كما كان متوقعا ،تقدم فريق حزب العدالة و التنمية في البرلمان بمقترح قانون يقضي بحماية و تطوير و تنمية اللغة العربية ،ويفرض على الدولة و مؤسساتها الرسمية الحرص على بلورة مخططات و اتخاذ التدابير اللازمة و الكفيلة بتحقيق هذا المبتغى ،دون أن يفوت القائمون على المشروع الفرصة لطمأنة الفعاليات الأمازيغية على أن القانون قد تم إعداده كمرحلة أولى في انتظار تمديد مفعوله إلى الأمازيغية بعد تفعيل طابعها الرسمي و بالتالي لا يمكن له أن يؤثر على مقتضيات القانون التنظيمي المنتظر للأمازيغية ،في محاولة منهم لمنع أي تأويل أو تفسير أو إصباغ طابع اديولوجي على خطوتهم التشريعية. من حيث المنهجية و الممارسة الديمقراطية كما هو متعارف عليها ،يحق لكل حزب منفرد أو لكل تكتل حزبي تقديم أي مقترح قانون يراه ضروريا و مناسبا و يندرج ضمن الأولويات التي يقف عليها الرقي و التقدم للأمة ،مادام ذلك لا يتعارض و القانون الأسمى للبلاد ،والتشريع لا يقتصر فقط على الأغلبية الحكومية بل يمتد كذلك إلى المعارضة و إلى المجتمع المدني شريطة أن تنسجم المشاريع القوانين المقدمة مع الفلسفة المجتمعية و مقتضيات الدستور و تقديم المصلحة العامة عن القناعات و المصلحة الخاصة ،الأمر الذي يحيلنا على مساءلة مدى صواب و واقعية المقترح الذي قدمه فريق حزب العدالة و التنمية و المتعلق بحماية اللغة العربية و ما هي القراءات التي تحتملها تلك الخطوة التشريعية بالمقارنة مع ما تقتضيه الممارسة الديمقراطية السليمة. و حتى تنجلي الحقائق و تتضح الصورة أكثر ،يجب أن لا نتعامل مع تقديم''مقترح قانون حماية اللغة العربية''بمعزل عن موقع الأمازيغية في الأدبيات الحزبية للعدالة و التنمية(معارضة الترسيم الدستوري للأمازيغية،التشويش على تيفيناغ...) ،ثم عن موقعها كذلك في الأدبيات المخزنية ،بحيث أن هناك تقاطع و تبادل للأدوار و انسجام في المصالح بين الطرفين ،ليس عن اتفاق معلن بينهما ،بل إن اللعبة تتم وفق التصور الذي يريده و يرسمه المخزن للأمازيغية ،ولهذا فبالعودة إلى الخطاب الملكي المؤسس للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ،نجد أنه يشدد على الطابع الثقافي و اللغوي للأمازيغية و يضع الخط الأحمر على التوظيف السياسي لها ،ويؤكد على أنها رصيد مشترك لكل المغاربة ،وهي نفس اللازمة التي يطربنا عليها البيجيدي كلما تعالت الأصوات بإنصاف الأمازيغية ليس من باب تأكيده فعلا على الانتماء المشترك للمغاربة بل يستعمل هذا ''المبرر''فقط لعرقلة الجهود الحثيثة التي يبدلها المناضلون الأمازيغ و محاولة تسويق بدائله أو يلجأ إليها عندما يريد درء عن نفسه تهمة معاداة الأمازيغية. فتأكيد الخطاب على الجانب الثقافي و اللغوي للأمازيغية و التشديد على اعتبارها رصيدا مشتركا لكل المغاربة ليس بالأمر الاعتباطي عند من خبروا سياسة المخزن مع القضايا الحساسة خاصة التي تلك يكون احتوائها يتطلب توظيف مرحلي للاعبين آخرين يقتسمون معه نفس الهواجس و نفس المصالح ،مما يعني معه أن تغييب الجانب السياسي في تدبير ملف الأمازيغية يجعلها خاضعة لمناورات و