الجزائر و"الريف المغربي" .. عمل استفزازي إضافي أم تكتيك دفاعي؟    حقوقيون مغاربيون يحملون الجزائر مسؤولية الانتهاكات في مخيمات تندوف        لفتيت يستعرض التدابير الاستباقية لمواجهة الآثار السلبية لموجات البرد    الاتحاد الأوروبي يمنح المغرب 190 مليون أورو لإعادة بناء المناطق المتضررة من زلزال الحوز    تعزيز وتقوية التعاون الأمني يجمع الحموشي بالمديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية    الرجاء والجيش يلتقيان تحت الضغط    في سابقة له.. طواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية يعبر صحراء الربع الخالي    الوالي التازي يترأس لجنة تتبع إنجاز مشروع مدينة محمد السادس "طنجة تيك"    السكوري يلتقي الفرق البرلمانية بخصوص تعديلات مشروع قانون الإضراب    الإنترنت.. معدل انتشار قياسي بلغ 112,7 في المائة عند متم شتنبر    المدعو ولد الشنوية يعجز عن إيجاد محامي يترافع عنه.. تفاصيل مثيرة عن أولى جلسات المحاكمة    ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء الحسيمة    لاعبتان من الجيش في تشكيل العصبة    تكريم منظمة مغربية في مؤتمر دولي    ليبيا: مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي يجدد التأكيد على أهمية مسلسلي الصخيرات وبوزنيقة    "البيجيدي": الشرعي تجاوز الخطوط الحمراء بمقاله المتماهي مع الصهاينة وينبغي متابعته قانونيا    غرق مركب سياحي في مصر يحمل 45 شخصاً مع استمرار البحث عن المفقودين    حموشي يستقبل المديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية بالرباط    المغرب يفقد 12 مركزاً في مؤشر السياحة.. هل يحتاج إلى خارطة طريق جديدة؟    ريال مدريد يعلن غياب فينسيوس بسبب الإصابة    «الأيام الرمادية» يفوز بالجائزة الكبرى للمسابقة الوطنية بالدورة 13 لمهرجان طنجة للفيلم    في لقاء عرف تفاعلا كبيرا .. «المجتمع» محور لقاء استضافت خلاله ثانوية بدر التأهيلية بأكادير الكاتب والروائي عبد القادر الشاوي    تكريم الكاتب والاعلامي عبد الرحيم عاشر بالمهرجان الدولي للفيلم القصير بطنجة    بعد رفض المحامين الدفاع عنه.. تأجيل محاكمة "ولد الشينوية"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    استئنافية فاس تؤجل محاكمة حامي الدين إلى يناير المقبل    نقابة تنبه إلى تفشي العنف الاقتصادي ضد النساء العاملات وتطالب بسياسات عمومية تضمن الحماية لهن    العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي        إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون        استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاصد الزواج وسبل تيسيره للشباب
نشر في هوية بريس يوم 07 - 07 - 2022


هوية بريس-د. الحسين الموس
خلق الله الإنسان من نفس واحدة ثم خلق منها زوجها ليسكن إليها، واستمرت الحياة عن طريق الزواج الشرعي، القائم على السنة الفطرية المتمثلة في العلاقة بين رجل وامرأة في إطار ميثاق غليظ وعقد متين يربط بينهما. وهذا البحث محاولة لبسط بعض مقاصد الزواج وسبل تحفيز الشباب على الاقبال عليه.
أولا: مقاصد الزواج وحكمه:
وإن مما يُرغِب الشباب في الإقبال على الزواج أن يعلموا بعض مقاصده وغاياته المرجوة منه، والتي نذكر منها:
* الزواج مصدر للسكينة والمودة : فالزواج يحقق نوعا من السكينة بين الزوجين، ويطمئن أحدهما في علاقته بالآخر، قال سبحانه وتعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون). فهي سكينة ومودة ورحمة تضفي بهاء على النفس البشرية. ونظرا لأهمية هذا المقصد فقد حرص الأنبياء والصالحون على الزواج، قال سبحانه وتعالى: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما).
