قال الملك محمد السادس، إن إختيار مدينة مراكش من أجل عقد الملتقى التاسع لمنتدى التنمية من أجل إفريقيا، يعد اعترافا بالجهود التي يبذلها المغرب تجاه القارة السمراء، وكذا تقديرا لالتزام الفاعلين الاقتصاديين بالمملكة، في سبيل تحقيق الإقلاع الاقتصادي بها وانخراطها بكل تنافسية في مسار العولمة. وأكد العاهل المغربي في رسالة موجهة إلى المشاركين في الملتقى التاسع لمنتدى التنمية من أجل إفريقيا الذي افتتح أشغاله مساء أمس الإثنين بمراكش، أن "الأممالمتحدة ستجد في المملكة المغربية ، شريكا دائم الالتزام، قوي العزم، على دعم ومساندة مبادراتها وتحركاتها البناءة، الهادفة لخدمة القارة الإفريقية".
نص الرسالة:
وفي ما يلي نص الرسالة الملكية التي تلاها رئيس الحكومة، عبد الاله ابن كيران.
"الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
فخامة السيد الحسن واتارا، رئيس جمهورية كوت ديفوار، فخامة السيد ماكي سال، رئيس جمهورية السنغال، فخامة السيد جوزي ماريا بيريرا نيفيس، الوزير الأول ووزير إصلاح الدولة بجمهورية الرأس الأخضر، فخامة السيد كارلوس لوبيز، الأمين التنفيذي للجنة الأممالمتحدة الاقتصادية لإفريقيا، أصحاب المعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة،
يطيب لنا أن نتوجه بهذا الخطاب إلى المشاركين في هذا المنتدى القاري الكبير، لنعبر لهم عن بالغ تقديرنا. كما نود أن نعبر عن اعتزاز المملكة المغربية باستضافة الدورة التاسعة لهذا المنتدى، وعن مدى تثميننا لهذه المبادرة التي أقدمت عليها لجنة الأممالمتحدة الاقتصادية لإفريقيا، بعقد هذه الدورة، ولأول مرة، خارج مقرها بمدينة أديس أبابا. وما اختياركم لمدينة مراكش، لطرح موضوع في غاية الأهمية، وأكثر راهنية للنقاش، ألا وهو "طرق مبتكرة للتمويل من أجل النهوض بإفريقيا"، إلا اعتراف بالجهود التي يبذلها بلدنا من أجل إفريقيا، وتقدير لالتزام الفاعلين الاقتصاديين في المغرب، في سبيل الإقلاع الاقتصادي لقارتنا، وانخراطها بكل تنافسية في مسار العولمة. ونود في هذا الصدد، أن نشيد بعمل لجنة الأممالمتحدة الاقتصادية لإفريقيا، معبرين عن تقديرنا للجهود التي ما فتئت تبذلها، من أجل التنمية الاقتصادية والبشرية في قارتنا. وستجد منظومة الأممالمتحدة في المملكة المغربية، شريكا دائم الالتزام، قوي العزم، على دعم ومساندة مبادراتها وتحركاتها البناءة، الهادفة لخدمة القارة الإفريقية. وإننا على يقين بأن تطابق وجهات النظر بين البلدان الإفريقية، بشأن الشروط اللازم توفرها من أجل تحقيق التنمية والإقلاع الاقتصادي، لجدير بخلق تآزر قوي وتكامل غير مسبوق، علينا جميعا تفعيلهما في اتجاه تحقيق كل طموحاتنا. وإن قارتنا لعازمة كل العزم، ومستعدة كل الاستعداد، لإطلاق دينامية جديدة من أجل بروز "إفريقيا جديدة"، إفريقيا فخورة بهويتها ومواكبة لعصرها، إفريقيا متحررة من القيود الإيديولوجية ومن مخلفات الماضي، إفريقيا جريئة وسباقة للمبادرة. إن هذه الإرادة لتشكل في حد ذاتها دعوة للمجتمع الدولي، من أجل بلورة مقاربة موضوعية لمعالجة إشكالية التنمية بإفريقيا. فقضية التنمية في إفريقيا، كما سبق أن أكدنا على ذلك أمام الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، لا تتعلق بطبيعة الأرض والمناخ، رغم قساوته في بعض المناطق، وإنما بما تم تكريسه من تبعية اقتصادية، ومن ضعف الدعم ومصادر التمويل، وانعدام نموذج تنموي مستدام.
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة،
إن دعوتنا للمجتمع الدولي لبلورة رؤية متجددة تجاه قارتنا، مغايرة عن كل الرؤى التقليدية، لا يعادلها سوى التزامنا المتواصل كبلدان إفريقية لاعتماد وتفعيل مقاربات تشاركية مبتكرة، وتطوير قنوات تعاون جنوب- جنوب غير مسبوقة، يطبعها التضامن، وتعود بالنفع على كل الأطراف. إن المملكة المغربية، التي تضع في طليعة اهتمامها هذه الغاية السامية باستمرار، لتدعو في إطار علاقاتها بالأشقاء الأفارقة، إلى اعتماد مقاربة شاملة ومندمجة، من شأنها كذلك تعزيز السلم والاستقرار، وتشجيع التنمية البشرية المستدامة، خدمة لكل أبناء القارة، نساء ورجالا. كما تدعو لاحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية، وصيانة هوية شعوبها، الثقافية والروحية. وبنفس الاقتناع الراسخ، نعمل من أجل أن تضع إفريقيا ثقتها في إفريقيا، ومن أجل أن تستثمر كل طاقاتها للاستفادة من الفرص التي تتيحها العولمة. لقد أصبح اليوم، على البلدان الإفريقية، وأكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد موجات الاستقلال التي عرفتها خلال ستينيات القرن الماضي، التوجه لبناء استقلالها الاقتصادي. كما أن القارة أصبحت تشكل الأفق الجديد للنمو العالمي. فمنذ العام 2000 ، شهدت مبادلات القارة التجارية مع باقي دول العالم، نموا بلغ 200 بالمائة. بينما ستبلغ ساكنتها ما لا يقل عن ملياري نسمة في أفق 2050 ، مما يؤهلها لتشكل في واقع الأمر شباب العالم. كما أن معدلات الفقر تواصل تراجعها بوتيرة مضطردة، بينما تعرف المبادلات الإقليمية بين البلدان الإفريقية نموا منقطع النظير. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن الوسائل والآليات التنفيذية التي علينا تطويرها، في المستقبل، بغض النظر عن الرؤية الاستراتيجية الشاملة التي تهم إفريقيا برمتها، لا بد لها أن تستكشف، بنفس القدر من الاهتمام، البعد الجهوي للقارة. ومن شأن هذا التوجه أن يتيح لنا الاستثمار في التجمعات الاقتصادية الجهوية، كفضاءات ذات تنافسية مستمرة. وهو ما سيمكن البلدان الإفريقية، بموازاة مع تعزيز التوجهات الاندماجية الإقليمية، من التعبير عن خصوصياتها الإفريقية، ومن انبثاق فضاءات جغرافية- اقتصادية، كفيلة بأن تضمن لها تموقعا أفضل وتنافسية أكبر داخل الاقتصاد العالمي. وتكتسي هذه الدينامية البينية الإفريقية أهمية محورية بالنسبة للمغرب. فعلاوة على تشبثه القوي بتفعيل اتحاد المغرب العربي، فإنه يواصل تعاونه مع عدد من المنظمات الإقليمية الإفريقية، كالمجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية، والاتحاد الاقتصادي والنقدي للغرب الإفريقي، والمجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الوسطى، وكذا المجموعة الاقتصادية والنقدية لإفريقيا الوسطى. وإن المغرب لحريص كل الحرص على إدراج علاقاته مع هذه التجمعات الاقتصادية، ضمن توجه ذي نفع متبادل، أكثر توازنا وإنصافا لكافة الأطراف.
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة حضرات السيدات والسادة،
إن إفريقيا تنبثق حاليا كقطب عالمي جديد للتنمية، وذلك بحكم الثروات والمؤهلات الكبيرة التي تتوفر عليها. ومع ذلك، فإنه لن يتأتى تعزيز وتوطيد هذا المسار دون إجراء تحول هيكلي في الاقتصادات الإفريقية، ودون توجيهها نحو الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية والمضمون التكنولوجي المتين. ولكسب هذا الرهان، تجدر الإشارة إلى الأهمية المحورية التي يكتسيها البعد المالي. فمن الواضح أن تعبئة الموارد البشرية الداخلية تشكل رافدا أساسيا لتحقيق الاستمرارية لتمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى، لاسيما البنيات التحتية، وكذا الاستعداد الأفضل لتحقيق الأهداف التنموية لما بعد 2015. كما تجدر الإشارة إلى أن المجموعة الدولية مطالبة بإبداء المزيد من الابتكار والإبداع، لتعبئة وسائل تمويلية متجددة، كفيلة بحسن مواكبة التحول الاقتصادي للقارة، وتحقيق تنميتها المستدامة. وفي هذا الإطار، فإن إحداث المملكة المغربية للقطب المالي الدارالبيضاء، سيحفز تحقيق الاندماج المالي لإفريقيا، ضمن المنظومة المالية الدولية. كما سيساهم في تسهيل المبادلات بين الدول الإفريقية، واستقطاب الادخار العالمي على النحو الأمثل للاستثمار داخل القارة الإفريقية. ولا غرو، فإن عددا متزايدا من المستثمرين الدوليين يعتبرون القطب المالي للدار البيضاء، محورا للمعاملات المالية، ومدخلا إلى الأسواق الإفريقية. وإننا نشيد على وجه الخصوص، بإقامة "صندوق إفريقيا 50" بدعم من البنك الإفريقي للتنمية؛ الذي يحتضنه القطب المالي للدار البيضاء. وسيمكن هذا الصندوق من تزويد قارتنا بآلية مبتكرة، تساهم في الرفع من مستوى تعبئة الموارد المتاحة على أوسع نطاق، وكذا في جلب تمويلات من القطاع الخاص لتطوير وتمويل مشاريع للبنيات التحتية في إفريقيا. وفي نفس المنظور، فإننا واثقون من أن العمل الذي نقوم به لتعبئة موارد مالية لصالح إفريقيا، سيساهم في تشجيع إقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص، وتوجيه القطاع الخاص نحو مجالات ذات قيمة مضافة عالية كالطاقات المتجددة والفلاحة والتكنولوجيات الحديثة والبنيات التحتية.
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة حضرات السيدات والسادة،
بالنظر إلى هذه المؤهلات كلها، يتضح جليا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن إفريقيا هي اليوم أحوج إلى شراكات مثمرة لجميع الأطراف، أكثر من حاجتها لدعم مشروط. شراكات من شأنها أن تنهض بدور المحفز لحشد الموارد المالية اللازمة، والدفع بالاندماج الاقتصادي الإقليمي إلى الأمام، والنهوض بالموقع، الذي تحتله إفريقيا داخل النسق الدولي لخلق القيمة المضافة. وفي نفس الإطار، فإن تعبئة المجموعة الدولية من أجل تحقيق المواكبة المالية للقارة الإفريقية، ينبغي أن تأخذ، بنفس الاهتمام، أبعادا ومعايير أخرى، لها أهميتها كالحكامة الجيدة، ومتانة المؤسسات، وتقوية القدرات المؤسساتية، والانسجام بين الجهات والأجيال، وتأهيل العنصر البشري. إن قارتنا التي تشهد تغيرا ملحوظا، تحمل رسالة مفعمة بروح الأمل والتجدد، إلى المجموعة الدولية. فبفضل توحيد طاقاتنا وحشد مواردنا، سنتمكن جميعا من ربح الرهان الأكبر، الذي يطرحه القرن الحادي والعشرون، والمتمثل في انبثاق قارة إفريقية تنعم بالوحدة والاستقرار والازدهار. أتمنى لكم كامل التوفيق والسداد في أشغالكم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".