مزايدات و أخذ و رد بين الفاعلين الصغار(الأحزاب،الجمعيات،الحركات...) ،وبذلك تصير الأمازيغية قضية فرعية يسري عليها ما يسري على القضايا المجتمعية الجدالية التي لا تحسم إلا بتقديم التنازلات التي تضر غالبا بجوهرها ،وقد نبهت الفعاليات الأمازيغية و لازالت تنبه إلى خطورة هذه الإشكالية ،ففي كتابه مثلا عن هوية المغرب ،اعتبر المناضل الكبير محمد بودهان أن غياب البعد السياسي في الترسيم الهوياتي لأمازيغية الدولة يدخلها في متاهات الاحتواء و التجادبات و ممارسة الوصاية عليها ،الأمر الذي تأكد و لا يزال يتأكد مع مرور الوقت و مع انكشاف المواقف للفاعلين في الحياة السياسية المغربية .إن غياب الحسم المخزني للقضية الأمازيغية من جهة و عدم تبويبها مكانة أسمى تصبح معها خارج دائرة التجادبات و الإستقطابات جعلها محط نزاع مستمر بين عدة أطراف يحاول كل طرف ترويضها و ما يخدم توجهاته. ويعد حزب العدالة و التنمية من هؤلاء اللاعبين الصغار الذين يخدمون سياسة المخزن في هذه القضية و لا يعارضونها ،ولذلك فقد وعى الحزب إشارات المخزن و وظفها لصالح أيديولوجيته و قناعاته و تصوراته حول '' الأمازيغية التي يريدها للمغرب'' أي الأمازيغية التابعة دوما أو الأمازيغية الفلكلورية التي يسوقها الإعلام .وفي هذا السياق جاء ''مقترح قانون حماية اللغة العربية''ليؤكد على تلك النزعة الإديولوجية المستحكمة في تدبير أولويات البيجيدي في علاقتها بأولويات الدولة ككل و في علاقتها بموقعه كحزب في أغلبية حكومية يمثل كل المجتمع و كل المكونات و كل الأطياف ،وإلا كيف نفسر تقدم بمقترح حماية لغة رسمية متداولة و موجودة في كل دواليب الدولة منذ الاستقلال و نغض الطرف عن اللغة الأمازيغية التي تستجدي الإنقاذ من شطط الدولة و مؤسساتها الرسمية و التيارات الإديولوجية المعادية لها و الإهمال الذي طالها منذ عقود؟وما هي اللغة التي في حاجة ملحة و أنية إلى ترسانة قانونية للحماية و الانتشال؟إنها لمفارقة عجيبة. نحن لسنا ضد حماية اللغة العربية و لا تطويرها رغم محاولات البعض إلصاقنا هذه التهمة ،ولكن هناك منطق و هناك أولويات و هناك أخلاق سياسية و أعراف يجب على حزب العدالة و التنمية و التيار القومي العربي الذي يتحكم في دواليبه إظهارها في ممارسته السياسة في التعامل مع قضايا وطنية لا تحتمل المزايدات و لا الغالب و المغلوب و لا تحتمل خلق صراعات وهمية ،ويجب أن لا يستمر في اعتبار اللغة الأمازيغية ضرة للغة العربية و عدوتها المزاحمة كما أكد السيد بنكيران يوما عندما قال أن لا وجود بعد اليوم لتهديد على اللغة العربية بعد دسترة الأمازيغية. إن الإسراع في تقديم مقترح قانون لحماية اللغة العربية رغم أنه مطلب نخبوي فقط و ليس من الاهتمامات الأولى للمواطنين و تجاهل الترسيم الفعلي للغة الأمازيغية و محاربة الفساد و إنقاذ القدرة الشرائية للمغاربة هو تأكيد فعلي أن البيجيدي لازال وفيا للنظرة الضيقة للأمور و الانغلاق حول الذات و الخطاب العاطفي ،ويستغل الشعبية الضعيفة التي أوصلته للحكم لتقديم نوازعه و نزواته الإديولوجية على حساب الأولويات الملحة.