* الزواج حصن للفرد من نزعات الشيطان ووسوته: من مقاصد الزواج أيضا أنه يُمكن الفرد من تصريف الغريزة الجنسية في الحلال، ويُحصنه من وساوس الشيطان ونزغاته. وقد سمى الله تعالى المقبلين على الزواج الشرعي بأنهم يطلبون التحصين: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ) [النساء: 24]. والحصن في اللغة هو القلعة المحيطة بالبنيان والتي تحمي من غارات الأعداء. وهكذا فعندما يتزوج الشاب فإنه يضع نفسه في حصن حصين، يحميه من ضغط الشهوة والغريزة. روى البخاري عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بِمِنًى، فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ فَقَامَ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَا نُزَوِّجُكَ جَارِيَةً شَابَّةً لَعَلَّهَا تُذَكِّرُكَ بَعْضَ مَا مَضَى مِنْ زَمَانِكَ، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ لَقَدْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ » ". وإذا كان الشارع قد اكتفى بالوازع الجبلي في إقبال المكلفين على الزواج، فإن علماء المقاصد يرون أن الزواج قد يصبح واجبا في حق القادر على تكاليفه والذي يخشى على نفسه الوقوع في المعصية. قال المازري: "الذي نطق به مذهب مالك أنه مندوب، وقد يجب عندنا في حق من لا ينكف عن الزنا إلا به". ولا سبيل لتحصين الفروج والدخول في زمرة المفلحين إلا بالإقبال على الزواج.
* الزواج حصن للمجتمع: ومن جهة أخرى فإن الزواج حصن ليس فقط للأفراد بل للمجتمع كله، يقيه من الشذوذ ومن الأمراض الفتاكة المتنقلة جنسيا، والتي تنتقل عند وجود علاقات متعددة غير قائمة على الزواج الشرعي. وهكذا فالزواج قضية مجتمع برمته، إذا أهمل تيسير الإقبال عليه، وتخاذل في حض الشباب عليه فإنه يتضرر بما يقع من أمراض فتاكة، ومن لقطاء لا يجدون الحضن السليم لتربيتهم. قال تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء: 27].
* الزواج تعود على تحمل المسؤولية: ومن مقاصد الزواج أيضا أنه يُعود الإنسان على الشعور بالمسؤولية والتفاني في تحملها والقيام بأعبائها. ولأجل هذا نوه الإسلام بشأن الزواج لما له من مكانة سامية في حياة الفرد والأسرة والأمة وجعله ميثاقا غليظا، فهو الخلية الأولى التي تتكون منه الأسرة، وفي ظله ينمو الأفراد نمواً سليما بفضل تعاون الزوجين وتكاملهما. وقد نصّت مدونة الأسرة المغربية على أنَّ: "الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين".
* الزواج أصل في حفظ النسل ورعايته: من مقاصد الزواج أيضاً أن به يستمر النسل، ويُحضن في إطار دفئ أسري، يوفر له الحنان والرعاية. وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوج الولود فقال: "تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ". وبين عليه السلام الأجر الذي يناله من اجتهد في حسن تربية وتعليم من يرعاهم من الأطفال. روى أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: « مَنْ كان له ثلاثُ بَنَاتٍ، أو ثَلاثُ أخواتٍ، أو بِنْتانِ، أو أختان، فأحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ، واتَّقَى الله فيهنَّ، فله الجنة ». وفي رواية أخرى لأبي داود قال: « من عال ثلاث بناتٍ، أو ثلاثَ أخواتٍ، أو أختين، أو ابنتين، فأدَّبَهُنَّ وأحسن إليهن وزَوَّجَهُنَّ، فله الجنة ».
محفزات الإقبال على الزواج :
إذا كان لمعرفة مقاصد الزواج شأن مهم في التشجيع عليه، فإنه بالإضافة إلى ذلك لابد من تظافر جهود المجتمع والأسر في تذليل العقبات التي تقف دون إقبال الشباب عليه. ولذلك أمر الله تعالى بتيسيره والإعانة عليه فقال سبحانه: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور: 32]. قال ابن عاشور: "أردفت أوامر العفاف بالإرشاد إلى ما يعين عليه ويعف نفوس المؤمنين والمؤمنات ويغض من أبصارهم، فأمر الأولياء بأن يزوجوا أياماهم ولا يتركوهن متأيمات"[1] . والآية أصل في فتح ذرائع الزواج وتيسير وسائله، وما يلفت النظر فيها أنها حثت على تزويج كل من لا زوج له ولم تكتف بالأحرار والسادة، فالغريزة الموجودة عندهم واحدة ولابد من تلبيتها بطريق مشروع ليبتعدوا عن الحرام.
