هوية بريس – الأربعاء 16 مارس 2016 شبه إباحة المتعة في ضوء الكتاب والسنة منذ إصدار الأستاذ محمد ابن الأزرق الأنجري كتابا حول زواج المتعة، الذي يدعي فيه إباحتها وحليتها عند الصحابة وعلماء السنة وآللأمة الأربعة في العديد من الأقوال، إضافة إلى أنه يفتح باب التناظر والتناقش مع كل من خالفه متحديا ومبرزا لأدلته. ففي المناظرة التي جمعته مع الشيخ الفيزازي يوم السبت 12 مارس 2016، وبصفتي كنت مسيرا لهذه المناظرة، فقد استأسد الأستاذ ابن الأزرق على النقاش وبدى قوي الحجة والبرهان وعلى عكس ذلك بدى الفيزازي ضعيف البيان وقليل القرائن والإثباتات ولعل ذلك من استهانة الفيزازي بخصمه حيث ظهر غير مرتبا لأفكاره وأدلته على غير عادته، ومن هنا تتجلى خطورة ما يذكره الأستاذ ابن الأزرق خصوصا أن جميع ما يستدل به من مصادر سنية، فلهذا كان الأولى أن تقارع الحجة بالحجة والدليل بالدليل بدل اتهامه بالتشيع. فهذا ما دفعني إلى إعادة البحث في المسألة مجددا، باحثا عن اليقين الذي لا يزيله الريب وطالبا النصح لنفسي ولمن حاول كسر إجماع الأمة على تحريم زواج المتعة. أولا: المتعة هي زواج بأجل مؤقت أي تحدد نهايته وقد يطول زمانها أو يقصر وقد ثبت أنه كان جائزا في بداية الإسلام ولا خلاف على ذلك، بحيث جاء تحريمها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية" متفق عليه. واختلف في إباحته ونسخه، يذكر ابن كثير في تفسيره للآية الكريمة "فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى فَآتَوْهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً" (النساء:24)، أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ مرتين وقال أخرون أكثر من ذلك، انتهى كلامه رحمه الله والشاهد عندنا أنهم اختلفوا في عدد المرات التي أبيح فيها. ومن هنا يستدل الأستاذ ابن الأزرق على عدم نسخه مستشهدا بقول ابن العباس رضي الله عنه أنه أباحها للضرورة وعلى هذا يعتمد أنها مباحة بشروط وقيود. إلا أن المشهور أن ابن العباس كان يبيح المتعة لعدم علمه بدليل نسخها وهذا ما ذكره الطبراني عن ابن عباس قال: كانت المتعة في أول الإسلام وكانوا يقرؤون هذه الآية: "فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى"، كان الرجل يقدم البلد ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى أنه يفرغ من حاجته لتحفظ متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الاية: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ…"، ونسخ الأجل وحرمت المتعة وتصديقها في القران: "إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ" فما سوى هذا الفرج حرام. واللفظ لابن عباس والحديث في المعجم الكبير للطبراني وسنن ابن ماجة وفي التمهيد لابن عبد البر إسناده متصل ورجاله ثقات. وذكر النووي في شرح مسلم كتاب النكاح أن هذا فيه دليل وإشارة على أن ابن عباس لم يبلغه نسخها وجاء في صحيح مسلم باب نكاح المتعة عن أبي نضرة قال: عند جابر ابن عبد الله فأتاه أت فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما. شرح صحيح مسلم للنووي ج9 ص:1682. قلت وفي هذا دلالة على أن ابن عباس لم يصله الحديث وفي عهد عمر رضي الله عنه حصل الإجماع وكما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تجتمع أمتي على ضلالة. وأخرج البيهقي من طريق الزهري قال: ما مات ابن عباس حتى رجع عن هذه الفتوى وذكره أبو عرافة في صحيحه. ج3 ص:22. و من الأدلة كذلك على النسخ قول الله تعالى: "فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" (النساء:4) وهي سورة مدنية ليس فيها منسوخ. فأين المتعة في ذلك ولو كانت حلالا لذكرها الله تعالى في الاية. وأما الأحاديث الدالة على تحريم المتعة ونسخها فهي كثيرة، فقد بوب البخاري في صحيحه بابا أسماه "نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة أخيرا"، وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: قوله باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة أخيرا يفهم منه أنه كان مباحا وأن النهي عنه وقع في أخر الأمر. وقد أورد الحديث ابن حجر رحمه الله. وعن الربيع ابن سبرة الجهني أن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيها الناس! إني كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع من النساء. وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما أتيتموهن شيئا" رواه مسلم في صحيحه. وفي هذا الحديث الصحيح الصريح بيان للتحريم المطلق يقول الإمام النووي في