لما كان لشهر رمضان قدسيته الخاصة في قلب كل مسلم، وجب عليه تنزيهه عن كل ما من شأنه أن يدنس هذه القدسية، فروح الصيام في الإسلام ليست مجرد الابتعاد عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس كما هو متعارف عليه بين الفقهاء، بل إن المسألة أكبر من هذا بكثير، ففي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، بيان إلى أن المقصد هو التقوى، فليس مجرد الامتناع عن المفطرات نهار رمضان هو التقوى المطلوب، بل الوصول بالنفس البشرية إلى درجات عليا عن الأكل والشرب والجماع، فالصوم حبس للنفس عن الرذائل وتربية لها على الفضائل، هذه هي روح الصيام في الإسلام. ومن هنا وحب الحذر من مفسدات الصوم، ليس المفسدة له بالكلية فحسب، بله المنقصة له في الأجر والثواب، كالقول الفاحش ومشاهدة الحرام، وسماعه، وغير ذلك، وحياتنا اليوم صارت حياة إعلامية تؤطرها وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها، فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت ملاذ الناس من هذا الواقع المزدحم بالمتناقضات. والمغرب اليوم يتوفر على مؤسسات إعلامية كثيرة، فوفقا للمعطيات المتاحة بات المغرب وفقا لأحدث المعلومات المتاحة، يحتوي على 27 محطة إذاعية من نوع AM و25 محطة إذاعية من نوع FM، و6 محطات موجة قصيرة، و8 محطات تلفاز. مما يطرح علينا التساؤل التالي: ما موقع الاعلام العمومي في الحفاظ على روحانية شهر الصيام للمغاربة؟ ربما الجواب الأول هو أن قناة السادسة أو قناة محمد السادس للقرآن الكريم، هي قناة مغربية متخصصة في الشؤون الإسلامية؛ من تلاوة القرآن، البرامج، الوثائقيات والمسلسلات الدينية، نعم هذا لا ننكره، لكن بما أن هذا إعلام عمومي مغربي ملك للمغاربة فوجب أن يكون بأكمله منخرطا في إحياء وصيانة فضل هذا الشهر الكريم، وليس قناة السادسة فقط. إن الناظر اليوم للأسف في المادة الإعلامية المعروضة عبر قنوات الإعلام خلال هذا الشهر الكريم يجدها لا تستحضر قدسية هذا الشهر. فما معنى إدراج أعمال مليئة بالمحتوى (الغرامي) الخادش للحياء؟ وما معنى التركيز على الفكاهة وقت ساعة الافطار؟ علما أن كثيرا من النقاد الإعلاميين انتقدوا في أكثر من مناسبة رداءة هذه الأعمال. وما معنى أن تكثر القنوات الإعلامية في هذا الشهر من عرض المادة الإعلانية للمواد الاستهلاكية، فهي بذلك توصل رسالة للمشاهد مفادها التركيز على الاستهلاك وملء مائدة الإفطار بألوان متعددة من الطعام والشراب، في بعد تام عن مقاصد الشريعة في الصيام، وهي رسالة أيضا فيها نوع من توريط الناس في كلفة شرائية لا تناسب مستوى عيش كثر من الأسر المعوزة. إن الواجب على المنابر الإعلامية بمختلف أنواعها وأشكالها الانخراط التام في هذا الشهر الكريم لإيصال مادة إعلامية نقية، عنوانها حفظ حرمة هذا الشهر، وتشجيع الصائمين على القرب من ربهم سبحانه، وذلك بتوحيد المادة الإعلامية من دروس دينية هادفة وتلاوات قرآنية، وبرامج ثقافية وعلمية تناسب لحظة اجتماع الأسرة أمام التلفاز لحظة الافطار وغيرها، فلا يستحيي الأب من مشاركة أسرته المشاهدة كما كان حال التلفزة المغربية في زمان طفولتنا نحن أبناء سنوات الثمانينات من القرن الماضي. وختاما أقول لأرباب الإعلام في هذا الوطن وغيره، إنكم ستسألون أمام الله تعالى يوم القيامة عن كل ما قدمتموه للناس في هذه الوسائل، فأعدوا للسؤال جوابه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم…