تقديم : تثير المساحة المخصصة لأدب الطفل في مكتباتنا و إعلامنا عددا من الملاحظات، حيث يلتهم أطفالنا العديد من الصور و الحكايات من مختلف البلدان خاصة في زمن الفضائيات ،و نجد أنفسنا عاجزين عن التعامل الصحيح مع الأطفال ، و في حيرة في ما يتعلق بحاجاتهم إلى التخييل و التثقيف.. فهل فكرنا في طبيعة الثقافة الموجهة لأطفالنا و أهمية الحاجة الثقافية للطفل المغربي ، خاصة و أن الفضائيات أصبحت تروي نهم الطفل إلى التخيل بشكل لا يتحكم فيه أحد ، و صورة الأطفال وهم أمام الشاشة الصغيرة في حكم الغياب ، مشدوهين بالصور المقدمة لهم و التي تلازم المخيلة ، أو أمام شاشات الكمبيوتر يستخدمون الألعاب و غيرها ،و نحن لا ندري تأثير ذلك على عقولهم الصغيرة ،وكيف يمكن أن يبعدهم ذلك عن القراءة و يتبث بعض الصور السلبية في مخيلتهم و يبعدهم عن حرية الاختيار المحفز للذاكرة و الذكاء ، و دون أن نفكر في كون ما يقدم لهم من برامج قد ينعكس سلبا على سلوك الأطفال ، وما قد يحتوي عليه ذلك من خطورة على النمو النفسي للطفل و على اختياراته في المستقبل .. من أجل ثقافة للطفل المغربي : إن الثقافة ليست حكرا على الراشدين بل إن الأطفال هم بأمس الحاجة إليها لكي يستكملوا نموهم العاطفي و العقلي ، لذلك لا بد من التفكير في طبيعة ثقافة الموجهة للطفل المغربي التي ينبغي اختيارها أحسن اختيار و توفير السبل العلمية لإنجازها عن طريق توفير مركز جامعي لأدب و ثقافة الطفل و استثمار الدراسات النفسية والاجتماعية و التواصلية و الجمالية في تأسيس ثقافة للطفل المغربي ، و أن لا نترك الفراغ في هذا المجال يعصف بالأخيلة الصغيرة ، وذلك لأهمية ثقافة الطفل في نموه النفسي و العاطفي والعقلي و سلوكه الاجتماعي ، خاصة و أن جميع محددات الشخصية تتكون في الطفولة الأولى ، أليس الرجل ابن الطفل كما يقال .. و توفير ثقافة سليمة للطفل تربيه على القيم الإنسانية والوطنية النبيلة شأن المجتمع كله ،و اختيار المواد و البرامج الموجهة إليه ينبغي ان يلبي حاجته الخاصة إلى الحلم و التخييل و المعرفة و أن توجهه توجيها صحيحا .. ثقافة الأطفال ص 156 صعوبة الكتابة للطفل : و الاعتقاد الشائع أن الكتابة للطفل أسهل من الكتابة للكبار أمر خاطئ ، فلا يعني توخي البساطة كتابة أي شيء يخطر على البال، بل يقتضي أدب الطفل التفكير مليا في اختيار الشكل و الأسلوب و اللغة و المضامين حسب مستويات الطفولة المتعددة، و أي خطإ في التقدير من طرف الكاتب قد تكون له انعكاسات خطيرة على ذهن الأطفال مستقبلا : ف ص 157 فالكتابة للطفل صعبة للغاية بما تقتضي من وعي و مسؤولية و معرفة بعالم الصغار ، و ينبغي للكاتب عندما يكتب للطفل أن يكون ملما بنفسية الطفل وفئاته العمرية ، قادرا على إرضاء متخيله الطفولي وحاجاته المختلفة ، و أن تتوفر كتابته مايلي : وضوح الأهداف اختيار الكلمات المناسبة لسن الطفل معرفة الحاجات النفسية للطفل إرضاء عواطف الطفل إرضاء حاجة الطفل إلى التخييل توفير التشويق و إثارة انتباه الطفل إمداد الطفل بالنموذج الصالح الذي سيتبعه في الحياة . مراحل الطفولة .. إن تحقيق الاتصال الثقافي مع الأطفال يقتضي توفير ثقافة مناسبة للطفل تراعي مراحل الطفولة المختلفة التي قسمها بعض الباحثين إلى أطوار متعاقبة : مرحلة الميلاد مرحلة الطفولة المبكرة مرحلة الطفولة المتوسطة مرحلة الطفولة المتأخرة و بسبب الدور الذي يلعبه الخيال في حياة الطفل يمكن تصنيف علاقة الطفل بالخيال حسب السن ، بحيث يتدرج المنحى الخيالي عند الطفل إلى أربع مراحل من الخيال المحدود و المحاكي إلى الولع بالمغامرة المرتبطة بالواقع: 1 مرحلة الواقعية و الخيال المحدود بالبيئة من 3 حتى 5 سنوات ،و يميل الطفل في هذه المرحلة إلى الخيال المحاكي للبيئة و الواقع .. 2 مرحلة الخيال المنطلق من 6 حتى 8 سنوات ، و يغلب على خيال الطفل في هذه المرحلة حب الاستطلاع و حبه القصص الخيالية و الخرافية .. 3 مرحلة البطولة من 8 حتى 12 سنة ، و يغلب عل خيال الطفل في هذه المرحلة حب قصص الشجاعة و المغامرة .. 4 مرحلة المثالية من 12 حتى 15 سنة حيث يهيمن على الخيال في هذه المرحلة اختلاط المغامرة بالعاطفة .. ثقافة الكتاب المدرسي العودة إلى بوكماخ : للكتاب المدرسي دور مهم في التنشئة الاجتماعية للأطفال و تزويدهم بالثقافة والقيم ، والاستجابة لمتطلباتهم و حاجاتهم ابتداء من حجم الكتاب الذي ينبغي أن يكون أصغر مما هو عليه الآن ، و اختيار الشكل و الصورة و المحتوى التربوي .. و قد كان الأستاذ أحمد بوكماخ رحمه الله خبيرا في هذا المجال رغم أن التطور التقني للطباعة لم يكن في المستوى الذي عليه الآن ، فهو أول من قام بتذييل الكتاب المدرسي بمعجم جميل يجمع بين الصورة الجميلة للشيء و الكلمة التي تدل عليه ، و لتفانيه في عمله ومهارته في التعبير ولخبرته التربوية بخصوصية مرحلة الطفولة فقد علقت الكثير من الصور والنصوص بمتخيل جيل بأكمله، تلك الصور المختارة والنصوص المحببة إلى النفس، التي تجمع بين المتعة و الفائدة وتنمية الخيال الخصب المحفز على الإبداع ، تجعل الطفل يتشبع بطريقة غير مباشرة بقيم التعاون ، واحترام الآخر ، وحب الوطن و الحفاظ على البيئة و حب العمل ... فهاهو نص يدعو إلى تنظيم الوقت ، تك تك تك مثل الساعة دوما أبدا رتب وقتك ، وها آخر يدعو إلى حب البيئة ، يا طير غن غن أحب أن أسمعك ، ونص حكائي يدعو إلى حب العمل الدجاجة الشغالة ، و آخر يدعو إلى اجتناب الغرور الدب المغرور ، أو يدعو إلى اجتناب الفضول القرد والنجار ،وآخر يدعو إلى التضحية في سبيل االغير فرفر يعلق الجرس أو يدعو إلى التعاون والإنصاف .. الكتاب المدرسي و الابتعاد عن الخطاب المباشر وقد يجد بعض المؤلفون الجدد أنفسهم و هم يجهدون في مواكبة المقاربات التربوية