شرح مسلم باب نكاح المتعة: وبيان أنه أبيح ثم نسخ تعقيبا على الحديث: وفي هذا الحديث التصريح بالمنسوخ والناسخ في حديث واحد من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كحديث "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"، وفي التصريح بتحريم نكاح المتعة إلى يوم القيامة وأنه يتعين تأويل قوله في الحديث السابق أنهم كانوا يتمتعون إلى عهد أبي بكر وعمر على أنهم لم يبلغهم الناسخ كما سبق. وجاء في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من حديث سبرة الجهني عن أبيه عن جده قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها"، وفي هذا دليل صريح كذلك بتحريمها. وأما ما ينقل في الاية الكريمة "فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتَوْهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً" (نساء:24)، حيث يستشهد الأستاذ ابن الأزرق بهذه الآية ناقلا ما يروى عن الإمام أحمد وابن عباس أنهم يقرؤون: "فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى فَآتَوْهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً". ويقصدون بذلك المتعة يقول ابن كثير في تفسيره الآية الكريمة: الجمهور على خلاف ذلك والعمدة ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمراء الأهلية يوم خيبر"، وأما ما يذكر عن ابن عباس فقد قال أبو بكر ابن العربي في الأحكام: "ولم يصح ذلك عنهما فلا تلتفتوا إليه" وقول الله تعالى: "فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ" يعني بالنكاح الصحيح"، أي الزواج. وأما أقوال الفقهاء والعلماء ففيها إجماع وجب الإلزام به والإجماع مصدر من مصادر التحريم وإن كان الأستاذ ابن الأزرق لا يقبل ذلك بحجة أن الإمام أحمد قال: من ادعى الإجماع فهو كاذب. وهذا قول حمله أهل العلم على أوجه ولا يمكن الاحتجاج به. أولا: أنه قال ذلك من باب الورع لجواز أن يكون هناك خلاف لم يبلغه، أو أنه قال ذلك في حق من ليس له معرفة بخلاف السلف. ثانيا: لأن الإمام أحمد نقل عنه الإجماع في أكثر من موضع. ثالثا: إن الإجماع حجة بل اعتبره العلماء مصدرا للتشريع بعد الكتاب والسنة كما ذكر ذلك الإمام الشافعي في الرسالة ص:39 وقال ابن تيمية: "إذا قلنا الكتاب والسنة والإجماع فمدلول الثلاثة واحد"، مجموع الفتاوى 40 ج7. فالإجماع حجة من الحجج المعتمدة ومن ذلك نذكر ما ذكره العلماء في تحريم المتعة: قال الإمام ابن المنذر: جاء عن الأوائل الرخصة فيها ولا أعلم اليوم أحد يجيزها إلا بعض الرافضة. فتح الباري ج9 ص173، وقال القاضي عياض: ثم وقع الإجماع إلا من بعض الشيعة وقال رحمه الله في موضع أخر إنها الزنا بعينه، وقال القرطبي: "الروايات كلها متفقة على أن زمن إباحة المتعة لم يطل وأنه حرم ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها إلا من لا يتفق إليه من الروافض" الجامع لأحكام القران ج5 ص87، كما أورد البيهقي عن جعفر ابن محمد أنه سئل عن المتعة فقال هي الزنا بعينه" السنن الكبرى ج207، ويروى عن عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه قال: المتعة هي أخت الزنا. ولعل هذه الأدلة كافية للتبيين للمسلم على حرمة المتعة إلى يوم القيامة وليس لأحد أن يقول شيء مع غزارة الأدلة بالتحريم ولو اتسع المقام لأوسعت أكثر مما ذكرناه. وأخيرا نطرح السؤال هل المتعة حل لمشاكل الزنا والفساد كما يذكر الأستاذ ابن الأزرق في كتابه ؟ فمن العجب العجاب أن تكون المتعة التي لا يريدها المسلم لأمه أو أخته أو ابنته حل للمشاكل الجنسية فالنبي صلى الله عليه وسلم لما جاء عنده شاب يطلب منه أن يزني! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أترضاه لأمك أو أختك".. فأقنعه عليه الصلاة والسلام بتجنب الزنا ونفس الشيء ينطبق على زواج المتعة من باب القياس. ومن جهة أخرى هل المتعة ستحفظ الأنساب وأحكام الزواج؟ لأن المتعة لا تتعلق بها الأحكام الواردة في القران بصدد الزواج ومن ذلك الطلاق والعدة والميراث فيكون بذلك نكاح المتعة باطلا، يقول الزقاني في شرح الموطأ: نكاح المتعة وهي النكاح لأجل معلوم أو مجهول كقدوم زيد سميت بذلك لأجل الغرض منها مجرد التمتع دون التوالد وغيره من أغراض النكاح وهو المعتمد عند مالك تحريمها. شرح الزرقاني على موطأ مالك ج3 ص194. ومن هنا يمكنني القول اجتمعت كل الأدلة على تحريمها وضحد كل الشبه التي ذكرها الأستاذ الأزرق سواء في مناظرته مع الفيزازي وكذلك في كتابه، فاللهم أرينا الحق حقا ورزقنا إتباعه والحمد لله ربي العالمين.