قد يصدم الإنسان وربما يصيبه الكمد وهو يتابع تطاول بعض الأقزام على قامات علمية وفكرية خلَّد التاريخُ ذكرها، وشهد القاصي والداني على عبقريتها وسبقها وفضلها.. وقد كان لهول هذا الخطب أن يهونَ لو كان التطاول ممن عرف بالتمكن من علوم الآلات والوسائل وضلَّ في علوم الغايات والمقاصد، أمَا وأن يقع التجنِّي والافتئات ممن عرف بجهله المركب، وفقره المدقع بأبسط المعارف اللغوية والعلمية والتاريخية والثقافية، وممن يحشر أنفه في العلوم الدينية وهو يدخن سيجارة ويحتسي قنينة جعة في حانة، فهذه واحدة من مصائب العصر. وهذا ديدن غير واحد من كتاب الأعمدة والصحفيين في الجرائد الوطنية، من الذين يخوضون طولا وعرضا في النقاش حول أمور شرعية وأبحاث علمية دقيقة، فيتهجمون بشكل سافر على نصوص التراث خدمة للمشروع العلماني، فيجسدون الإسلام في صورة الغلو والتطرف ليخلصوا بعد ذلك إلى الهجوم على الإسلام في ذاته، بالطعن في آيات الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم. فالتهجم على التراث والطعن في السنة لم يتوقفا منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن ورغم كل الجهود المبذولة على المستوى الداخلي والخارجي لإطفاء نور الله فإن الوحي (كتابا وسنة) بقي هو هو، لم يتغير ولم يطله التحريف، فحفظ الله كتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. فبالأمس القريب هاجمت خديجة البيطار صحيح البخاري وألفت كتابها "في نقد البخاري"، وطعن بعدها بوهندي في كتب السنة ودعا إلى تنقيتها من الإسرائيليات، كما هاجم الصحابيَّ الجليل المكثر من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألف كتابا سماه "أكثر أبو هريرة". وقبلهما ألف نصر حامد أبو زيد وحسن حنفي ومحمد أركون وعبد المجيد الشرفي ومحمد عابد الجابري وغيرهم، وادعوا أن تأسيس سلطة الحديث جاءت مع الأصوليين نتيجة صراع أيديولوجي خاص، ومن أجل فرض السيطرة السياسية.. وكتبوا وقالوا أن تفكيك سلطة النص لا يتم إلا بإلغاء مبدأ العصمة، وأن النبوة لا تتطلب ذهنا كاملا بل خيالا خصبا فقط.. وألقوا شبهات عديدة، وقالوا كلاما كثيرا غير ذلك. فبعد كلامهم الطويل هذا؛ والدعم المادي والمعنوي الكبير الذي يحظون به.. ماذا جنوا؟ هل انتشرت أفكارهم؟ هل هجر الناس كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ هل شكوا فيهما؟ هل ضعفت محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل سقطت عصمته؟ هل أحرقت كتب السنة والحديث؟ هل خفت التدين في المجتمع؟ أكيد أن كل ذلك لم يقع ولم يتحقق، بل كلما اشتد تهجم العلمانيين على الدين زاد إقبال الناس عليه.. وما كان لهذا الحق الذي ننعم به اليوم أن يبقى واضحا أبلجا، لولا المدافعة والقيام بواجب البيان، والرد على تحريف الغالين.. وانتحال المبطلين.. وتأويل الجاهلين.. [email protected]