الحديثة من أهداف و كفايات و وضعيات اندماج ، أمام صعوبة العثور على محتوى تربوي قادر على تثقيف الطفل والاستجابة لطبيعة وجدانه و ملامسة خياله و التأثير فيه و تزويده بما يحتاجه من تخييل و ثقافة ، فتربيته على حقوق الإنسان ، و إكسابه قيم السلوك المدني ، و تمكين الطفل من مهارات احترام الآخر والمحافظة على البيئة والصحة ، لن يتحقق دون استعمال أسلوب مشوق يبتعد عن المباشرة ويتوسل بعالم الحكاية ويستظل بنارها .. فالحكاية بسهولة لغتها و جمال أسلوبها أمتع طريقة في حصول المتعلم على المعارف المختلفة وتشبعه بالقيم ، فهي وسيلة قد توظف للتعرف على منتجات التكنولوجيا ،وفهم المسائل الرياضية ، وتعلم قواعد اللغة و تراكيبها ، و إغناء الرصيد اللغوي و معرفة الأساليب و التمكن من اللغات .. و ربما يفسر هذا كله سر عودة عدد من الأمهات و الآباء إلى كتب بوكماخ و إعادة طباعتها من جديد .. الحكاية و أدب الطفل : الأطفال يحبون الحكاية ، يحبون التجنيح في عالم الخيال ، و هم يطالبون بالحكايات التي ترضي حاجاتهم النفسية ليموضعوا أنفسهم داخل عالم الكبار و ليفهموا العالم المحيط ... إنهم يتماهون مع أبطال هذه الحكايات و يتخذونهم نموذجا لهم في الحياة ، و نحن نعرف أن نجاعة التربية كلها تقوم على ضبط النموذج المقتدى به ... من هنا أهمية الحكايات التي تعزز جانب الخير في شخصية الطفل و تبعده عن كل الميولات السلبية كالأنانية و الحسد والحقد و حب التملك، و تدفعه إلى حب العلم والمعرفة .. يمكن توظيف تعلق الأطفال الشديد بالقصص و الحكايات كي نربي الطفل على المواطنة الصالحة ،على التعاون مع الآخرين ، على احترام البيئة و حقوق الإنسان .. لا يمكن إغفال دور الثقافي للقصة في ثقافة الطفل فمع أنها نوع أدبي فهي تحمل الثقافة والمعرفة و رؤية العالم المحيط و تلعب الحكاية دورا مهما في ثقافة الطفل.. ص 7 أدب الطفل و ثقافته أنواع الأطفال و نماذج الحكايات يجد بعض الآباء أنفسهم محرجين مع أطفالهم و هم يطلبون منهم رواية حكايات لهم ، و لا يدرون أي الحكايات التي تناسب أطفالهم و تستهوي ميولاتهم الخاصة .. إن الأطفال ليسوا متساوين في القدرات و الحاجيات و المتطلبات ، فالطفل غالبا ما يطلب و يلح على سماع أو قراءة الحكاية التي ترضي طموحاته و تستجيب مع ميولاته و تعبر عن قلقه وتشخص مخاوفه العميقة ،و يستحسن أن تختار الحكاية التي تناسب أنواع نفسية الأطفال و ما يهيمن على شخصيتهم من طباع، كما يشير الكاتب دينس بويس في كتابه الترشيد و الحكمة في الحكايات العجيبة : 1 الطفل الغير المتحكم : تتطابق شخصيته مع العملاق الذي يحطم كل شيء في طريقه بواسطة أطرافه الطويلة ، صحيح أنه يعتمد الرؤية لكنه لا يجيد الإنصات.. و هذا الطفل يحب الضوضاء و تعجبه رؤية العملاق في الحكاية و هو يحدث الضجيج ، وقراءة هذا النوع من الحكايات يعلمه بالتدريج التحكم في قواه وتنظيمها و يلقنه أهمية الإنصات للغير.. 2 الطفل الحالم : نموذجه في الحكاية هو أصغر الإخوة ،و التماهي بهذا البطل الصغير يمكنه من الخروج من الحلم إلى الواقع ، حيث ينتصر بفضل براءته على باقي إخوته الذين يفوقونه سنا و ذكاء ، و هنا تحتفل الحكاية بالانتصار للبراءة مقابل الذكاء مما يفيد الطفل الحالم و يجعله ينطلق من عقاله الباطني إلى الحياة الواقعية ليسترجع ثقته في نفسه و في قدراته و يحقق بعض الإنجازات التي قد يكون معتقدا أنه لا يمكنه بلوغها . 3 الطفل الانطوائي : تغلب عليه العزلة و عدم المشاركة الاجتماعية و هو يفضل اللعب الفردي، ونموذجه في الحكاية هو الأميرة النائمة نتيجة تجربة مؤلمة مع الآخر ، فقط الحب و الحنان هو الذي يمكنه أن يخرجه من عزلته ، هذه الحكايات تساعد الطفل الانطوائي على الخروج من عزلته وإعادة اللقاء مع العالم الخارجي ... 4 الطفل العالم: يعيش وسط الأفكار و الكلمات ،يكون متفوقا في الرياضيات وفي الاكتشافات ، لكنه قد ينعزل عن واقعه ، و نموذجه في الحكاية هو الشيخ الذي يسقط مريضا إلى أن يأتي له احد أبنائه بالدواء الشافي الذي يشفيه من مرضه و يصالحه مع واقعه .. 5 الطفل القلق : يحب الشعور بالخوف و الحديث عن الأشباح و السحر، هذا الطفل يختار القصص المخيفة التي تمكنه في النهاية من الانتصار على مخاوفه و قلقه ، والشخصية التي تؤثر فيه هي التي تكون نفسها ضحية الخوف و تنتصر في الختام على مخاوفها.. الحكاية المغربية و ثقافة للطفل : ينبغي توظيف الحكايات المغربية في تقديم ثقافة أصيلة للطفل المغربي ، فهي تقدم صورة عن الحياة بخيرها وشرها ، وتعزز قيم الخير و الفضيلة وتدعوهم إلى اجتناب الأنانية والكذب و الاحتيال ، و تنبذ الشر وتدعو إلى الارتباط بالأرض و الوطن ، و تدعو إلى التعاون و التسامح و التحلي بالأخلاق الحسنة .. و هي قصص متنوعة خيالية وواقعية تعكس الحياة الاجتماعية ، و ذلك كله مع تغذية العقل و تنمية الخيال ، لتحقيق سمو الروح و تهذيب الوجدان ، و ما توفره من متعة السرور في الغرق في عوالمها السحرية و الخيالية وهو ما يحتاجه الطفل .. حكايات لم تنشر .. يطرح مشكل الدعم والنشر بالنسبة لأدب الطفل بشكل عام رغم أن الحاجة الثقافية متوفرة و أطفالنا متلهفون لمثل هذه الثقافة ... وقد آن الأوان للتذكير بأن لنا رصيدا ثقافيا و قيميا أصيلا كامن في حكاياتنا الشعبية يمكن توظيفه جيدا في تثقيف أطفالنا و تربيتهم الذين أصبحوا يعرفون بلانش نيج و لوبوتي شابغون روج أكثر مما يعرفون عايشة رمادة و هاينة و حديدان.. .. ونجد أنفسنا و نحن نشكر كل من زودنا بالثقافة و نحن أطفال ، من جدات و أجداد ، و من مؤلفين مخلصين للكتاب المدرسي ، ومن كتاب ومبدعين للقصص العالمي .... نعيد السؤال أي ثقافة نريد لصغارنا؟ المراجع : د هادي نعمان الهيتي ، ثقافة الأطفال ، عالم المعرفة ..مارس 1988