لقد مرّت بالرّسول صلى الله عليه وسلم، عبر مسيرته في الدَّعوة إلى الله عزّ وجلّ، ابتلاءات ومحن كثيرة ومن أعظمها حادث الإفك، الّذي اهتزّ له بيت النّبوّة، واهتزّت له المدينةُ كلّها، وفي هذا الحادث، يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور:11]. قال ابن كثير: "( لا تحسبوه شرا لكم) أي: يا آل أبي بكر (بل هو خير لكم ) أي: في الدنيا والآخرة، لسان صدق في الدنيا ورفعة منازل في الآخرة، وإظهار شرف لهم باعتناء الله بعائشة أم المؤمنين، حيث أنزل الله تعالى براءتها في القرآن العظيم". فظهر من المحنة المنحة ومن العسر اليسر، وظهر من الخير العظيم والنفع العميم من وراء هذا الابتلاء الجسيم. ولعل ومن خيرات محنة الداعية مولاي عمر بن حماد: إقالة حركته له المسماة بالإصلاح والتوحيد من الخيرالذي ينبغي أن يحمد الله عليه، ويدفعه لينظر نظرة متفحصة لحال الحزبية التي لا توالي وتعادي على مبادئ عقدية إيمانية، وإنما الولاء للمصلحة الحزبية والمنافع السياسية، كما قال الشخ بكر أبو زيد – في معرض ذم التخندق الحزبي- في حكم الإنتماء ص 145: "في المعاصرة واقع يشهد باستقلال بعض الفرق بالتمحور حول الذات لا حول الاعتقاد!!". ومن خيرات هذه المحنة: وقوف -فضيلته- على عدم التزام الحزبيين بقاعدتهم القائلة: (نجتمع فيما اتفقنا عليه ويعبر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه) بل الاجتماع عندهم على الإنتفاع الضيق، والنبذ لمجرد ضرر دنيوي غير محقق. ومن خيرات هده المحنة: أنها سبب في تمييز صاحب الحق المنصف من المدعي للمحبة المجحف.كما قال الشاعر: جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريقي وما شكري لها إلا لأني عرفت بها عدوي من صديقي ومن خيرات هذه المحنة: معرفة زمرة العلمانيين تكتل أهل الإيمان لنصرة إخوانهم في الحق، وقد ظهر هدا قبل أيام في محنة الشيخ أبو النعيم وزاد ظهورا في هده المحنة. ومن خيرات هذه المحنة: معرفة الناس لحقيقة العقد الشرعي وما يتعلق به من الأحكام وظهوره للأنام ورفع الريبة والملام. ومن خيرات هذه المحنة: حصول الأجر ورفعة الدرجات روى مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً). ومن خيرات هذه المحنة: أنها تربية للنفس وتوطين لها على بلوغ السمو فيها لهذا اختار الله لأنبيائه وأوليائه المحن الشديدة والمصاعب العديدة لتصقل أنفسهم بها كما يصقل الذهب بالنار. ومن خيرات هذه المحنة: التمكين بعد المحنة كما قيل للإمام الشافعي رحمه الله: "أَيّهما أَفضل: الصَّبر أو المِحنة أو التَّمكين؟ فقال: التَّمكين درجة الأنبياء، ولا يكون التَّمكين إلا بعد المحنة، فإذا امتحن صبر، وإذا صبر مكن". فهذا طرف من خيرات هذه المحنة وغيرها كثير، تجعل السلم يستبصر بالخير الوفير، الذي ينعم به عليه اللطيف الخبير في مثل هذا الوقع العسير.