تعتبر المدينة العتيقة لمراكش موروثا ثقافيا وحضاريا أصيلا يعكس التاريخ المشرق لعاصمة النخيل في شتى مناحي الحياة، لما تختزنه من معالم ثقافية وحضارية ومعمارية شكلت على مدى عصور من الزمن فضاء للتلاقح بين الحضارات والثقافات والتعايش بين مختلف الأجناس والأعراق. وتكتسي المدينة العتيقة، المدرجة من قبل منظمة اليونيسكو ضمن قائمة التراث العالمي منذ 1972، أهمية كبيرة ضمن النسيج العماري للمدينة الحمراء، كما أنها تتوفر على مؤهلات مهمة تجعل منها رافدا سياحيا وثقافيا متميزا قادرا على تعزيز مكانتها ضمن خريطة التراث العالمي الإنساني. ويعكس تأهيل المدينة العتيقة بمراكش الحرص الملكي المستمر على صيانة والمحافظة على موروث تاريخي متميز ورد الاعتبار إليه لجعله محركا للتنمية المستدامة انطلاقا من المكانة المحورية للمدينة العتيقة كنقطة جذب للسياح الأجانب والمغاربة. كما يجسد الاهتمام بصيانة التراث الإنساني لهذه المدينة العريقة ورد الاعتبار لها، لجعلها قادرة على تحقيق الإشعاع الحضاري والثقافي والإنساني، العناية الفائقة التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للتراث المادي واللامادي للمملكة الذي يعد نموذجا إنسانيا ناضجا، وعزم جلالته الوطيد على حماية مختلف معالم الذاكرة الوطنية.
وتجسدت هذه العناية السامية في اعطاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس الانطلاقة لعدد من المشاريع الهامة التي تروم الحفاظ على الموروث التاريخي للمدينة القديمة لمراكش وتعزيز بعدها السياحي وإشعاعها الدولي. ويتوخى برنامج تأهيل المدينة العتيقة بمراكش، التي تشكل إرثا حضاريا وثقافيا وإنسانيا فضلا عن كونها قطبا أساسيا من أقطاب التنمية المستدامة والمندمجة، تثمين المعالم التاريخية والمواقع الأثرية المتواجدة بها وإعادة الاعتبار للنسيج الحضاري المتميز وتقوية جاذبية المدينة٬ وكذا تأهيل المدارات السياحية بها٬ وتحسين ظروف عيش السكان، لجعلها عنصرا أساسيا لمد الجسور بين الماضي والحاضر والحفاظ على المكاسب الحضارية والتاريخية. وتسعى المشاريع المسطرة في إطار هذا البرنامج الشامل إلى الإسهام في الحفاظ على الطابع التراثي والمستدام للمواقع التاريخية بالمدينة العتيقة، بالنظر إلى كونها تزاوج بين صيانة الموروث الثقافي وبعث دينامية جديدة في القاعدة السوسيو- اقتصادية المحلية. وينسجم ترميم المواقع التاريخية لمدينة مراكش، وتأهيل ساحاتها العريقة وفنادقها العتيقة، بشكل جلي مع الجهود الرامية إلى صيانة التراث الوطني والإنساني بكافة حواضر المملكة. ويهم برنامج تأهيل المدينة العتيقة، الذي يندرج في إطار تنفيذ المخطط التنموي “مراكش.. الحاضرة المتجددة”، التأهيل الحضري لأحيائها بهدف تثمين الإرث المعماري والثقافي لهذه الحاضرة، وتأهيل المواقع التاريخية للمدينة بشكل متناسق ومتناغم مع بنيتها العمرانية وتطوير إشعاعها بالنظر لموقعها كإحدى الوجهات السياحية الأكثر زيارة بالمملكة. كما يشمل البرنامج معالجة البنايات المهددة بالانهيار، وتأهيل الأزقة والمحلات التجارية، وإعادة بناء بعض المحلات التجارية، وإعادة تهيئة الساحات العمومية، وتجديد الأسقف الخشبية، وتعزيز المدارات السياحية، وتزيين الواجهات، إسهاما في تعزيز الجاذبية السياحية للمدينة الحمراء والنهوض بموروثها الثقافي باعتباره مكونا تراثيا وحضاريا زاخرا بعبق التاريخ. ويروم البرنامج ، أيضا، ترميم وتأهيل المدارات السياحية والروحية للمدينة القديمة، وذلك من أجل الحفاظ وضمان استدامة الموروث الثقافي للمدينة القديمة وإعادة الاعتبار لتاريخها العريق والمساهمة في تثمين المواقع السياحية التي يعبرها هذا المسار، والارتقاء بها إلى مستوى قطب سياحي متميز.
ومن بين المشاريع الأخرى المندرجة في إطار هذا البرنامج مشروع إعادة تأهيل الفنادق العتيقة، الذي يتماشى مع أهداف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، من قبيل محاربة الهشاشة والإقصاء الاجتماعي. ويهدف هذا المشروع النهوض بالمنتوجات المحلية للصناعة التقليدية، من خلال إعادة إنعاش الحرف التقليدية وتثمينها والحفاظ على بعض المهن المهددة بالاندثار، فضلا عن الاسهام في رفع مداخيل الصناع التقليديين، وتحسين ظروف عملهم. يشار إلى أن المخطط التنموي “مراكش الحاضرة المتجددة” الذي يمتد على مدى أربع سنوات (2014- 2017) يروم الارتقاء بالمدينة الحمراء إلى مستوى الحواضر العالمية الكبرى. ويقوم هذا البرنامج على مقاربة مجددة وخلاقة في ما يتعلق بأفقية واندماج وتناسق التدخلات العمومية، ومواكبة النمو الحضري والديموغرافي الذي تشهده المدينة وتعزيز جاذبيتها الاقتصادية، ودعم مكانتها كقطب سياحي عالمي، وتحسين بنياتها التحتية السوسيو- ثقافية والرياضية، وتطوير مؤشرات التنمية البشرية بها. ويتمحور هذا البرنامج، الذي تبلغ كلفته الإجمالية 6,3 مليار درهم، حول خمسة محاور رئيسية، هي تثمين الموروث الثقافي، وتحسين التنقل الحضري، والاندماج الحضري، وترسيخ الحكامة الجيدة، والمحافظة على البيئة.