أمام محلات بيع "العطارة" (التوابل) في العاصمة المغربية الرباط، تبدو الحياة في الوهلة الأولى شبه عادية، حيث تنبعث روائح التوابل وأصوات آلات طحن المكسرات التي تلجأ إليها بعض الأسر لإعداد "السفوف" (خليط من صحين محمر ومكسرات مطحونة مخلوط بزيت زيتون أو عسل أو سكر، يحرص المغاربة على وجوده بموائدهم الرمضانية)، قبل أن تنتبه لتباعد المسافات بين المشترين وارتداء الكمامات من قبل الجميع، لتتذكر أنه استعداد لرمضان في زمن كورونا. تصر الحاجة خديجة (في الخمسينيات) على أن إعداد الشباكية (نوع من الحلويات) الضرورة خلال رمضان، وتضيف -في حديث للجزيرة نت- أن النساء المغربيات تعودن على إعداد الأطباق الرمضانية المغربية قبل رمضان استعدادا له وخلاله أيضا، وأن واقع الحجر لن يغير شيئا من هذا السلوك. لم يكن هذا رأي الشابة جميلة، أم لطفلين، التي اعتبرت أن رمضان الجاري مناسبة لتصحيح بعض العادات الاستهلاكية والاستغناء عن بعض المأكولات مثل الشباكية التي ليست أساسية بالضرورة. وبين سلوك خديجة وجميلة، يتفاوت سلوك ونمط الاستهلاك لدى المغاربة خلال رمضان في زمن كورونا، حيث تشهد الأسواق رغم واقع الطوارئ والحجر وفرةً في العرض، في حين يتحرك الطلب حسب قناعة المستهلك وقدرته الشرائية. هل ينخفض الاستهلاك؟ طبيعة الاستهلاك لدى الأسر المغربية تتغير خلال رمضان، فبحسب دراسة سابقة للمندوبية السامية للتخطيط (هيئة الإحصاء الرسمية) تنفق الأسر إضافيا يفوق الثلث على الغذاء (حوالي 37%) خلال رمضان، وتمس هذه الزيادة مصاريف الأكل لكل الفئات دون استثناء. وترتفع مصاريف اقتناء الفواكه بنسبة 163%، والحبوب واللحوم بنسبة 35%، والحليب والمنتجات المشتقة منه بنسبة 47%، فهل تغير كورونا ووضع الطوارئ من هذه النسب؟ اعلان يتوقع الكاتب العام لجمعيات حماية المستهلك بالمغرب وديع مديح أن تعرف عادات الاستهلاك بالمغرب بعض التغيير، كالتخلي عن شراء المواد الغذائية الجاهزة، وتحضير الأكل بالمنازل، وما ينتج عنه من ربح اقتصادي وفائدة صحية. ويقول مديح في حديث مع الجزيرة نت، إن طبيعة الاستهلاك ستعرف تغييرا تلقائيا لا شعوريا، وقد نكون أمام طفرة في العادات الاستهلاكية تنحو في اتجاه التقشف عند فئات واسعة. عرض وافر وانخفاض في الطلب تشير المعطيات التي توفرها الحكومة إلى أن الأسواق مزودة بشكل عادي بكل المنتجات التي تلقى إقبالا خلال شهر رمضان، وأن العرض يفوق الطلب والحاجيات، وتوضح المعطيات ذاتها أن عرض الحبوب والبقوليات يوازي أربعة أشهر من الاستهلاك، مع استمرار الإنتاج في الخضر والأسماك، واستقرار الأسعار. ويقول رئيس جمعية مهنية لتجار القرب الطاهر أبو الفلاح للجزيرة نت إن الأسواق تعرف سيرا عاديا من حيث التموين مع نقص نسبي في الطلب، ويوضح أبو الفلاح أن الأيام الأولى من إعلان الطوارئ بالمغرب شهدت حركية غير عادية مدفوعة بالهلع، مما أحدث اضطرابا في السوق خوفا من الإغلاق. وكان السلوك الاستهلاكي لبعض المواطنين المغاربة قد توجه نحو الإقبال على المنتجات القابلة للتخزين كالبقوليات والمعجنات، قبل أن يعود التوازن للأسواق وتستقر الأسعار. وأفاد أبو الفلاح بأن الإقبال مستمر على المواد التي تشهد استهلاكا أكبر عند المغاربة خلال رمضان مثل العسل والدقيق والزبدة. استهلاك مستدام يرى وديع مديح أن القدرة الشرائية لدى فئات كبيرة من المجتمع تشهد تراجعا، خصوصا في الأرياف، ولدى عمال القطاع غير المهيكل، مما يستدعي حسب المتحدث ذاته تدبير الاستهلاك بطريقة عقلانية وتجنب الإسراف والتبذير. وقال الكاتب العام لجمعيات حماية المستهلك "اليوم نحن في حاجة أكثر إلى الاستهلاك المستدام". وفي بداية أبريل الجاري، صرحت 57% من مجموع الشركات (ما يقارب 142 ألف شركة) بأنها أوقفت نشاطها بشكل مؤقت أو دائم، وبحسب المندوبية السامية للتخطيط قد تكون هذه الوضعية الراهنة خلفت تداعيات على التشغيل، حيث قد تكون 27% من المقاولات اضطرت إلى تخفيض اليد العاملة بشكل مؤقت أو دائم. وصرحت 62.7% من الأسر، خلال الفصل الأول من سنة 2020، أن مداخيلها تغطي مصاريفها، في حين أن باقي الأسر استنزفت 32.5% من مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض.