في ضوء عناية ملك البلاد محمد السادس بالحديث النبوي الشريف، تم إحداث منصة محمد السادس للحديث النبوي و التي جاءت حسب البيان الذي ألقاه وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية امتدادا لرعاية ملوك الدولة العلوية و عنايتهم و لتعلق المغاربة علماء و عامة بحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و دفع الشبه عنه. و تفاعلا مع البيان الوزاري،أشير إلى بعض المسائل الآتية: المسألة الأولى: القرآن و السنة المشرفة مصدران لمعرفة الإسلام: "المرجع في معرفة الإسلام أصلان أو مصدران، هما القرآن والحديث، فالقرآن هو الكتاب المنزل، والحديث هو أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله والأمور التي أقرها أو تركها في حياته أثناء أداء رسالته".1 يحاول البيان من خلال هذه المسألة الأولى ،قطع الطريق على جميع الدعاوى التي تحاول فصل الأمة عن الحديث النبوي ،بل يوجه رسالة واضحة لأهل التشويش و التشغيب و التدليس العلمي ممن يصدعون الرؤوس و يلبسون على الناس،بدعوى الاعتماد على القرآن العظيم وحده دون السنة المشرفة لاستخلاص الأحكام الشرعية ،متجاهلين عمدا أمر القرآن العظيم بطاعة الرسول صلى الله عليه و سلم،فما طاعة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا اتباع سنته كما وصلت إلينا مصححة من قبل علماء الحديث أهل الفن. المسألة الثانية: علماء الحديث و دورهم التاريخي: تناول البيان بايجاز قصة تدوين الحديث النبوي الشريف،كما أشاد بدور أهل الحديث في ابتكار منهج علمي صارم لغربلة الروايات و نخلها،إذ جاء فيه : "أما الحديث فقد سمع الصحابة، رضوان الله عليهم، سمعوا رسول الله يقول أقوالا ورأوه يفعل أفعالا ويقر أمورا، وكان لهم الاهتمام الشديد بكل ما يقوله ويفعله، محبة فيه وإعجابا به وحرصا على تسديد دينهم وإكماله باتباعه واتخاذه أسوة لهم كما وجههم القرآن إلى ذلك، ولولا هذا الاعتبار لصعب أن تُحفظ أقوال شخص بعد وفاته ولو بجيل واحد. والذي وقع هو أن الصحابةَ ثم التابعين وتابعي التابعين بعدهم، قد حفظوا السنة أقوالا وأفعالا في ذاكرتهم، وتناقلها بعضهم عن بعض، وقد وقعت وقائع عظيمة في تاريخ المسلمين في مدة قرن ونصف بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه السلام، وقائع تميزت على الخصوص بانتشار الإسلام في بيئات بشرية وجغرافية وثقافية متنوعة، كما وقعت في هذه المدة تطورات سياسية واجتماعية مفعمة بحمولات انفعالية واكبت وقوع خلافات وقيام فرق وأحزاب ونشوب صراعات عنيفة، وفي تصور مثل هذا السياق يمكن لكل منطق سليم أن يتصور ما يمكن أن يكون قد وقع من الضغط على ذاكرة الجمهور بخصوص الحديث النبوي، حفظا وتلقيا وتأويلا واحتياجا في أوساط المسلمين. تحت هذه الضغوط التاريخية تصدى فضلاء من علماء الأمة للقيام بمشروع تدوين ما بدأ يطرح نفسه على مستوى الوعي كأصل ثان للدين أحكامه وأخلاقه وهو الحديث الذي صار من المستعجل البحث عنه. كان جل من تصدوا لهذا المشروع من العجم مثل البخاري الذي كان من سمرقند في أوزبكستان الحالية، وكان عدد ممن كان يُطلب عندهم الحديث من العرب قد استقروا في البلاد الأخرى التي دخل إليها الإسلام. ووفق الله أفاضل العلماء إلى تحقيق هذه الكرامة العظمى، وهي التدوين في كتب سميت بالصحاح والمساند والسنن، بين منتصف القرن الثاني ونهاية القرن الثالث للهجرة. وقد تم جمع الحديث وتدوينه بمنهج لم يسبق له مثيل في تاريخ الفكر إلى ذلك الوقت، وذلك من حيث الحجم والمجهود المطلوب وغنى المضمون وخطورته وصرامة التعامل معه، منهج مبني على النقد بفحص الثقة والمصداقية لمواجهة آثار أهل الأهواء والمصالح، مشروع أسفر عن قيام علم كامل اختص به المسلمون هو "علم الحديث". كان همُّ هؤلاء الأئمة المدونين أن يميزوا في ما يُروى بين الحديث الصحيح والحسن والضعيف والسقيم. ووضعوا مصطلحا بالنسبة للرواة وآخر بالنسبة لطبيعة المتن والثالث في ما يتعلق بخصوصيات تتعلق بالمتن أو بالإسناد، وآخر لمقبولية الحديث، ولم يكتفوا بالبحث في مصداقية الرواة بل حرصوا على بيان ظروف النقل وطرقه."2 يفهم من البيان الوزاري أن الحديث النبوي الشريف جمع و دون وفق قواعد علمية صارمة،شهد لها أهل الغرب بالعلمية و التفوق عن غيرها و الحق يزداد توهجه بشهادة المخالف . إذ يقول المستشرق صامويل مارجليوث :" ليفتخر المسلمون ما شاؤوا بعلم حديثهم " ، و من شدة إعجاب الباحث المسيحي أسد رستم بصنيع المحدثين يقر أن طريقتهم " طريقة علمية حديثة : لتصحيح الأخبار والروايات " . و ليس الهدف استقصاء أقوال الغربيين ،فما قرره علماء الاسلام في هذا الباب كاف شاف،و لكن فقط تنويرا لأذهان القراء،و تأكيدا على أن القواعد الذي اعتمدت في ضبط الحديث النبوي بلغت درجة عالية من الضبط و الدقة جعلت المخالف قبل الموافق يذعن لها، وذلك بفضل جهود علماء الإسلام عجما و عربا الذين شيدوا منهجا أثر في العلوم الأخرى،حتى اقتبس منه أهل التاريخ و أهل الأدب لتوثيق أخبارهم و نقلها. و قد خص البيان الإمام البخاري رحمه الله بالذكر ،لوسمه كتابه بالصحيح،رغم أن شيوخ شيوخه كالامام مالك رحمه الله لم يصرح بذلك وإن بلغت أحاديثه القمة في الصحة،حتى وصف الإمام البخاري ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر بسلسلة الذهب،فرضي الله عن الجميع. لذلك فالطعن في الإمام البخاري رحمه الله هو طعن في نقلة السنة و الحديث من الصحابة إلى يومنا هذا . و هذا الايراد في نظرنا ليس عبثا،بل تنبيها لمن يحاول النيل من هذه القامة العلمية السامقة،فالامام البخاري محفوظ قدره قديما و حديثا سواء من السلاطين و العلماء و العوام. أما نقد عمله فقد تصدى له حفاظ هذه الأمة قديما مثل الدارقطني و غيره و حديثا من المشتغلين بالحديث الذين يخضعون كتابه للنقد و الدراسة وفق قواعد المحدثين،مع الاشارة أن مختلف الانتقادات التي وجهت للبخاري من المتخصصين ناقشت منهجه الذي سطره دون صحة الأحاديث أو ردها،و هذا النقد العلمي البناء سيبقى بابه مفتوحا إذ صدر من أهله. المسألة الثالثة: خطورة التعامل مع الحديث إلا بالعلم: كان البيان الوزاري واضحا في كون التعامل مع الأحاديث دون الرجوع لأهل الفقه و الفهم يؤدي بصاحبه إلى المهالك،فالروايات تحتاج دوما لمن عنده علم بالعلوم الشرعية ليستطيع فهمها و تنزيلها و بيانها حتى لا يستشهد بها في سياقات خاطئة أو تستعمل في غير محلها و هذا الصنيع جلي في العهود الأولى إذ "حمد المسلمون لهؤلاء الأئمة الرواد عملهم واستفادوا منه في حياتهم باختلاف أبوابه، سواء تعلق الأمر بالعبادات أو المعاملات أو الأخلاق أو بالأمور الأخرى التي تناولها الحديث، ولكن الذي حض عليه ورع أهل التقوى هو الرجوع في هذا العلم إلى أهله الذين يفتون به في ضوء القرآن ومقابلة الحديث بالحديث وغير هذين من المعايير، غير أن هذا الورع لم يكن حاضرا في كل الأحوال، إذ استعمل الحديث غير العلماء بل واستعمله أهل الفرق والأهواء لأغراضهم."3 أقول:يشير البيان في هذه المسألة إلى أنه لا يخلو زمان أو مكان من صيارفة و جهابذة يتقنون جميع العلوم الحافة بالحديث الشريف كعلم الرجال،و الجرح و التعديل و ما يخص الرواية ،و كذلك ما يخص الدراية،و التي يقصد بها فقه الحديث و هذا الأخير فقه خاص يتعلق بالنظر في الحديث الشريف من جهة الإعمال و التنزيل و البيان ،فقد يصح الحديث عند الفقيه و لا يعمله لتبوث معارض عنده ،أو خصوصية في حكمه أو غيرها منها الموجهات التي يستصحبها الفقهاء عند استنباط الحكم الشرعي و لكن للأسف حينما كلت الهمم،و ظهرت نابثة تهجم عن الحديث النبوي متجاهلة لآلة أصول الفقه فضلت و أضلت ،نسأل الله العافية.،و نستحضر هنا ما حكاه العالم المغربي الأندلسي البربري الأصل راوية الموطأ يحيى بن يحيى الليثى المتوفى سنة 234 ه؛الذي وصفه مالك ب"عاقل الأندلس"،لما كان يختلف إلى شيخيه ابن المصريين ابن القاسم و ابن وهب المسألة الرابعة: جهود المغاربة في خدمة الحديث الشريف إن تعلق المغاربة بالحديث النبوي و صاحبه صلى الله عليه و سلم،يعرفه كل من درس التاريخ أو خبر الأحوال أو ألقى السمع و هو شهيد،فتراثنا سواء في التأليف أو المديح غني، معرف لا يحتاج لبيان أو تدليل ، حيث أن "المغاربة من أشد الناس حرصا على العناية بالحديث، وتجلى اهتمامهم في جوانب كثيرة منها الرحلة للتلقي ووضع المصنفات والشروح والاختصاص ببعض الأسانيد والاحتفال الرسمي والشعبي بختم البخاري ووضع كتب تجمع بين الصحيحين ووضع مختصرات وترتيب قراءات لتوعية الناس بمكانة الحديث كقراءة كتاب الشفاء للقاضي عياض. وكانت هذه العناية حاضرة لاسيما في عهد الدولة العلوية. وقد كانت الدروس الحديثية في حضرة السلطان سيدي محمد بن يوسف بمثابة تمهيد الدروس الحسنية."4 و من خلال هذا التعلق المغربي بحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم جاءت هذه المبادرة التي تؤكد مكانة الحديث النبوي في قلوب المغاربة ملكا و شعبا، و ليس غريبا هذا كما أسلفت فهو مما بايع عليه المغاربة،إذ حفظ الدين من المهام الملقاة على عاتق أمير المؤمنين حفظه الله كما أكد ذلك البيان. شخصيا،أعتبر أن هذه رسالة تنبيه لأهل الطعن و دعاة الاجتهاد المنفلت و التنوير ليراجعوا أنفسهم، و إعلاء لشرف أهل الحديث على رأسهم الإمام البخاري الذي ذكر مرارا في البيان إلى جوار الإمام مالك رضي الله عنهم. و مما نختتم به تعليقنا على هذه المبادرة الملكية ،أن الحديث النبوي الشريف،شكل و ما زال يشكل شخصية المسلم عقيدة و سلوكا و أخلاقا،و ما التأسي بسيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم المطلوب في القرآن العظيم،إلا تجسيد لتلك المحبة التي تأخذ بقلب المسلم و تربطه بالجناب النبوي الشريف،فمحبته عليه الصلاة و السلام من الإيمان ،كما جاء في حديث سيدنا عمر رضي الله عنه في الصحيح :"عن عبدالله بن هشام رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك))، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الآن يا عمر)). و تتويجا لما سبق، نؤكد أن الحديث النبوي بصم عقلية المسلم و صاغها صياغة تتماشى مع تدينه و عبادته و خلقه معاملته،و هذه البصمة النبوية ستبقى تؤتي ثماها بجانب الأنوار القرآن الكريم إلى أن يرث الله الارض و من عليها بالرغم من كيد الكائدين و حسد الحاسدين ،و تداعي الأمم على أمة الاسلام. . 1؛2؛3؛4… من الكلمة التي ألقاها وزير الأوقاف ،مع تصرف يسير في الاحالة 3