وأكدت السنة النبوية التوجيه القرآني فحثت على الزواج وعلى التزويج. روى البخاري عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بِمِنًى فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ فَقَامَ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَا نُزَوِّجُكَ جَارِيَةً شَابَّةً لَعَلَّهَا تُذَكِّرُكَ بَعْضَ مَا مَضَى مِنْ زَمَانِكَ، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ لَقَدْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ …. »"[2]. وهناك رواية أخرى لمسلم تُفيد أن عبد الله بن مسعود ذكر الحديث من أجل ترغيب علقمة وغيره من الشباب في الزواج: « عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعَمِّي عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: وَأَنَا شَابٌّ يَوْمَئِذٍ فَذَكَرَ حَدِيثًا رُئِيتُ أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ مِنْ أَجْلِي» .
ومن المحفزات المطلوبة والمعينة على الزواج:
التخفيف من تكاليف الزواج ومؤنه:
إن ممّا يصرف بعض الشباب عن الزواج مع رغبتهم فيه وحاجتهم إليه ما يرونه فيمن سبقهم إليه من حيث غلاء المهور، وارتفاع تكاليف تجهيز العروس وإقامة حفل العرس. ولذلك لابد من حملات دعوية قصد الترغيب في التقليل من المهور، والاكتفاء بالحد الأدنى من التكاليف ومراعاة الإمكانيات المادية للخاطب. روى الإمام أحمد عن عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً ». وقد هم عمر رضي الله عنه بالنهي عن المغالات في مهور النساء لكنه تراجع عن ذلك.
وينبغي أن يرى الشباب قدوات في القبول باليسير في المهور ومن كل ما له علاقة بإقامة الزواج. روى الإمام أحمد هذه القصة: عَنْ رَبِيعَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَبِيعَةُ أَلَا تَزَوَّجُ، قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مَا عِنْدِي مَا يُقِيمُ الْمَرْأَةَ وَمَا أُحِبُّ أَنْ يَشْغَلَنِي عَنْكَ شَيْءٌ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَخَدَمْتُهُ مَا خَدَمْتُهُ، ثُمَّ قَالَ لِي الثَّانِيَةَ: يَا رَبِيعَةُ أَلَا تَزَوَّجُ، فَقُلْتُ: مَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مَا عِنْدِي مَا يُقِيمُ الْمَرْأَةَ وَمَا أُحِبُّ أَنْ يَشْغَلَنِي عَنْكَ شَيْءٌ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُصْلِحُنِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَعْلَمُ مِنِّي، وَاللَّهِ لَئِنْ قَالَ تَزَوَّجْ لَأَقُولَنَّ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي بِمَا شِئْتَ، قَالَ: فَقَالَ: يَا رَبِيعَةُ أَلَا تَزَوَّجُ، فَقُلْتُ: بَلَى مُرْنِي بِمَا شِئْتَ، قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى آلِ فُلَانٍ حَيٍّ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ فِيهِمْ تَرَاخٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُزَوِّجُونِي فُلَانَةَ، لِامْرَأَةٍ مِنْهُمْ، فَذَهَبْتُ فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُزَوِّجُونِي فُلَانَةَ، فَقَالُوا: مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللَّهِ وَبِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَاللَّهِ لَا يَرْجِعُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِحَاجَتِهِ، فَزَوَّجُونِي وَأَلْطَفُونِي وَمَا سَأَلُونِي الْبَيِّنَةَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَزِينًا فَقَالَ لِي مَا لَكَ يَا رَبِيعَةُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْتُ قَوْمًا كِرَامًا فَزَوَّجُونِي وَأَكْرَمُونِي وَأَلْطَفُونِي، وَمَا سَأَلُونِي بَيِّنَةً وَلَيْسَ عِنْدِي صَدَاقٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ اجْمَعُوا لَهُ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: فَجَمَعُوا لِي وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَخَذْتُ مَا جَمَعُوا لِي فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اذْهَبْ بِهَذَا إِلَيْهِمْ فَقُلْ: هَذَا صَدَاقُهَا، فَأَتَيْتُهُمْ فَقُلْتُ: هَذَا صَدَاقُهَا، فَرَضُوهُ وَقَبِلُوهُ، وَقَالُوا: كَثِيرٌ طَيِّبٌ. قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَزِينًا، فَقَالَ: يَا رَبِيعَةُ مَا لَكَ حَزِينٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ قَوْمًا أَكْرَمَ مِنْهُمْ، رَضُوا بِمَا آتَيْتُهُمْ وَأَحْسَنُوا، وَقَالُوا: كَثِيرًا طَيِّبًا، وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أُولِمُ، قَالَ: يَا بُرَيْدَةُ اجْمَعُوا لَهُ شَاةً، قَالَ: فَجَمَعُوا لِي كَبْشًا عَظِيمًا سَمِينًا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبْ إِلَى عَائِشَةَ فَقُلْ لَهَا فَلْتَبْعَثْ بِالْمِكْتَلِ الَّذِي فِيهِ الطَّعَامُ، قَالَ: فَأَتَيْتُهَا، فَقُلْتُ لَهَا مَا أَمَرَنِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: هَذَا الْمِكْتَلُ فِيهِ تِسْعُ آصُعِ شَعِيرٍ، لَا وَاللَّهِ إِنْ أَصْبَحَ لَنَا طَعَامٌ غَيْرُهُ، خُذْهُ، فَأَخَذْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرْتُهُ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ: اذْهَبْ بِهَذَا إِلَيْهِمْ، فَقُلْ لِيُصْبِحْ هَذَا عِنْدَكُمْ خُبْزًا، فَذَهَبْتُ إِلَيْهِمْ وَذَهَبْتُ بِالْكَبْشِ وَمَعِي أُنَاسٌ مِنْ أَسْلَمَ، فَقَالَ: لِيُصْبِحْ هَذَا عِنْدَكُمْ خُبْزًا، وَهَذَا طَبِيخًا، فَقَالُوا: أَمَّا الْخُبْزُ فَسَنَكْفِيكُمُوهُ، وَأَمَّا الْكَبْشُ فَاكْفُونَا أَنْتُمْ، فَأَخَذْنَا الْكَبْشَ أَنَا وَأُنَاسٌ مِنْ أَسْلَمَ، فَذَبَحْنَاهُ وَسَلَخْنَاهُ وَطَبَخْنَاهُ، فَأَصْبَحَ عِنْدَنَا خُبْزٌ وَلَحْمٌ، فَأَوْلَمْتُ وَدَعَوْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إن الله تعالى جعل الغنى في الزواج، فكم من شاب تزوج ففتح الله عليه، وأقبل على الحياة واستشعر المسؤولية فشمر في طلب الرزق. وقد نقل القرطبي عن ابن مسعود في قوله تعالى: ( إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) "التمسوا الغنى في النكاح وتلا هذه الآية". وقال عمر رضي الله عنه: عجبا ممن لا يطلب الغنى في النكاح وقد قال الله تعالى : (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله). وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ: ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَاف".
مساعدة الأسر لأبنائهم وتيسير زواجهم:
مما ييسر الزواج ألا يقف الآباء عقبة دون زواج أبنائهن أو بناتهن. فالبر المطلوب لا يعني تحكم الآباء أو الأمهات في حياة أبنائهم الخاصة، ولا الاعتراض على من يرضونه زوجا لهم أو لهن. إن الدين يحرض على العفة وعلى كل وسائلها المشروعة وفي مقدمتها الزواج. روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ". فإذا مُنع الشباب الصالح الخلوق من الزواج فإنه يدفع إلى الفاحشة أو الزنا ، كما أن الفتاة التي بلغت سن الرشد والزواج ولا تزوج يخشى عليها من الوقوع في المعصية والحرام. روى ابن ماجه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ".
قيام الدولة والمؤسسات المدنية بحملات تحفيزية:
ومن المحفزات التي ينبغي أن ينخرط فيها المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية أن توضع حوافز مادّية تشجيعية للشباب المقبل على الزواج. ويمكن في سبيل ذلك أن توضع منح للموظف والعامل عندما يتزوج لأول مرة، أو تقدم قروض دون فائدة لتيسير إقامة العقد وتوفير مستحقاته، كما يمكن لجمعيات المجتمع المدني أن تنظم أعراس جماعية خاصة لليتامى وذوي الدخل المحدود تخفف عنهم تكاليف الموثق العدلي، وكراء قاعة لحفلة العرس وغيرها من المتطلبات.


[1] التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج 18، ص 215.
[2] صحيح مسلم ، كتاب النكاح ، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ، حديث رقم 1400 ، ص 826 ، ج 2 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.