه "، ماركة مسجلة...في وعينا ، نشترك جميعا في الجبن، قتل(نا) الثعبان، (نا) ضمير متصل في محل رفع فاعل ، فعل ماذا؟ الثعبان مات قبل أن نصل اليه، كلنا بريئين من دم الثعبان، الحالة التي خلقتها النقابة المخدومة [3]، ثعبان له رؤوس كثيرة.... أدخلت المؤسسة في أزمة صدامية مفتعلة، تصفية حسابات، النقابة تطلب رأس المدير العام وعلى بعد أمتار من باب العزيزية، ينجح العبور الذي تم بنجاح فائق، و... ينجح المدير الذي كان يستعد للاستسلام . اختراق من الجهة الاخرى، أوامر هزمت الثوار، بل فاجأتهم (هم يتكلمون عن وعود سامية)، ويعلق في النهاية رأس زعيم النقابة، هل كان زعيما من ورق أم أن ما كان يجري هو مناورة عسكرية فقط، الجيش النظامي عندما يتدرب على الثورة [4]، ينهزم الثوار عندما يطبق الجيش النظامي حرب العصابات...بنظام وانتظام. الثورة اذا كتبت على ورق. المداد مادة قابلة للاحتراق. الولادة قبل الاوان أو المولود الخدج حتى عندما تولد النقابة في الأوان، نفكر في مولود يولد قبل الأوان، المنطق النقابي (حقوق العمال) مثل كل منطق حقوقي، قد يدافع عن الحقوق، المحامي الناجح يطلب أقسى العقوبات ضد المتهم، وأكرم التعويضات للمتضرر، هو نفسه جزء من الأزمة، الوساطة المثالية أو الحل الثالث 7- النقابة: طرف في النزاع، الوسيط الذي يتكلم باسم جمهرة العمال (البروليتاريا)، الوساطة الجيدة médiation هي أن تشرح وجهات النظر المختلفة، لتقرب بينها، الوساطة المثالية هي ان يتكلم من يهمه الامر ومن الاعماق. تواصل ثقافي، يكون أحسن،علاقة الشغل هكذا من غير وساطة، علاقة ثقافية. ثقافة المؤسسة التي تصنع فضاء ثقافيا. التواصل من الاعماق. فهمتيني ولا لا؟، أعني افهمني! هذا ليس امرا من الوزير الأول. التفاهم اذا كان بالأوامر، مقبولة فقط من صديق يعزك كثيرا ويهمه أن يحصل التفاهم. المقاربة الوسائطية لا تعالج النزاع القائم بمنطق الربح والخسارة ، المحامي (منطق الحقوقي)يطلب أكبر التعويضات لموكله، وأقصى العقوبات لطرف الخصم، الوسائطية هي تراضي الأطراف على حل، يقترحه عليهم، بالحكامة التي يفوضونها له، كخبير في حل الازمات، الحل لا بد ان يكون فيه ربح جماعي، أنا أبحث عن الطريق الثالث: الحل الذي ينطلق من ثقافة المؤسسة، لا يحتاج الى وسيط، العامل الحر هو الذي يشرح وجهة نظره ، وعلى الملأ، تتحول أزمة المؤسسة الى نقاش عمومي مفتوح، عندما نتكلم ثقافة، ينتهي منطق الخصومة، كلنا نبحث اذن عن الخروج من أزمة المؤسسة. قلت في البداية ان سبريس هي أقل حجما من هذا الموضوع ، الذي له قيمة نظرية، كل المؤسسات تبحث عن الحل الثالث، الحل يجب ان يكون خارج الأزمة. هرمنا من أجل أن لا نهرم هرمنا من أجل ان لا نهرم لا يمكن لحكيم هرم حكمة، أن يترك المبادرة في يد الخصم، المبادرة هي دائما مغامرة، نسبة من المغامرة تكون ضرورية للهرم، هناك وصفة بطعم المغامرة، سميتها "الشباطية الرمزية أو الثقافية "، شباط يمكن أن يحجرون عليه،ويحجزون على مكتسباته(كل ما يكتسب يتم باسم الشرعية، ويمكن أن ينتزع باسم الشرعية أيضا)، الشرعية لها اسم آخر: منطق الدولة، الذي لا يتلاءم مع عقلية المغامرين، لأنه بمنطق الدولة، يحجر على أي مراهق سياسي، البعض يسمونه مغامرا سياسيا، أنا لا اغامر لأنني هرم، عندي تراكم من التجارب، أي من الفشل المتراكم على مدى السنين، تراث من الربح الضائع، أو الربح الذي خسرته manque à gagner لا ينازعني فيه أحد، أسميه "ثقافة المؤسسة، من يستطيع أن يحجر على ثقافة المؤسسة؟. الثقافة المضادة للمؤسسة. لنتابع. بن عربي كان يتكلم عن الحرية من خلال الثقافة المضادة لها. ثنائية الحرية/العبودية داخل ثنائية الفعل(العمل) والانفعال. نحن الآن في حضرة المؤسسة بثقافة صوفية، خسارة، ربح، بعد، قرب...الخ. المؤسسة. ثقافة صفر، لا يعول عليها. هوامش : [1] عند امتحان النقابة، تعز المؤسسة أو تهان (سبريس قد تعز بالنقط لتخرج من المأزق، الهزيمة تحسب بالضربة القاضية) [2] سيصبح هو النائب الثاني لكاتب نقابة مستخدمي وأطر سبريس.( ف.د.ش) [3] بمعنى مغشوشة ، كما ذ بوستة يتكلم عن الديمقراطية المخدومة. [4] حكيكيمو ومن معه. هذه رسالة مشفرة الى من يهمه الأمر.